355 - في مهارة القراءة
خطبة الجمعة    355 - في مهارة القراءة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، أنت الحق وقولك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق، والنبيون حق ومحمد- عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- حق، اللهم لك أسلمنا وبك آمنا ، وعليك توكلنا ، وبك خاصمنا ، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب، وهو رب العرش العظيم.

الله- جل جلاله- يقول: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون * ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون * ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم!

فإن مما يثير الهمم تلك المقولة ، سواء كانت بحق أو بباطل، وفيها "أن أمة اقرأ، لا تقرأ"، قال له: اطمئن فإن العرب لا يقرؤون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون، وإذا عملوا لا يخلصون"، يهودي بارز كتب مخططاً يبين فيه أبعاد المطامع اليهودية في الأمة الإسلامية انطلاقاً من فلسطين ، من بيت المقدس على التحديد، فلامه أصحابه على إعلانه هذا ، فقال لهم: اطمئنوا فإن العرب لا يقرؤون.....

مع أن مصطفى صادق الرافعي رحمه الله- تبارك وتعالى- في وحي القلم حينما تناول بقلمه الرائع رحلة الإسراء والمعراج، قال: عجباً لهذه الأمة! كيف تركن إلى الجهل ومبادئ دينها نهاية العلم،يقصد قوله- تعالى- : "اقرأ باسم ربك الذي خلق" قلت: إن هذا يثير الهمم ، ويوقفنا أمام نافذة نطل بها على العرب خصوصاً ، وعلى العالم الإسلامي الذي يمتد من جاكرتا- كما قال العلماء- شرقاً إلى طنجة غرباً، امتداد رحب، ووهم أكثر من مليار ونصف من المسلمين ، يعيشون في هذه المساحة الشاسعة.

وإذا ما أنصفنا أنفسنا وجدناها أمام مجموعة من الحقائق الحرى الحارقة التي تستدعي انتباهاً ويقظةً ، وتستنهض الهمم ، لأن السبات قد طال ، والنوم عميق والغفلة سميكة، مع أن القراءة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من أول ثمراتها أنها تنفي الجهل، وتوضح الحقائق، وتريك الخير من الشر، والنافع من الضار، القراءة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- توسع المدارك، وتطل بك على عوالم قد ملئت فكراً ونبضاً حياً بالمعارف.

ومع ذلك قال الباحثون: لأن قوة الطرد والإبعاد في البلاد العربية والإسلامية قوية، شديدة، حارقة، ظالمة، رصدنا أكثر من مليون من أصحاب الكفاءات العليا تهاجر، ما بين سبعين وتسعمئة وألف واثنتين وتسعين وتسعمئة وألف!! مليون من أصحاب الكفاءات العليا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هاجرت تحت مطارق الطرد اللئيمة ، وأمام المغريات الساحرة التي إنما استدعتها فلبت دعاءها!! يكفي- ههنا- أن نذكر بأن العالم العربي أو الإسلامي بعامة ينفق على البحوث العلمية كما قررت الدراسات ما يقابل عشرة دولارات لكل فرد، ويقابل ذلك لدى غير المسلمين أن البحوث ينفق عليها ما يقابل خمسين وخمسئة دولار لكل فرد.

ما النتائج ؟ حتى أولئك الذين يوفدون على حساب حكوماتهم يبقى منهم نسبة أربعين بالمئة- هناك- هجرة دائمة، ويبقى منهم عشرون بالمئة هجرة مؤقتة، يكفي أن الأمية بإحصاءات، أمية تغلف العرب قاطبة والعالم الإسلامي بعامة، علماً أننا مسلمون! وأن كتاب الله- عز وجل- قد أنزل على نبينا محمد- عليه الصلاة والسلام- وهو الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، معجزة له- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بدأت قطراتها بقوله- تعالى- " اقرأ باسم ربك "فأي بداية مشرقة تلك ؟!.

