347 - في إطار الطهارة
خطبة الجمعة    347 - في إطار الطهارة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

الحمد لله ثم الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، أنت الحق وقولك الحق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والموت حق والنبيون حق ومحمد- عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- حق، اللهم لك أسلمنا ، وبك آمنا ، وعليك توكلنا ، وبك خاصمنا ، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون* ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون* وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون* ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

فمجرى الحياة يكون صافياً إذا كان من يتعاملون معه من الصفاء بمكان ، ويكون ملوثاً بمقدار ما يرمى فيه من القاذورات !!! ونحن اليوم حينما نذكر بأن العالم صار قرية صغيرة نذكر هذا بناء على ما تيسر من سبل الاتصالات ووسائل الانتقال السريعة ، ولكن الخطر- ههنا- يتمثل في أننا نتلقى في مجرى حياتنا كثيراً من السلوكيات التي تذهب بصفاء المجتمع الإسلامي والقاذورات التي تتسخ بها نفس المسلم ، والنجاسات التي امتلأت بها الأجواء.

ومن هنا لا بد من وقفة صادقة مخلصة أمام : ما الذي نتلقاه يا ترى ممن حولنا ؟ وما موقفنا يا ترى من هذا المتلقى ؟ وما الذي ينبغي أن نسترجعه في ذوات أنفسنا كي نصل إلى المبتغى ؟ المبتغى الذي جاء- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ليحدده للبشرية قاطبة رضوان الله ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! الغاية القصوى التي يسعى لها السعداء هي رضوان الله ، ورضوانه- سبحانه- هو مطلب الرسل قاطبة- عليهم الصلاة والسلام- رضوان الله إنما سعى إليه الأنبياء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ، بكل السبل المفضية إليه، وسعى إليه الصالحون والشهداء والصديقون، رضوان الله تبارك وتعالى هو المبتغى ، وهناك نحط الرحال في رحاب كرمه- سبحانه- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

لكنه من هو الذي يحط الرحال في رضوان الله ؟ هذا ما حددته شريعة الله تبارك وتعالى ، وجاءت به مبينا أروع تبيين ! يبعث الإنسان على ما مات عليه ، ولعلنا حينما نذكر ذلك كأنما نذكر حكاية أو قصة قد حكتها الجدات عن الجدات، أما حقيقة أن الإنسان يبعث على ما مات عليه ن فهذا يمثل أخطر لحظة من لحظات الحياة حينما نفارق فيها هذه الحياة.

هناك من فارق الحياة- وهو في قعر الوادي- أو فارق الحياة وهو ملطخ بالنجاسات والقاذورات،  أوفارق الحياة وقد ظلم ، أو ركن إلى الذين ظلموا،أو فارق الحياة وهو يقارف المعاصي صباح مساء،أو فارق الحياة وأنفاسه كلها في غفلة عن الله جل جلاله،أو فارق الحياة وهو يريد لمجتمعه أن يكون منقطعاً عن الله جل جلاله، ما يكتفي أنه قد ترك شرع الله عز وجل فلم يلتزم به ، وإنما سعى  ليصد عن سبيل الله تبارك وتعالى، إذا فارق الحياة وهو في الحضيض أيمكن يا ترى أن يحشر هناك في القمة؟؟؟!!!.

رجال تحابوا في الله وتصافوا فيه ينصب الله- عز وجل- لهم منابر من نور، يخبرنا عنهم- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وحينما نذكر ذلك إنما نريد أن نطل إطلالة عبر عينيه- عليه الصلاة والسلام- نريد أن نرفع الستر قليلاً لنتطلع إلى ما نحن راحلون إليه.

ألم يوجه- عليه الصلاة والسلام- الأمة عبر الصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- وهذا التوجيه نحن أمام إحدى فقراته ، يا أبا ذر: أحكم السفينة فإن البحر عميق، واستكثر الزاد فإن السفر طويل، وخفف الظهر فإن العقبة كؤود ، واخلص العمل فإن الناقد بصير.

 هذه هي من الحقائق التي جاءنا بها- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- الحقائق ، أو من الحقائق التي بناها أو بنى بها النفوس، النفوس التي اتصلت بالله عز وجل معرفة ، فأحبت الله- تبارك وتعالى- النفوس التي طهرت أيما طهارة ، حتى وجدنا بعضهم يلقي بيده بعدما قطعت ، ثم يقول: الحمد لله الذي أراحني منك ، كدت أو أردت أن تدخلي جسدي النار!! كيف كانت حال من زلت به القدم في ساعة غفلة زلت به القدم ؟! وإذا ما رصدنا هنا حال من زلت به القدم فسرق ، فأقيم عليه الحد بعدما استوجب الحد بالقرائن والأدلة والإقرار، بل بالإقرار- وحده- وههنا بعدما ألقيت يده المقطوعة على الأرض إذا به يقول: الحمد لله الذي أراحني منك أردت أن تدخلي جسدي النار!!!.

