339 - في يوم عرفة
خطبة الجمعة    339 - في يوم عرفة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن

ربنا ولك الحمد حتى ترضى ربنا ولك الحمد إذا رضيت ربنا ولك الحمد بعد الرضا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم!

فإنه يطيب- بداية- أن نسوق كلمات فاه بها عالم من علماء هذه الأمة، وهو يستعرض ما يتعلق بنفحات قريبة تأتينا من وراء الأفق ، لا يحجبها الزمان الحاضر، نفحات عرفات!! وما أدراكم ما هذه النفحات! فيها رواق الرحمة على مداه ! فيها سرادق المغفرة قد امتد حتى يشمل الأرض كلها ! يقول هذا العالم : حينما أصلي وأسلم على الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- فإني بذلك أنوه برجل تحققت فيه كمالات العبودية لله- جل جلاله- وأدى وظيفة العبودية لله- عز وجل- على أكمل وجه ، وأعمق معنى ، وأبعد مدى ، وأروع تألق.

قال ربنا- جل جلاله- في حقه: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً" فهو المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أثني عليه بالصلاة والسلام عليه- صلى الله عليه وسلم- حيث إنه عاش حياته في طهارة ونظافة ونزاهة وسمو وارتقاء!! ولعل هذه الأوصاف لا تكاد تحيط بما هو عليه- صلى الله عليه  وآله وصحبه وسلم- من عطور. عاش حياته دائباً في رضوان الله- جل جلاله- مجاهداً في سبيل الله! يسعى ليمد رواق التوحيد ، ويحوش الخلق إليه، ويأخذ بالنواصي ليدلها على الله- جل جلاله- ليربحوا على الله في هذه الدنيا جنته ورضوانه!. جاء يعرف بالله- جل جلاله- بأقواله وأفعاله وأحوالهن جاء ليحطم الطاغوتن وليزلزل أركانه، جاء ليجتث الجاهلية من جذورها ، جاء ليحطم الأصنام ويمحق الأوثان ، جاء ليعقد الصلح بين العقل والدين بعدما أفسدت العلاقة بينهما الفلسفات الزائغة ، جاء ليربط الفطرة بالوحي ، وليحول هذه الدنيا الى مهاد صالح لعمارة الآخرة ، جاء ليحقق إنسانية الإنسان ، جاء ليعبد الطريق إلى الله- جل جلاله- ذلك الذي سلكه الأنبياء من قبله- عليهم الصلاة والسلام- إذ لم يكن بدعاً من الرسل ، جاء يدل على القيم الربانية الراسخة ، جاء ليقف في وجه كل ألوان الشرك ، جاء ليخلص الإنسان من كل العبوديات لغير الله- جل جلاله- جاء ليحقق ، وقد حقق ، أرقى معاني الحياة.

الحياة التي تأبى الإسفاف والرذائل! الحياة التي لا تنقاد للشهوات المحرمة ! الحياة التي لا تقودها الأهواء والمصالح الشخصية القميئة ! حقق ذلك حيث وقف هناك في عرفات ، وهذا من نفح عرفات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وقف هناك في حجة الوداع أو في حجة الإسلام أو في حجة التمام إ إذ ودع فيها الرسول- عليه الصلاة والسلام- الأمة بقوله الحنون: "لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا! في موقفي هذا". كانت السنة العاشرة من الهجرة ، وأعلن- فيها- المعلن أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- يريد الحج ، وكان قد مهد بإرسال الصديق في السنة التاسعة ، حيث أعلن: أنه لا يطوف بالبيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ، بعدما أقام الحج على قواعد إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- التي أقامها ، نظف الحج من كل أرجاس الوثنية والجاهلية ، وبعدما حطمت الأصنام في مكة المكرمة يوم الفتح ، بعدما وظف حقائق الحج لصياغة الحياة الربانية أروع صياغة ، وقد تحقق ذلك كله بفضل جهاده- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وأقبل الناس بالألوف ليحجوا مع الحبيب أروع حج شهدته الأرض !!

يقول جابر: أقبل الناس يريدون أن يأتموا بالرسول- عليه الصلاة والسلام- أقبلوا من كل حدب وصوب ، آلافاً مؤلفة ، جاءت يصفها جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- فيقولك لما استوت بالناقة البيداء إذا بالرسول- عليه الصلاة والسلام- يعلن كلمة التوحيد، يقول: لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك.

