351 - في ذكرى المولد النبوي
خطبة الجمعة    351 - في ذكرى المولد النبوي
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، أنت الحق وقولك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق، والنبيون حق ، ومحمد- عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- حق، اللهم لك أسلمنا ، وبك آمنا ، وعليك توكلنا ، وبك خاصمنا ، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ،سبحانك أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله ، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله- جل جلاله- يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

كيف ترقى رقيك الأنبياء... يا سماءً ما طاولتها سماء !! أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! نحن على ضفاف ذكرى عطرة ، تنتعش بها القلوب، تحن لها الأرواح، تهتز لها المشاعر، ترقى بها النفوس، توقفنا- إن أنصفنا- أمام مرآة أنفسنا ، لنرى فيها ما ينطبع في هذه المرآة من ملامح تبدت لنا وبنا، وقامت بنا ، لنسأل أنفسنا مجموعة من الأسئلة ؟؟ ولكن : أيسوغ في هذه الذكرى المنيرة، ذكرى من قال فيه الشاعر: إنما مثل صفاتك للناس... كما مثل النجوم الماء ! أيسوغ يا ترى أن نذكر ذلك الهمس الذي فاه به جوال مع السائحين، إسباني في الأندلس سابقاً، كان معه مجموعة من المسلمين ، يطوفون بين الآثار التي تركها المسلمون هناك في الأندلس، الأندلس في الغرب !! ولنا موقف قريب من هذا ، وإن كان أشد إيلاماً في الشرق، وإن كنا في هذه الذكرى ربما قال القائل: لا يسوغ لك أن تأتي بمثل هذه الخوادش التي تخدش المشاعر، نقول: سنعرض لهذا، ونبين لم يا ترى نسوق ما نسوق ؟ الذي يعرف بالآثار- وهو أندلسي- لكنه صار إسبانيا يقول: هنا كان المسملون، هم عمروا هذه الأرض على أروع صور العمارة، بنوا فيها حضارة رائعة،وذلك لما كانوا لله خلائف ! ثم طردوا منها لما صاروا فوق هذه الأرض طوائف!!!! دعك من القافية فالمعنى عميق، لما كانوا لله- تبارك وتعالى- ثبتهم الله عز وجل، لما كانوا يقفون مع حقيقة الرسالة التي جاء بها الرسول صاحب الذكرى ، فإذا بهم يعمرون الأرض وفق منهج الله- تبارك وتعالى- وإذا كان الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم السليم- لما بعثه الله- جل جلاله- كانت الأرض وقتها كأنما أصابها زلزال ، ما ترك منها شيئا في مكانه، زلزال تناول العقائد ، والتصورات، تناول العقائد كلها من أولها إلى آخرها، زلزال مس الأخلاق مساً عنيفاً، زلزال لم يبق قيمة من القيم التي جاء بها الرسل- عليهم الصلاة والسلام- زلزال حتى العبادات التي كانت بصورة عبادات ، لم يبق منها إلا الهياكل العظمية، زلزال إنما ضرب المعاملات، زلزال جاهلي ضرب الإنسانية في صميم إنسانيتها.

بعثه الله- عز وجل- من أجل أن يقيم فوق هذه الأرض حضارة ربانية، من أجل أن يصل القلوب بالله- جل جلاله- من أجل أن يعيد الكرامة لهذا الانسان ! من أجل أن يقر العدالة فوق هذه الأرض.

وهنا يخطر بالبال : كيف تكون الرسالة التي جاء بها- عليه الصلاة والسلام- بهذه المثابة، وإذا كانت الرسالة قد جاءت بالعدل ! فلم يعيش المسلمون اليوم بعيداً عن هذه القيمة الأصيلة في الشريعة ، العدل، إذا كانت الرسالة قد جاءت بالنور فلم يعيش المسلمون اليوم في الظلمة، إذا جاءت الرسالة بالأخوة الربانية لم يعيش المسلمون اليوم في هذا التمزق، إذا كانت الرسالة قد جاءت بالعزة لأنها تصل القلوب بالعزيز الجبار- سبحانه وتعالى- فلم حال المسلمون اليوم الحال الذي يعرفه الصغير والكبير ؟؟؟؟؟؟.