أي خطاب هذا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بين الإنسان وعضو من أعضائه ؟ أيمكن هذا أن يقارن بأولئك الذين يسعون إلى تعطيل حدود الله عز وجل ، يريدون ألا يكون قصاص ، وألا يكون حد من حدود الله- تبارك وتعالى- أولئك الذين حينما يرون ، أو حينما يرون السارق يسرق تتبلد مشاعرهم ، وتتجلط أحاسيسهم ، حينما يثب إنسان على مال محرز لإنسان آخر فينتهبه يسرقه!!!.

حينما يسطو ساط على عرض من أعراض المسلمين ، حينما يعتدي معتد على نفس محرمة أن تقتل ، إذا به يقول: إن هناك تهويلاً في عدد القتلى ، وكأنما الأمر يتعلق بأنه لا حساب إلا إذا قتل ألفا !!! ما التهويل ؟ قال:إن التقارير بلغت مبلغاً مع الإحصاءات الدقيقة وجدنا بها أن القتلى قد قاربوا الثلاثين!!! هو يتحدث عن ذباب !! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

هؤلاء الذين يرون الجريمة ، ولا تشحن قلوبهم من المجرم حينما يوقع جريمته ، وإنما يصبحون من ذوي الملكات الإنسانية الشفافة الرقيقة الهامسة على المجرم حينما يطالب بإقامة حد من حدود الله- عز وجل- عليه !! هؤلاء إنما انعكست فطرتهم تماماً كانعكاس تلك الفطرة التي رصدها كتاب الله، أتظنون بأن كتاب الله عز وجل فيه حرف من حروفه ليس له معنى ولا مغزى؟؟ أتظنون بأن كلمة قرآنية من الكلمات القرآنية يمكن أن تكون هكذا قد وردت دون أن تكون لها وظيفة ، أوتحقق مقصداً ، أوتؤدي معنى أوتكشف عن حقيقة.

لماذا أخبرنا الله- عز وجل- عن لوط عليه الصلاة والسلام حينما اشمئز من سلوك قومه أيما اشمئزاز، فإذا به يقول "إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون" وفي سياق آخر بل "أنتم قوم مسرفون" جمعوا إلى الجهل، الإسراف في الجهل ، ركبوا أهوائهم ، ولو أن واحدا اليومً قام مقام لوط- عليه الصلاة والسلام- فإذا به ينصح مجرد نصيحة ،لأقاموا عليه الدنيا ،وشنوا عليه الغارات ، ولاحقوه بالاعتداء على الحريات العامة !!!والطامة أن هناك قوانين سنت لحماية أولئك الذين يرتكبون هذه الفاحشة التي ما رضيتها فطرة سليمة ، أو قريبة من السليمة ، وكأن هؤلاء المدافعين عن الحريات يشربون من مشرب قوم لوط يوم نصحوا ، بفارق ، هو أن سلفهم طالبوا بالإبعاد عن البلاد" أخرجوا آل لوط " !!وهؤلاء : لا أدري ما يمنعهم اليوم من مثل هذه المطالبة ؟لعلهم لم يصلوا إلى القعر الذي تدهده فيه سلفهم الطالح!! الذين " قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" وهنا على ذكر التطهر جاء قولهم " إنهم أناس يتطهرون " على سبيل الاستهزاء.

وإذا ما قيل لمجرم اليوم ، يسلك هذا المسلك المشين ،أنت على مسلك قوم " لوط " عليه السلام ، وقدعاقبهم الله- تعالى- عقوبتين ، الرجم والتنكيس !! يحاكمك أمام القضاء الذي يحميه !!   فأنى للمجتمعات البشرية اليوم أن تحقق السعادة التي هي مطلب النفوس بعامة ، وهي مقطوعة عن الله جل جلاله معرفة ومحبة وطاعة ، وهي غافلة أيما غفلة عما جاء به الرسل- عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- لا!!! يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- نقول: لا وألف !! لا لأننا بين يدي حالة مزرية من أحوال البشرية اليوم ، ولا يغرننا كثيراً تلك الإنجازات المادية التي وصلوا إليها، هم منقطعون عن الله!! وأي خير بعد الانقطاع عن الله؟! هم جاهلون بالله ! وأي خير يمكن أن يتأتى من الجهل بالله عز وجل؟ هم بعيدون عن منهج الله ، وأي صفاء ونقاء أو ارتقاء وعفاف وتقوى ، يمكن أن تتحقق مع البعد عن منهج الله- تبارك وتعالى-.