أسقط ما كانت الجاهلية تضيفه في التلبية من إثمها وشركها ، ولبى القوم بتلبيته ، كيف كانوا؟ يقول: نظرت بين يدي  الرسول- عليه الصلاة والسلام- فإذا الناس بين يديه مد النظر! ونظرت خلفه- عليه الصلاة والسلام- وإذا الناس خلفه كذلك مد البصر! وإذا عن يمينه مثل ذلك ، وإذا عن يساره مثل ذلك ن كلهم قد لبى الله- جل جلاله-. أهناك مسيرة ربانية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تضارع هذه المسيرة الربانية؟؟ هذا صنع الإسلام! صنع شريعة الله جل جلاله!! الأحفال التي يقيمها أناس لا صلة لهم بالإسلام أحفال ملؤها الشهوات الحرام !! ملؤها العري والإسفاف والرذائل !! أما ها هنا فنحن مع الطهر.

 

يقول أبو الحسن ندوي- رحمه الله تبارك وتعالى- يتناول هذه الحجة : حجة الوداع رصدت من قبل الصحابة بأدق ما يكون الرصد! ذكروا الدقائق والتفاصيل التي تدل دلالة واضحة على عشق من أورد هذه التفاصيل لصاحب الرسالة ! وكأنما حينما يذكرها يتقرب إلى الحبيب محمد- عليه الصلاة والسلام- بذكرها ! ذلك أن الأحباب حينما يذكرون ، يحب من يذكرهم أن يأتي بالتفاصيل. رصد الصحابة في طريقه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- حية خرجت من جحرها ، فطاردها الصحابة ، لكنها نجت من قتلهم لها ، ودخلت جحرها. مسيرة لا يضارعها أي مسيرة ، لأي زعيم من الزعماء ، وحاشى أن نقارن رحلته- عليه الصلاة والسلام- تلك بأي رحلة أخرى ، لم يكن وقتها  قد علم الناس ما يسمى بالمذكرات ، وبالتقارير،ومع ذلك : ذكروا أن الذي عطره- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- لحجه هي أمنا " عائشة " الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات ، الطاهرة الطهور- رضي الله تبارك وتعالى عنها- طيبته بالذريرة والطيب من المسك حتى كاد يرى وبيص المسك في لحيته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- !!

ذكروا ما  قلد به الهدي الذي ساقه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- تناولوا الرحلة خطوة فخطوة! نفساً فنفساً ، رمشة عين فرمشة عين ! كلهم قد صحبوا المصطفى- عليه الصلاة والسلام- وكلهم له محب ومفدى ، وهناك في عرفات وقف- صلى الله عليه وسلم- ضارعاً إلى الله- جل جلاله- ووقف عشرات الآلاف من الصحابة حوله ، يحدقون به ، وكلهم قد تعلق قلبه به ، وحل منهم محل بصره وسمعه ، وإذا بالرسول- عليه الصلاة والسلام- يدعو الله- جل جلاله- بكل طاقته الفكرية والروحية !!.

عرفات يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام اليوم !!! ولا أريد أن أطوي هذه الصفحة المشرقة حيث نشهد ما كان منه- عليه الصلاة والسلام- ونسمع ذلك الخطاب الرباني الذي فيه جوامع الكلم ، ومن مثل الرسول- عليه الصلاة والسلام- يعبر! لقد جمعت له المعاني في كلمات ، كانت المعاني مركزة أروع تركيز، خطبة كان يقولها  فقرة فقرة ، والصحابة يتناقلونها فيما بينهم عبر المئات بل الآلاف !!.