كان المسلمون هناك لما كانوا لله خلائف، طردوا لما أمسوا فوق هذه الأرض طوائف!!! يشير إلى التمزق والتفرق ، ووالله ما ممزق للمسلمين إلا الأهواء ، وما فرقتهم إلا الشهوات، بل يمكن أن نقول بمعادلة صحيحة: بمقدار ما تسترخي قبضتهم عن الحبل المدلى لنا من الله- تبارك وتعالى- يتفرقون "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" أي : لا يعني أن التفرق كان بعدما أمر الله بالاعتصام بحبله المتين ، المجمع ، لا المفرق الممزق !! الله تبارك وتعالى هو الذي جمع القلوب ، وألف بين المسلمين .

هذا من المغرب ، فما الذي من المشرق- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قرابة سبعة الآف جزيرة تقع شرق أندونيسيا ، كان الإسلام هناك مستقراً ، والمسلمون يعيشون فوق تلك الأرض ، وفوق تلك الجزر التي تعد بالآلاف وفي سمائها العريضة ، كان الآذان يعطر الأجواء ، وكانت قضية الصلة بالرسول- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قضية ملحة ، حالة لا تغيب عن هذه الأمة ، بل تتكرر ذكراه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- مرات ومرات !! أما سمعتم المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، وحيث يصلي المصلي! ألا يصلي على الرسول- عليه الصلاة والسلام- ويسلم عليه مخاطبة !! في قعوده الأخير!! وما أدراك ما القعود الأخير،  حيث فيه حطوا الرحال على باب الله- جل جلاله- ربوضاًعلى أعتابه بعد الركعتين ، وأربع السجدات.

ومع هذا الحط بالرحال في تلك الحالة الراقية من السمو والتجرد ، لا يغفل عن الحبيب- عليه الصلاة والسلام- كيف ؟؟؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا وأنا حبيب الله" هو الفاتح الخاتم- عليه الصلاة والسلام- هو صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم سيد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر، وبيده لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي إلا تحت لوائه- عليه الصلاة والسلام- آدم فمن سواه، وهو أول من تنشق عنه الأرض، وهو الذي بعثه الله- عز وجل- رحمة للعالمين، وحينما نذكر ذلك إنما نبين أن هذه الأمة ، قد أثنى رسولنا- عليه الصلاة والسلام- على ربنا جل جلاله وحمده على أن جعل هذه الأمة، أمة الرسول عليه الصلاة والسلام ، خير أمة أخرجت للناس،"... وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس" وقد أنزل عليه القرآن ، وما أدراكم ما القرآن ، منهج حياة سامية نظيفة عفيفة !

الاحتفال بذكرى- مولده عليه الصلاة والسلام- إن بقي في دائرة الاجتماع ثم الافتراق، والصدى الذي يتركه الاجتماع في النفوس ، لا يتعدى أناشيد منغمة ، وإيقاعات مرنمة ، ثم لا شيء بعد ذلك، حتى أن شاعراً من شعراء النصارى ، وكان منصفاً والله ،قال في تلك المنسبة الرائعة : عيد البرية عيد المولد النبوي... في المشرقين له والمغربين دوي!!.

الشاعر النصراني يفتتح قصيدة طويلة يثني بها على الرسول- عليه الصلاة والسلام- وقد بدأ القصيدة بكلمة ، فقال: إن المسلمين يحتفلون كل عام ساعة بالرسول- عليه الصلاة والسلام- ويميتونه كل يوم !!! يحتفلون بعيد ميلاده ساعة كل عام ، ويميتونه كل يوم،كلمة عميقة ، أصابت كبد الحقيقة ،بل هي إشارة عجيبة من فم ، إنما بدء الكلام عن الرسول- عليه الصلاة والسلام- بقوله: فلان وفلان وفلان ، وذكر عباقرة من الناس، فلاسفة وأدباء وعلماء ومخترعين ، ثم قال بعد ما ذكرهم: هؤلاء مهما اشرأبت أعناقهم إلى محمد بن عبدالله ، فإنهم لا يبلغون أدنى درجة على المنصة التي يقف عليها محمد بن عبدالله !!.

