341 - في الاسرة
خطبة الجمعة    341 - في الاسرة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإسلام والإيمان والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد !

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإنه قد أدى أولئك الذين أحرموا لله تبارك وتعالى للحج مناسكهم، طافوا في البيت العتيق، سعوا بين الصفا والمروة، وقفوا في وجه العدو اللدود الذي أنشأ حزباً وما زال يديره، فقد وقفوا في وجهه ورجموه يوماً بعد يوم

كانوا في عرفات، وما أدرانا ما عرفات يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ ما من يوم أكثر أن يعتق الله  فيه عبداً من النار من يوم عرفة، نظر الفضيل بن عياض رضي الله تبارك وتعالى عنه إلى الناس هناك ودموعهم تذرف، فجوا بالدعاء والتضرع، فقال يخاطب الناس ويضرب مثلاً ليتعرفوا من خلاله إلى جانب من جوانب عظمة الله تبارك وتعالى ولا يحاط بعظمة الله، قال أرأيتم لو أن هذا الجمع قد ذهب كله إلى غني من الأغنياء، فطلبوا منه دانقاً والدانق هو سدس الدرهم، أيعطيهم؟ قالوا يعطيهم، قال فكيف بأكرم الأكرمين؟    

أنتم أقبلتم على الله جل جلاله، والمغفرة من الله عز وجل دون هذا الدانق إذ رحمة الله عز وجل واسعة لا يحاط بسعتها، ومغفرة الله تبارك وتعالى سابغة لا تحد ولا تعد، إذا كان هذا الغني لا يبخل بدانق طلب منه، فإن أكرم الأكرمين لا يبخل على عباده الذين أتوه شعثاً غبراً من كل فج عميق يسألونه رحمته، لا يبخل عنهم برحمته

ويتلقون ما أخبر به عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الخطاب الرائع الذي تتجلى فيه سعة رحمة الله ( أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له)، يرجع هؤلاء إلى ديارهم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام مياه نظيفة قلوب نظيفة قد ولدوا من جديد أقبلوا على الحياة ليعمروها من خلال نظافتهم وليصوبوا ما اعوج منها رجعوا يخالطون المجتمع الذي يتلقاهم بحج مبرور وسعي مشكور

وهنا ننتقل مباشرة إلى انطواء هذه الدنيا وما أسرع ما تطوى، إذا كانت ستظل سنين لا ندري ما عددها بالنسبة للمجموع فإنها ستطوى بالنسبة للأحاد والأفراد لا محالة قبل طيها العام ! حيث إذا ما انتهى الأجل، رحل من انتهى أجله إلى الله جل جلاله، سرعان ما تطوى هذه الدنيا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لتنشر الآخرة، وهناك الاستقبال الحقيقي هنا استقبال بحج مبرور وسعي مشكور، ولكن ما هناك؟ بعد ما بين الله عز وجل بعض ما أعد لعباده الصالحين في "جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ" قال "يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ﴿١٧﴾بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴿١٨﴾"

"يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ﴿١٩﴾وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴿٢٠﴾عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴿٢١﴾إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ﴿٢٢﴾"

هناك إذا قيل لك ، وكان سعيك مشكورا فأنت الرابح الفائز أنت السعيد سعادة الأبد، هذا نجعله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بين يدي، من أولئك الذين يقال لهم وكان سعيكم مشكورا؟ هم الأبرار يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

إذ جاء في السورة نفسها ما يتعلق بالأبرار، من الأبرار؟ أولئك الذين أقبلوا على الله جل جلاله وتحققوا بحقائق الايمان وأقاموا الإسلام في حياتهم كلها غطوا حياتهم وصغوها وبنوها بناءاً على المنطلقات التي جاءنا بها شرع الله عز وجل، أولئك المرحومون الذين تعرضوا في دنياهم وهي دار الاختبار والزرع لاستنزال رحمة الله عز وجل، وليس هناك أرحم من الله جل جلاله تلك الرحمة التي إذا ما دخلنا في بساتين القرآن وجدنا فيها أنماطاً من الرحمة، وأصنافاً من الرحمة، ومظاهر من الرحمة، وسلوكيات من الرحمة