ركز فيها على المرتكزات الرئيسة التي عاش عمره- عليه الصلاة والسلام- يفصل فيها ، ويبينها للأمة. نهى الأمة وحذرها ، بين لها أنه قد ترك فيها أمرين ، هما: كتاب الله وسنة المصطفى-  عليه الصلاة والسلام- ولن تضل هذه الأمة ما إن تمسكت بهما ، وبين- عليه الصلاة والسلام- أن الشيطان قد يئس أن يعبد فوق الأرض ، وقد رضي من هذه الأمة مما تحقر من أعمالها ، أي رضي منها بالذنوب الصغيرة ! ذلك أنها تجر إلى الكبيرة ، فيريد أن يزلزل هذه الأمة عن مسارها الذي جاء به رسولنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وقال من جملة ما قال: فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض !! وقد جعل أمر الجاهلية كله تحت قدميه- عليه الصلاة والسلام- وضع تحت قدميه الثأر! ووضع الدم الذي هو من دماء أقاربه ، ذلك أن الجاهلية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- كانت حينما يقع فيها قتل ، لا ترتضي على الإطلاق إلا بإبادة القبيلة التي ينتمي إليها القاتل !! أتظنون بأن الجاهلية المعاصرة تبتعد كثيراً عن هذا المنحى ؟؟ ألا ترون بأن من قتل من أعداء الله- عز وجل- إن كان واحداً تقتل القبيلة كلها ، وتباد المدينة كلها ! وتحترق الدولة كلها من أولها إلى آخرها!! هذا هو الثأر الجاهلي المعاصر، أمة محمد عليه الصلاة والسلام !.

كانوا- في الجاهلية- ينشرون الفساد في الأرض عبر الثأر، فجاء شرع الله- عز وجل- ليقيم القصاص حدا، والقصاص عدل وقسط ، ووضع تحت قدميه- عليه الصلاة والسلام- الربا، الربا الذي عاشت الأمة مئات السنين لا تعرفه بعدما حرمه الإسلام !! بل تنفر منه وتشمئز، ثم إذا بالربا يطل برأسه ، بل حضر حضوراً قوياً شاخصاً حتى دخل في حيثيات اقتصاد الأمة ، يا رسول الله! قد وضعت الربا تحت قدميك ، لكن هناك من أعاد للجاهلية وجهها الربوي ، كما أعاد للجاهلية وجهها الثأري ، كما أعاد للجاهلية بعدما وحد الله- تبارك وتعالى- هذه الأمة وقلوبها عليه سبحانه وتعالى أعاد لها تفرقاً مهلكاً ، هناك من انتزع الجيف جيف التفرقة والتمزيق فإذا بها قد ملأت الحياة بنقمها ، وبنتنها الخياشيم !!!

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! استوصى الرسول- عليه الصلاة والسلام- بالنساء خيرا، وتكلم كلاماً من أروع الكلام، وهنا نقول: لو أن الرجال قد انصفوا مع النساء في غالب الأحوال ، لما كان هناك من ثغرات يمكن لأعداء الله- عز وجل- أن ينفذوا منها ، ويدخلوا  إلى عباب المجتمع الإسلامي ليخرجوا المرأة عن إسلامها سلوكاً ، وليحرضوا النساء لا على الرجال فحسب ، بل على شريعة الله- تبارك وتعالى- .

عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم ! يا سيدي يا رسول الله! يا فخر الكائنات! يا من علمتنا التوحيد! علمتنا كيف نحب الله ، وعلمتنا كيف نحقق العبودية لله! وعرفتنا كيف نحيا لله وبالله !وكيف نأخذ من الله ! وكيف نقيم حياتنا وفق منهج الله- تبارك وتعالى- ومما دعا به هناك : اللهم ! إنك ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، وتعلم سري وعلانيتي ، ولا يخفى عليك شيء من أمري!!!

ثم يأخذ- عليه الصلاة والسلام- بذوب الدعاء ، فإذا بالروح تنضح ، وبالمعرفة تنفح ، وإذ به- عليه الصلاة والسلام- يقرر أننا عبيد لله- عز وجل- وما أرقاه من مقام !! وأن الله- عز وجل- غفار الذنوب ، وأنه لا بد لنا- إن أردنا حياة قوية عزيزة- من أن نقف على باب الله- جل جلاله- صباح مساء ، نستجدي العطاء من الله- جل جلاله- .

