348 - في إطار الأسرة
خطبة الجمعة    348 - في إطار الأسرة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى، ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

أرأيتم إلى الأرض العطشى التي تتململ تحت وطأة الموت كيف تستقبل غيث السماء الذي يهطل عليها مظهراً من مظاهر رحمة الله تبارك تعالى؟!!إنها تكون كما قال ربنا- جل جلاله- "وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" كذلك جاءت شريعة الله- تبارك وتعالى- إلى أرض الدنيا لتحييها حياة ربانية، لتصلح ما دب من الفساد إليها ، لتقيم النفوس بين يدي رب السموات السبع ورب العرش العظيم، لتصلح السلوك فإذا به سلوكاً ربانياً، نزلت لتصلح القلوب ن وتزكي النفوس ، ولتسدد الخطى إلى رضوان الله جل جلاله، نزلت لتعيد هذا الإنسان إلى مكانته التي خلق من أجل أن يحقق فيها وظيفته الكبرى تحقيق العبودية لله جل جلاله.

وفي هذا الإطار يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أجدني بين يدي عطر من عطور الماضي ولا عطر بعد عطر عروس كما يقولون ، عطر تنفحه مواقف ربانية صنعتها أسر إسلامية ربتها شريعة الله عز وجل على عينها ، تطل علينا تلك المشاهد من عليائها ، لأننا بحاجة ماسة إلى أن نقرأها ، إلى أن نفتح لها الصدور، لعل الأنوار تملأ الصدور، ولعل العطور تملأ المشام خشية أن تزكم بنتن كثير من المشاهد الحاضرة !!

مع هذا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- نورد نصاً بل نصين ، الأول: إنما ذكره باحث إسلامي توفي رحمه الله تبارك وتعالى بعدما خلف لنا ثورة فكرية رائعة ، ودراسات مسددة، ونص آخر إنما كتبه رجل أتى إلى البلاد الإسلامية وأخذ على عاتقه أن يوربها ، أي: أن يخرجها من قيمها وشريعة ربها وأخلاقها وتصوراتها وعاداتها الاجتماعية التي أقرتها شريعة الله تبارك وتعالى ، منصًر كتب كتابات ، وكان له بعض الأثر في حياة هذه الأمة نحن بحاجة إلى أن نقرأه.

 

أما النص الأول فقبل أن نقف قبالة ذلك المشهد الرباني الذي ربما استغرقنا أيما استغراق يقول محمد محمد حسين وله مجموعة من الكتب ، منها كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر، والعنوان ربما أخذ الأذهان إلى رحاب الآداب : الشعر والنثر والحكمة، صحيح هو تناول هذا ، ولكن كانت دراسته للآداب ، ولما نضحت به الأقلام ، تنصب على ما جد في ساح الأمة الفكري ، يقول ما قضية التغريب؟ قلنا : التغريب أن يخرج المجتمع من إسلامه ويزج به زجة واحدة في المجتمع الغربي، وهذا لا يخفى على الكثيرين يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حيث ما زلنا نسمع أو نقرأ كثيراً من الدعوات التي تلح على أن هذا المجتمع الاسلامي يجب عليه أن يصحح مساره ، ويجب عليه أن يحكم المصطلحات العالمية التي صاغ الغرب بها حياته في كل شأن من شؤون الحياة ، اللهم، إلا في الرقي العلمي الذي هو الذي يظهرنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- متخلفين عن الغرب .

هم يفتحون لنا كل الأبواب، إلا الأبواب التي بها نستغني عنهم  في صناعاتنا، إلا الأبواب التي إذا ما فتحت لنا ، وما أيسر أن تفتح لو أخلصنا التي تطلعنا على كثير من حقائق هذا الوجود ، تلك الحقائق التي وقف عليها أولئك فسبقونا أيما سبق ، بل تمكنوا بسبقهم من أن يهيمنوا على العالم الإسلامي كله ، إلى جانب عوامل أخرى خطيرة!!

ربما تحرشوا بنا في أخص خصائص شريعتنا ، ولعل مسألة الأحوال الشخصية ، وإقامة المحاكم الشرعية ، من هذا الضرب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ن ولعل ما يسمى بحرية المرأة من منظور غربي ، هو الذي يفرض أو يسعى أولئك إلى فرضه، يقول: قضية التغريب قامت على ركنين.

