354 - حين يطبق الإسلام
خطبة الجمعة    354 - حين يطبق الإسلام
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى، ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ،عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا"

أما بعد- أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-

فقد قال القائل أما والله إن الظلم شؤم، وما زال المسيء هو الظلوم، أما والله إن الظلم شؤم، وما زال المسيء هو الظلوم، عم يتحدث هذا القائل؟ 

يتحدث عن سلوك غاشم هدام خطير، يحول الحياة إلى جحيم، ثم يكمل فيقول : نمشي خطوات فإذا بنا على حافة الآجال ، حيث يطوى العمر لندخل عالما آخر، سنة الله- عز وجل- في هذه الدنيا، وعند الله تجتمع الخصوم !! من الحقائق المستقرة أنا- ونحن في ميادين الحياة- نسعى إلى أجالنا، حيث تنقضي الأجال كما انقضت أجال من سبقنا، وكما ستنقضي أجال من سيأتي من بعدنا، وهكذا ، حتى يظهر قول الله- عز وجل- تأويله "يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب* كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا * إنا كنا فاعلين" كلنا يغدو كما قال- عليه الصلاة والسلام- "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ".

أنزل الله- عز وجل- الشرائع لتسدد خطى البشرية على الصراط المستقيم           الذي فيه الحق والعدل والمساواة والمحبة والإيثار والقيم الربانية، وبه تسعد البشرية ، ودونه تشقى، وبمقدار ما يلتزم الإنسان بمنهج الله- تبارك وتعالى- يكون في أمن وآمان ، ويكون في رضى ورضوان، وحيث ينأى عن شرع الله- تبارك وتعالى- فإن البشير النذير قد أخبر- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بأن " كل أمتي معافى إلا المجاهرون" وإن شئت " إلا المجاهرين " وإن كان ضبطها إلا المجاهرون، فهؤلاء الذين جاهروا بمعصية الله- تبارك وتعالى- وصدوا عن سبيل الله، وناصبوا الحق العداء، وضيقوا على هذه الأمة، وفرطوا في مقدساتها، وألغوا شريعة الله- تبارك وتعالى- بأسلوب واضح أو خفي، هؤلاء قد أبعدوا أنفسهم عن رحمة الله- تبارك وتعالى- على سعتها.

ومن هنا يمكن أن يقرر فيقال : إن الآخرة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- التي أخبرنا الله عز وجل عنها ، والمتمثلة في جنة أو نار، إنما يسعى إليها الساعون في هذه الدار، فإما أن تكون من أهل الجنة، وإما أن يكون من أهل النار، ولكن متى تكون من أهل الجنة ؟ حينما تعمل بعمل أهل الجنة ، وعملهم : الايمان والعمل الصالح، ومتى يكون من أهل النار؟! حينما يعمل بعمل أهل النار، وهو الكفر بالله العزيز الجبار- سبحانه وتعالى- والإعراض عن منهجه الذي بلغنا إياه الحبيب المصطفى.

هذا كلام مجمل يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- والتفاصيل إنما هي مهمة كل الاهتمام، ذلك أن في رحاب السيرة التي عاشتها هذه الأمة ، وهي سيرة ، ما أعطرها !! الرجال والنساء شاركوا فيها، الشباب شاركوا فيها، الشيوخ شاركوا فيها، سيرة عطرة، نحن بأمس الحاجة إلى أن نجتلي بعض معانيها، خاصة إذا ما نظرنا في كتاب الله- عز وجل- حيث يحدثنا عن بعض المواقف الربانية ليبين لنا فيها أن الأمن والأمان لا يكونان إلا في جوار الرحمن سبحانه وتعالى وكنفه، إنه من كان في كنف الرحمن هو في أمن وأمان ، ولو تخلت عنه الأسباب، أسباب القوة الظاهرة، وإن الذي قد بعد عن جوار الله- تبارك وتعالى- وسعى في جوار نفسه أو في جوار شيطانه ، فهو في خوف ورعب ، وإن تكاثرت أو تظاهرت حوله أسباب القوة الظاهرة.