ومن هنا ظهرت بؤر ربانية نورانية يمكن أن نشهدها في أولئك الثلاثة الذين وقفوا في أرض عرفات، ويوم عرفات يوم صيام لغير الحاج، يوم عرفات يوم الدعاء المستجاب، يوم عرفات يوم يمكن لمن لا يكون هناك في عرفات يمكنه أن يعرف كما ذكر العلماء ، والتعريف أن يجتمع أناس في بيت من بيوت الله- عز وجل- حيث يكون الواقفون في عرفات هناك قد أقبلوا على الله جل جلاله وهؤلاء في بيوت الله- تبارك وتعالى- قد فاتهم الوقوف معهم ، فأقبلوا على الله- جل جلاله- . وقد سأل الأثرم أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- عن التعريف ؟ فقال: أرجو أن لا يكون به بأس ، لم يفعله الأمام أحمد، ولكنه لم ينكره، بل نقل عنه أنه قال: بأن هناك من الصحابة قد فعله، ويذكر أن  عبدالله ابن عباس- رضي الله عنهما- كان ممن يعرف بالبصرة ، أي: يجلس في الوقت الذي يكون هناك أهل عرفات في عرفات، يستنزلون الرحمات، وتغشاهم الأنوار، أنوار القرب والتقريب، فيكون- هنا- في بيت من بيوت الله- تبارك وتعالى- . في عرفات يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! حقائق التوحيد تتجلى ، وذكر الله عز وجل والتهليل والتكبير والتحميد، في عرفات إذا لم يتسن لك أن تكون هناك،فقد جاء عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه في يوم عرفات "من ملك سمعه وبصره ولسانه غفر له"  أو: كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- التقى ثلاثة- هناك- وكما ذكر العلماء كانوا يلتقون كل سنة "قال أحدهم : بسم الله ما شاء الله لا يأت بالخير إلا الله، وقال الثاني: بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله، وقال الثالث: بسم الله ما شاء الله وما من نعمة إلا من الله ،يقولون ذلك ثم ينصرفون " أثنوا على الله- تبارك وتعالى- وحققوا التوحيد بعبارات مركزة مختصرة.

هناك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- شهدنا حكيم بن حزام ، كان يأتي بمئة من الإبل ، ومئة من العبيد، وهناك ينحر الإبل ويوزع لحمها على المساكين، وهناك يعتق حكيم الأرقاء، ويضج الناس بالبكاء، يقولون: يا ربنا! عبد من عبادك- يقصدون حكيماً- قد اعتق الرقاب! ونحن عبيدك ، وأنت أولى بأن تعتق رقابنا من النار، ويبدأ البكاء وتنساب الدموع سخينة ! إنما تشرق بأنوار المعرفة بالله- عز وجل- دموع إنما هي نضح روح قد ذابت شوقاً إلى الله- جل جلاله- هناك الإقبال على الله ، وأنت ترى طعوم الإقبال من أروع ما تكون الطعوم!! كأنما أنت في حديقة غناء، هناك من هضم نفسه، وقال: إلهي ما أجمل هذا المشهد! وما أكمله! لولا أني فيه، وآخر كأنما ملأت العزة بالله- عز وجل- نفسه ، فإذا به يقول: إلهي أرجو أن تغفر لهذا الجمع من أجلي! وهناك من سأل أحد العلماء، فقال له: يا فلان! من أسوأ حالاً في هذا الجمع؟؟؟ فأجابه فقال: الأسوأ حالاً من هذا الجمع ذلك الذي يظن أن الله لم يغفر له، إقبال على الله يتجلى في أنهم يقولون: يا ربنا! إنك طلبت منا أن نتقرب إليك بالتصدق، وأنت أولى بأن تتصدق علينا ، لأننا فقراء، يا ربنا! إنك طلبت منا أن نتقرب إليك بعتق الرقاب ، وأنت أولى بعتق رقابنا فاعتق رقابنا من النار، يا ربنا! أنت طلبت منا أن نعفو عمن ظلمنا ، وإنا قد ظلمنا أنفسنا ، وأنت أولى بأن تعفو عنا.

أقوال كلها عطور! إنما تصور حال الأمة ، إذا أردت أن تتعرف إلى الإسلام ، إلى أمة الإسلام ، تلك الأمة العالمية ، لا على معنى العولمة التي فيها قهر وتسلط وطغيان وجبروت وتحكيم للقوة في أرجاء العالم ، من إجل إخضاع هذا العالم ، وكسر شوكته ، ووضعه تحت أقدام الجنود، لا!! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! هناك ترى قول الله- عز وجل- : "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" أما قرر- عليه الصلاة والسلام- تلك الحقيقة بقوله: " إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم ، وآدم من تراب، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى" وقال- تعالى- : "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" هناك يتجلى أو تتجلى معنى الأخوة " إنما المؤمنون أخوة " فتسقط كل السكاكين التي تمزق في أوصال هذه الأمة ، كل العنصريات الهدامة! كل الانتسابات لغير الله- عز وجل- تسقط هناك.

