357 - تربية الاولاد
خطبة الجمعة    357 - تربية الاولاد
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى، ربنا ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: “ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيمة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فنحن أمام لؤلؤة ، وما أكثر اللالئ !! يقول فيها- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- لابن عمر،” يا ابن عمر! دينك دينك، إنما هو لحمك ودمك، خذ عمن استقاموا ، ولا تأخذ عمن مالوا “ أو: كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

التوجيه- ههنا- للأمة ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! في شخص ابن عمر، ذلك أن العصر الذي كان فيه ابن عمر- رضي الله تبارك وتعالى عنهما- هو عصر النبوة، وكان رضي الله تبارك وتعالى عنه يأخذ عن النبي- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وكانت نخب الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم حاضرين وقت ذاك.

الفكرة الأولى لابن عمر وغيره، إذ تجسد لنا مكانة الدين منا  ، ونحن بحاجة إلى أن نتفاهم فيما بيننا عن مكانة الدين، أن ننظر في الدين من حيث هو، وننظر ما مكانته منا ؟ وننظر إلى ما الذي قصرنا فيه ؟؟.

الفكرة الأولى يا ابن عمر” دينك دينك “ أسلوب إغراء ، يغريه بدينه ، لو كانت الفكرة هكذا وحدها لقلنا هو لون من ألوان بيان عظمة الدين من حياة الإنسان، ولكنه قال- عليه الصلاة والسلام- :” إنما هو لحمك ودمك “حيث لو حذفت الدين لم يبق لك لحم ولا عظم ولا مخ ولا شرايين ، يصبح الإنسان دون الدين كتلة تتحرك فوق هذه الأرض ، ككثير من الكتل التي تتحرك فوق هذه الأرض !! يصبح دبابة مدمرة! يصبح تمساحاً يبتلع الأخضر واليابس!    يصبح شراً ، كتلة شر!! “  دينك دينك فإنما هو لحمك ودمك

ثم إذا جئنا إلى العصور التالية ، وفيها يستشرف- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وكم مرة استشرف ، فإذا به يحذر الأمة مما يمكن أن يحل بها، حذرهم من الفتن ، ومن المنعطفات الخطيرة، حذرها من الرويبضة !! حذرها من أن يأتيها زمان يصدق فيه الكاذب ويكذب فيه الصادق، ويؤتمن فيه الخائن ، ويخون فيه الأمين، حذرها من اتباع من سبقنا من الأمم التي ضلت الطريق الذي مهدته الأنبياء ، وما المصير الذي يمكن أن ينالنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذا فعلنا ذلك. حذرنا من “ الدجال “ وبين الموقف الشرعي الرباني منه حينما يظهر، وقبل أن يظهر”وهوالاعتقاد الراسخ أننا في وجه الدجال “ والدجل بكل أنواعه وأساليبه ومقدماته.

 “خذ ممن استقاموا ، ولا تأخذ ممن مالوا “!! هناك دعاة على أبواب جهنم من اتبعهم قذفوه فيها. ما الحديث يا ترى؟ الحديث عن التربية، وحينما نتناول التربية من حيث الشباب حيث هم موضوعها، نعني بذلك أننا نحن قد مررنا في هذه المرحلة الخطيرة ، فلو أنا قمنا بواجب هذه المرحلة من حيث التربية والتنشئة لما كنا على ما نحن عليه اليوم ! بل كانت حالنا أفضل وأفضل، ولكن إذا لم نتمكن- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من أن نستنبت فينا ما وجب علينا أن نستنبته فينا فلا أقل من أن نلقي البذور الخيرة في نفوس الشباب.

والشباب مرحلة خطيرة ، قد أفردها شرع الله عز وجل بالمسؤولية، مع المسؤولية العامة، يسأل “عن شبابه فيما أبلاه “ والشباب لهم دور حاسم في بناء الحياة، شريطة أن لا نقصر في حقهم ، والتقصير- ههنا- إنما يتمثل في أن تتخلى الوسائل التربوية عن مهامها ، وأهم المدارس التي ينبغي أن ترعى الشباب :” مدرسة الأسرة “أي : الوالدان، فإذا ما استقال الوالد من مدرسة التربية ، ولحقت به الأم، أم الأولاد!! حدث ولا حرج عن الفساد الذي يمكن أن يحل، ولكن هل يكفي يا ترى أن ترعى الأسرة أبناءها بالقطع ؟ لا يكفي، لم يا ترى؟ يمكن لعناية الأسرة بالأبناء أن تكف من غرب الشر، ولكنها لا تستأصله، ذلك أنه إذا كانت الأسرة من الداخل تبني ، والمجتمع من الخارج يهدم ،فمتى يتم البناء ؟؟؟

ومن هنا ينبغي على كل الوسائل التربوية ، والذين ألقيت عليهم المسؤوليات ، من وسائل إعلام ، ومجلات ، وجرائد، وكتب تضخ في الأسواق ، ومدارس ،وقنوات فضائية ، ومناهج تربية ، عليها كلها أن تتعاون جميعاً لتبني جيلاً ربانياً.