من هنا أجدني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- في رياض التطبيق الرائع للإسلام ألتقط منها ، وهي التقاطات ، لعله لا يجمع بينها سوى أنها بؤر ضوء وهداية ونور وخير واسترشاد وعبرة وموعظة، الفضيل بن عياض رحمه الله- تبارك وتعالى-  قال لخليفة من خلفاء هذه الأمة : انظر يا أمير المؤمنين ! ولا تنس أنك مسؤول عن أمة محمد- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- كلهم، إذن الخليفة مسؤول عن كل فرد من أفراد هذه الأمة، مسؤول عن حياته، مسؤول عن حقوقه، مسؤول عن ماله، مسؤول عن عرضه، أنت مسؤول غداً بين يدي الله- تبارك وتعالى- و"عند الله تجتمع الخصوم" أجل يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام-.

وهنا نبضة لا بد لنا من أن نلمحها تقول لنا : إن هناك بطانة راشدة صائبة مصيبة مهتدية حول أمير المؤمنين، وقد تكون هناك بطانة شر له، فيا ويل هذه الأمة ! إذا ما استقوت بطانة الشر حول أمير المؤمنين،وأحكمت قبضتها على عنقه ، الجانب الآخرمن المشهد أن أمير المؤمنين ما زج به- لنصحه إياه- في السجن ، وإنما انصاع له ، بل أجهش في البكاء، أجهش في البكاء ، حتى نشج ، أجل يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- لم؟ لأنه أوقفه أمام مسؤولياته.

هو لو كان فرداً من أفراد هذه الأمة لكان مسؤولاً عن نفسه ، ولكنه مسؤول عن كل فرد من أفراد هذه الأمة. استدعى خليفة من خلفاء هذه الأمة شاعرا من الشعراء ، وقال له : صف لنا ما نحن فيه من عيش ونعيم ، فإذا به يقرر بكلمات واضحات يقول فيها (عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور، فإذا النفوس تقعقعت في ضيق حشرجة الصدور، فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور).

واحد من البطانة الثانية قال : بئس ما قلت* وفض فوك * جيء بك لتسر أمير المؤمنين فأحزنته، والدعاء في الأصل إذا ما أعجبك قول القائل أن تقول له : لا فض فوك، فماذا قال أمير المؤمنين، لهذا الذي قال " جاء بك أمير المؤمنين لتسره فإذا بك تحزنه " قال له : دعك من هذا ، واصمت، إنه رآنا في عمى ، فأبى أن يزيد في عمانا، إنه رآنا في عمى ، فأبى أن يزيد في عمانا.

أمة محمد- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- نحن بأمس الحاجة إلى هذه الحقائق ، لا لتقال على المنابر ثم لا وجود لها في ساح الحياة وحركتها، وإنما نحن أمة اختارها الله- تبارك وتعالى- لرسالته الخاتمة ، رسالة الحق والعدل والخير والمساواة والأمن والأمان، وهذه الرسالة إنما تحتاج إلى رجال أقوياء أشداء ،ونساء عفيفات نقيات طاهرات ، كلهم قد أدرك عن الله- عز وجل- ما يريده الله عز وجل منهم ، فإذا بهم يؤدون رسالتهم في هذه الحياة على أروع أداء.

المشهد الذي لا تعرفه الأرض، هو تلك المحاكمة التي عقدت ،، القاضي فيها مسلم ، والخصم فيها قائد من قواد المسلمين الذين فتح الله- عز وجل- على أيديهم كثيراً من البلاد، وهنا نقول : فتح الله على أيديهم كثيراً من البلاد، ولا نقول احتلوا كثيراً من البلاد، لأنه فرق شاسع ، بل لا مقاربة على الإطلاق بين الزحف الإسلامي المنور الهادي المهتدي الذي يريد أن يقيم الحق والعدل فوق هذه الأرض، وبين الزحوف الأخرى التي تدمر الحياة ، فلا تبقي ولا تذر.

تلك الزحوف التي مثلها هتلر مرة من المرات ، فإذا به يقول لقائد قوات جيشه : إني لا أريد أن تبقى موسكو فوق خارطة الأرض، ينبغي أن نقتل كل من كان فيها. لأنا لا نريد أن نطعمهم ، وكانت القاعدة المستقرة لدى هؤلاء القادة الذين أشعلوها حروباً هوجاء ، أنه إذا ما دخلوا مدينة ينبغي أن يدكوها بالطائرات قبل المدفعية حتى إذا ما دخلوها فحيث وجدوا إنساناً حياً قتلوه ، وإذا وجدوا زرعاً قائماً أحرقوه.