أما استطاع أولئك الذين يقفون في عرفات، أما استطاعوا أن يقهروا قاطع الطريق ، حيث أقسم على قطعه بما أوتي من طاقة ؟ " فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم " قال العلماء: الصراط المستقيم هنا الحج. ذلك لأن الشيطان يعلم ما يتنزل عليهم الحجاج هناك من الرحمات وما ياخذونه من الأنوار ووما يسبغ عليهم من المغفرة، ومن هنا قرر- عليه الصلاة والسلام- حيث يقول: " ما رؤي الشيطان في يوم هو أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ  منه  يوم عرفة " أو: كما قال- عليه الصلاة والسلام- " إلا ما رؤى يوم بدر!! " هنا لقطات لا بد لنا من أن نركز عليها، الشيطان قال عنه- صلى الله عليه وسلم- يصفه في يوم عرفات أنه هو أصغر إذ هو صغير في الأصل، لكنه يزداد صغراً، أين يكبر الشيطان؟ يكبر في العواصم التي تكتسحها الشهوات، في عواصم التأمر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- !! في العواصم التي لم تكتف بأنها انقطعت عن الله ، بل تسعى جاهدة  عبر عملائها ، وعبرجزمها التي تطىء بها على أرضنا ، من أجل أن تفصل هذه الأمة عن شريعة الله- عز وجل- بصور كثيرة ، إنها تلاحق شريعة الله ، وتطاردها من أجل ألا تكون شريعة الله في المحاكم !! ومن أجل ألا تكون  شريعة الله- عز وجل- في التربية والتعليم!! ومن أجل ألا تكون شريعة الله- عز وجل- في الاقتصاد !! ومن أجل ألا تكون شريعة الله- عز وجل- في المجتمع بعامة !!.

أجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هناك يكون الشيطان صغيراً، لكنه في عرفات هو أصغر، ينتصر هناك في تلك العواصم ، لكنه يندحر هناك في عرفات. لم؟ لأن هؤلاء قد تخطوا الحدود والموانع ، وثبوا عليها وثباً ، فإذا بهم يسقطون كل أشكال التفرقة بلباس واحد ، وبقلب واحد، وإيمان واحد، ولسان واحد كلهم يلهج، بسم الله، لبيك اللهم لبيك، كلهم يقرر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أروع ثناء يثني به الحاج على الله- جل جلاله- يقر له- سبحانه وتعالى- بالتوحيد ، وحقائق التوحيد، وهل يجمعنا سوى التوحيد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !!. كل الروابط الأخرى التي ربما يسعى إليها الساعون مع حسن الظن بإخلاصهم إلى أن ترتبط هذه الأمة بها، فإنها لا يمكنها أن تقدم أو تأخر، ذلك أن الذي يجمع هذه الأمة هو الله- جل جلاله- " لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم " أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !! " المؤمن أخو المؤمن " هناك ، وهذا يرتضعه ارتضاعاً في حياته !!.

ومن هنا نقول: إن ضرب الخيم هناك ، تلك التي يحجر فيها على أناس ، ويرفع لهم علم يدل عليهم ، إنما يفسد المشهد العام، ما المشهد العام؟ هو الذي يصور لنا حقيقة من الحقائق التي جاء عليه الصلاة والسلام يقررها، ما هذه الحقيقة؟ هي أن عرفات إنما تمثل مشهد من مشاهد يوم القيامة، وتوظف شريعة الله- عز وجل- هذا المشهد ، إذا امتلأت عيناك بأولئك الذين لبسوا ملابس الإحرام ، كأنما خرجوا من قبورهم  لتوهم ، وقد بعثوا بين يدي الله- عز وجل- وهاهم أولاء في ساحة العرض على الله!! أما سمعت الله- عز وجل- يقول بعدما تليت علينا آيات تتناول أحكام الحج قال ربنا- جل جلاله- : "واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون" أما قرأت مطالع سورة الحج "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" أرأيت هولاً أشد من الهول الذي فيه تذهل من ألقمت ثديها رضيعها عن رضيعها ؟؟؟ أهناك مشهد فيه الهول كهذا المشهد الذي فيه تسقط الحامل حملها ،" تضع كل ذات حمل حملها " أرأيت هذا المشهد بما فيه حيث إن الناس قد عرضوا على الله- جل جلاله- " ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا * وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا * ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " الناس هناك " سكارى وما هم بسكارى " تلتاث خطاهم ، يترنحون في حيرة" كالفراش المبثوث " في خفة الفراش وتطايره وحيرته وطيشه. هذا ما عرضه علينا كتاب الله- عز وجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!!.