ربى- عليه الصلاة والسلام- الصحابة الكرام رضي الله عنهم : على معرفة بالله، وعلى محبة الله التي هي ثمرة المعرفة الحقة ، ولا بد إلا أن تكون المحبة مزدهرة حيث تمكنت المعرفة ، ورباهم كذلك على التعلق بالله، طهرهم بالمنهج الذي أكرمنا الله عز وجل به ، وهنا نذكر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بأن قضية الطهارة حينما تعرض على المنابر، الأصل ألا نعرض" الطهارة من النجاسات ، من الأحداث والأخباثفحسب ، ذلك ، لأن موضوع الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر، والطهارة في الثوب والمكان والجسد من الأخباث أو من النجاسات ، هذا مكانه الدرس الفقهي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

ولكن الذي ينبغي أن يذكر به ، وعلى المنابر أن هذه الشريعة إنما طرحت قضية الطهارة حيث- طرحتها- بأعمق معانيها ، وأوسع مبانيها ، طهارة تشمل العالم كله، طهارة : إنما يمثلها الإصلاح في الأرض، طهارة إنما يمثلها عمق الصلة بالله جل جلاله، طهارة في الباطن والطهارة في الظاهر، قال عليه الصلاة والسلام : "الطهور شطر الايمان" والعلماء قالوا ههنا الشطر بمعنى النصف ، لأن الإيمان ومتعلقات الإيمان إنما يمثلها منهج الله عز وجل في" افعل ولا تفعل"

فالطهارة كي تكون تامة فيك- أيها المسلم- وأنت في زمن كله عكر، وكثير منه قاذورات،إننا نعيش في زمن ، إنما تصب في بيوتنا قنوات ، لا تتورع عن أي رذيلة من الرذائل، حتى صار التهتك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لوناً من ألوان الفنون الجميلة التي ترعى فيها الأعين الخائنة التي أمرت بالغض، ولكنها فنجرت ناظريها إلى المغضوض عنه ، أو ينبغي أن نغض عنه !! فإذا بها ترعى في الأجساد الكاسية العارية.

" الطهور شطر الايمان " إذا قمت بما طلب الله- عز وجل- منك ، وانتهيت عما نهى الله عز وجل عنه ، معنى ذلك أنك قد أتممت الطهارة، والطهارة : قسمان حسي ومعنوي، أما الحسي فمكانه دروس الفقه ، وأما المعنوي فالطهارة المعنوية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام تعني أن تتحقق بحقائق التوحيد باطناً ، وبمعرفة صفات الله وأسماء الله عز وجل باطنا ،ً وأن تعمر القلب بكل ما يقرب من الله جل جلاله.

ولعل أولئك الذين أخبرنا عنهم الرسول- عليه الصلاة والسلام- بقوله: " اعقلوا واعلموا أن لله عباداً ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ،ويغبطهم النبيون والشهداء لمكانهم وقربهم من الله...قام أعرابي فقال: يا رسول الله !من هم ؟ حلهم لنا ،،فسر وجه رسول الله لقول الأعرابي نفقال : " هم قوم لم تصل بينهم أرحام متقاربة ،  من أفناء الناس ، ونوازع القبائل ، تحابوا في جلال الله- عز وجل- وتصافوا فيه  ، وتزاوروا فيه ، وتباذلوا فيه ، يضع الله لهم منابر من نور فيجلسون عليها ، وإن ثيابهم لنور ،ووجوههم نور ،لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يفزعون إذا فزع الناس ،أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" أي : يغبطهم الأنبياء والشهداء من مكانهم من الله ومجلسهم من الله- جل جلاله- أناس يحدثنا عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأنتم منهم ، أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- يغبطهم الأنبياء ويغبطهم الشهداء، على ماذا؟ على مدى قربهم من الله ، ذلك لأنهم قد استفرغوا- في دار التكليف- جهدهم وطاقاتهم في التقرب من الله- جل جلاله- في أنفاسهم عطر الذكر، في أقوالهم عطرالكلام الطيب، في أفعالهم إنما حلاوة السلوك الرباني وطلاوته ، هؤلاء تقربوا من الله فقربهم الله عز وجل.