بل إن الماضي السحيق يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- هذا الماضي السحيق الذي يمثله الرومان واليونان ، وكانت الحرب قائمة بينهما على أشدها ، القائد الروماني أوعزيوما إلى جيشه بإيعاز خطير، قال فيه : ما ينبغي أن يبقى في هذه المدينة التي نغير عليها أثراً للحياة، لماذا؟ ليعلموا أنا من الرومان، وشأنهم أن يطبعوا على وجه ما احتلوه " طابع الدمار بلا أدنى رحمة "

هذه الشريعة كانت مستقرة فوق هذه الأرض ، حتى جاء شرع الله- تبارك وتعالى-  ولعل الكثيرين بل كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يدرون ما وصى به رسولنا- عليه الصلاة والسلام- السرايا التي كانت تنطلق من أجل أن تقرر لا إله إلا الله محمد رسول الله ، من أجل أن تخرج الإنسان من عبادة الإنسان إلى عبادة رب الإنسان ، من جور الأديان إلى عدل الاسلام ، من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.

كان يوصيهم- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بأنه لا غدر ولا تمثيل ، ولا قتل لصغير، ولا لشيخ ولا لمرأة ، ولا يحرق زرع ن ولا يقطع نخل ، ولا يذبحون شاتاً أو بقرة أو جملاً ، إلا لمأكله، وتابع الصديق هذا النهج ، وأوصى أن هناك أناسا تمرون بهم معتزلين في الصوامع ، فدعوهم وشأنهم وما اعتكفوا من أجله. هذه وصايا هذه الشريعة يا أمة محمد- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- قررها عليه الصلاة والسلام بالنصوص ، وطبقها الصحابة والتابعون من بعدهم تطبيقاً سلوكياً عملياً.

ومن هنا كانت المحاكمة التي أقامها عمر بن عبد العزيز- رضي الله تبارك وتعالى عنه- أمر بأن تقام من أجل أن يحاكم قتيبة بن مسلم، قتيبة بن مسلم قد جاء إلى سمرقند ، وعلم من تاريخها أنها تستصعب على الفاتحين ، وأنها شديدة المراس ، وأن لها جيشا عنيدا قويا عنيفا ، فاحتال لذلك، فإذا به يرسم خطة أمر بها جنوده بأن يتوزعوا على سفوح الجبال المحيطة بالمدينة، ثم راقب ، حتى إذا ما فتحت المدينة أبوابها ، وأخذ الناس يخرجون ويدخلون إليها، إذا بالسيول سيول المقاتلين يدخلون المدينة ، حتى تجمعوا في قلبها، فبهت الناس ، وأسقط في أيديهم ، لم ترق قطرة دم واحدة ، وهرب قادتها ، وهرب كهانها ، فقد كانوا عباد أوثان ، هربوا إلى شعاف الجبال ، وأخذت الحياة تسترد أنفاسها بعدما خاف الناس أيما خوف ، لكن مم الخوف ؟ هؤلاء قد دخلوا مدينتنا ، ولم يقتلوا واحداً بل إنهم شاهدوا منهم مشهداً غير نظرتهم كلها من أولها إلى آخرها.

اختصم شاب من أهل سمرقند مع جندي من الجنود ، وأنتم تعلمون ما يجري اليوم يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- جندي من الجنود، جنود الفاتحين اختصم مع شاب ، وتراكض الجنود، فخاف الناس وذعروا ، ظنوا أن هؤلاء سينصرون آخاهم في الجندية ، لكنهم وجدوا العجب ألقى الجنود القبض على الجندي والشاب وساقوهما إلى القاضي ، فحكم القاضي على الجندي بأنه معتدٍ ، وأطلق سراح الشاب. فخرج إلى الرهبان يرجوهم أن يعيدوا النظر في شأن أولئك الذين دخلوا بلادنا كما علمتم ، ائتوني بذرة من هذا السلوك اليوم على أيدي أصحاب حضارة الأشياء ،والتقدم التقني المذهل !!

