350 - التسامح الذي دعت إليه الشريعة
خطبة الجمعة    350 - التسامح الذي دعت إليه الشريعة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى، ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإن من الخطورة بمكان أن تفقد الأمة البدهيات في الإسلام، ولعل الشر يكون أهون إذا ما اختلطت الأوراق في أذهان المسلمين حيث لا يدرون الحق من الباطل، ولا الصواب من الخطأ، ولا العدل من الظلم.

ومن هنا ترى مواقفهم عجيبة غريبة ، وكأني أمام هذا أحكًم ما قاله أحد العلماء حيث قال : إذا لم نحسن عرض الإسلام معنى ذلك أننا أجرمنا في حقه ، وإذا لم نخاطب الناس بما يحتاجون إليه معنى ذلك أننا قد ضيعنا الأوقات ، وإذا لم نضع النقاط على الحروف في الحالات التي تمر بها الأمة لم نكن ناصحين لها، بل يكون حالنا حال من ألقى محاضرة على المساجين، أتدرون ما مضمون هذه المحاضرة ؟!! أخذ يحدثهم عن مشروعية تعدد الزوجات في الإسلام !!، بدلاً من أن يشعرهم بضيق السجن ، وروعة الحرية ، وتدفق الحياة بها، بدلاً من أن يدلهم على المخارج التي تخرجهم من سجونهم إلى فضاء الحياة، بدلاً من أن يشعرهم بالكرامة التي امتهنت وسحقت وديست بالأقدام ، بدلا من أن يوجههم إلى السلوك السوي الذي يقيهم من دخول السجن !!

بل يكون حالنا كحال من يحاضر في عمال يعملون بلقمتهم، بل ربما لا تكفيهم الأجور تغطية لما يحتاجون إليه من أساسيات، أتدرون ما مضمون هذه المحاضرة على أولئك العمال ؟!!! يحدثهم عن أن الإسلام قد نهى عن أن نأكل بصحاف الذهب والفضة ، أن نأكل بملاعق الذهب والفضة !!!! أي ذهب هذا ؟ وأي فضة تلك ، وهم كادوا أن يفقدوا أصابعهم- بله أيديهم- من العمل المضني !! يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !!

إذن نرجو الله تبارك وتعالى أن يبصرنا بمواقع أقدامنا فوق هذه الأرض ، وأن يجعلنا أمام مجموعة من الحقائق التي هي من البدهيات في الأساس ، لعل منها ما يسمى " بالتسامح " وأن يخلط المسلمون بينه وبين التمييع والانسلاخ عن أحكام الشريعة باسم التسامح !! أو أن نجهل متى يتسامح ، وبم يتسامح ، ومتى لا يجوز ذلك ؟!

 " التعصب" حيثما تسمع كلمة متعصب، دلتك الكلمة على أنها قذف أو شتم أو سب أو تنقيص، دون تفريق بين التعصب الأحمق والتعصب العاقل، بين التعصب الممدوح ، والتعصب المذموم، بل إن بعضهم ما أن تذكر كلمة " التسامح " حتى ينبطح أرضاً، لا يفرق أمام هذه الكلمة بين التسامح الذي يدعو إلى البر والإقساط ، وبين ما يمكن أن يقع فيه المسلم حيث يوالي أعداء الله تبارك وتعالى.

مجموعة من الخواطر التي لا بد لنا من أن نتذاكر بها في وقفة قصيرة ، وإن كانت الخزانة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام التي ينبغي أن تملأ بكل مفيد نافع لا يمكن أن ينتظر لملئها خطبة الجمعة، وإنما هناك أساليب ووسائل كثيرة لعل منها : العكوف على الكتب المعتمدة التي تقرر مجموعات من الحقائق التي تحتاجها الأمة اليوم ، يقول ابن عباس رضي الله عنهما : "ليس لظالم عهد فإذا عاهدته فانقضه" لأن الله يقول "لا ينال عهدي الظالمين" ويقول عليه الصلاة والسلام : "لا يقفن أحدكم في موقف يضرب فيه إنسان ظلماً فإن اللعنة تنزل على الظالمين ، وعلى من حضره حيث لم يمنعوا ظالمه من ظلمه" أو كما قال عليه الصلاة والسلام ..