كفاك بالعلم في الأمي معجزة... في الجاهلية والتأديب في اليتم .قال- تعالى- :" وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المغطلون" الأمي محمد- عليه الصلاة والسلام- نزل عليه جبريل في غار حراء بقوله- تعالى- "اقرأ" ما أروع هذه الفاتحة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فاتحة الوحي بـ "اقرأ" لترقى هذه الأمة بالقراءة.

علماً أن البيئة التي كان فيها- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- كان فيها الكتاب والقراء يعدون على الأصابع، لكنها تربية الله لهذه الأمة ! حيث إنها حملت أعظم رسالة في الوجود، فكانت اللحظة الرائعة، اللحظة التي فيها أقبل الله- عز وجل- بها على الأمة الإسلامية رحمة منه- سبحانه وتعالى- وعناية منه- سبحانه وتعالى- وتربية منه- سبحانه وتعالى- فاختار محمداً- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ليكون قلبه مهبط الوحي، ومجمع الأنوار، ومتلقى الكلمات الربانية، تلقى- عليه الصلاة والسلام- المنهج الرباني الذي يضبط الحياة كلها، يضبط وتيرتها! يضبط أخلاقها! يضبط معاملاتها! يضبط أحكامها أروع ضبط.

"اقرأ" أجاب : ما أنا بقارئ،كرر الملك "اقرأ"... ثم ضمه جبريل- عليه الصلاة والسلام- كأنما يشعرنا بالضمة التي قال فيها "كادت روحي تزهق"، بلغ الجهد مني مبلغه بضغطة جبريل ، ثم أطلقه، فقال "اقرأ" قال: ما أنا بقارئ، كأنما هذه الضغطة تقول للأمة الإسلامية التي أكرمها الله- عز وجل- بالإيمان ، وبالإسلام ، وباتباع الرسول الخاتم محمد- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وحملها أمانة التبليغ ، تبليغ هذه الرسالة إلى أن تقوم الساعة، كأنه يقول لنا : يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!! إن الهمة المرتفعة التي تبذل الجهد الرائع المخلص من أجل أن ترقى إلى مراقي المعارف الربانية التي فيها تجلس مع الكتاب النافع ساعة ، فإذا بك تستخلص من هذا الكتاب روائع ما فيه، مع أن الذي ألفه ربما دام في تأليفه أشهراً ، بل سنوات.

الإحصائيات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تقول: إن الأمية بلغت من قرابة ثلاثين سنة خمسين بالمئة إلى سبعين بالمئة بحسب البلدان، مع أن أوروبا وهي التي نهلت من مناهل الإسلام يوم كنا نعطي لأننا أخذنا من مناهل الوحي ، وغرفنا من المنهج الذي صغنا به حياتنا !!، يوم استنارت بمناراته التي رفعها المسلمون حينما التزموا منهج الله- عز وجل- في الأندلس خاصة !!.

في أوروبا نسبة الأمية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- اثنان بالمئة، نسبة الأمية في الأمة التي أنزل على نبيها- عليه الصلاة والسلام- "اقرأ" من خمسين إلى سبعين بالمئة!!!! من المسؤول عن ذلك ؟ يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! هل المسؤول هو الذي كان من وراء تلك الضواغط، هل الطاغوت هو الذي سول له أن يعمي على هذه الأمة كي لا تعرف واجباتها ولا حقوقها، كي تعمى في الطريق فتلتاث خطاها ، فيقودها كما يقود الطفل الصغير الجمل المخشوش.

لا بد لنا من وقفة نقرأ فيها سطور هذا الكون، نقرأ فيها القرآن، نقرأ فيها المصائب، نقرأ فيها الأحداث، نقرأ فيها السنن الكونية، نقرأ فيها الأخلاق، نقرأ فيها التاريخ، نتعرف إلى ما قص الله- عز وجل- علينا في كتابه من أخبار الأمم السابقة، ونتعرف إلى سنن الله- تبارك وتعالى- سنن الهبوط والارتقاء، لا بد لنا من أن نقف على ما جاء في كتاب الله- عز وجل- من حقائق ربانية تعرفنا بأعدائنا ، كي لا نغفل عنهم ، ولنأخذ حذرنا منهم ،هذا أقل ما يقال.