وأخذوا يفكرون ، فقرروا أن يرفعوا دعوى نظمها الكهان برسالة بعثوا بها إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وحمل الرسالة شاب طار بها على جواده ، حتى إذا ما بلغ دمشق ، وكانت- يومئذ-  حاضرة العالم الاسلامي ، منها كان يحكم مشارق الأرض ومغاربها وفق شرع الله- تبارك وتعالى- الناس كانوا في أمن وآمان ، كانوا في تقوى من أروع ما تكون الصور، وربما وجدت فرصة لنعرض مشهداً من تلك المشاهد الربانية ، دين المسلم دين متميز يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- رسمته الآيات القرآنية، ونهاره نهار متميز، إنما سبلته أحكام شريعة الله- عز وجل- ونظمته وضبطته أروع ضبط.

ومن هنا كان المسلمون "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة"، المسلمون أتقياء أنقياء أوفياء يخافون من أن يهدروا حق حيوان أو نبات ، بله الإنسان، وحار الشاب لما وصل دمشق ن هو يحكي فيقول : حرت كيف ألتقي أمير المؤمنين ، دلوه عليه ، فوجد رجلاً يقيم من شأن جداره بالطين ، وقد غرق فيه أو كاد، فاقترب منه يسأله هل تعرف أمير المؤمنين ؟؟ لكنه توقف حينما مر أحدهم فألقى السلام على الذي يطين الجدار، يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، إذن هو أمير المؤمنين ، وقدم الرسالة ، وقرأها عمر، والله لم يقل له: انتظر، ولم يحل المسألة إلى الجمعيات التي تفتخربها البشرية اليوم ، مع أنها ربما كانت من جملة الطامات التي نزلت على البشرية، لم يكل القضية إلى أي انسان حتى من الحاشية ! بل ما كان منه إلا أن استدعى الكاتب فكتب الرسالة : أن أقيموا محاكمة سريعة ، ذلك أن الشكوى تقول " إن ابن قتيبة قد غدر بنا ، ودخل بلادنا دون أن يخيرنا ، ومن عاداتكم أنكم لا تغيرون على بلد حتى تخيروهم في ثلاث ، إما الإسلام ، وإما الجزية ، وإما القتال ، لكن قائدكم ما فعل ذلك ، وغدر بنا ، ودخل بلدنا على حين غرة).

صوب أمير المؤمنين العبارة فقال : ليس هذا من عاداتنا ، وإنما هذا من سنة المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- عادات المسلمين إنما تنبع من شريعة الله- عز وجل- ما يسمى بالتقاليد كل التقاليد التي لا تمت إلى شريعة الله بصلة إنما لا شأن لنا بها، فإذا ما كانت تعارض شرع الله- عز وجل- فتنبذ في سلال الإتلاف.

حمل الشاب الرسالة الجوابية ، ونصب الوالي والي سمرقند القاضي ليبت في القضية ، واستدعى قتيبة ، واستدعى الكهان بعد أن أعطاهم الأمان ، ومثل المدعي والمدعى عليه أمام القاضي ، استمع القاضي إلى الدعوى ، ثم سأل قتيبة أصحيح ما قالوه ؟! أنكم قد دخلتم على حين غرة ، ولم تخيروهم، قال نعم، قال لم فعلت ذلك، قال أحببت أن أصون الدماء، هي حجة ربما كانت شرعية في الظاهر، أحببت أن أصون الدماء، ذلك أنا علمنا منهم ما علمنا من شراسة في القتال ، ونحن لا نريد ذلك ، قلنا ندخل ثم بعد ذلك نشرح لهم الإسلام ، فإن أحبوه دخلوا فيه ، وإلا فنتركهم وما هم عليه بعد أن نتفاوض معهم على أمر من أمور قد جاء بها شرع الله، ماذا كان جواب القاضي لقد أقررت يا قتيبة!! وإنا والله ما ننتصر إلا بهذا الدين ، وإن الدين قد بين لنا أنه ما ينبغي أن نغير على أمة إلا بعد أن نخيرها. صدر القرار يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- يجب على المسلمين أن يخرجوا من سمرقند خلال ثلاثة قرون، عفوا زلة لسان تحكم بها حال العصر الذي نعيش فيه ، ليست ثلاثة قرون !!

لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، هذا ليس من شأن المسلمين ، قرار صدر في محكمة لعل البشرية اليوم بأمس الحاجة إلى أن تتفهمها ، وإلى أن تعرف عمقها وإلى أن تعرف أن الإسلام هو الذي صاغها، على المسلمين أن يخرجوا خلال ثلاثة أيام ، أنتم تعلمون ماذا يكون من أمر المحتل ، ربما دخل في يوم من الأيام فلا يخرج إلا على بحار من الدماء ،وبعد سنوات !!

على المسلمين أن يخرجوا من المدينة ، ثم يعطوهم فرصة للاستعداد، فإذا تم لهم ذلك خيروهم ،بإحدى ثلاث ، فإذا ما اختاروا الحرب كانت المعركة بإذن الله ، وباسمه- تبارك وتعالى- شدهه أهل سمرقند ، لأنهم رأوا أن المسلمين قد خرجوا من سمرقند قبل نهاية المدة تنفيذا لقرار المحكمة، ليست هنا- إذن- مناورات سياسية كما يقولون ، وليست المسألة جدلاً فارغاً يغطي نفسية استعمارية مصاصة للدماء ونهابة للخيرات، وإنما هو قرار رباني، فما كان منهم إلا أن اجتمعوا فقالوا : والله ما رأينا أفضل من ذلك ، ولا أحسن.

إنهم يدعونكم إلى " لا إله إلا الله " فكًروا في حقيقة ما يدعونكم إليه، وما كان منهم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلا أن دخلوا جميعاً في دين الله- تبارك وتعالى- وسمرقند صارت بعدها عاصمة من عواصم هذه الأمة ، قد خرجت الكثير الكثير من علمائها الجهابذة.

هذا مشهد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- صاغته شريعة الله ، ونحن إذا ما وجدنا أنفسنا في حالة يرثى لها ، أو هي قريباً من الرثاء ، لا بد لنا من أن نراجع أنفسنا ! ترى لو كنا على استمساك بحبل الله- عز وجل- لو كنا على قدم الصالحين ، أوعلى قلب رجل واحد في الحق ، لو كنا قد فهمنا الكثير من حقائق هذا الإسلام فهماً يدعو إلى السلوك ، أكان بنا ما يكون بنا يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام-.

لا بد لنا من وقفة مستبصرة ن نراها في مالك بن دينار، يقول صالح المري: وعدنا مالك بن دينار في الجبان ، إذ كان قد وعد بأن نزور أبا جهير مسعوداً الضرير، أبو جهير هذا " مسعود " كان له شأن مع الله، كان قد اعتزل ، فلا يخرج إلا إلى الصلوات وصلاة الجمعة ، وكان ضريراً قد فقد البصر، وكان له شأن مع الله- جل جلاله- وقد واعد مالك ابن دينار بعض أصحابه ، ومنهم صالح المري ، ومحمد بن واسع ، ومنهم ثابت البناني و حبيب أبو محمد ، هذه الثلة من الأكابر، قد تواعدوا كي يسلموا على أبي جهير، وجاؤوه البيت ، وكان يوم سرور، انتظروا حتى يخرج إلى الصلاة، خرج إليها أمسك أحدهم بيده، يعينه حتى أوقفه على باب المسجد ، توقف قليلاً ، ثم دخل ، صلى ما شاء الله ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلوا الصلاة الحاضرة ، ثم بعد ذلك جلس أبو جهير مهموماً ، فتشاوروا فيما بينهم من أجل أن يسلموا عليه ، قام محمد بن واسع ، أتدرون من هوابن واسع؟!! هو جندي من جند قتيبة بن مسلم، محمد بن واسع يقول قتيبة عنه : إن اصبعه أحب إلي من مئة ألف سيف، ذلك أنه كان يشير إلى السماء قبل بدء أي معركة من المعارك ، وكأنما يشهد تفتح أبواب السماء ، لتتنزل الملائكة نصرة لهذه الأمة، والملائكة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام تنزلت ، وتتنزل ، وستتنزل ما دامت هذه الأمة في رحاب الله ، في كنف الله ، في حفظ الله ، في رعاية الله وتأييده ، ومع منهج الله تبارك وتعالى.