الركن الأول أن يحشروا أولياءهم وأصدقائهم ، ثم يمكنوهم من سدة التوجيه ، ويتعرضوا لخصومهم الذين لا يرتضون مناهج أولياء الغرب والتغريب ، ولا أصدقاء الغرب والتغريب، يقفون في وجوههم يحاصرونهم أيما حصار، يضيقون عليهم أيما تضييق ، يسعون إلى التشويه ساعة بعد ساعة ، ونفسا بعد نفس!! هذا هو الركن الأول. وقد تمكنوا من أن يقيموا ذلك في كثير من البلاد الإسلامية.

والركن الثاني: هو أن يسلط هؤلاء الأتباع الذين قد تغربوا ظاهراً وباطناً ، سلوكاً وتصوراً ، منهج حياة ، أن يسلطوا على مناهج التعليم ووسائل الإعلام، من أجل أن يستلموا الجيل من مرحلة الحضانة ، ولا يتركونه حتى بعد تخرجه من الجامعات، ركنان ولعل هذا الذي ذكر ذلك قد أخذ بعضه من النص الثاني الذي سطره منصًر جاء إلى البلاد الاسلامية وأخذ يتابع هذه القضية أيما متابعة ، وأخبث متابعة.

يقول: علينا- وهذا النص لذلك المنصًر- علينا أن نجعل الشجرة ، يقطعها أحد فروعها ، يريد بذلك أن المنشار الذي يوضع على جذع الشجرة ، إن كان بيد غريبة ، فهذا يستدعي الاستنفار التام، أما إذا تمكنا من صنع اليد التي هي فرع هذه الشجرة العملاقة ، عند ذلك ربما يغر الكثير أمام هذا النشر والاستئصال ، ثم يتابع ليأتي بطرفة في الحقيقة ، لكنه يوظفها ، هناك ما يسمى بالفيل العميل، ما الفيل العميل؟ قال رصد علماء الحياة أن الفيلة تأبى وتنفر، ولكنها لا يمكن أن تستروض ، بم يا ترى؟ بفيل عميل، يأتى به بعد أن يروض ، بعد أن يسقى سقيا بعد أخرى، فكراً وسلوكاً ومنهج حياة ، وربما دغدغوا على مشاعره الشهوانية، فإذا به يصبح أهلاً لأن يدخل ضمن الفيلة المستنفرة، ماذا يفعل الفيل العميل؟ لا يزال يحدث بقية الفيلة ،ويكتب لها ، وتخدع به ، لأن جلده كجلدها ، أو لأن جلودها كجلده، ولأن صوته كصوتها ، أو لأن أصواتها كصوته، فإذا به يمكنه بهذا إلى أن يقود القطيع ، كل القطيع إلى حظائر الصياد الماكر.

عم نتحدث يا ترى؟؟ لعلنا حينما نطرح هذا السؤال أجدني قبل الدخول في ذلك المشهد أقول: إن المجتمع مجموعة افراده ، وإن الأفراد ، إن لم تكن لهم محاضن تحضنهم لتؤسس فيهم الحقائق وتربي فيهم القيم وترعاهم تربية تتناول الأجساد والنفوس والعقول ، معنى ذلك أن مجموع المجتمع الذي يتكون من مجموع أفراده لا قيمة له ، إنما هو" كم " ولا يعدو الكم العددي!! أما إذا ما أردنا أن ننظر إلى مجتمع من المجتمعات على أن يكون قمة من القمم ، في التماسك والتعاون والبر والتقوى والحث على الخير والإيثار والأخلاق الربانية الكريمة التي جاء بها الرسل- عليهم الصلاة والسلام- لا بد لنا من أن نعتني باللبنة الأولى من لبنات المجتمع.

اللبنة الأولى بالاتفاق إنما هي الأسرة ، وقد راعى كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام بل وسيرته صلى الله عليه وسلم  قضية الأسرة رعاية من أرقى الرعايات، ذلك أن الأسرة التي تتكون من زوج وزوجة ابتداءً بعقد نكاح شرعي ، الأسرة التي تقوم على أركان راسخة في النفس البشرية.