كتب أحدهم وهو زعيم له وجاهته وقد تبنى ما كتب، كتب في مذكراته أن صديقاً لأسرته حضر وفاة قسيس، وكانت وصية القسيس أن بلغ صاحبك ألا يساوم على سلامة يهود، وأعلمه أنه إن وقع الضر بيهود فقد نزل به غضب الله- عز وجل- لو لم تقرأ هذا، كيف تعرف ما يصوغ سلوك هذا الزعيم، أنكون جاهلين فلا نقرأ، أم أننا نقرأ وليس لنا علاقة بأي حرف من حروف صياغة الواقع ؟؟!!.

الذين بيدهم أمر هذه الأمة عليهم أن يتعرفوا معرفة صادقة إلى كل الحقائق التي تسدد خطاهم على الطريق ، لأجل أن يكونوا على بينة من أمرهم في الآخرة، ذلك أن الآخرة مرتبطة بهذه الدنيا التي نعيش فيها ارتباط المقدمة بالنتيجة ، وارتباط المزرعة بالحصاد منها!!.

ومن هنا وجدنا أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أمام شاهد من الشواهد التي تدلنا على أن تقصيرنا في القراءة يعني إقصاءنا عن الوجود، ولا أقول: عن العقول، ذلك أنه إذا ما جهلنا ما بين الله- عز وجل- لنا في كتابه ، وما جاءنا به- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في سننه ، وما امتلأ به التاريخ القديم والمعاصرن فيما امتلأ به من أحداث ، ومن مواقف، إذا ما غاب عنا ذلك ، فجهلنا ، معنى ذلك أننا قد أسلمنا وجودنا للهضم، إذ لا وجود للجاهل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إلا وجود المقاد، وجود الذليل، وجود المسحوق، وجود المهضوم !!!.

ومن هنا وقف أحدهم في مجلس من مجالس القوم ، وهم يتدارسون بما نعلل انسحابنا من الجزائر، بعدما احتلوها اثنتين وثلاثين ومئة من السنين، عقود احتلوا بها الجزائر، وقتلوا فيها الألوف بل الملايين، ثم رحلوا أو رحلوا، خرجوا أو أخرجوا، وكان لهم بالمرصاد ذلك العملاق الذي كتب يؤصل قضية الجهاد في الإسلام، وينشئ ما يسمى " حرب العصابات " ويؤكد على أن الحق ينتصر، وأن الباطل وإن جال جولات فإلى دمار ودثور، ذلك العملاق الذي حارب الاستعمار المحتل سنين طويلة، ثم لما توفي دفن في دمشق !!.

 

ولما نجحت الثورة إذا ما صح أن نسميها ثورة، لأنه الجهاد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لما نال الجزائريون ثمار جهادهم في سبيل الله- عز وجل- فطردوا المحتل وقف القوم يتباحثون ، فقالوا: من الخير لنا أن نعلل خروجنا بأنه انسحاب تكتيكي ، يحقق مصالح غفل عنها هؤلاء الهمج، وبعدما انتهوا من القول ، وقبل أن يقرروا الموقف في جملته الأخيرة التي تصاغ من أجل الإعلام ، إذا بواحد منهم وكان عملاقاً في المنزلة ، قال: يا قوم باختصار، أقول لكم باختصار" القرآن كان أقوى من فرنسا!! أجل القرآن كان أقوى من فرنسا !!.