 إذا ما استفتحنا خزائن القرآن الكريم وجدناها ممتلئة بالحديث عن الرحمة أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ويقتصر الحديث عن الرحمة بالحديث عن الأسرة، ذلك أن الأسرة إنما هي المحضن الذي يرتضع به الجيل الرحمة والمودة والاستقرار النفسي والسكن فإذا ما فقدت الأسر الرحمة والمودة والسكن حدث ولا حرج عن جيل قلق مضطرب مهووس عنيف جامد بارد زل راكد مياهه راكدة

ذلك أن كتاب الله عز وجل هو نفسه رحمة، ذلك أن التعرف إلى الله عز وجل من خلال كتاب الله هو التعرف إلى صفات الله عز وجل ومن صفات الله عز وجل الرحمة، ذلك أن كتاب الله وهو يعرفنا إلى أسماء الله عز وجل ومن أسماء الله عز وجل "الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ" ذلك أن كل التشريعات التي جاءنا بها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إنما هي رحمة من الله عز وجل أنزلها على الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ذلك أن المواقف التي مهما كانت شديدة في ظاهرها لكن الرحمة تتغلغل في كيانها وذراتها هي مواقف خشنة في الظاهر ولكنها من أنعم الناعم في الباطن، الرحمة إذا ما انتزعت يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من الحياة معنى ذلك أنه الشقاء، وهل هناك أحد يطيق الشقاء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ ما انتزعت الرحمة إلا من شقي هذا يقرره عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

فتعالوا لنتحرك حركة سريعة في دائرة الرحمة أول ما يطالعنا أن كل سورة من سور القرآن ما خلا براءة هي سورة بدأت بسم الله الرحمن الرحيم، كم ينضح اسم الله الرحمن على القلوب والأرواح من معاني الرحمة؟ وكم يعطينا اسم الله الرحيم من معاني الرحمة؟ وأنت حينما تقرأ القرآن فتبسمل معنى ذلك أنك دخلت على الله جل جلاله باسمين من اسمائه "الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ"

قال جل جلاله "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴿٨٢﴾" فالقرآن إنما هو شفاء من كل الأدواء، شفاء لما في الصدور، شفاء من كل العلل التي تجتاح البشرية وتهلكها، وهو رحمة ذلك أنه تضمن من العبادات والسلوكيات والقيم والحقائق ما به تسعد به البشرية، فلا سعادة للبشرية إلا عبر كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، لا سعادة للبشرية إلا إذا ما طبقت شرع الله تبارك وتعالى، ومن هنا من أعرض عن كتاب الله فإنه يكون قد خسر كل القيم الربانية وقد بعد بعداً شاسعاً عن معاني الرحمة ومنابعها

وقال جل جلاله "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا" وقال "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿٤٥﴾وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴿٤٦﴾" مجموعة من الحقائق لو أن الوقت يتسع لوقفنا أمامها كلمة كلمة، ذلك أن كلام الله عز وجل مهما بدى قليل العدد فإنه كثير المدد ولكن هذا يأتي تاج عليه قوله تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾" ليس رحمة لفرع من فروع الحياة، وصنف من صنوف الموجودات، وإنما هو رحمة للعالمين، يقول العلماء الربانيون إن شجرات الوجود المحدثة كلها ترجع إلى الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من حيث إنه قد بعث لها رحمة "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾"

ومن هنا جسد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الرحمة بأروع صورها وأرقى مراميها ومنازلها ومقاماتها ليس هناك رحمة فوق رحمة المصطفى عليه الصلاة والسلام إلا رحمة الله جل جلاله، ذلك أن الرحمة بمعناها الأعمق بمعناها المنزه بمعناها الممتد بمعناها الذي له صفة وجوب الوجود هي لله جل جلاله "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾"، فهل العالمون اليوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يستنزلون رحمة الله من خلال المصطفى عليه الصلاة والسلام؟