فإذا بأعرابي يأتي ليقول يا رسول الله! صفهم لنا؟ انعتهم لنا؟ أي بين لنا نعتهم وصفتهم ، أرأيتم إلى هذا الأعرابي الذي أراد أن يكون منهم،ولم يكتف بسماع ما أخبر عنه الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، والذي يبذل النصائح للمجتمع البشري قاطبة ، لعله يرقى إلى أعلى المعارج !  لم يسأل عن نعتهم لمجرد المعرفة التي يسعى إليه الكثيرون اليوم دون أن أن تكون ثمة رغبة في التمثل الذي عنه نسأل يوم القيامة ! ،بل سأل ليتمثل المضمون السعيد المسعد ، كيف يمكن أن يحقق نعتهم في نفسه ، ذلك النعت الذي رفعهم ، ذلك أنه لا أنساب بيننا وبين الله عز وجل إلا أن نحقق نسب العبودية لله- تبارك وتعالى-.

فسر- عليه الصلاة والسلام- من سؤال الأعرابي ، لما يتراءى من ثناياه الرغبة الصادقة في الانضمام إلى هؤلاء الركب المبارك المقرب ! فقال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- : هم من أفناء الناس ، ونوازع القبائل ، ليس بينهم أرحام متقاربة ، وليس بينهم من أمور الدنيا ما بين أهل الدنيا ، وإنما هم قوم تحابوا في الله ، وتصافوا، صفت قلوبهم ، بعضهم إلى بعض ، فإذا بهم يقبلون على الله- جل جلاله- بنفوس صافية طيبة طاهرة، ذلك أنهم قد طهروا ذواتهم من الباطن بالتوحيد ، فهؤلاء ينصب الله عز وجل لهم منابر من نور، ويجلسون عليها ، ويجعل وجوههم نورا ، وثيابهم نورا ، هؤلاء لا يفزعون إذا فزع الناس ، ولا يخافون إذا خاف الناس "أولئك اولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" أو: كما أخبر عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

يقابل الطهارة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ههنا النجاسة، النجاسة إما حسية ، وهي التي ترى بالحس ، وإما معنوية ، وهي التي ترى بالبصيرة ، ونحن بحاجة ماسة إلى أن نتعرف إلى النجاسات المعنوية التي لا تراها إلا البصائر، أما إذا ما عميت البصائر فهيهات أن ترى النجاسات المعنوية. يسرق السارق ، ويرتشي المرتشي ، ويكذب الكاذب ، ويدجل المدجل ، وينافق المنافق ، ويخذل هذه الأمة الذي يخذل هذه الأمة ، كلها من نجاسات السلوك ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

النجاسة المعنوية : كبرى وصغرى ، أما النجاسة الكبرى فهي الشرك بالله عز وجل ، لا يمكن أن يكون هناك مشرك بالله جل جلاله ، وليس فيه من النجاسة المهلكة ، النجاسة الكبرى " إنما المشركون نجس " أنستحضر هذا المعنى- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ونحن نتعامل مع المشركين الذين جعلوا مع الله ألهةً آخرى؟!! أما النجاسة المعنوية الصغرى فهي الأخلاق النفسية القلبية الذميمة : الغل- الكبر- الحسد- العجب- الغفلات!! كلها من النجاسات المعنوية الصغرى.

بم تزاح النجاسة الكبرى ؟ بالتوحيد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ن وهنا تبرز لنا كلمة التوحيد رائعة رائعة ، متلألئة في سموات الوجود ، أما سماها الله عز وجل " الكلمة الطيبة " والطيب إنما هو بخلاف النجس ، ولقوة طهورية" لا إله إلا الله محمد رسول الله " فهي كفيلة  أن تزيح من قلب المشرك بعدما أشرك بالله عز وجل مئة عام من الشرك ، وتصله بالله- تعالى- بعد طول الانقطاع ! كفيلة بأن تتطيح بكل الشرك من قلبه ، إذا ما قال مخلصاً " لا إله إلا الله محمد رسول الله "

هي الكلمة الطيبة ، ومن هنا قال جل جلاله : "وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد" أما سمعتم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بتفسير قوله- تعالى- " وهدوا إلى الطيب من القول " هي : لا إله إلا الله، هي الحمد لله، هي سبحان الله، هي الله أكبر، أليست هذه الحقائق التي جاءت بهذه الباقيات الصالحات من الحقائق التي ينبغي أن تملأ الجوارح ، إذا كانت ذاتك قد امتلأت بحقائق التوحيد والتنزيه لله عز وجل ، بحقائق تعظيم الله تبارك وتعالى ، وشهود مجالي جمال الله عز وجل ، وكماله ، معنى ذلك أن الجوارح لا بد من أن تطهر، ومن أن تطيب.