وبلغت هذه العبارة القوم ، فإذا بهم يستجلبون رفات عبد القادر الجزائري- رحمه الله تبارك وتعالى- استقدموه إلى الجزائر، ليدفن فيها ، فكان في ذلك رسالة إلى كل المحتلين في العالم، نحن أمة مسلمة تأبى الضيم والظلم، ونحن إنما نلنا الفلاح والنجاح ، وقطفنا الثمرة ، لأننا جاهدنا في سبيل الله- عز وجل- ولأن القرآن الكريم هو الذي يصون بواطننا وظواهرنا، يصوغ تصوراتنا وأفكارنا وقيمنا وتطلعاتنا ومطامحنا ، فنحن مع كتاب الله- تبارك وتعالى- حيث يدور.

من هنا ألفوا لجنة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تسمى " لجنة التشويه" يريدون بها أن يشوهوا صورة عبد القادر الجزائري، لماذا؟ لأنهم وجدوا أن رفاته كفيلة بأن تبعث الحياة من جديد في الجزائريين، خافوا من هذا المدد الذي ربما أعاد لهذه الأمة طموحها الإيماني ، واستعلاءها الرباني الذي يعني تقرير الحق فوق هذه الأرض. ومن هنا بدأ التشويه! وما بالبعيد عنا عمر المختارالذي أنشده أمير الشعراء : ركزوا رفاتك في الرمال لواءً ... يستنهض الوادي صباحا مساءً.

القراءة أمر مهم خطير- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لعل صواد كثيرة ، وعوائق قد أقيمت بفعل فاعل ، أوشواغل مصطنعة ، وقفت في وجه الجيل الحاضر الذي لا يقرأ- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يستسهل قطف المعلومات مع كونها غثاء أو رغاء ، يستسهل ذلك ، فإذا به يجلس قبالة شاشة ، لا أقول شاشة التلفاز، وإنما الحاسوب فإذا به يدخل إلى مواقع لا تسمن ولا تغني ، بل إنها تقتل الوقت قتلاً!!!.

أين المكتبات الصغيرة المنشأة في البيوت؟ أين رب الأسرة يجتمع مع أبنائه ليقرأ معهم كتاباً ؟ أو ليقرأ كل منهم كتاب ؟ أين الوقت المخصص في البيوت- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لاستنهاض الرغبة في القراءة، أين اختيار الكتب؟ إن الضعف العام- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ظاهرة خطيرة مرضية شائهة! تحتاج إلى وقفة صادقة من كل فرد من أفراد هذه الأمة شباباً وكهولاً.

عبد الله بن غالب- رحمه الله تبارك وتعالى- كان يقول ما الذي يجعلني آسى على الدنيا ؟ ووالله ما في الدنيا لي بلبيب جدل أي، أي: عاقل لا يجد فيها دار سرور، وإنما هي دار امتحان وابتلاء وجد واجتهاد ونشاط وإقبال على الله- جل جلاله- ونصرة لدين الله- تبارك وتعالى- ودفع للظلم ، وإحقاق للحق ، ومواقف كرامة ، إذ إن الإنسان ما تعرف رجولته أو مواقفه إلا بالمواقف السديدة مع الفكرالسوي !!.

 ومن هنا نحن بأمس الحاجة إلى من يعلمنا كيف نحقق هويتنا الإسلامية ، وهذا يتطلب منا أن نحذر من أولئك المثقفين الذين لم يبعدوا عن " أبي رغال " ذلك الذي دل فيل أبرهة إلى الكعبة المشرفة ، حيث جاء أبرهة ليهدم بيت الله العتيق ، بحجج ساقطة واهية!! أولئك المثقفون المغتربون المستغربون الذين يمهدون لفيل التغريب أن يدخل حمى هذه الأمة ، ويقتحموافكرها وتصوراتها ومواقفها وأخلاقها.

ولا أستطيع أن أعبر- هنا-  بصراحة! حيث إني وجدت وثيقة،في أدراج اجهزة أمنية في إحدى الدول العربية ، قد طرحت عبر الإعلام على الملأ ، تبين أن هناك من ينكد على هذه الأمة أمر دينها وهويتها ، فإذا بأولئك الذين صدرت عنهم تلك الوثيقة يسعون جاهدين من أجل أن يشجعوا على الاستماع إلى برنامج هو من أخبث البرامج التي تطرحها القنوات ، يتبناه أولئك المنكدون!!.