يقول أحدهم : كنت إذا مسني فترة- أي فتور في العبادة- أو مسني قسوة قلب ، جئت فنظرت في وجه محمد بن واسع ، فأتزود بها لمدة أسبوع ، أو لمدة شهر، ترى: ما الذي ينضح به هذا الوجه المبارك؟!! حتى يكون منه هذا العطاء الرباني وتلك الطاقة الروحية ، قام محمد بن واسع يسلم على أبي الجهير قال : من أنت؟ قال من أهل البصرة ، قال : إني لا أعرف صوتك . ذلك أن من فقد البصر ربما أخذ يميز الناس بالأصوات ، ما اسمك يرحمك الله ؟ قال: محمد بن واسع ، قال : الله ، أنت الذي يقول فيك أهل البصرة إنك أفضلهم ، هنيئاً لك إن تكن تشكر الله عز وجل على ذلك.

ثم قام مالك بن دينار فسلم على أبي الجهير، من أنت يرحمك الله ؟ قال مالك بن دينار، قال : أنت الذي يقال عنك أنك أزهدهم، بخ بخ ، أبا يحيى اجلس ، فجلس.

ثم قام ثابت البناني الذي رؤي في المنام بعد موته ، فإذا به يصلي، ذلك أنه كان يكثر من أن يدعو الله عز وجل في حياته : اللهم إن كنت رزقت أحداً في عالم البرزخ أن يصلي فارزقني أن أصلي، وربما قفت بعض النفوس من هذا الخبر، فنقول : إن الرسول- عليه الصلاة والسلام- في حديث الإسراء والمعراج قد مر بموسى- عليه الصلاة والسلام- وهو قائم يصلي ، ذلك أن عالم البرزخ ليس هو عالم القبر، ذلك أن القبر إنما هو الوعاء الذي يحتوي الجسد، أما عالم البرزخ فأمر آخر، وشأن غير شأن الجسد والأجساد ، يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وكان ثابت البناني في طريقه مع مالك بن دينار إلى أبي جهير كلما رأى مالك مكاناً نظيفاً ، يقول لثابت : صل هنا ، لعل هذا يشهد لك عند الله ، فكان يصلي ، فلما سلم وعرف أنه ثابت البناني قال له : يا ثابت ! هنيئاً لك ما أنت عليه ، إني كنت أتمنى على الله- عز وجل- أن اسمع صوتك، ثابت البناني ! يقال عنك أنك أطول الناس صلاة اجلس ، فجلس.

وبقي صالح المري- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أراد أن يقوم ليسلم ، فإذا بأبي جهير يقبل على القوم فيقول: يا قوم ! استعدوا للإقراربين يدي الله عز وجل في مجمع يوم القيامة، فسلمت عليه ، فقال : من أنت ؟ قلت : صالح المري ، قال: أنت صالح المري! أنت الذي يقال عنك إنك أقرأ الناس، إقرأ علينا يا صالح! وتعوذ بالله تبارك وتعالى ليقرأ ، والله نشج نشجة غشي عليه بها أبو جهير، ما أن سمع الاستعاذة ، فكيف به إذا سمع التلاوة، ثم لما أفاق قال عد إلى قراءتك يا صالح ! فقرأ "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثوراً" فإذا به ينتفض انتفاضة يقع بها على الأرض ، حتى انكشف بعض جسده ، فقمنا إليه ، فإذا به قد فارق الحياة.

سألنا من يعرفه ؟ قالوا: امرأة عجوز، وجيء بها ، قالوا لها : إنه قد مات ، قالت: وكيف ؟ قالوا لها: إنه أخذ يستمع القرآن ، فإذا به يموت، قالت : أنشدكم بالله أما كان صالح المري يقرأ ن قلنا لها: وما أدراك بصالح المري ؟ قالت: إنه كان كثيراً ما يقول في حياته: إن قرأ صالح على مسمعي قتلني.   

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه ، فيا فوز المستغفرين.

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله- تعالى- فقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام!