وهناك عمود فقري في السلوك يتلخص في قول القائل: ماذا تقول لربك غداً؟؟؟ لو أن هذا المعنى- ووالله هو من الحقائق- من غفل عنه ، لا يعني أنه قد ألغي ، هو حقيقة من الحقائق التي جاءت كثير من آيات القرآن الكريم  تدندن حولها ، وتؤكدها ، وتبرهن عليها ،" ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أبعث حياً أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يكن شيئاً * فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم  جثيا " أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !! لاحظ معي كيف بين الله- عز وجل- حال أولئك الذين يتنكبون الطريق ، ويعرضون عن شرع الله أن يطبق ، بل يقاومون شرع الله ، بل إنهم يعالنون اليوم بأنه لا يجوز لمواطن من المواطنين أن يقف ليقول: أنا مسلم ! وأنا أطالب بتحكيم شرع الله- عز وجل- ! هذه جريمة في نظرهم لا تغتفر في عصرنا ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم تولى فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون * فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون" أرأيت كيف عالج كتاب الله- عز وجل- أمر أولئك الذين أعرضوا عن تطبيق بعض شريعة الله- تبارك وتعالى- ومن هنا ماذا تقول لربك غداً؟ لو أن الكبير والصغير منا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لو أن المعلم والعامل ، لو أن الصانع والمهندس لو أن الطبيب والمزارع ، لو أن كل فرد من أفراد أمتنا ، و كل امرأة من نسائنا ، قالوا: ماذا تقول لربك غداً؟ معنى ذلك أنه المنهاج ، معنى ذلك أنه الخطوات الوئيدة المدروسة المحسوبة ، معنى ذلك أنك لا تقول قولاً إلا وتنظر أيكون في صحيفة الحسنات أم في صحيفة السيئات؟ وكذلك كل فعل !! أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! .

رجع إلى البيت ، صلى ركعتين ، ثم أخذ يبكي ، ويحاسب نفسه!!من هو ؟ هو الفاروق الذي أعزالله الإسلام بإسلامه، الفاروق الذي لقبه المصطفى- عليه الصلاة والسلام- بالفاروق ، لأنه فرق بين الحق والباطل ، الفاروق الذي لم يكن في قلبه ذرة من هوادة على المنافقين !! المنافقون يبغضون الفاروق- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لا يحبونه ، لا يطيقون ذكر اسمه !! لأنه على الحق كما أخبر رسولنا- عليه الصلاة والسلام- هو الفاروق هو الذي تولى الخلافة بعد الصديق رضي الله- تبارك وتعالى- عنه ، فكانت الفتوحات ، أجل تحطمت أصنام في عهد خلافته- رضي الله تعالى- عنه، الفاروق يقول العلماء: لو أن أحداً يسامح بأن يغتر بما أوتي من فضائل لكان الفاروق من أولئك الذين يسمح لهم بذلك !!! فضائله لا تعد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك ، كان في الطريق قبل أن يأتي بيته ، وكان مشغولاً بأمر من أمور الأمة ، فجاءه رجل يستنجد به ، فقال له: يا هذا! تدعون أمير المؤمنين متفرغاً لكم وتعرضون عنه ، حتى إذا ما انشغل بأمر من أمور الأمة ، أقبلتم عليه تستنجدونه !! ثم خفقه بالدرة!! ما مضت لحظات حتى درى ما وقع منه ، فقال: علي بالرجل ، وجيء به، قال: يا هذا إنك قد قلت ، وقد فعلت ، خذ الدرة ، واقتص مني ، فأبى الرجل ، قال: لا يا أمير المؤمنين ! إنما أتركها لله- جل جلاله- فذهب عمر وصلى  وأخذ يبكي!ويقول لنفسه : يا عمر! كنت ضالا فهداك الله ، وكنت وضيعاً فرفعك الله ، وكنت ذليلاً فأعزك الله ، ثم جعلك الله- عز وجل- على أكتاف الناس ، فإذا ما جاءك من يستنجد بك إذا بك تفعل به، وتفعل ، ماذا تقول لربك غداً؟