ومن هنا جاءت شريعة الله عز وجل لتبين أن القلب لا بد له من أن يطيب ، وأنه إذا ما طاب القلب بمعنى " صلح " لا بد للجوارح من أن تنساق وراء صلاح القلب وطيبه،وتنهل من أنوار ما امتلأ به ، ومن هنا المسلم طيب ، والمجتمع المسلم مجتمع طيب، وهنا تعدو علينا عاديات الاستعمال الرديء للكلمات ، وإضفاء الصفات دون وعي !!! فإذا بنا نذكر على استحياء حيث نقول : " فلان طيب " وربما أردنا به أنه أبله ، أو أنه سطحي ، مع أن الشريعة جاءت لتقول إذا زار أخ أخاً له في الله ، رصد الله عز وجل له على مدرجته ملكاً  ، ليقول له:" طبت وطاب ممشاك"أجل يدعو له ، ويحدد مضمون الدعاء " بالطيب ": طبت وطاب ممشاك ، إذا كنا قد طاب لنا سلوكنا ، وطابت لنا أقوالنا ، وطابت لنا تصوراتنا ، وطابت لنا أخلاقنا ، معنى ذلك أننا المجتمع الطيب ، وهو الذي تتلقاه الملائكة هناك في ساحة العرض على الله- تعالى- متى يا ترى ؟ حين يأتي تأويل قوله- تعالى- "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين".

الجنة طيبة! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، والشريعة التي جاءنا بها عليه الصلاة والسلام شريعة طيبة! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ونحن لا يعكر صفو طيباتنا من حيث التزامنا بشرع الله عز وجل إلا مجموعة من الدسائس ، سواء كانت من داخلنا ، أووافدة على مجتمنا من خارجنا، أما إذا رجعنا إلى أنفسنا وجدنا أنفسنا أمام الحقيقة التالية التي لا بد لنا من أن نذكرها ، نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه ، فيا فوز المستغفرين.

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آل سيدنا محمد ، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! ربنا جل جلاله قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

وبعد ، أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، لو أننا أصغنا إليه- صلى الله عليه وسلم- وهو يناجي ربه ، وهو في مناجته يأبى إلا أن يعلمنا ، كان يقول في جملة ما قال "اللهم إني أسألك باسمك الطاهر الطيب المبارك الأحب إليك! الذي إذا دعيت به أجبت ، وإذا سألت به أعطيت ، وإذا استرحمت به رحمت ، وإذا استفرجت به فرجت" ويتابع- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- يعلم الأمة كيف يكون حالها باستمرار مع قضايا التلوث، التلوث في التصور، أو في السلوك ، في الأقوال في الأفعال ، في التروك، حذاري أن تكون ظالماً أو أن تكون مع الظالم ، أو تركن للظالم ، أو أن تسكت عن الظالم ، يقول "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ن اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد".

والعلماء يعلقون ليؤكدوا حقيقة ، ينبغي أن نذكر بها في هذا السياق ، وهي أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- معصوم ، وقوله هذا فيه مخ العبودية لله عز وجل ، وروعة التواضع بين يدي الله- تبارك وتعالى- وروعة التربية والتوجيه ، والتسديد لخطى هذه الأمة، ذلك أنه يعلمنا كيف ننطرح على باب الله تبارك وتعالى لنقول "اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المغرب والمشرق" لنقول "نسأل الله أن يطهرنا من الذنوب ظاهراً وباطناً كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس" ألا ترى معي بأن من رأى منا من يلبس ثوباً أبيض ، عليه قاذورات يستقذره، ذلك أن القاذورات الحسية ترى بالعين، ولكن القاذورات المعنوية خطيرة مهلكة ،ولولم ترها العين ، بل هي أخطر من الحسية بمرات !!! يقول عليه الصلاة والسلام "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، هذا ما وجهنا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام

وقد جاء التوجيه لأبي ذر الذي بدأت به حيث قال له الرسول- عليه الصلاة والسلام- ... " وخفف الظهر ، فإن العقبة كؤود" ملحوظات سريعة- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- كلمات محددة: ما معنى خفف الظهر فإن العقبة كؤود" ؟ نحن راحلون إلى الله عز وجل ، وحيث ترحل إلى الله عليك أن تستكثر من الزاد، قال : هو لا يحب أن يرحل إلى الله!! الرحيل إلى الله أمر قدري- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ليس باختيارك يابن آدم ! الرحيل إلى الله عز وجل لا يعفى منه مخلوق، كيف يعفى مخلوق من الرحيل إلى الله عز وجل، والله جل جلاله يقول "كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة".