"عيد البرية " جعله عيدا للبرية قاطبة، لماذا يا ترى؟ لأنه هو الذي جاء بالشريعة الخاتمة التي غطت الوجود طولاً وعرضاً وعمقاً، غطت الوجود طولاً إذإنها ستبقى إلى قيام الساعة ، مهما تكالب النافخون على نورها ليطفئوه، وأما عرضاً فهي التي تدعو كل بني آدم فوق هذه الأرض، وأما عمقاً فهي التي تغطي كل جوانب الحياة، عم يبحث المسلمون اليوم ؟ وبين أيديهم هذا المنهج الذي فيه التصور الحقيقي الصحيح بعدما التاثت عقائد القوم ، وعبث الشيطان بأهم ما جاء به الرسل- عليهم الصلاة والسلام- فإذا بهم يغرقون في عقائدهم المزورة.

ربنا- جل جلاله- يندم،هكذا قالوا فكذبوا على الله- تعالى- ! وربنا- جل جلاله- يأتي مع مجموعة من الملائكة إلى ضيافة إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- ليذبح لهم عجلاً فيأكلوا منه،أي افتراء على أشنع من هذا ؟؟؟ أهذه تصورات عن اللؤلؤية التي جاء بها كتاب الله- عز وجل- وفيها أروع ما يتعلق بذات الله وصفات الله وأسماء الله، هو سبحانه المتصف بصفات الكمال ، والمنزه عن صفات النقصان، "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير". ثم لم يأت بهذا وحده ، وإنما حوله- عليه الصلاة والسلام- ليغطي بحقائق التوحيد الزمان والمكان، "قل لمن ما في السموات والأرض قل لله".

من الحقائق التي جاء بها كتاب الله قوله- تعالى- : "لله ما في السموات وما في الأرض"، "ولله ملك السموات والأرض"، "والله على كل شيء قدير"، ربما يقول قائل: هذا كله من البدهيات ، ونقول نعم من البدهيات ، ولكن يا ترى ما تأثير ذلك في سلوكنا : أن نشهد أن الله "هو مالك الملك وحده يُؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير" هل ابتغى المسلمون اليوم العزة بتحقيق انتسابهم لله- عز وجل- عبر دهاليز الإيمان وجسور الإيمان "وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم".

إذا كان النص الأول يغطي المكان ، فالنص الثاني يغطي الزمان، وحبيبنا- عليه الصلاة والسلام- ما كان يرى مما يحدث الله- عز وجل- من ظواهر في هذا الوجود إلا أن الله هو الذي يظهرها ، وهو الذي يذهب بها، هو الذي يبديها ، وهو الذي يخفيها " كل يوم هو في شأن " سبحانه وتعالى، إذا نزل الغيث كان يحسر عن ثوبه ليمس بعض الغيث جسده، لم يا رسول الله ؟؟؟ قال: لأنه حديث عهد بربي- جل جلاله- أرأيتم إلى هذا القلب المواربالحقائق !! القلب العظيم الذي حوى من الحقائق ما لا نطيق حمله ! إنما خصص الحبيب بسر... لسواه ما زال عنه الخفاء... وعليه صب الكمال وزال الكيف... والكم حين زاد الحباء... وسقاه بحور علم فعلم... الخلق منها كالرشح وهو الإناء... وحباه أنواع كل صفاء... نفحة منه ما حوى الأصفياء.