كان يجري عمر- رضي الله عنه- وراء ناقة من نوق الصدقة، في يوم لافح، فرآه علي- رضي الله تبارك تعالى عنه- إلى أين يا أمير المؤمنين ؟ قال: ناقة شردت من نوق الصدقة، قال: يا أمير المؤمنين! لقد أتعبت من سيأتي بعدك ، من قال هذا؟؟ سيدنا علي- رضي الله عنه- قاله ، وهو من هو" لقد أتعبت من سيأتي بعدك " لكن عمر وضع في ذاته منهجاً ، هو: ماذا تقول لربك غداً؟ ونحن- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أي موقف يحط رحاله في الأمة، أي مشهد من مشاهد هذه الأمة ، أي دم يراق من دماء هذه الأمة، أي عرض ينتهك من أعراض هذه الأمة، ينبغي أن نقول لأنفسنا: ماذا نقول لربنا غداً؟؟ وكان بإمكاننا أن نفعل ، وبإمكاننا أن نقول ، من هنا وجدنا أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بين يدي تفصيل ، ومن التفاصيل يجليه أن الرسول عليه الصلاة والسلام في موقفه ذلك في عرفات في حجة الوداع وهو يخاطب الأمة ، ثم يحملها الأمانة" فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فرب مبلًغ أوعى من سامع " أنتم يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- تعتبرون حلقات رائعة من تلك السلسلة التي إنما جاء- عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يصوغها وفق شرع الله- تبارك وتعالى- نحن بحاجة لأن نتعلم ديننا تعلماً حقيقياً صادقاً مخلصاً ، ونحن بحاجة إلى أن نطبق ما نتعلمه من ديننا ، إنما نفعل ذلك بإخلاص ، ونحن بحاجة إلى أن نبلغ دين الله- تبارك وتعالى- .

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين!

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته فقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

من دقائق ما نقل لنا ، وينبغي أن ينقل لنا ، لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام- إنما اختاره الله- عز وجل- ليكون " أسوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً " والتأسي- هنا- إنما يكون تأسياً بكل تفاصيل حياته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ومن هنا لم تبق صغيرة ولا كبيرة ، سواء في ذلك ما كان : من عباداته ، من أخلاقه ، من معاملاته ، مما كان عليه من أمر دعوته إلى الله ، من إخلاصه ، من جوده من صدقه ، من كل ما يتعلق بشخصيته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- إلا نقل إلينا عبر الشمائل التي تناولت شخصيته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أدق تناول ، وقد قال العلماء: لا يمكن أن نرى مثل هذه التفصيلات في سيرة أي نبي من الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وإنما ضمن الله- عز وجل- لنا سيرته- صلى الله عليه وسلم- مفصلة أروع تفصيل ، لأنه هو الذي يبقى أسوة للعالمين.

 

عيسى عليه السلام ! العلماء قرروا أنه لم ينقل لنا من حياته سوى ثلاث سنوات ، هي السنوات قبل أن يرفعه الله- عز وجل- إلى السماء الثانية ، ومنهم من قرر في تقارير محدثة أنه لم ينقل لنا من سيرته سوى أشهر فقط من حياته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- قلنا : السر في هذا أن الله- تبارك وتعالى- ضمن القرآن ، فحفظه ، كما ضمن السنة ، ومن تفاصيل السنة ما نقل لنا حيث نقل أن واحداً كان في الجمع المهيب ، الجمع الرباني الذي شهدته السماء ، والملأ الأعلى ، والذي باهى الله- عز وجل- الملائكة به، هذا الجمع كان فيه واحد من الصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- فسقط عن ناقته، فمات فقال- عليه الصلاة والسلام- : " كفنوه بثيابه التي هو فيها أي: الإزار والرداء ، لا تمسوه طيباً ، اغسلوه بماء وسدر، لا تخمروا له وجهاً ، ولا رأساً ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً " أو كما قال ، هذه أمة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تخرج من قبورها ، والكثير منهم يقول: لا إله إلا الله !! إلا الذي وقف في وجه شريعة الله- عز وجل- إلا الذي أراد أن يفتح ثغرات في جسم الأمة الأخلاقي! إلا أولئك الذين يسعون من أجل أن يهدموا قيم هذه الأمة ! من أجل أن يغربوها! أو يشرقوها! من أجل أن يطمسوا هويتها التي بناها كتاب الله وسنة المصطفى- عليه الصلاة والسلام- أتدرون لماذا؟؟ لأنه يبعث المرء على ما مات عليه ، والمسلم دعي من قبله- عليه الصلاة والسلام- فقال: من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة " أو كما قال- عليه الصلاة والسلام- فإذا ما لفظت الأنفاس الأخيرة ، وهي معطرة بلا إله إلا الله ، معنى ذلك أنك تبعث من القبر وأنت تقول: لا إله إلا الله.