الركن الأول : هو ركن الزوجية الذي بثه الله تبارك وتعالى في كل المخلوقات ، ولعلنا لو كان هناك المجال واسعاً لتمكنا من عرض مجموعة من الحقائق التي تميط عن مثل قول الله عز وجل "ومن كل شيء خلقنا زوجين" لنتبين أن القرآن الكريم إنما تضمن الكثير من الحقائق الكونية ، وإنما رشحت بعض آياته ببعضها ، فإذا بنا أمام مجموعة من الحقائق التي تناولت قضية الزوجية التي عمت الجماد والنبات والحيوان، الركن الذي هو السكينة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- والثالث : إنما هو ركن المودة ، والرابع: إنما هو ركن الرحمة.

البيوت التي أقامها الزوج والزوجة ، وكل منهما قد عرف الله جل جلاله، وكل منهما قد اتقى الله جل جلاله، وكل منهما قد تخلق بالأخلاق الإسلامية الراقية العالية الصافية السامية، إن هذه الأسرة هي المحضن الذي إذا ما جاء الأولاد من بعد تربوا في ذلك المحضن ، فإذا بالأم لا تكتفي برضاع ولدها من ثديها ذلك الحليب الذي يشكل جسم المناعة أو جهاز المناعة ، فهي تغذي فيه المناعة الجسدية ، كذلك ترضعه حب الله، وحب رسول الله، وحب الجهاد في سبيل الله، ترضعه القيم الربانية التي بها تسعد البشرية. وإلا إذا فقدت الأسرة السكن "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".

العلماء ، وهذه قفزات ، بل إشارات ، بل لفتات لا بد لنا من أن نرعاها رعاية كاملة ، إذا فقد البيت السكن اضطرب الجيل الذي يتربى ضمن جدران هذا البيت ، ولو فرضنا أن السكن قد فقد، ننتقل مباشرة إلى المودة فإذا بالعلاقة بين الزوجين ترفرف ظلالها على الجيل من حيث المودة ، فيتعامل الزوج مع الزوجة ، وتتعامل الزوجة مع الزوج على أساس الود، والمودة إنما هي المظهر السلوكي للمحبة.

لو افترضنا أن المودة قد جفت ينابيعها لأن هناك من الأيادي من يسعى إلى أن لا يبقى البيت سكناً ، ولا تظلله المودة ، بل يراد من البيوت أن تتلظى ناراً على أعضائها، لو افترضنا أن المودة قد تقلص ظلها- هنا-  تأتي الرحمة ، لكن لو أننا فقدنا السكن والمودة والرحمة لا يبقى إلا ما جاء به شرع الله- تبارك وتعالى- علاجا لما وصل أمر الأسرة من تدهور في العلاقة بين الزوجين !! ألا وهو" الطلاق " يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

في المقابل حينما يراد تفكيك المجتمع ، لا بد من تحطيم الأسرة ، ومن هنا كثير من الدارسين الذين يريدون للأمة الاسلامية أن تتغرب قد أكدوا على أمور منها أن القرآن الكريم ينبغي أن يقصى من بين أيدي المسلمين ، وإن كان الكثيرون الذين يقرؤون كتاب الله عز وجل إنما ينالون من قراءتهم لكتاب الله عز وجل الثواب .

وهذا ينبغي أن يذكر به مرة بعد أخرى ،  نقول: القرآن ينبغي أن يقرأ على أنه هو المصدر الذي يصوغ بواطن الأفراد وظواهرهم وأخلاقهم وسلوكياتهم ، ويقرأ كتاب الله عز وجل و يتعرف التالي  إلى النماذج التي أثنى الله عز وجل عليها ، وهنا ينبغي أن أبحث عن نفسي في تلك النماذج الفاخرة.

وهكذا ، قال قائل المتربصين بالأمة: القرآن الكريم ما دام بين أيدي المسلمين ، فإنا لن نتمكن من أن نبطحهم أرضاً ، ومكة المكرمة ما دامت قبلتهم كذلك !! يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- مؤامرات بعد مؤامرات تريد أن تنسف مكة المكرمة من وجود المسلمين ، أقصد بذلك الحج ، أقصد بذلك القبلة ، التي تلتف حولها أمة محمد- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن الجهات الأربع التي تحيط بمكة المكرمة.