حبيبنا- عليه الصلاة والسلام- أرقى بكثير مما يظن الظانون ! هو بشر، وهذه حقيقة ، وقد أكدها كتاب الله- عز وجل،- في مواضع ، ولكن الله- عز وجل- ميزه ، وهذه خصيصة النبوة ، حيث إن النبوة- كما قرر علماء التوحيد- لا تكون بمؤهلات العبقرية ، ولا تكون بالاجتهاد والدراسة ، ولا تكون بمنهاج تعبدي ، إذا ما اتخذه أحدنا يمكن أن يوحى إليه!! لا، إنما يضع الله- عز وجل- النبوة حيث الله أعلم حيث يجعل رسالته، يمتاز- عليه الصلاة والسلام- بميزة لا يقارب بها ، أو منها ، إلا من حباه الله- عز وجل- بالنبوة.

ومن هنا جاء قوله- تعالى- : "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي" ويقول في موضع آخر "وما محمد إلا رسول" وهو هو عليه الصلاة والسلام يعرف بنفسه فيقول: " إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد " وهو يعرف أيضاً- صلى الله عليه وسلم- بوظيفته، فيقول عليه الصلاة والسلام يخاطب جموع قريش عند الصفا: " إنما أنا رسول الله إليكم خاصة ، وإلى الناس كافة، أو: كما قال عليه الصلاة والسلام.

ويجيء قول الله- عز وجل- يحدد لنا الأبعاد ، تلك التي نحن بأمس الحاجة ، ونحن في ذكرى الميلاد، إلى أن نقف وقفة مخلصة مع أنفسنا تجاه المنهج الذي جاءنا به- عليه الصلاة والسلام- ثم نسأل السؤال التالي: ترى هل احتفالاتنا بالمولد مع أن بعض من يحضر المولد غالباً لا علاقة له بدين الله- عز وجل- من حيث التطبيق ، فهو حضور سياسي !!!.

التطبيق لسنة من سننه- عليه الصلاة والسلام- أحب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من جملة أناشيد، أناشيد ترتفع بها الأرواح، أناشيد تذرف بها الدموع، أناشيد ترقق فيها المشاعر، وكله طيب، أناشيد تزيدنا محبة بالرسول- عليه الصلاة والسلام- ولكن المحبة الحقيقية للرسول- عليه الصلاة والسلام- والبراهين التي يقبلها الله- جل جلاله- ويقبلها الرسول عليه الصلاة والسلام إنما تتمثل في أن تقف قبالة الحقائق التي جاء بها الإسلام من أجل أن نقيمها فوق هذه الأرض. أمة الرسول- عليه الصلاة والسلام- مكلفة بأن تقيم شرع الله في أنفسها ، وأن تدعو العالمين إلى أن يقيموا شرع الله- جل جلاله- !! هذا تكليف تشريف ، وتكليف نرتقي به أمة محمد عليه الصلاة والسلام !!.

فيما يتعلق بالآلاف من الجزرالمسلمة هجم عليها ملك من إسبانيا أيضاً ، والأمر عجيب- ههنا- لم يكتف بطرد المسلمين من الأندلس ، إنما أغار ذلك الملك ، ويطلق عليه اسم " فيليب " وغزا الجزر، سبعة الآف جزيرة، أين كان المسلمون وقتها يا ترى؟

كما نحن عليه، ما تغير عددهم التغير الكبير، لكنها الغفلات، لكنها يمثلها التعلق بشكليات ، ولا ننكر عليها ، وإنما ننكر أن الظن الأكيد الذي نسترخي به أن هذه الشكليات على جلالتها إنما تكفي في إقامة ما أخبر عنه الرسول- عليه الصلاة والسلام- حيث يقول "إن فيكم نبوة ورحمة ، ثم تكون ما شاء الله، ثم إذا شاء الله عز وجل رفعها رفعها، ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة، ثم تكون ما تكون، ثم إذا شاء الله عز وجل أن يرفعها رفعها، ثم يكون ملك عضوض ، يؤذي الناس ويظلم ويفتري، ثم يكون ما شاء الله أن يكون، ثم إذا شاء الله عز وجل أن يرفعه رفعه، ثم يكون ملك جبري ثم يكون ما شاء الله عز وجل أن يكون، ثم إذا شاء الله عز وجل أن يرفعه رفعه، ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة" أو كما قال- عليه الصلاة والسلام ، هذا القول يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بحاجة إلى وعي عميق ، لعلنا نصاغ وفق ما قدر الله- تعالى- ليتحقق بنا موعوده !!.الحديث