واليوم يمكن أن يمثل ذلك الوقوف ما تطالعنا به الفضائيات !! حيث بتنا نطلع ونحن في غرفنا على أكثر ما يجري في مشارق الأرض ومغاربها !! وأترك السؤال لأني لا أعرف جوابه : ترى هل حينما أرى من يضرب ظلماً هل يجب علي أن أغير القناة التي يضرب فيها من يضرب ؟! وهل ينجيني هذا يا ترى من نزول اللعنة إذ إني بعيد عنه، أم أن علي من الواجبات ما ينبغي أن أقوم بها ، وإن كانت فما الذي يجب عليً .

 " التعصب " يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، باتفاق العلماء الربانيين " التعصب للحق حميد " الوقوف مع الحق الذي آمنت به واعتقدته وربطت قلبك بحقائقه ، لو بذلت روحك رخيصة في سبيله لما قصرت ، وحيث يتهمك المتهم على أنك متعصب ، قل أنا متعصب !! وارفع رأسك وأسمع العالمين صوتك.

وقف عليه الصلاة والسلام أمام عمه لما جاء زعماء قريش يسألون عمه أن يكفه عن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، وعرض عم النبي عليه الصلاة والسلام على رسولنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ما يطلبه منه زعماء قريش ، فلما انتهى من عرضه ، قال الرسول الخاتم : يا عم ! "والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله- عز وجل- أو أهلك دونه" أو كما قال عليه الصلاة والسلام ، لو أزاح أعداء الله عز وجل كل جبال الأرض لو لم يبق سواك فوق هذه الأرض ، ما دمت على الحق فتعصب لهذا الحق.

التعصب الذميم هو التعصب الأحمق الأعمى ، التعصب للباطل ، وبالباطل ، التعصب الأهوج ، التعصب الذي صاغته الأهواء والشهوات ، أن يتعصب بالظلم وللظلم ، ويقف مع الظلم ، ينادي مناد يوم القيامة " أين الظلمة وأعوانهم ، فلا يبقى أحد ممن حبر له دواة ، أو برى له قلماً ، إلا حضر معهم ، فأذن مؤذن " أن لعنة الله على الظالمين "

دخل طاووس على هشام بن عبد الملك ، قال: يا هشام اتق يوم الأذان ! قال: وما يوم الأذان ؟ قال :قوله- تعالى- " فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " فغشي على هشام ، فقال طاووس : هذه غشية الذل ، فكيف تكون غشية المعاينة ؟!.

   وهنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- حينما نعرض التاريخ نعرضه من خلال البصمات الإسلامية الربانية التي تجلت في السلوك، ذلك أن الله- تبارك وتعالى- أنزل هذه الشريعة ، فيها سعادة البشرية ،وهي حق كلها، قد قررت شريعة الله- عز وجل- وهذا من اليقين الجازم الحازم الذي ما ينبغي أن يفت في عضده ما يسمى " بالتسامح " من يدعونا إلى التسامح ، كثير منهم جهلة بالتاريخ ، وبالحقائق ، بل كثير منهم يجهلون أبعاد التسامح وحقيقة التسامح وفيما يكون التسامح.

    بالاتفاق- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لا يكون التسامح في حد من حدود الله ، ولا في حكم من أحكام شريعة الله ، ولا في حقيقة من حقائق جاء بها رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، التسامح الذي ينقص من الدين ليس بالتسامح !! وإنما هو تمييع لما قررته شريعة الله ، وهذا ينبغي أن يستحضر ونحن نتعامل مع معطيات إسلامية ، مع قيم ربانية ، مع سلوكيات إسلامية.