أما الأمر الثالث وهو الخطير : الأسرة ن قالوا لابد ، لا بد من أن تفكك الأسرة ، وإذا ما فككت  عاش كل فرد ، ولو كان ضمن أسرة اسمية ، عاش منفرداً يواجه الحياة وحده ، بآراء متمردة ن لا على والديه فحسب ، وإنما على المجتمع كله من أوله إلى آخره.

أسقط الكماليون بعدما وثبوا على السلطة بمعاونة يهود الدونما أسقطوا الخلافة سنة أربع وعشرين وتسعمائة وألف ، وصدرت القرارات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- نسوق هذا من أجل ألا نخدع بالشعارات التي ترفع بين الحين والآخر ! قضية التقدمية والتطور والازدهار!! هذه ألفاظ مشرقة في الأسماع ، ولكن المضامين ، ماذا يقصدون بمثل قولهم التطور والازدهار؟؟ ليسمع ما الذي وقع في التاريخ ، ورفضه التاريخ.

القرارات: منع الحجاب ، منع الأذان، منع التكلم باللغة العربية، منع التدريس باللغة العربية، منع غطاء الرأس ، لأن غطاء الرأس للرجال ، إنما يعني صبغة يأبى أولئك أن يروها في المجتمع، إزاحة للمظاهر الإسلامية في المجتمع، وأقول هي مظاهر، ولكنها جاءت معبرة ،وهؤلاء ضاقوا بالحجاب، ولم يضيقوا بالجهل الصناعي.

لو أنهم أصدروا قرارات لإنشاء مصانع في مشارق الأرض ومغاربها عندهم ، لقلنا هؤلاء قد أخلصوا دينهم لله عز وجل ، ولكنهم ضاقوا بالحجاب، بل ، وصدر القرار الخطير الذي فيه إقامة المحاكم المدنية لإقامة العقود عقود الزواج بدلاً من المحاكم الشرعية.

وهذا قضاء منهم أنه يحل للنصراني أن يتزوج مسلمة إذا قبلت بذلك ، لايمنع منه القانون !!، وكان النتاج المر سنة ست وعشرين وتسعمائة ألف ، تحركت باخرة- ونحمد الله تبارك وتعالى- الذي لا يحمد على مكروه سواه ،على أن كل هذا الألم قد طغي اليوم أو كاد ، باخرة على ظهرها خمس وعشرون فتاة انتقين من الفتيات اللائي قد تغربن تغرباً كاملاً ، لباس فاضح ، اختلاط ماجن ، جابوا شواطئ أوروبا ليثبتوا لها أننا قد تغربنا بالفعل، وأن نساءنا- بهذا صرحت الفتيات- قد أصبحن كنساء أوروبا تماماً،إنهن يمثلن المرأة المسلمة الحديثة التي يريد المجتمع الغربي أن يراها بأحدث مظهر !!قالت غحداهن : يكفي أن المرأة فينا أخذت تلبس ملابس السهرات ، وأقل ما يقال فيها- وهذا كلامهم- أن التعري من حيث الظهر والصدر بات ملموساً بالأعين ، وبالأيدي أحياناً، وصرحت إحداهن فقالت: قد أصبحنا أحراراً ، نسير في الطرقات بلا حجاب ، نشرب الخمر، ندخن ، نختلط ، نأتي بمن نشاء ، نعاشر من نشاء ، ليس لنا أي ارتباط بأي تقليد من تقاليد المجتمع القديم البالي المظلم الظلامي.

هذا ثمرة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تأت بالقهر والضغط، ، وإلا فإن المجتمع مسلم بفطرته ، لولا أنه يقهر على كثير من السلوكيات لما تمكن أعداء الله عز وجل من أن يزيحوا المجتمع الإسلامي- عن إسلامه ، شريعة الله عز وجل ، وهي شريعة رفيعة- قيد شعرة ، والله ما يحاربها إلا موكوس ، ولا يعاديها إلا منكوس ، ولا يقف قبالتها إلا مطموس ، بهذا عبر أحد الكتاب بعدما بين كثيراً من عظمة هذه الشريعة.