رواه حذيفة بن اليمان صاحب المصطفى- عليه الصلاة والسلام- وهو يخبرنا بأحاديث عنه- صلى الله عليه وسلم- وفيها يرسم لهذه الأمة المخطط المستقبلي ، لا من أجل أن نسترخي أمامه ! وإنما من أجل أن نتبين مواقع أقدامنا فوق هذه الأرض، ذلك أنه لا يكون ملك عضوض ولا ملك جبري ولا خلافة أو خلافة راشدة على منهاج النبوة إلا بالأسباب التي يأخذ بها المسلمون.

الرسول- عليه الصلاة والسلام- الذي أخبر بهذا هو الذي نحتفل بذكرى مولده ، هو الذي عصم الله- عز وجل- لسانه ، فقال "وما ينطق عن الهوى" وعصم الله تبارك وتعالى جنانه ، قال "ما كذب الفؤاد ما رأى" وعصم الله عز وجل عينيه ، قال "ما زاغ البصر وما طغى" وزكى الله عز وجل جليسه ، قال "علمه شديد القوى" وزكى الله تبارك وتعالى صدره ، قال "ألم نشرح لك صدرك" وزكى الله عز وجل كله قال "وإنك لعلى خلق عظيم".

حينما نستعرض هذا ، ونتبين أنه هو الذي صلى بكل الأنبياء إماماً ، وهذا مقام من أروع المقامات !!! ليدلنا على أنكم أمة رجل ، إنما اختاره الله- عز وجل- واصطفاه وكلفه بـأن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأن يبصر الناس بمواقع خطاهم إلى الله- جل جلاله- من أجل أن يعرف الناس بالحق، من أجل أن يدل الناس على الخير، فما ترك- عليه الصلاة والسلام- خيراُ إلا ودلنا عليه ، وحثنا على الأخذ به، وما ترك شراً تتأذى به الأمة إلا عليه الصلاة والسلام منه، هو الذي أخبر بتلك المراحل التي تمر بها الأمة لنعيها ، ولنقف من كل مرحلة الموقف الشرعي المطلوب !!.

وإذا ما جئنا إلى تلك الجزربعد وجدنا أنه بعد أن استولى عليها الملك غير اسمها فإذا بها يطلق عليها " الفلبين " لو أن الأمر بقي على حاله لقلنا تغيير اسم ، ولكن الأمر كان أشد هولاً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أرأيتم إلى المسلمين الذين غطوا الأندلس كيف محقوا وسحقوا ، أحرق من أحرق ، ووضع في الزيت المغلي من وضع في الزيت المغلي ، وقتل من قتل ، وسجن من سجن ، وغيرت الأسماء ، ولوحق أولئك الذين كانوا يصلون في أعمق أعماق دارهم ، حتى لم يبق هناك مسلم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !!!.

وهذا ، إذا قال أحدنا: إنك تتحدث عن التاريخ، نقول: وما الحاضر إلا تاريخ عما قريب ، المصيبة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ألا نتقن فهم التاريخ ، وألا نقرأه قراءة واعية نستخلص منها الدروس والعبر. لما ألغى الاسم فإذا به يطلق على الجزر الإسلامية " الفلبين " أخذ بالاستئصال منهجاً ، أتدورن ما نسبة المسلمين الذين استؤصلوا " سبعة وثمانون بالمئة " لا سبعة وثمانون بالمئة قد استأصلهم  من تلك الجزر التي كانت تعد بالآلاف ولم يبق إلى يومنا هذا إلا عشرة بالمئة!! يا أمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