التسامح قيمة إسلامية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولكن على النحو الصحيح والمعنى الفصيح "إن الدين عند الله الاسلام" ويقول جل جلاله " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" نحن على يقين أن الإسلام الذي جاءنا به عليه الصلاة والسلام هو الحق المتبقي فوق هذه الأرض ، الحق المعصوم ، الحق المحفوظ الذي يغطي كل أنشطة الحياة.

    ونعتقد جازمين أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم قد أوحى الله عز وجل إليهم بالشرائع التي أراد الله أن يبلغوها لأقوامهم فهم يصدرون عن حقائق واحدة كلهم قد جاءنا بـ"لا إله إلا الله" كلهم جاء بالشرع من عند الله ، كلهم دل قومه على السبيل المفضية إلى رضوان الله تبارك وتعالى ، لا نفرق من حيث الإيمان بين نبي ونبي  " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون "

    ونعتقد كذلك- وهذا من اليقين الجازم ، وحيث يذكر ذلك- أننا نريد أن نلمع إلى حقيقة هي أن الظالمين هم الذين يعطلون شرع الله ، ويصدون عن شرع الله ، وحينما نذكر" الظالمين " إنما نريد من الأمة أن تقف منهم كما أمر عليه الصلاة والسلام "أنصر اخاك ظالماً أو مظلوماً " قالوا: هذا مظلوم ننصره يا رسول الله فكيف ننصره ظالماً ؟! قال أن تأخذوا على يديه "أو كما قال . وقال : "إذا هابت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم ! فباطن الأرض خير لها من ظاهرها " أو كما قال عليه الصلاة والسلام ، نعتقد يقيناً جازماً أن الرسالة التي ختم بها الله عز وجل الرسالات ، والتي يمثلها كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وتلك الخزانة العلمية الربانية الرائعة الكبرى فوق هذه الأرض، هذه الشريعة إنما جاءت كاملة شاملة تغطي كل أنشطة الحياة.

    ومن هنا لا يصلح أن يضاف إلى شرع الله من حيث أصوله الثابتة ذرة ، ولا أن ينتقص منه ذرة، دعك من قضية الاجتهادات التي أذن الله بها ، أما الأصول فهي ثابتة ثبوت الحياة نفسها ، أرأيتم إلى السموات ! أرأيتم إلى الشمس والقمر! أرأيتم إلى المجرات! أرأيتم إلى الهواء! أرأيتم إلى الأضواء! أرأيتم إلى الجبال الراسيات! أرأيتم إلى المحيطات الزاخرات ، وعمقها ، رسو الحقائق التي جاء بها- عليه الصلاة والسلام- وكمالها أشد ثبوتاً من هذه كلها.

     هذه المعدودات من الظواهر كلها خلق الله عز وجل ، و أما شريعته فهي تنزيل الله تبارك وتعالى ،وقد قال ربنا جل جلاله فيها "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".

     من اللفتات الرائعة التي ربما نكتفي بها ، ولا نحتاج لكلام كثير- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أنه قد جاء قول الله- عز وجل- في أوائل سورة النور "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة " جاء الحد محدداً للعدد ، وجاء قوله- تعالى-  "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"، أين الشاهد هنا؟

قال: قوله- تعالى- " ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله" إذا ما قرر الله عز وجل حكماً فلا مجال للتلاعب به عبر العواطف الكاذبة أو الرأفة التي تستدعي تعطيل حد من حدود الله عز وجل "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" إن الله الرحمن الرحيم، إن الله الودود الرؤوف الغافر الغفار هو الذي أنزل هذه الشريعة، أأنت بعباد الله  أرحم من الله بعباده؟ أأنت أحكم من الله فيما يصلح العباد؟!!

    جاء في الخبر وهنا الروعة " أنه ما من والٍ- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يقيم حد الجلد، فينقص منه جلدة " نحن لا نتكلم اليوم عمن ألغى كل الحدود ، ومع ذلك يظل- في زعمه- في دائرة الاسلام !! هذا يحتاج إلى نظر، ولا نتسرع في الأحكام ، وإنما ينبغي أن نبني الأحكام على حيثيات صحيحة، وهذا إنما هو عمل العلماء الربانيين المجتهدين الذين أهلهم الله عز وجل ، لهذا لا يرجع هذا الأمر إلى العوام يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولكنها لفتات توقظ المشاعر الربانية لا المشاعر الشيطانية.