 ولو كان هناك مجال لقارنا بين أمرين اثنين ندلل بهما على أن شريعة الله عز وجل هي التي حققت إنسانية الإنسان في الإنسان، هي التي حققت أروع صور الحياة ، تلك التي نشاهدها في قولها "الله الله يا بني إن كنت أردت الحق ودعوت إليه فامض عليه ، ولا تمكن رقبتك من عدوك ، وإن كنت أردت الدنيا فبئس ما فعلت يا بني!! أهلكت نفسك ومن تبعك ، يا بني إن ضربة بالسيف بعز أحب إليً من ضربة بسوط في ذل ، كم خلودك في الدنيا ؟ القتل أحسن ما يقع فيك".

قال: يا أماه! إني أخاف إن أمسكوا بي أن يقتلوني ، ويمثلوا بي . قالت: يا بني! إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح ، فامض إلى ما أنت فيه ، واستعن بالله ، أما إذا قلت : إني كنت أريد الحق واعتقده وأسعى في سبيله ، ولكني لما وجدت وهناً في أصحابي ضعفت نيتي ، فهذا ليس بقول الأحرار، ولا من فيه ذرة من خير.

حوار عجيب جرى بين عبد الله بن الزبير- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنها- وذلك لما نصب له المنجنيق على رأس جبل من جبال مكة ، وأخذ يشوط القذائف الصخرية على الحرم ، وكان عبد الله بن الزبير قد اعتصم بالحرم ، وأخذ أصحابه يتساقطون حوله الواحد تلو الآخر!! فضاق صدره ، لذلك توجه إلى أمه يستنصحها قالت "الله الله يا بني إن كنت أردت الحق ،  ودعوت إليه ، فامض عليه ، وإن كنت أردت الدنيا فبئس ما فعلت!!! أهلكت نفسك ومن معك، ولا تقولن إن نيتي كانت الحق ، ولكن لما وهن أصحابي ضعفت نيتي ، فهذا ليس بقول الأحرار، ولا من فيه ذرة من خير، وأروع ما في الموقف أنها امرأة وأمً ، أجل نحن نتكلم عن الأم ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

الأم التي هي كتلة مشاعر، ولكنها مشاعر ربانية ، الأم التي هي ذروة عواطف ، ولكنها عواطف ربانية ، عواطف صاغها الحق ، وما آمنت به أسماء- رضي الله تبارك وتعالى عنها- قالت : كم خلودك في الدنيا ؟ القتل أحسن ما يقع بك، أمٌ تقول لابنها : اثبت على الحق الذي اعتقدته!! أترون بأن الأسرة يمكن أن تربي هذه المعاني التي في جيلها ؟؟ أجل بشرط أن تكون الزوجة" أسماء " وأن يكون الزوج " الزبير ابن العوام " رضي الله تبارك وتعالى عنهم.

أسماء ذات النطاقين، أسماء تربت في بيت الصديق رضي الله عنه ، البيت الآسر بجماله وكماله وإيمانه ، والحقائق التي استقرت في نفوس أصحابه جراء التربية الإيمانية هي التي تصاغ بها المواقف ، لما جاء عليه الصلاة والسلام إلى بيت أبي بكر الصديق يوم الهجرة يكفي أن نشير ههنا إلى أن بيت الصديق قد استنفر استنفاراً كاملاً من أجل إنجاح خطة المصطفى عليه الصلاة والسلام في الهجرة.

عبد الله بن أبي بكر كان يمضي سحابة نهاره بين أهل مكة ، يلتقط الأخبار ويتلقفها ، ثم إذا ما غربت الشمس توجه إلى غار ثور، هناك كان الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه ، ينقل الأخبار للرسول عليه الصلاة والسلام ، ولعل الخاطرة الجاثمة على الصدر تقول : لم لم يكن جبريل هو الذي يأتي بالأخبار؟؟ قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مشرع ، والأمة ربما وقعت في مثل ما كان من حاله عليه الصلاة والسلام ، وحيث إن جبريل لا ينزل على كل واحد من الأمة ، فعلى هذه الأمة أن تتخذ حيطتها وحذرها، حذاري- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من الفيل العميل، وحذاري- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن يكون أحدنا ذلك الفرع الذي يسعى أعداء الله عز وجل به إلى أن يقطعوابه الشجرة.