برنامج يفرغ الأمة من هويتها! برنامج يقتل الفكر فيها! برنامج يجعل الدعوة إلى الله- عز وجل- خطراً، حتى تحولت المشاعر كلها، تحولت المشاعر كلها إلى أن الخطر لا يتأتى من العدو الحقيقي، بل يتأتى من القرآن وسنة المصطفى- عليه الصلاة والسلام- أهناك هجمة أشرس من هذه الهجمة ؟؟؟.

عبد الله بن غالب لا يأسى على الدنيا لأنه ليست للبيب فيها أرب، ثم يقول: والله لولا محبتي أن أسجد على وجهي لله- جل جلاله- وأن أفترش جبهتي لك يا حبيبي! وكان  يناجي الله- تبارك وتعالى-، من ليله العابد ، ومراوحة الأعضاء مني في ظلم الليل، لما تمنيت لحظة من الدنيا ، ولا من أهلها، بعدما ناجى هذه المناجاة إذا به يكسر الجفن، جفن السيف ، وهذا ما جاء في التاريخ حيث إن من يكسر جفن السيف يكون قد نوى الرحيل ، ليعبر هذه الدنيا عبر بوابة الشهادة، وكان ما كان من أمره ، إذ خاض المعركة ، حتى استشهد فيها، يقول من نقل عنه لما وضعناه في قبره سطعت رائحة مسك من ذلك الجثمان !!.

ثم رؤي في المنام، فقيل له: يا أبا العباس! ما صنعت؟ قال: خير صنع، وإلى ما صرت؟ صرت إلى الجنة، بم؟ قال بحسن اليقين، والتهجد في الليالي وظمأ الهواجر، قال: ما رائحة المسك تلك التي سطعت من جسدك قال هي رائحة التلاوة والظمأ.

ألم يقل- عليه الصلاة والسلام- : "لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك" ألا يسطع من فم التالي لكتاب الله- عز وجل- عطور النور والحضور، فقال له: أوصني ! قال: حاذر أن يمر عليك الليل والنهار عطلاً! أيك خالياً من الأعمال التي تقربك من الله- جل جلاله- !!.

أمة محمد عليه الصلاة والسلام! نحن بين نصين اثنين أعرضهما على أن نلتقط منهما التقاطات ، وما أروعها! النص الأول قال- جل جلاله- "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا، وكان ذلك على الله يسيرا".

أما النص الثاني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فهو قول الله- جل جلاله- "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون".

أما النص الأول فقد جمع الله- عز وجل- فيه قضية المال إلى قضية النفس، وحماية المال ، وحفظ المال ، من مقاصد الشريعة الرئيسة، أما حفظ النفوس فمن مقاصد الشريعة الرئيسة، ذلك أن شرع الله- عز وجل- جاء يحقق مقاصد كبرى في هذه الحياة ! من هذه المقاصد حفظ المال، ومن هذه المقاصد حفظ النفس، فنقول لأولئك الذين يبطشون بالمال ، ويقتلون المسلمين من غير ما سبب ظاهر، وإنما هي الكبرياء الفارغة الشيطانية ، وإنما هي الغطرسة والطاغوتية نقول لهم "ومن يفعل ذلك  فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا".