يؤتى بالوالي وقد أنقص ضربة، فيقال له لم أنقصت ضربة ؟ أمرأن يجلد مئة جلدة ، فإذا به يجلد تسعا وتسعين جلدة، لم؟ قال : رحمته يا رب ! قال : أأنت أرحم به مني ، خذوه إلى النار.

وجيء بوال آخرقد جلد مئة جلدة ثم جلدة فوق المئة !! زاد جلدة على الحد المقرر !!، لعل الأول- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- رأى دموع المجلود فغشته الدموع !! أو غشت على بصيرته ، فلم ير- عندها- الجريمة ، جريمة الزنى التي ارتكبها المجلود، فإذا به يرحمه ، خاصة إذا تلوى المجلود أمام الضربات،أو: إذا ما استغاث، ظناً منه أنه ينبغي أن يراعي استغاثته دون أن يراعي ما حددته شريعة الله !! وهذا مثال نضربه- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- والأمثلة كثيرة فيما أحل الله ، وفيما حرم الله.

الأمثلة كثيرة في أولئك الذين استمعت لبعضهم البارحة ، فإذا به يقول المشكل : إن الدعاة إلى الله لا يرضون بالمجتمع المدني، قال هذه مشكلة، المشكل أن الذين يدعون إلى الله يدعون إلى تطبيق شريعة الله ، لا يرضون بالمجتمع المدني !! هو لا يجرأ بل ربما وجدنا من يجرأ على أن يبين لنا ما أبعاد المجتمع المدني؟

يقصدون بالمجتمع المدني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أن تلغى شريعة الله ، من أجل أن يوكل أمر التشريع إلى مجلس ينتخب عبر صناديق الاقتراع ، وإنما هو قرع ، وليس اقتراعا !! أنتم تسمعون صباح مساء ما يتعلق بالتزويرات في مشارق الأرض ومغاربها ن حتى لم تنج دولة من قضية التزوير والتحريف والخيانات في صناديق الاقتراع التي يعتبرونها لوناً من ألوان تطبيق الديموقراطية في العالم.

هذا المجلس هو الذي يشرع للأمة ،  إذا ما اقترح أحدهم اقتراحاً فقال: لا مانع من أن نرخص للزنى ، حيث كل من يريد أن يقع في هذه الفاحشة عليه أن يأخذ رخصةً ، ولنجعل مقابل هذه الرخصة رسماً معيناً يرجع إلى صندوق الدولة ، ويرفع الناس أعضاء الجلس المنتخب أيديهم ، فإذا بالأكثرية مع إباحة هذا ، فيصبح قانوناً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

المجتمع المدني مجتمع لا يعترف بالنصوص، ذلك أن النصوص ينبغي أن تتوقف  ولا تعمل في المجتمع، يريدون من شرع الله الذي هو الحق أن ينأى عن المجتمع !! فما الذي يبقى بعد الحق ؟ يريدون من النصوص التي تدعو إلى الهداية أن تكف عن دلالتها على الله جل جلاله !! فما الذي يبقى بعد الهداية ؟ يريدون من النصوص التي تؤسس الخير وتدعو إلى البر والتقوى والتعاون على كل ما يبني الحياة بناءً ربانياً صافياً، الشريعة التي تدعو إلى التسامح وترقى بالنفوس أروع ارتقاء ، يريدون منها أن تكف من غربها ، فإذا بها تمتنع عن العطاء ، بل تحبس من أجل ألا تعطي.