أسماء- رضي الله تبارك وتعالى عنها- أعدت السفرة للمصطفى صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أنها أرادت أن تربط فم الجراب الذي فيه الطعام ، فلما لم تجد رباطاً إذا بها تخرج نطاقها فتشطره شطرين ، وإذا بها تربط فم الجراب الذي فيه سفرته عليه الصلاة والسلام ، ولقبت بذلك  "ذات النطاقين " لقب ربما اليوم يقول قائل لم تستحضره ؟ أقول: ألا ترى النطاقين ؟ ألا يعني هذا أنها قد ضحت ببعض ثيابها من أجل نصرة دينها ، بل أعلى من ذلك ، وأوعى من ذلك.

وجاء نفر من قريش ، وفيهم فرعون هذه الأمة أبو جهل ، قرع الباب بعدما غادر عليه الصلاة والسلام معه الصديق البيت إلى غار ثور، فتحت أسماء ، أبو جهل هو المحقق ، أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟ قالت: والله! لا أدري أين أبي، وهي صادقة ، لا تدري أين هو؟ حال سؤاله ما تدري أين هو ؟ بل لا تدري أنه بغار ثور بداية،لما قالت: والله لا أدري أين أبي ، لطمها لطمة أطارت قرطها من أذنها ، لطمة في سبيل الله- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- النساء اليوم مع الرجال مطالبون جميعاً بأن يقيموا الأسرة ، التي أساسها حقائق الإيمان ، ولبناتها العمل بأحكام الإسلام ، وروحها: المودة والرحمة ، تظللها القيم الربانية الإسلامية.  

أمة محمد! عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، إذا أردنا أن نتتبع أسرة الصديق وجدنا أنفسنا أمام جبال من الجبال ، ربتهم شريعة الله عز وجل على عينها ، فإذا بالسيدة عائشة رضي الله عنها وهي تشب في بيت الصديق ،وإذا أسماء أختها ترتضع القيم من بيت الصديق رضي الله عنه ولذلك قالت لابنها عبد الله ابن الزبير "الله الله يا بني ....".

أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! إذا كنا قبالة نقلة لا بد لنا أن ننتقلها وجدنا أنفسنا أمام أسرة كشفنا عن وجهها الأستار، واقتربنا منها على هدوء خاشع ، ننظر في ملامحها نستقدمها أو نبقى بين يديها ، لنتعرف إلى المكونات !! ما الذي رقى بهذه الأسرة هذا الرقي؟ لماذا أطلق عليها أنها الأسرة الموقنة بالله عز وجل ؟ ما نفح طيبها الذي ملأ شعاب الحياة !! ما عطرها الذي هو أحسن من عطر عروس!!! قال: هذا الذي ... نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه ، فيا فوز المستغفرين.

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده.

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فإن الله جل جلاله قال "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام

المعركة حامية الوطيس ، والصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- قد تبلبلت صفوفهم جراء التفاف خالد رضي الله عنه ، وكان يومها يقاتل المسلمين ، إذ لم يكن قد أسلم بعد ، وكانت هناك امرأة ، ونركز على قضية النساء لنتعرف إلى المسارات ، ترى ما الذي يقلق المرأة اليوم؟ بل ما الذي يشغل المرأة اليوم؟ وهل الصالونات أو عيادات التجميل هي من بؤر اهتمام المرأة اليوم؟ إذا ما كان ذلك كذلك معنى هذا أننا في حاجة ماسة إلى أن نتعرف إلى النماذج الصحية ، أنت تعلم بأن العيادات الطبية ، ربما أرتك فماً سليماً صحيحاً ، وفماً آخر قد امتلأت أسنانه بالنخر ليريك الفرق بين الصحيح وبين السقيم.

نسيبة بنت كعب الأنصارية كانت إلى جانب المصطفى صلى الله عليه وسلم في أحد ، كانت تضمد الجراح ، وتسقي المقاتلين، لكن لما وقع ما وقع ، وحدث ما حدث في صفوف الصحابة ، ما كان منها إلا أن ألقت السقاء جانباً ، ثم أخذت تقاتل حاملة سيفاً ، هو سيف الإسلام ، هو سيف الحق ، ذلك أنها تربت على الحق ، والدفاع عن الحق ، ذلك أنه ليس في ذاتها سوى ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى.