 أمة محمد عليه الصلاة والسلام! لم تكن المسافة كبيرة بين غار حراء ، وبين موقفه- عليه الصلاة والسلام- في عرفات ، في غار حراء نزل قول الله- عز وجل- ك "اقرأ باسم ربك الذي خلق" ذكر المفسرون أن الله- عز وجل- إنما قال" اقرأ باسم ربك " فاختار اسم " الرب " سبحانه وتعالى ، ومن أسمائه" الرب " قالوا : لأنه يشير إلى أن ما سينزله عليه من شريعة إنما تأخذ مداها في الكمال والاكتمال والجمال والإحاطة، حتى تبلغ منتهاها. أجل نزل جبريل والرسول عليه الصلاة والسلام في عرفات بقول الله- عز وجل- : "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" أما المشهد الأخير، وما أكثر المشاهد ، فهو أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- رجع إلى المدينة المنورة ، ولم يمض بعدها سوى تسعين يوماً تقريباً ، ولكنه كيف قضاها.

هناك أمير قد نصب من قبل الرومان على مدينة اسمها معان في بلاد الشام اسمه " فروة" فروة هذا انشرح صدره للإسلام ، فأسلم وبعث برسالة للرسول- عليه الصلاة والسلام- يعلن فيها إسلامه، والروم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الذين أحفادهم اليوم إنما ينعتون الإسلام بأنه قد دخل إلى البلاد، وأدخل البلاد فيه كرهاً بالسيف، أحفاد الرومان يقولون هذا، وهم في غفلة بل في جهالة بل في إعراض بل في عمى عن تاريخ بلادهم، لما سمع الرومان أن" فروة " قد أسلم أغاروا عليه ، ألقوا القبض عليه، صلبوه ، وتركوه مصلوباً ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه أن يدخل في دين الله- تبارك وتعالى- في الإسلام ، وبلغه- عليه الصلاة والسلام- ذلك فإذا به يعد جيش أسامة بن زيد، أعد الجيش وقلد أسامة إمارة الجيش ، ثم كان ما كان من أمر جيش أسامة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!!! .

وختاماً  في منى نحر- عليه الصلاة والسلام- بيده الشريفة ثلاثاً وستين ناقة!! كانت النوق أو كن يقدمن للرسول- عليه الصلاة والسلام- خمساً خمساً. الصحابة يقولون: فكانت النوق الخمسة تتزاحم بصدورها على سكين المصطفى- عليه الصلاة والسلام- وكأنما إذا ما نحرها الحبيب- صلى الله عليه وسلم- فهي تتقرب إلى الله- عز وجل- بهذا النحر، خلقت النوق لتنحر، وهذا من فضل الله- عز وجل- الأنعام الإبل والبقر والغنم ، إنما هي حيوانات خلقها الله- عز وجل- لنا ، من أجل أن نأكل من لحومها ، ولكن  المشهد العجيب- هنا-  هو أولاً عاش- عليه الصلاة والسلام- ثلاثاً وستين سنة ، أو ثلاثة وستين عاماً ، ونحر- وكان معه مئة من الإبل- نحر بيده الشريفة ثلاثاً وستين ناقة!! ثم أعطى السكين أو الحربة علي بن أبي طالب- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وكن يزدلفن بالصدور إلى حربة المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- !! .

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله- تبارك وتعالى- قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين سلماً لأوليائك وحرباً على أعدائك نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك.

اللهم ربنا هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك *

اغفراللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان في معروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأقم الصلاة.