أأولئك الذين يقفون صباح مساء ليقولون نحن لا نسمح لأناس يدعون إلى الله جل جلاله ويدعون إلى تطبيق شريعة الله عز وجل لا نسمح لهم وفق الدستور بأن يتكلموا، فالسجن مأواهم إن هم دعوا إلى أن تستنزل الرحمات التي قد امتلأ بها وعبق بها كتاب الله جل جلاله

فيما يتعلق بالأسر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ليبقى الأمر متسابق ومتساوق ! بعضه مع بعض "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ " أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الأسرة تتكون من زوج وزوجة ثم يأتي الأولاد هذي الأسرة قواعدها السكن والاستقرار يظللها مودة وتتغلغل في حناياها الرحمة، فإذا ما فقدت الأسرة السكن فكان هناك القلق، وإذا ما فقدت الأسرة المودة فحل محلها البغضاء، وإذا ما انعدمت الرحمة من ثنايا الأسرة وحناياها  فحدث ولا حرج عن جيل شقي والعياذ بالله جل جلاله

إن الزوج وهنا نذكر الزوج لا على ما يذهب إليه بعضهم خبّرت من قبل بعضهم أن زوجاً معيناً لا يحفظ من أحاديثه عليه الصلاة والسلام ولا يدري من أحكام شريعة الله عز وجل شيئاً سوى لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، فهو يريد من زوجته أن تسجد بين يديه وقد خاب وخسر هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، هذا يعتبر أعور بالنسبة للنصوص الشرعية

الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قال " إن لنسائكم عليكم حقاً وإن لكم عليهن حقاً " هذا أعور إذ لم ير الشطر الثاني من توجيهاته عليه الصلاة والسلام، بل هو الشطر الأول في تحديداته صلى الله عليه وسلم إن لنسائكم عليكم حقاً وإن لكم عليهن حقاً أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، المرأة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهي أم الأولاد ينبغي أن لا تهان ولا تحتقر ولا تستصغر ولا تسفه ولا تؤذى فإذا ما فعل الزوج ذلك فحقر وقبح وشتم وضرب وربما ضرب برجله بدلاً من يده لأن يده قد شلت !

أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! إذا فعل الزوج ذلك فأي أولاد له سوف تربيهم تلك الأم التي أذلت أيما إذلال، إذا منعها حقها أو إذا أعطاها حقها وهو يمن عليها بذلك، كثيرون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهذه شائكة من الشوك الذي أخذ يسرح ويمرح في المجتمع، إذا ما أعطاها حقها فإنه يتطوس عليها بهذا الحق على أنه منة يمن به عليها هو يسعى ليقطعها عن أهلها ويمنعها من أن تشارك أهلها الأفراح والأتراح هو يقبح كما قلنا بل يسب ويشتم هو يخالف كل ما جاءت به شريعة الله عز وجل من حيث التعامل باللطف واللين بل التعامل بالرحمة والمودة، إذ خلعت المحبة والرحمة من قلبه وهذا الذي قد خلا قلبه من المودة والرحمة، ما تظنون أن يكون سلوكه؟ إذا ما امتلأ القلب بالرحمة فاضت الرحمة على الجوارح وإذا به يقتضي بالحبيب عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

إذا كنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نمثل الجسد الواحد وإذا ما كان هذا الجسد يتكون من خلاياه، وخلايا هذا الجسد الذي يمثل الأمة الاسلامية إنما هي الأسر، يقول عليه الصلاة والسلام مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر أو كما قال عليه الصلاة والسلام، أفيمكن أن نحقق التعاون والتعاطف والتراحم فيما بيننا وهذا قد علمناه علماً كاملاً بيننا في الأسر، لا يمكن أن يكون هذا يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

يقول جل جلاله يحدثنا عن الحبيب عليه الصلاة والسلام وكم من زاوية من زوايا القرآن حديث عن الحبيب عليه الصلاة والسلام وبيان لنبوته وبيان لمقامه وبيان لمهمته وبيان لقيمته وبيان لمنزلته وبيان لدوره يذكرنا به سبحانه وتعالى يذكرنا بالحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لنظل دائمي الاستحضار لشخصيته صلى الله عليه وسلم