إذا تبينا ذلك عرفنا لم نحتاج حاجة ماسة إلى أن نتعرف إلى ما الذي ينبغي علينا أن نتعرف إليه في الذكرى، أيجب علينا أن نقرأ سيرته عليه الصلاة والسلام ؟ أينبغي أن نتعرف إلى حقيقة الرسالة التي أتانا بها ، وأبعادها الزمانية والمكانية ؟ وما الذي عندنا من هذه الحقيقة وتلك الأبعاد ؟ أم أننا نقف قبالة ذلك الصحابي الذي ربته مدرسة القرآن ، ونحمد الله- عز وجل- على القرآن ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! إذا كان- عليه الصلاة والسلام- قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ، فقد أبقى فينا أمرين اثنين ، ما أروعهما!! أبقى فينا كتاب الله- عز وجل- وسنته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وهما محفوظان ، لأن الرسالة التي جاء بها هي الرسالة الخاتمة ، فلا يتصور مجيء أي رسول بعد محمد بن عبد الله- عليه الصلاة والسلام- إذ لا نبي بعده ، فهو خاتم النبيين- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- فهم كتاب الله ، وفهم عمق الرسالة ! فإذا به يقف بصوت جهوري قوي شامخ عزيز بالإيمان يعلن الحقائق التي ملأت جوانحه ، يقول: إن الله ابتعثنا ليخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الاسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، هذاكان في بلاد فارس حيث وقف ربعي بن عامر في مجلس رستم الفارسي يدعوه إلى الله- جل جلاله-  أما في افريقيا

فنبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين !!.

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله- تعالى- فقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

إن رسولنا- عليه الصلاة والسلام- قد أثنى الله عز وجل عليه ، ودعانا إلى أن نثني عليه ، قال- جل جلاله- "هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور إنه كان بالمؤمنين رحيما * تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريما" ويقول جل جلاله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً" والصلاة- ههنا- بمعنى الثناء ، بدليل أنها قد عديت " بعلى " يصلي على النبي أي: يثني على النبي، وثناء الله- عز وجل- على المصطفى عليه الصلاة والسلام ثناء مستقرمستمر "إن الله وملائكته يصلون على النبي" الملأ كله يصلي على المصطفى- عليه الصلاة والسلام- ولكن من مظاهر عطاءات الرسالة الخاتمة أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- بلغنا آية من كتاب الله فيها : "يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً" فنحن نتبارك بالصلاة على المصطفى- عليه الصلاة والسلام- ونتقرب بها إلى الله- جل جلاله- وكل صلاة نصليها عليه يصلي الله بها علينا عشرة، "هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور"، ولكن إذا كانت مهمته- عليه الصلاة والسلام- التي حددها قول الله عز وجل "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً" إذا كانت المهمة أن يدعو إلى الله- جل جلاله- من أجل أن يخرج الناس من ظلمات الجهالة إلى نور الإسلام، ومن ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلمات القهر والظلم والعدوان والطغيان إلى نور العدالة فوق هذه الأرض، من ظلمات الباطل إلى نور الحق، فإننا ينبغي حينما نصلي على المصطفى عليه الصلاة والسلام أن نرى في أنفسنا تغيراً، لا بد من أن تتغير في أنفسنا صفاتنا ومعاملاتنا ، حتى تكون مطابقة لما جاءنا به- عليه الصلاة والسلام- لأن كل ما جاءنا به صلى الله عليه وسلم ، ويدعونا إليه ، ويأمرنا به ، ويحثنا عليه ، إنما هو من النور الذي جاءنا- عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يزجنا بين أمواجه.