فإن الأمة تكون في أمن وآمان ما دامت في رحاب الله ، في جوار الله، ومتى تكون في جوار الله؟ تكون في جوار الله إذا اعتصمت بالإيمان ، وحقائق الايمان ، إذا كانت على يقين من أن الله عز وجل معها، إذا ما نصرت دين الله عز وجل نصرها الله تبارك وتعالى، فلا أمن إلا في جوار الله عز وجل ويخاف من يخاف ذلك لأنه بعيد كل البعد عن جوار الله تبارك وتعالى.

إذا كنا قد تكلمنا عن رجال ، وبقي عمر بن عبد العزيز- رضي الله تبارك وتعالى عنه- الذي لما توفي تولى الخلافة من بعده يزيد بن عبد الملك، ويزيد أخ لفاطمة بنت عبد الملك زوج عمر بن عبد العزيز، ولما استلم الخلافة كان هناك أعداء لعمر ابن عبد العزيز، أخذوا يذكرون أن ظاهره النقي التقي، أما باطنه فحدث ولا حرج ، ما الدليل على أن باطنه ليس كظاهره في النقاء، قالوا: إنه قد ادخر أموالاً كثيرة أخذها من أموال الناس، سرقها من أموال الناس، خبأها من أموال الناس، عمر لا يفعل ذلك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لأنه فيه نسغ ن هذا النسغ إنما جاءه من جدته التي تزوجها عاصم بن عمر بن الخطاب- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- وكانت من الطهارة بمكان ، هي التي قالت لأمها: لا تمزقي ، حينما كانت أمها تريد أن تضيف الماء إلى اللبن، ولما سمع عمر ذلك رأى أنها تصلح زوجاً لابنه عاصم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

بدأ يزيد يوسوس حتى بعث إلى أخته فاطمة يقول : إنه قد بلغنا أن عمر قد ادخر مدخرات ، فهلا بعثت بها إلينا، كأنما غفل يزيد عن أن عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة قد تجرد هو وزوجه من الأموال كلها ، لا مجوهرات ولا مدخرات ولا سبائك ذهبية ، ولا دولارات ولا أي شيء من العملات المعروفة ، إنما تخلى عنها كلها فجعلها في بيت مال المسلمين، هي للمسلمين يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ألح على فاطمة فبعثت إليه بصرة قالت ما خلف إلا هذه، فتحها فإذا بها جبة غليظة كان يلبسها في التهجد حيث يقف بين يدي الله تبارك وتعالى.

وجاء الخبر من الوشاة أن هناك غرفتين لعمر بن عبد العزيز مقفلتين ما يدخلهما أحد، وجاء يزيد ومعه حاشيته إلى فاطمة وأبى عليها إلا أن تفتح الغرفة الأولى فالثانية، أما الأولى فكان فيها كرسي يجلس عليه ليستريح من قيام الليل إذا ما تعب، وأما الثانية فكان فيها سلسلة معلقة بالسقف ، فيها كالطوق ، كان يضعها في رقبته من أجل أن يذيب بكاءه بين يدي الله عز وجل، ليله الساهر، ليله العابد، ليله الحاضر، ليله الشاهد، ليله المنور هو الذي كان من وراء نهاره المسدد يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وأما النساء فقد شاركن في بناء الحياة مشاركة عظيمة رائعة، وكم تحتاج نسوتنا اليوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام للتعرف إلى أحوال نساء السلف الصالحات الفضليات، نساؤنا اليوم بحاجة إلى ترسم الخطى التي سار عليها نساء السلف الصالح ، كن من الطهر والنقاء والالتزام بشرع الله عز وجل والإقبال على الله تبارك وتعالى والورع والزهد على حالة نحن بأمس الحاجة إلى أن نستعيدها، لم يا ترى؟ لأننا مسؤولون بين يدي الله عز وجل، عم نحن مسؤولون؟ مسؤولون عن فهم شرع الله عز وجل، ومسؤولون عن تطبيق شرع الله تبارك وتعالى، ومسؤولون عن تبليغ شرع الله تبارك وتعالى.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين سلما لأوليائك وحرباً على أعدائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك، اللهم ربنا هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك فنهلك، اجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا، واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.