قال جل جلاله "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴿١٥٩﴾" لولا أنها خطبة وأعترف بأني أطيل فأتعب لكان الحديث عن كل فقرة من هذه الفقرات حديثاً يحتاج إلى ساعات ولست أبالغ "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ" الرسول عليه الصلاة والسلام أرسله الله رحمة للعالمين هو دور رحمة، "لِنتَ لَهُمْ ۖ " مظهر من مظاهر الرحمة، الزوج الذي لا لين فيه من حيث التعامل والزوجة كذلك معنى ذلك أنه لا رحمة لا في قلب الزوج ولا في قلب الزوجة

"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ " اللين يقابله المخاشنة والجلافة والقسوة وأبعد القلوب عن الله القلب القاسي لأن الرحمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام خلق كريم، وهنا ينبغي أن نمد النظر الرحمة خلق كريم يرق للآلام، المسلمون مضطهدون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بتنا نراهم كما نرى بل دون ذلك مباراة لكرة القدم، وأقول دون ذلك لأنه ربما تحمس منا الكثيرون حينما يشوط أحدهم شوطاً وحينما يركل المسلمون ويقذفون ويقصفون لو كان فيك رحمة لرق قلبك

الرحمة خلق كريم ترق للآلام وتأسى للآثام كما ترحم المظلوم والضعيف تجحم الفاسق العاصي ذلك أنه يلقي بيديه إلى التهلكة، تجحم الكافر لأنه بكفره يسعى إلى "نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" ترحم كل من على الأرض، ترحم الحيوان والنبات ترحم الأشياء كلها، ذلك لأنه لك نصيب من رحمة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لك نصيب من أنوار أسماء الله الرحمن الرحيم الغفور الغافر قابل الذنب أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ثم يقول الله عز وجل "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ " الناس كانوا أشتاتاً فوق هذه الأرض فأرسل الله لهم الرسول عليه الصلاة والسلام وجبله على أكرم الأخلاق لتأتلف القلوب عليه ولتجتمع الأرواح فيه وإذا به عليه الصلاة والسلام مجمع قد تجمع عليه أرواح الصحابة وأرواح المؤمنين عبر الزمان والمكان

يمكن أن نشير إشارة إلى حالة الصحابة لما انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى أخذ قلوبهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ "  العفو والاستغفار والمشاورة

لو أننا حددنا وسريعاً المناسبة التي من أجلها أنزل الله عز وجل "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ " لرأينا الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة يستشير الصحابة من أجل الخروج إلى المشركين حيث أتوا بقبضهم وقضيضهم يريدون إطفاء نور الله في المدينة المنورة، أنخرج إليهم أم نبقى في المدينة؟ لكن الرأي كان مع الشباب إذ وقف الشباب في حماس إيماني، يا رسول الله والله لا يدخلوا علينا المدينة سنخرج إليهم ووافقهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم علماً بأنه قد أروي رؤية رأى فيها واحداً من أهل بيته قد قتل وكان الحمزة رضي الله عنه ورأى بعضاً من الصحابة يذبحون، ورؤيا بها حق ورأى أن المدينة إنما هي حصن حصينة أو درع حصينة لو أنه بقي فيها ومع ذلك أراد أن يقر مبدأ الشورى فخرج ولما خرج كان هناك أناس قد عرفوا هذا الخروج فإذا بهم ينقلبون عن الجيش الاسلامي فرجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش

وهنا في أحد كان ما كان وقد وقع عليه الصلاة والسلام في حفرة بعدما تفرق الصحابة إلا قليلاً منهم وقد شج وجهه الشريف وكسرت رباعيته عليه الصلاة والسلام واستشهد حمزة واستشهد سبعون من الصحابة وأنزل الله عز وجل "فَاعْفُ عَنْهُمْ" ذلك أن الرماة إنما استعجلوا الغنائم فنزلوا مخالفين أمر الرسول عليه الصلاة والسلام "فَاعْفُ عَنْهُمْ" إنهم قد أتوا بفعل وأنت عليك أن ترقى بهم وتسدد خطاهم "وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ" ألا يدل هذا على عظمة رحمة الله عز وجل، وسعة رحمة الله تبارك وتعالى تلك الرحمة التي عرفها الملائكة حملة العرش "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿٧﴾ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ "

أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام كل المخلوقات تعلق علم الله بها "وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا" فحيث امتد العلم امتدت الرحمة، الرحمة غامرة شاملة "وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ " مع أن المشورة الأولى كان من عواقبها ما كان، قال المفسرون هذا من أجل تأكيد مبدأ الشورى المبدأ الذي تخلت عنه الأمة ثم أخذت تستجدي من ههنا ومن ههنا مواضيع وسلوكيات وتدافع عنها بحرارة لو أن مبدأ الشورى ظل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قائماً في الأسر لانتقل إلى ما وراءها لكنه انعدم في الأسر فإذا به يتجبر ويتكبر حتى في الأمور التي ينبغي للمرأة أن تشارك فيها

ومن هنا وجدنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أمام نماذج لعلها من الاختصار بمكان حينما كان يؤتى عليه الصلاة والسلام ببواكير الفاكهة أول قطفة تقطف من الفاكهة كان يضعها عليه الصلاة والسلام على عينيه يقول (اللهم كما أريتنا أولها أرنا آخرها أو كما أريتنا أوله أرنا أخره)، إلى من يعطي هذه الباكورة من الفاكهة إلى الأطفال الصغار ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يرق للجميع فقلبه واسع واسع لا يضيق، وحلمه كبير كبير لا يمكن لأحد أن يعتدي عليه أو أن يسطو عليه كان يعطي هذه الفاكهة بعدما يسأل الله تبارك وتعالى أن يريه الآخر كما أراه الأول يعطيها للأطفال الصغار

دخل بيت أحد الصحابة فوجد طفلاً صغيراً يبكي ، الطفل الصغير يبكي وأنتم ترون عبر شاشات التلفاز أطفالاً يبكون، كم من أطفال قتلوا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ وانطوت صفحتهم فلا وسائل الاعلام تعيدها؟ مع أن هناك من المجرمين ما يعيدون ذكر أساطيرهم صباح مساء، أطفال بالمئات قتلوا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لو كان بيننا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، رآه يبكي فرق له ، والله ما تركه حتى ضحك كان يقول له يا أبا عمير ما فعل النغير ذلك أن بكاء الطفل إنما كان بسبب عصفور صغير مات فحزن عليه الصغير وأخذ يبكي يا أبا عمير ما فعل النغير وما زال يرددها حتى ضحك الولد وكأني ببسمته تشع ضياءاً إلى يومنا هذا ما أروع رحمتك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

أبو مسعود يقول كنا في مسير فرأيت حمّرة عصفور صغير وله فرخان فأخذت فرخيه ومضيت فتبعتني الحمرة أخذت تعرش فوق رأسي بل فوق الرؤوس ورأها عليه الصلاة والسلام فقال من فجع هذه؟ الحمرة عصفور وليست إنساناً، من فجع هذه؟ فقلت أنا يا رسول الله قال رد عليها فرخيها، ورد أبو مسعود الفرخين إلى الأم الحنون العصفور، وكانت وسيلة إيضاح يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لنا، وسيلة إيضاح للأمهات، ووسيلة إيضاح للأزواج، ووسيلة إيضاح للأولاد، ذلك أن الأولاد كذلك إنما هم مطالبون مطالبات بعد مطالبات بأن يقدروا الأباء والأمهات وأن يشكروا للأباء والأمهات وأن يوقروا الأباء والأمهات، كما أن الأباء عليهم ما يجب تجاه أولادهم كذلك الأولاد عليهم ما يجب تجاه أباءهم

فإن شريعة الله قد أتت بكل التفاصيل التي يحتاجها الناس أما قال ربنا جل جلاله وهو يرصد لنا العلاقة بين الأزواج والزوجات "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ "

أما قال جل جلاله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ"، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ "

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ" أما قال جل جلاله وهو يبين الآثار التي تترتب على عقد الزواج الذي هو كما قال العلماء ليس عقد استرقاق وإنما عقد كرامة وشراكة من أجل أن تقوم المرأة بما وجب عليها تجاه اسلامها ذلك أن النساء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قد كلفن بما كلف الرجال إلا في أطر قليل ضيقة

المرأة تبذل في سبيل الله عز وجل والصحابيات فعلن ذلك والمرأة ربما شاركت في القتال من حيث إنها تقوم بأعمال تساعد بها المقاتلين والمرأة إنما تتعلم وتعلم والمرأة إنما تربي قال جل جلاله "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ" أول شهيدة في الاسلام كانت سمية رضي الله تبارك وتعالى عنها

قد كلف النساء بما كلف به الرجال "الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ ۗ"، "أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ ۗ"، "أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ ۗ" إن الذكورة لا تعني الاستعلاء على الاطلاق، أأنت اخترت أن تكون رجلاً؟ عجباً من أمري كيف أتطوس لأني ذكر مع أن الله تبارك وتعالى هو الذي اختار الذكورة علماً بأن الذكورة لها دورها في الحياة كما أن الأنوثة لها دورها في الحياة

"وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ﴿١﴾وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ﴿٢﴾وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ﴿٣﴾إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ" وقد جعل الله عز وجل كلاً من الذكور والإناث هبه منه سبحانه وتعالى "يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿٤٩﴾أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ" الذكورة ليست شرفاً في ذاتها وإنما الشرف في ما تقوم به الذكورة من أعمال جليلة إنما ترسم بها منهج الله عز وجل في ملامح هذه الحياة التي نعيشها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

مباشرة قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم لله أرحم بعباده من هذه العصفورة بفروخها أليست العصفورة قد عرشت؟ أليست قد اشتكت للحبيب عليه الصلاة والسلام؟ كما اشتكى ذلك الجمل

دخل مرة عليه الصلاة والسلام بستاناً وإذا به جمل لما رأى المصطفى عليه الصلاة والسلام حنّ وأنّ وذرف الدموع فمسح عليه الصلاة والسلام جفنيه مسح دموع الجمل قال من صاحب هذا الجمل؟ قال أنا يا رسول الله، قال اتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله عز وجل إيها فإنه شكى لي أنك تجيعه وتتعبه، تجيعه وتتعبه بمعنى تحمله فوق طاقته

تماماً لما رأى عليه الصلاة والسلام أبا مسعود وهو يضرب غلامه، قال أبا مسعود وكان صلى الله عليه وسلم من وراء أبي مسعود، أبو مسعود يضرب الغلام يقول والله سمعت الصوت لكني لم أستفسره لم أستوضحه والرسول يقول صلى الله عليه وسلم أبا مسعود إعلم أبا مسعود إعلم حتى انتبهت إلتفت فإذا بالرسول عليه الصلاة والسلام أبا مسعود كان يضرب غلامه يعني الخادم الذي يخدمه، الخادم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي يحمل فوق طاقته والذي لا تراعى كرامته والذي يجعل دون العبيد في زمن العبيد قال له عليه الصلاة والسلام إعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام اعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام درى أبو مسعود الخطر قال يا رسول الله هو حر لوجه الله قال عليه الصلاة والسلام أما والله لم تفعل ذلك للفحتك النار أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

من ضرب سوطاً بغير حق في هذه الدنيا أقتص منه يوم القيامة، فالرحمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام تشمل الصغير والكبير والحياة كلها لو أن هذه الأمة قد استوعبت حقيقة الرحمة لسعت إلى الكفار من أجل أن تخرجهم من كفرهم بكل أساليب الإخراج

ولو أن هذه الأمة استوعبت أعماق الرحمة لما بقي من يعصي الله عز وجل بين جوانحها ذلك أنها ستسعى جاهدة من أجل أن تقلل من المعاصي، ذلك أن المعاصي مظهر من مظاهر البعد عن الله جل جلاله أما سمعتم قول الله عز وجل "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّـهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ﴿١٠﴾"