هذا الثاني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الذي زاد جلدة ، وهو يطبق حداًمن حدود الله ، الظن أنه زاد جلدة، إما لأن المجلود قد شتمه وهو يجلد ! أو قال له: انظر إلى يدك التي تجلد، الجلد أولى بك مني، أو تصرف تصرفاً زاد من غضب الجالد، فإذا به ينسى أن الله قد حد حداً مئة جلدة، فإذا به يوقع جلدة فوق المئة، فيقال له يوم القيمة لم زدت؟ فيقول: يا رب ليرتدع ، فيقول له الله عز وجل: أأنت أحكم مني؟ خذوه إلى النار.

أمة محمد عليه الصلاة والسلام 1! حينما نعرض للحقائق ، ومنها أنه ما ينبغي أن تفرط الأمة بحكم واحد من أحكام الشريعة الله عز وجل، ولو أدبا من الآداب حيث لم يأذن الله عز وجل بالتفريط فيه، معنى ذلك- حيث نفرط- أن لا نستحضر، وعلينا أن نستحضر قول الله- عز وجل- "واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" لعلك تقف قبالة كلمة بعض "واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" إذا تجمعت هذه الحصيلة في قلب المسلم عندها يقال له هناك حقوق خاصة ، وهناك حقوق عامة.

أما الحقوق الخاصة التي هي أساسيات في الحياة فما ينبغي أن يفرط فيها ، ولا أن يتسامح فيها ، حق الحياة !! مثلا هو حق مصون بالشريعة ، فعليك أن تدافع عن حياتك، حق " حرية التعبير" بآداب التعبيرالواعي الهادف، لا بمعول التعبيرالهدام!! بعضهم ينادي بحرية التعبير، ولكنه إذا ما سمع قولاً يدعو إلى الله عز وجل كتم أنفاسه ، أما إذا ما سمع قولاً يجرح شرع الله عز وجل ويغير على شريعة الله تبارك وتعالى وعلى من آتانا بهذه الشريعة ، وهو رسولنا الحبيب- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- فإنه يضع لوحة فوق رأس ذلك المعبر ليقول: هذا من حرية التعبير!!!.

حرية التعبير- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- حرية مكفولة شرعاً ،التي اتفق عليها العقلاء البناة ، وضمن الآداب التي تنأى عن التجريح الذي يؤذي دون ثمرة تسوغ هذا الإيذاء !أجل ضمن الخطوط والميادين بأبعادها الرحبة الإيجابية ، ثم هناك "حق العمل وحق الكسب الحلال " هناك حقوق كثيرة ، لو فرط بها المسلم لما بقي له وجود فوق هذه الأرض. 

أما إذا كان الحق خاصاً ، ولا يعتبر من الحقوق الأساسية ، فله أن يسامح به ، وله أن يأخذه ، ويطالب به ، ولذلك جاءت شريعة الله عز وجل تبين أن لك أن ترد على من اعتدى عليك بمثل ما اعتدى عليك، ورقاك شرع الله عز وجل درجة ، فبين لك أنه الأولى أن تكظم غيظك ، ولا ترد على العدوان الذي اعتدي به عليك ، وتأتي شريعة الله لترقي هذا المسلم إلى آفاق هذا الصفاء النفسي الروحاني ، فإذا بها تدعوه إلى أن يحسن إلى من أساء إليه، "أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".

قيل للحسن البصري- رضي الله عنه- : كيف يدعونا شرع الله إلى أن نحسن إلى من أساء إلينا؟ فإذا به يقول لم لا أحسن لمن أساء إليه ، وبإساءته جعل الله- عز وجل- إلى جانبي، لولا أنه أساء فكظمت غيظي ، وعفوت عنه ، وأحسنت إليه ، لما أحبني الله عز وجل "والله يحب المحسنين".

أما ما يتعلق بالحقوق العامة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الحقوق العامة حقوق الأمة قال- عليه الصلاة والسلام- : "من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة"، والحديث لا يتناول فلسطين ، ولا يتناول الأندلس ، ولا يتناول بلدان إسلامية قد احتلها أعداء الله عز وجل ، وفعلوا فيها الأفاعيل.