إذا كان ذلك كذلك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أفما ينبغي أن نقف أمام ذلك العملاق الذي وقف قبالة المقوقس في إفريقية يدعوه إلى الله- جل جلاله- المقوقس ظن أن هؤلاء الذين بعثهم الإسلام من مراقدهم ، حيث كانت الجزيرة العربية مفعمة بالأصنام ، حتى لو أنك بحثت عن شبر تضع جبهتك ساجداً لله- عز وجل- لما وجدت، لأن الجاهلية قد ضربت أطنابها في الجزيرة العربية، ولكنها هبة رسول- عليه الصلاة والسلام- !! عزيمة خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام ، الذي بعثه الله- عز وجل- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وقد فعل- عليه الصلاة والسلام- أخذ يتلقى الوحي كوكبة بعد كوكبة ، حتى نزل قول الله- تعالى- : "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".

المقوقس كان حاله كحال الجاهلية في مكة المكرمة، حيث قالوا للرسول- عليه الصلاة والسلام- إن كان بك طلب للسيادة عقدنا ألويتنا لك فتكون سيدنا ما بقيت، إذا كنت قد جئت بما جئت به تطلب السيادة ، فنحن نسودك علينا، ومن هنا قال العلماء- وعلى الأخص مصطفى صادق الرافعي رحمه الله تبارك وتعالى- لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام زعيماً من الزعماء لوصل إلى ما يبتغي بأقصر طريق وبأسرعه، حيث إن قريشاً كانت تجله وتقدره ، وتلقبه بالصادق الأمين ، وقد حكمته في أخص خصائص دينها الحجر الأسود!! وسلمت له ما أشار به- عليه الصلاة والسلام- لو كان زعيماً قومياً لجمع قريشاً ومن حولها من القبائل ، ثم أكل بهم كل القبائل في الجزيرة العربية، وأقول " أكل " مع أنه يمكن أن تجتمع إليه القبائل العربية على أنه زعيم عربي ، أو زعيم إقليمي، ثم بعد ذلك له أن يلقي ببعض جنده في بلاد فارس من أجل أن يقتص منهم ، ذلك أنهم كانوا يثيرون العرب، أو في بلاد الروم ، ذلك أنهم كانوا يتطوسون على العرب وقت ذاك، وكان بالإمكان أن يغير على اليمن ليضمها ، أو على الحبشة ليستأثر بها ، ولكن هيهات إن النبوة شأن آخر أمة محمد عليه الصلاة والسلام !!!.

ما دعا- عليه الصلاة والسلام- إلا إلى الله "وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً" عبادة بن الصامت لما دعا المقوقس إلى الله- عز وجل- وإلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- قال له المقوقس : عندي أموال كثيرة ، وأنا أعطيك الكثير منها ، وأخصك ببعضها !!! أي : رشوة خاصة ورشوة عامة. فتبسم عبادة، وعلى كل "عبادة " كان رهيباً حتى ذكر المؤرخون أن المقوقس لما وقف قبالته عبادة قال : أبعدوه عني ! ما هذا؟؟ ارتعدت فوائصه منه ، لطوله وسطوةهيبته وعمق لونه، قال : إنما تغرينا بالحياة الدنيا ! إنما تغرينا بالحياة الدنيا، ووالله ما يخرج أحدنا من بيته إلا ويدعو الله أن لا يرجع إلى أهله، ما يخرج أحدنا من بيته إلا ويدعو الله أن لا يرجع،" أن لا" هنا ثابتة! ، أن لا يرجع إلى أهله، وأن يكتبه الله مع الشهداء، هذا هو المعنى الصحيح- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لحقيقة الرسالة ، ألا:" وهو إخراج الناس من كل ألوان الشرك إلى صفاء التوحيد، من كل ألوان الظلم والعسف والعدوان والطغيان إلى رحاب العدالة، من كل ما يعكر صفو الحياة إلى ما يصفو بالحياة ، فإذا بأهلها يعيشون ملائكة ، أو كالملائكة فوق هذه الأرض.جاء" عبادة" إلى المقوقس من أجل أن يدعوه إلى الله ، لا من أجل أن يأخد ماله ، أو من ماله!!!

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي * يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ".

اجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك ، لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا، واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ، ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.