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنه قال لنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام  

ما دامت الرحمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام فينا فلا خوف علينا بإذن الله تبارك وتعالى، وقد قرر العلماء أن الرحمة ما إنفكت عن كثير من المواقف كانت الرحمة مع ذي النون وهو في بطن الحوت، والرحمة مع إبراهيم وهو يلقى في النار، والرحمة مع يوسف وهو في غياهب الجب، والرحمة مع يوسف وهو في أعماق السجون، الرحمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام كانت مع الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث كان في غار ثور ومعه الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه

ما دمت مرحوماً فأنت على فراش وثير ولو كان شوكاً، إذا كنت ممن ضيق عليهم في هذه الدنيا على أنك من المرحومين وقلنا إن المرحومين إنما هم لهم صفاتهم في هذه الدنيا واستمع قول الله عز وجل "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٦٧﴾وَعَدَ اللَّـهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّـهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴿٦٨﴾"

يقابل ذلك "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" صورتان متناقضتان متعارضتان المنافق ليس بمرحوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إذ خرج من هذه الدنيا على النفاق "لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴿٦٠﴾مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴿٦١﴾"

أجل ملعون المنافق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ويسعى لتعطيل شرع الله عز وجل ويجاهر بذلك دونما حياء، هذا قلبه إنما مشحون بالنفاق هؤلاء ملعونين كما أخبر الله جل جلاله لكن أولئك الذين "سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ"، هم الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله لذلك جاء اسم الاشارة يدل على علو منازلهم "أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ"

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

صاحب لذي النون وهو من الصالحين يقول فقدت قلبي ! شعرت بقسوة، فأخذ يولول قلبي، من وجد لي قلبي؟ أين أجد قلبي؟ وبينما هو في الطريق يبحث عن قلبه القاسي من أجل أن يزيحه ليرجع له القلب اللين الحاضر مع الله، الخاشع بين يدي الله، يقول فرأيت أماً ومعها ولدها كانت تدفع به حتى أخرجته من باب الدار، طردته ثم رجعت فأغلقت الباب، فإذا بالصبي المطرود يتلفت يميناً وشمالاً يبحث لا يدري أين يذهب، فما وجد غير الباب الذي أخرج منه، فرجع إليه وقال يا أماه إذا أنت أبعدتيني عنك، من يقربني إليك؟ وإذا أنت قد غضبت عليّ، من يرضى عني؟ يا أمي إن أغلقت بابك عني، من يفتح لي الباب؟ ثم بكى وبكى، فإذا بالأم تفتح الباب وتكب على ولدها تقبله وهي تبكي، تقول يا قرة عيني أنت أحللت هذا بنفسك لو أطعتني ما حملتني على ما فعلت بك، بكت الأم وبكى الولد وصاح من فقد قلبه وجدت قلبي وجدت قلبي، لا بد من أن نرجع إلى الله جل جلاله فهو "أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" كما أخبر عليه الصلاة والسلام والله لله أرحم بعباده من هذه لولدها

لهذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نستخلص أنه لا بد للبيوت من أن تراجع حساباتها، من أن تبحث بحثاً صادقاً مخلصاً، أفي ربوع الزوج والزوجة والأولاد رحمة؟ أفي الربوع مودة؟ أفي الربوع سكن؟ ترى إن لم يكن ذلك من السبب؟ وكل من أفراد الأسرة ينبغي أن يتهم نفسه على أنه السبب، ما ينبغي أن يحمل الزوج أمر فقدان هذه الأركان أركان الأسرة الربانية أن يحملها للزوجة ولا الزوجة أيضاً تحملها للزوج، وإنما يرجعان جميعاً إلى حقائق الايمان وإلى عقد الزواج الغليظ الذي أخذه الله تبارك وتعالى علينا ونحن في طريقنا لبناء الأسر  

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إسراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفو عنا واغفر لنا وارحمنا، واعفو عنا واغفر لنا وارحمنا، واعفو عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا، أنت مولانا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.