إن روسيا الشيوعية لما هيمنت على قارتها الروسية تقدمت إلى البلدان الإسلامية هناك تكتسحها !! وإذا بها- على غفلة من المسلمين يومذاك- تحول تركستان ، وهي بلد من البلدان الإسلامية المبتلعة ، وكان عدد سكانها أربعة وأربعين مليوناً ، وما تركتها إلا بعد أن جعلت عددها ستة وعشرين مليوناً، كم مليوناً قتلوا ؟!!! وهذا تاريخ قريب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

البوسنة والهرسك أيامها تطوى ، أم أن الذاكرة قد اهترأت خلاياها ، نحن حينما ندعو إلى ذلك، لا ندعو إلا،،، إلا أن نقف مع حقنا نطالب به بقوة ونتعصب لهذا الحق ، لو أنك درست التاريخ القريب والبعيد لوجدت الأعاجيب من أمر هذه الأمة مع أعدائها ، ولوجدت التألق الذي هو أروع تألق ،تألق حتى شهد به أعداء الله عز وجل فوق هذه الأرض ، التألق الذي يجعل المسلم ربانياً حينما يغضب، يغضب لله عز وجل ، وحينما يرضى يرضى يبتغي بذلك رضوان الله تبارك وتعالى.

فالحقوق العامة لا يحق لأحد من المسلمين أن يسقطها بحال من الأحوال ، لأنها حق الله، لأنها الحق العام، والحق العام لا يسقط يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لك أن تسامح إنساناً لك بذمته دريهمات ، ولكنه ليس لك أن تسامح إنساناً بمقدسات المسلمين ، تبتغي بذلك أن تنال جائزة ما ، أو أن توصف بالمتسامح !!

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه ، فيا فوز المستغفرين.

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه فإنه قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

جاءت رسالة من امرأة نصرانية من مصر إلى أمير المؤمنين ، تشكو فيها عمرو ابن العاص، ما الذي فعله عمرو؟ ؟؟؟ للنصرانية بيت ملاصق للمسجد ، وقد كثر المسلمون ، وضاق عليهم المسجد، فعرض على صاحبة البيت أن تبيع بيتها ليضم للمسجد ، فأبت ، وأغروها وأكثروا الثمن وغالوا فيه ، لكنها امتنعت، فما كان منه إلا أن أصدر القرار بضم البيت للمسجد، وضم البيت- فعلا- للمسجد.

ما كان منها إلا أن بعثت برسالة ، هذه الرسالة على كل نصارى العالم أن يقرؤها اليوم !! خاصة أولئك الذين قد تصدروا على مناص التوجيه النصراني العالمي !! ينبغي أن يقرؤوا هذه الرسالة ، ليعرفوا أن الذمي في المجتمع الإسلامي ما ظلم ، ولن يظلم ما دامت شريعة الله عز وجل مطبقة،" من آذى ذمياً لم يرح رائحة الجنة وأن ريحها يشم من مسيرة أربعين سنة " أو كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- "ومن ظلم معاهداً أو كلفه فوق ما يطيق أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا خصيمه يوم القيامة " والمتحدث- هنا- الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومن يقوى على مخاصمة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

ولكنها أوراق معاصرة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يراد منها الوثوب على هذه الأمة لتمزيقها وتقطيعها ، ويكفي ما حصل في جنوب السودان !! يكفي ما حصل من قريب في تيمور التي اقتطعت وتسلمها لقسيس !!.

أمة محمد عليه الصلاة والسلام لما درس القضية أمير المؤمنين ، ما كان منه إلا أن بعث بالجواب : أعيدوا البيت للمرأة، اهدموا المسجد ، أي الجانب الجديد الذي ضم إليه ، وأعيدوه إلى المرأة صاحبة البيت، هذا هو القرار، وقد نفذ يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، مثل هذه الدقة في العدالة ، مثل هذه الدقة في إعطاء الناس حقوقهم ، لا يمكن بحال حيث تطبق الشريعة أن يقع ظلم !!أجل في ظلالها لا يظلم ذمي أو يظلم ملي.