قال العلماء إنه يسير على الله أن يصلي من قتل الناس بغير حق أن يصليه نارا، لأنه لا مانع لأمر الله- عز وجل- وقد اقتضى حالهم في الدنيا حيث قتلوا الأبرياء إنما هو حال من ألقى بيديه إلى النار" فسوف نصليه نارا " "ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما"

الأمر الثاني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- التعبير القرآني جاء بقوله "ولا تقتلوا أنفسكم" أي: لا يقتل بعضكم بعضا، لم إذن قال أنفسكم؟ قال: لأن الله- عز وجل- زجر زجراً قوياً عن قتل النفس البريئة بغير حق، وجاء التعبير القرآني يؤكد هذا الزجر، فكأن الذي يقتل الآخرين إنما يقتل نفسه، بل إنه لا يتصور أن يقتل نفسه إلا المجنون ،إذ يبعد على الإنسان العاقل- إلا إذا هستر- أن يقتل نفسه، ولكن العاقل أبعد ما يكون عن أن يقتل نفسه ، ربما تعدى فقتل غيره، أما أن يقتل نفسه فلا، ومن هنا بين الله- عز وجل- أنه كما يبعد العاقل عن أن يقتل نفسه، يبعد المسلم عن أن يقتل غيره بغير حق، "ولا تقتلوا أنفسكم".

والتعبير جاء- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- له عطاءات فقهية منها، أنعتبر من يقود سيارته بسرعة جنونية داخلاً في قوله- تعالى- "ولا تقتلوا أنفسكم" أي والله، إذا ما انطلق بسيارته انطلاقاً مجنوناً ، وفاقت سرعته ما به يمكنه أن يسيطر على السيارة التي يقودها، فأي حجر صغير كفيل بأن يقلب السيارة، فيكون بذلك قد قتل نفسه ، هو لون انتحار- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، أضف إلى هذا أنه لو لم يقتل نفسه لأعطب جسده! ولو لم يقتل نفسه ولم يعطب جسده، فإنه أهلك المال ، وقد ربط الله- عز وجل- بالآية التي تلوتها بين المال وقتل النفس.

ما أروعك يا عمرو بن العاص- رضي الله تبارك وتعالى- عن الصحابة الكرام جميعاً !! كان في غزوة ذات السلاسل ، وكان الأمير في تلك الغزوة، يقول عمرو: احتلمت ليلة- وأنتم تعلمون بأن الاحتلام يوجب الغسل- فلما استيقظت كان الجو بارداً برداً شديداً ، ولا أستطيع أن أغتسل بالماء البارد، وليس لديه ما يمكنه أن يسخن هذا الماء، فماذا فعل؟ قال لنفسه: إن اغتسلت بالماء البارد قتلت نفسي، أهلكت نفسي إن اغتسلت بالماء البارد، فتوجه مباشرة ، ولم يكن قد سمع من النبي- عليه الصلاة والسلام- مسألة من مثل هذه المسألة، وهذا شأن الصحابة- رضي الله عنهم- في البحث الفقهي ، حيث إنه ربما عرض لهم عارض فاجتهدوا فيه اجتهادا آنياً ، ثم يعرضون ذلك على حضرة المصطفى- عليه الصلاة والسلام- فإن أقره- صلى الله عليه وسلم- دخل هذا السلوك في سنة المصطفى- عليه الصلاة والسلام- وهي سنة التقرير، توجه عمروإلى الصعيد فتيمم.

هناك ماء لكنه بارد، استعماله يؤدي إلى الضرر، إذن فليتيمم، تيمم وكان واضحاً حيث علم الصحابة الذين معه أنه قد احتلم وتيمم والماء حاضر، وربما نجد بين الصحابة من يسوغ أو يسهل أمر الاغتسال بالماء البارد، صلى عمرو بهم الصبح إماماً ، ونقل ذلك للمصطفى- عليه الصلاة والسلام- فقال له- صلى الله عليه وسلم- أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ السؤال هنا لون استفهام واستفسار منه- صلى الله عليه وسلم- ليبني على ذلك إما أن ينكر عليه أو يقره، قال: يا رسول الله! إني أشفقت على نفسي ، كان الماء باردا ، والجو باردا، وقلتك لو اغتسلت بالماء البارد لأهلكت نفسي ، فتيممت،وقد قال- تعالى- : "ولاتقتلوا أنفسكم "سمع الرسول الجواب فتبسم-  عليه الصلاة والسلام- ولم يعلق بكلمة.