قال العلماء تخفيف الظهر من الحمل ، حذار أن تغادر، وفي عنقك مظلمة لأحد كأناً من كان، وهنا لو أن من أقامه الله عز وجل على رعاية الأمة قصر في حق الأمة ، إذا قصر في حق نفسه فهو مسؤول أمام نفسه ، أما أن يقصر في حقوق الأمة فهذه الطامة الكبرى في حق ذلك الذي قصر في حق أمته!!!.

 " وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما " أجل : أي خيبة أكبر من الخيبة التي يقبل فيها العبد على الله جل جلاله، وهناك ينادي المنادي " لا ظلم اليوم "ويقول كما في الأثر " وعزتي وجلالي لا يغادرني اليوم ظلم ظالم ، ولو بلطمة كف " أن تتحلل من الآن من كل المظالم هو من تخفيف الظهر ، الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يودع هذه الدنيا يصعد المنبر، الصادق المصدوق- عليه الصلاة والسلام- المعصوم عليه الصلاة والسلام الذي أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة عليه الصلاة والسلام يصعد المنبر فيقول :" كل من في عنقه مظلمة لأخيه ، أو شيء ، فليتحلله منه اليوم قبل يوم القيامة ، حيث لا درهم ولا دينار" أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ثم ماذا قال؟ قال " من جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه ، ألا من شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه ، ثم نزل عليه الصلاة والسلام فصلى الظهر ثم صعد ثانية ، وهو يودع الأمة قاطبة ، يودع البشرية قاطبة إذا به يقول : لا يمنعنكم خوف الفضوح فضوح الدنيا من أن تؤدوا ما لديكم ، من كان عنده شيء فليؤده ، ولا يقول فضوح الدنيا ، فإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة ، أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

أما المعنى الثاني لقوله :" خفف الظهر"فهو أن الله- عز وجل- قد حملنا فرائض وواجبات وسننا، قالت لي امرأة يوما : جاءتنا امرأة ، فإذا بها تقول: ما طلب الله عز وجل منا طاعات وما طلب منا لا صلاة ولا صيام ولا حج !! فقلت: أهذه التي تتكلم بهذا مسلمة ؟! قالوا: نعم مسلمة ، وتصلي ،لكنهم لما قيل لها لم أنت تصلي إذن؟؟؟ قالت : أصلي ، لأني تعودت على الصلاة ، هذه ولو صلت ما تقبل منها صلاتها ، ومثل هذا الانحراف الخطير في التفكير إنما مرده للجهل المطبق ، والاستغراق في اتباع الهوى والشهوات!!! أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال- تعالى- " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً" الأمانة- هنا-  بمعنى كل التكاليف، فخفف الظهر، بمعنى أد الأمانة التي ائتمنك الله عز وجل عليها ، قم بما أمرك الله عز وجل أن تقوم به.

وأما الثالثة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فهي من الخطورة بمكان ، إذا ما حمل على ظهره الإيذاء ،" والذين يؤذون المؤمنون والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً " الإثم العظيم ، نجد أنفسنا ههنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أمام حركة اللسان التي تنتهك الأعراض ، وأمام حركة الأعين التي تنتهب الاجساد ! وأمام حركة الأيدي التي لا يسلم منها مسلم! هذه كلها إذا ما توغلت في الشرور معنى ذلك أنه قد كدس ، قد حمل فوق ظهره حملا ، ما أثقله!! والرسول عليه الصلاة والسلام يحذر من هذا وينبه إليه بقوله " خفف الظهر فإن العقبة كؤود"

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

اللهم ربنا اجعلنا أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك ، نسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ، ولا هماً إلا فرجته ، ولا غماً إلا كشفته ، ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا سلمته ورددته ، ولا عاصياً إلا هديته ، ولا عدواً للمسلمين إلا قصمته ، ولا عدو للمسلمين إلا قصمته ولا عدواً للمسلمين إلا قصمته، اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ، ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.