و ابن تيمية- رحمه الله تبارك وتعالى- لما وقع في يد التتار مسلمون ونصارى ويهود أسرى، جاء يفاوض ، وظن التتاري أن ابن تيمية إنما يفاوض من أجل إطلاق سراح المسلمين ، وقد رضي، لكنه فوجيء قال: وأنا أريد أسارى النصارى واليهود ،  لأنهم أهل ذمة.

فأبى، ففاوض ، وكاد أن يرجع ابن تيمية دون أن يعقد الصفقة : إما أن يطلق كل الأسرى ، وإما أن يبقى الأسرى جميعاً، فما كان من التتاري إلا أن استجاب لابن تيمية ، ورجع ابن تيمية وهو يقول: إنا أطلقنا سراح أهل الملة ، كما أطلقنا سراح أهل الذمة !!! هذا هو الإسلام بضيائه وروعته وعظمته وعدله وعلوه ووقوفه إلى جانب المظلومين في العالم.

أمة محمد عليه الصلاة والسلام ضحك- صلى الله عليه وسلم- وكان في المجلس وضحكه صلى الله عليه وسلم يشير إلى حقيقة، قال عمر: يا رسول الله ما الذي يضحكك- بأبي أنت وأمي- قال : لجثو عبدين بين يدي رب العزة، قال أحدهما : يا رب ! خذ لي حقي من أخي ، فقد ظلمني، هناك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ينبغي أن نستحضر هذه الحقيقية ، ونقولها لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، لا تظنن يا من ظلمت أن ظلمك مهما ستر في الدنيا لكنه لا يستر عن علم الله ، ولا يستر أمام بصر الله ، ولا يستر أمام سمع الله تبارك وتعالى " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين " .

الاستحضار للحقائق نوع من أنواع الوقوف مع شرع الله عز وجل من حيث الحقائق، والوقوف مع شرع الله من حيث الحقائق يعني أن السلوك مسدد أروع تسديد، عبدان جثيا بين يدي رب العزة ، قال أحدهما : يا رب! خذ لي حقي من أخي ! فقال له الله تبارك وتعالى: كيف تأخذ حقك ، وقد فنيت حسنات أخيك، قال يا رب : خذ من سيئاتي فاطرحها عليه، وهنا يبكي عليه الصلاة والسلام، يقول يوم يطلب الناس فيه أن تأخذ من أوزارهم ، لتلقى على خصومهم ، إنه ليوم شديد " أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وتأتي الرواية لتقول إن الله عز وجل يصلح بين الأخوين لأنهما من أهل الجنة ، ولكن اعتدى أحدهم على الآخر، كيف أصلح الله بينهما قال للمظلوم: التفت، فالتفت، فإذا به يرى قصراً من أروع ما خلق الله جل جلاله، لمن هذا القصر يا رب ؟؟ قال لمن دفع ثمنه،قال : ومن يملك ثمنه؟ أنت تملك ثمنه قال : ما ثمنه؟ أن تعفو عن أخيك، فعفا عنه، قال خذ بيده وادخلا الجنة.

هذه عظمة الإسلام في الآخرة ، كما هي عظمته في هذه الدنيا، فعلينا أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا نراجع فيها البدهيات ، نقرأ يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الكثير الكثير ، فنحن أمة " اقرأ " نلتفت إلى العلم الأصيل ، لأن الإعلام بعامة هادر ولأن كثيراً من وسائل الإعلام غادر، لأن الإعلام- في كثير من مضخاته- يلوث البيئات، لا أقول الإعلام كل الإعلام ، وإنما كثير منه لا يصدق مع الحقائق، ومن هنا علينا أن نعرف موقع خطواتنا أمام تعرفنا على الحقائق ، وكيف نحكم لها ، أو بها وفق نظرة شريعة الله تبارك وتعالى.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين سلماً لأوليائك وحرباً على أعدائك نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك.

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم  لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم ، آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.