نقول لأولئك الذين يسرعون سرعة جنونية إذا كان عمرو بن العاص- رضي الله تبارك وتعالى عنه- قد تيمم مع وجود الماء اجتهاداً منه ، وأقره على ذلك الرسول- عليه الصلاة والسلام- وما الذي كان يمكن أن يترتب على الاغتسال بالماء البارد سوى رشح شديد حيث رأى عمرو أنه الهلاك! أو إهلاك النفس، فأنت حينما تقود سيارتك تعرض كل من في الطريق كما تعرض نفسك كما تعرض أهلك كما تعرض من يركب معك كما تعرض المال كل هذا تعرضه للتلف!!.

ثم على ماذا تتبختر؟ لماذا المفخرة هنا ؟ ألأنك لك رجل يمكن أن تدوس على دواسة الوقود! لتحول السيارة- بذلك- إلى طيارة، أأنت مخترع؟ من أنت؟ وما أنت؟ لو أنه طامن- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من نفسه ، ولو أنه اتقى الله تبارك وتعالى في نفسه ، وفي مجتمعه ، لما فعل ذلك على الإطلاق ، ولا بعضه !!.

من هنا نقول- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- قوله- تعالى-: "ولاتقتلوا أنفسكم" أي: لا يقتل بعضكم بعضا، "لا تقتلوا أنفسكم" أي:"لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ولكن لا على المعنى الذي يمكن أن يراه بعض المفتين في حالة من الحالات ، ذلك أن إلقاء اليد إلى التهلكة له حدوده ، وله مواصفاته!!! من مثل أن يقتل نفساً بغير ما حق ، فيعرض نفسه للقصاص، من مثل أن يتعاطى المخدرات أو المسكرات أو المتلفات للبدن، فهذا الذي ألقى بيديه إلى التهلكة وإذا أردنا أن نفهم فهماً آخر مصاحباً لهذا، نقول: إن الذي لا يقرأ في عصر القراءة في عصر انتشار العلم ولا يسمع لا يحضر مجالس العلم معنى ذلك أنه فارغ وعاءً، وإذا ما فرغ وعاؤه كان كتلك الشجرة!! وما أدرانا ما الشجرة؟ الشجرة إنما هي بأغصانها وأوراقها وأزهارها وثمارها، وهذا لا يتأتي لشجرة لا تسقى، فبم تسقي شجرة نفسك يا ترى؟ تسقى بماء القراءة والمتابعة للقراءة ، حيث ما ينبغي أن يمضي عليك وقت إلا وأنت تقرأ كتاباً من الكتب ،ليكن لك منهج خاص ، حتى لا تدخل في ذلك الضجيج الذي عانى به مدرس من المدرسين!!.  

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم!

لا يستبعد على الإطلاق أن تكون هناك خطط وضعت لهذه الأمة من أجل أن تبقى أمة مستهلكة! فلا ترجع إلى سابق عهدها لتكون أمة منتجة! هذا لا يستبعد! ولكن لو أن هناك مخططات فعلاً من هذا النمط ، فعلى العقلاء أن يلغوها بالسلوك العملي.

الإحصاءات تقول- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بأنه في الهند قرابة مئتي ألف عالم نووي!! ولدى اليهود خمسون ألف عالم نووي!! وفي باكستان خمسة الآف عالم نووي!! لو أنك درست هذه الظاهرة ، ونحن- اليوم-  في عصر الذرة ، ولا أقصد بها ذلك السلاح الذي تحتاجه الأمة من أجل أن تدفع عن نفسها ، ومن أجل أن تقيم ما يسمى بموازنة الردع ، وإنما أقصد كل الاستعمالات الأخرى التي تشارك فيها الذرة، وعلى هذا، هم يصنعون ونحن نستعمل، هم يصنعون ونحن نشتري، هم يصنعون ونحن إذا ما فكر بعضنا وجد نفسه أمام سؤال جهير : كيف صنع الصانع هذه الصنعة، صناعتهم كثيرة وغزيرة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-!!.

