ثمة أناسٌ ينفحون من عطر الحضور عطرا يملأ الفضاء !
قلوبهم خلاياها عارفة بجلال الله ، تتدلى من أغصانها ثمار " الخشية "
حيثما حلوا حلت معهم أغذية الأرواح !
يقول مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ : قَدِمْتُ قُدْمَةً مَكَّةَ ، فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ فِي السَّحَرِ إِذَا النَّاسُ يَقُولُونَ : قد جاء ! قَدْ جَاءَ الْعَنْبَرِيُّ الزَّاهِدُ ، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ جَافُّ الْمَنْظَرِ، دَخَلَ الطَّوَافَ ، فَطَافَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ، وَرَكَعَ خَلْفَ الْمَقَامِ ، ثُمَّ أَتَى الْمُلْتَزَمَ ، فَرَفَعَ يَدَهُ ، وَهُوَ يَقُولُ :
سُبْحَانَ رَاحِمِ رَنَّةِ الْبَاكِينَ ، وَقَابِلِ التَّوْبَةِ ، وَالْمُتَفَضِّلِ بِهَا عَلَى الْمُسْرِفِينَ ، الَّذِينَ أَفَاضَ عَلَيْهُمْ مِنْ سُيُوبِ تَفَضُّلِهِ ، وَأَهْطَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَمَاءِ بَذْلِهِ ، وَفَوَائِدِ نِعَمِهِ ، وَجَزِيلِ إِحْسَانِهِ ! مَا عَجَزَتِ الْبَرِيَّةُ عَنْ شُكْرِهِ ، وَالْقِيَامِ بِأَدَاءِ حَقِّهِ إِلا بِمَعُونَتِهِ . سُبْحَانَ الَّذِي لا يَمْنَعُ الْعِبَادَ أَسْبَابَ التَّوْبَةِ ، وَلَمْ يُعَيِّرْهُمْ لَمَّا أَنَابُوا إِلَيْهِ بِمَا أَجْرَمُوا مِنَ الْحَوْبَةِ ، وَلَمْ يَعْجَلْ عَلَيْهِمْ بِالنِّقمِ ، وَهُوَ يَرَاهُمْ يَتَمَرَّسُونَ بِمَعَاصِيه، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَسْتُرُ عَلَيْهِمْ بِسِتْرِهِ ، وَيَتَوَدَّدَهُمْ بِإِنْعَامِهِ ، وَيَتَحَبَّبُ إليهم بدوام إِحْسَانِهِ ، ثُمَّ فَتَحَ لَهُمْ بِرَحْمَتِهِ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى شَوْقِهِمْ إِلَيْهِ بِحُسْنِ مَوْعِظَتِهِ ؛ فَقَالَ لِمُسْرِفِي عِبَادِهِ : { لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله } وَقَالَ : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ ) وَقَالَ : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )
! فَسُبْحَانَ مَنْ يَتَقَرَّبُ إِلَى مَنْ يَتَبَاعَدُ مِنْهُ ، وَيَتَحَبَّبُ بِالنِّعَمِ إِلَى مَنْ يَتَبَغَّضُ بِالْمَعَاصِي إِلَيْهِ ؛ فَأَحَبُّ عِبَادِهِ إِلَيْهِ أَسْأَلُهُمْ لِمَا لَدَيْهِ . إِلَهِي ! أَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ ، هَا أَنَا قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْكَ ، مُتَوَسِّلٌ بِكَرَمِكَ إِلَيْكَ ، لا تَزِلَّنِي عَنْ مَقَامٍ أَقَمْتَنِي فِيهِ ، وَلا تَنْقُلْنِي إِلَى مَوْقِفِ سَلامَةٍ مِنْ نِعَمِكَ إِلا أَنْتَ ، أَتَنَصَّلُ إِلَيْكَ مِمَّا كُنْتُ أُوَاجِهُكَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ اسْتِحْيَائِي مِنْ نَظَرِكَ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِنْ ذُنُوبِي الَّتِي ابْتَزَّتْ قَلْبِي حَلاوَةَ ذِكْرِكَ ، وَأَطْلُبُ الْعَفوَ مِنْكَ ؛ إِذِ الْعَفوُ نَعْتٌ لِكَرَمِكَ ! يَا مَنْ يُعْصَى وَيَرْضَى كَأَنَّهُ لَمْ يُعْصَ ! يَا حَنَّانًا لِشَفَقَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ ، وَمَنَّانًا بِلُطْفِهِ ، وَمُتَجَاوِزًا بِعَطْفِهِ عَنْ خَلْقِهِ ! طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ أَوْسَاخِ الْغَفْلَةِ ، وَانْظُرْ إِلَيَّ نَظَرَكَ إِلَى مَنْ نَادَيْتَهُ فَأَجَابَكَ ، واستعملته بمعونتك فأطاعك ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبْ لِي صَبْرًا وَيَقِينًا ، وَاغْفِرْ ذَنْبِيَ الْعَظِيمَ ، وَتَجَاوَزْ لِي عَنْ سَيِّئَاتِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . قَالَ محمد بن الحسين : فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى عَرَفْتُ مَوْضِعَهُ ؛ فَكَتَبْتُ عَنْهُ هَذَا الدُّعَاءَ ، وَغَيْرَ هَذَا مِمَّا كَانَ يَدْعُو بِهِ عَنْدَ الْمُلْتَزَمِ فِي أَوْقَاتِهِ .
بتاريخ : 2020-02-28
- ( أسئلة فقه العبادات ) ما حكم تهذيب حواجب المرأة وخصوصا المتزوجة؟
- ( أسئلة فقه العبادات ) سؤال حول ارث الأحفاد من الجد بعد وفاة الأب قبل الجد. هل...
- ( أسئلة فقه العبادات ) ما حكم الرجل المتزوج إذا خان زوجته هل تطلق منه زوجته؟
- ( أسئلة فقه العبادات ) كيفية التطهر من نجاسة الكلب
- ( أسئلة عامة ) ما هي حكمة الصوم عن الكلام في قضيتي زكريا و مريم عليهما...