يقول فيها الرسول صلى الله عليه وسلم :" ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا رأيتها تقاتل دوني" وجاء ابن قميئة  يقول: دلوني على محمد ، لا نجوت إن نجا ، وتصدت له نسيبة رضي الله عنها فضربها على عاتقها ضربة منكرة ، سقطت على الأرض من إثرها ، فنادى عليه الصلاة والسلام ولدها، أجل هي وولدها وزوجها في أتون المعركة في خضم المعركة لماذا ، لأنهم يدافعون عن الحق ، لأنهم يصدون هجمة الشرك والوثنية.

نادى الرسول ،وهو في خضم المعركة يديرها ، فقال: يا عبد الله ! أمك أمك ، أعصب جرحها ، وأقبل ولدها ، فعصب جرح أمه ، وهي أيضاً عصبت من قبل جرح ابنها ، فإذا بها تقول له: قم يا بني! نضارب القوم ، سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام لما نادى ولدها لعصب الجرح  فقالت: يا رسول الله! ودمها يثغب، ما خافت من فوران الدم ، لأنها ترى أنها راحلة إلى الآخرة ، ومن أي أبواب الدنيا خرجت لا يهم !! المهم أن تخرج من باب الرضوان، يا رسول الله! ادع الله أن نكون رفقاءك في الجنة ، فسمعت الحبيب- عليه الصلاة والسلام- يقول "اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة" قالت: ما أبالي بعد هذا ما نالني من الدنيا.

كثير من هذه المشاهدفي حياتنا الإيمانية ، ولكن المشهد الأعظم الذي نرسم خطوطه العريضة دونما تفصيل هو تلك الأسرة الموقنة التي ما زلنا نعيش في بركاتها ، أسرة طاهرة طيبة ، أعظم أوصافها " أنها أسرة مسلمة " أسلمت لله رب العالمين ، ومن لم يسلم لله قادته شهواته وهواه ، أيظن أن من قال أنا حر، فيعتزل شريعة الله ، هو حر؟؟؟ لا والله! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، هذا هو عبد حقيقي لشهوته ورغباته وهواه.

أجل" أسرة مسلمة " هاجر: امرأة مسلمة ، ولدها إسماعيل رسول مسلم ، زوجها إبراهيم الخليل رسول مسلم ، أنتم تعلمون كثيرا من التفاصيل عن هذه الأسرة ، لكن يكفي- ههنا-  أن نقول من روعة رضوان الله عز وجل وبركات الله عز وجل على هذه الأسرة أن من سعى سعيها رجع بالرضى والرضوان.

أليس الحج يقول فيه الحبيب عليه الصلاة والسلام "من حج فلم يرفث أو يفسق رجع كيوم ولدته أمه" أو كما قال عليه الصلاة والسلام  ، لأنه سعى سعي هاجر، ولأنه طاف طواف ابراهيم ، ولأنه عظم البيت الذي رفعه إبراهيم يعينه في ذلك ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام ،ومم هذا الشرف الرفيع والسمعة العالمية الراسخة ؟!! أما ضحى إبراهيم بجسده حينما ألقي في النار من المنجنيق ، وهو يقول لجبريل الذي عرض له : أما منك فلا، وأما منه فعلمه بحالي يغنيني عن سؤالي !! ألم يؤمر بذبح ولده ، فسارع للتنفيذ" فلما أسلما وتله للجبين "

هذه أسرة مسلمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! أمة تحافظ على الصلوات، أمة تخرج الزكوات، أمة صادقة اللسان، أمة مخلصة للحنان المنان الرحمن سبحانه وتعالى، أمة مسلمة تعشق الحق ، وتدافع عن الحق ، وتدوس كل ما سوى الحق مما يعارضه ويعاديه تحت أقدامها.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك ، حفنا اللهم والمسلمين بألطافك الخفية ، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعد تفرقاً مباركاً معصوماً لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً ، هبنا جميعاً لسعة رحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم ربنا تقبل منا ما كان صالحا وأصلح منا ما كان فاسدا وأصلح فساد قلوبنا بما أصلحت به عبادك الصالحين.  

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ، واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ، ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم ، آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.