لو نزلت إلى السوق ووجدت كل التقنيات الحديثة، إذا ما وجدت واحدة من هذه التقنيات ترجع إلى دولة عربية على أنها صنعتها ، أعطيك جائزة تبلغ خمسة دراهم!! بالإمكان أن نكثر الجائزة! ولكن المسألة تحتاج إلى وعي، وتحتاج إلى مراجعات، وهذا الذي يطرح- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ربما لا يحتاج إليه كثير ممن في المسجد، وإنما يحتاج إليه أولئك الذين أسند الله- عز وجل- إليهم أمر إدارة شؤون الأمة ، هم مسؤولون عنها، مسؤولون عن نهضتها التقنية ، مسؤولون عن إقبالها على منهاج قرائي رائع ، وهذه الدراسات إنما تسبق تلك الموجة العارمة الرائعة التي فيها يقبل المسلمون والشباب بخاصة على القراءة ، فلا يملون منها.

ومن هنا ولول ذلك المدرس ، وكتب في مذكراته: طلابنا حينما نطرح عليهم المقررات أول العام تكثر الأسئلة، تدرون ما أسئلتهم ؟ يقول المدرس: يقولون: يا أستاذ! أكل هذا الكتاب مقرر علينا، أنا لا أنكر أن الكتاب قد بلغ خمسين صفحة، يا أستاذ! كيف تأتي الأسئلة آخر العام، يا أستاذ! هل هناك أسئلة إجبارية؟ وكم عددها؟ أم أن الأسئلة اختيارية، يا أستاذ! ما الذي يمكن أن يحذف من هذا؟ على ماذا نركز يا أستاذ! أنركز على المسألة الفلانية ، أو المسألة الفلانية، كادوا أن يقولوا يا أستاذ! ما الأسئلة التي ستأتي بها آخر العام ؟؟؟.

ثم يحفظ الطلاب ، أتدرون ما يحفظونه؟ يحفظون الأدعية التي يدعون بها في صبيحة كل يوم امتحان، وأقول هذا بصدق، الذي يحفظ الأدعية التي يدعو بها في صبيحة كل يوم من أيام الامتحانات ،هذا ممن التزم ، هو الذي يبالي ، هو الذي يخاف من الرسوب! أما الذي لا يخاف فإنه لا يدعو، ولا له صلة بأي مسار من هذه المسارات. ما الدعاء؟ اللهم وفق لنا مراقباً يكون أعمى وأصم، هييء لنا مراقباً لا يرهقنا في المراقبة، هييء لنا مراقباً إن لم يغششنا أذن لنا بالغش، وإلا فلا تبارك في راتبه الذي يقبضه!!!.

مذاكرات خطيرة حينما تقرؤها تضج باطنا ، أبلغنا هذا المبلغ- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ونحن الذين أكرمنا الله عز وجل بقوله "اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق" إنها لعمر الحق قراءة كونية شاملة ، تشمل كل مناحي الحياة ، حيث كل ميدان من ميادين الحياة إنما يحتاج إلى قراءة ، والمتخصصون ههنا أولى بالقراءة، وقد قال بعضهم والحديث ليس عن الأطباء ، وإنما هم مثال قالوا: إن الطبيب الذي لا يتابع اختصاصه بقراءة مستمرة سيتحول عما قريب إلى نجار!! وقد أضفت إضافة فقلت أو يتحول قريباً إلى حانوتي ، وأنتم تعلمون ما يفعله الحانوتي.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

حفنا اللهم والمسلمين بألطافك الخفية واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً مباركاً محفوظاً لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً، اللهم هبنا لسعة رحمتك يا أرحم الراحمين اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا اللهم ادفع عنا ولا تدفعنا اللهم يا ربنا أعزنا ولا تهنا اللهم صل على سيدنا محمد بقدر حبك فيه وزدنا يا مولانا حباً فيه.

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم أمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأقم الصلاة.