الجيل الرباني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هو الذي امتلأ قلبه بحب الله ، وحب رسوله ، وحب المؤمنين، هو الذي أترع حتى آخر قطرة من الفضائل ومكارم الأخلاق ، والقيم السامية ،، هو الذي عرف الخير من الشر، وعرف الظلم من العدل ، وعرف الإنصاف من الجور، هو الذي لا يحب الظالمين ، ولا يحب الخائنين ، ولا يحب أعداء الله- تبارك وتعالى- .

بل : هو الذي يحب المتقين ، يحب المقسطين ، يحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، هو على نهج القرآن ، إذا قال القائل: هل هي ثقافة محبة وكراهية ؟ أيجوز لنا أن نكره ابليس ؟!!! أيجوز لنا أن نكره المعتدين ؟؟ يضخون في الأجواء كل ما يبعد عن المنهج الصواب.

نقول : إذا كان الله- عز وجل- قال “إن الله يحب المقسطين” وإذا كان الله- عز وجل- قال “إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً”، وإذا كان الله- تبارك وتعالى-  “لا يحب الخائنين”، وإذا كان الله- عز وجل- “لا يحب كل كفار أثيم”، أيمكن يا ترى لجيل يتربى على حب الآثمين أن يكون جيلاً ربانياً ؟؟؟ وحينما نلح على هذا نلح على أن العواطف هي التي تصوغ المشاعر!! حينما تأنس الأمة بالظلم والظلام والظالمين ، حين لا تفرق الأمة بين الخير والشر، معنى ذلك أنها لا تمتنع عن شر على الإطلاق ، وربما أضاعت كثيراً من الخير.

كيف لأمة نزل قول الله- عز وجل- فيها “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره” ثم لا تدري الخير من الشر، بحاجة ماسة إلى وقفة صادقة مع التبيين الحاذق الحاد الواضح العميق لكل ألوان الشر التي تكتنف الأمة الإسلامية، إذا كانت الأمة أو الشباب على الخصوص لا يعرفون أعداءهم لا يقرأون مخططاتهم ، لا يدرون أي أمر من الأمورالهامة في الحياة ، سوى الهموم الذاتية التي تتمثل في أنه يريد أن يصبح ذا منصب عال في المجتمع، ليكسب راتب ضخماً  متميزاً، إذا ما وجه الشباب نحو أنفسهم وربّيت فيهم الأنانية، وانقطعت عنهم الصلات الربانية ، ولم يعرفوا عدوهم من صديقهم، معنى ذلك أن الأمة ملتاثة الخطى ، معنى ذلك أن الأمة تلقي بيديها إلى التهلكة!!!.

كتب كاتب يتناول الأمة الاسلامية ، وسنذكر باختصار خطوطه العريضة من أجل أن نتبين أن كثيراً من الدسائس لا أقول تحاك ضد هذه الأمة، وإنما تنفذ ، أقول ذلك من أجل أن نبين أن التاريخ الإسلامي ينبغي أن يستحضر بقوة ، لأنه الجعبة التي امتلأت بالخير، كل الخير، يمكن أن يكون فيه من السلبيات ما يكون، ولكن السلبيات تعرف ، ذلك أن البصائر هي التي تقرأ خطوط التاريخ، قبل أن أتحدث عن هذا الذي تحدث عن الأمة وخطط لساستها وقادتها من أجل أن ينفذوا ما خطط له هو وأعوانه من المستشرقين والمنصرين.

 “سيبيريا “ فوجئت- والله- أنها دولة إسلامية! كانت ممتلئة بالمسلمين ، وشنت الشيوعية غاراتها عليها ، وقاتل حاكمها قتالاً مريراً ، يدفع عن عرض المسلمين وعن حوزتهم ، حتى فقئت عينه في القتال، وما رضوا منه إلا أن يستسلم لكنه أبى ، فمات وهو شامخ واقف مدى قامته ، مرتفع الجبهة.

الكثيرون قد درسوا لنا ، أو درسوا لنا التاريخ الأوروبي ، حتى بتنا نعرف الكثير الكثيرعن شوارعها وعن مدنها ، وعن باراتها وعن مسارحها !!                    خاصة تلك التي يطلق عليها  أنها مدينة النور!! مع أننا جهلنا بالعالم الإسلامي الذي رزح تحت نيران الشيوعية ، ولا أقصد ههنا الشيوعية وحدها ، وإنما كل أعداء الله- تبارك وتعالى- على هذا الغرار.

كان عدد المسلمين من قرابة قرن يبلغ سبعين مليوناً ! فما رفعت الشيوعية يدها عن هذا العالم الإسلامي إلا وهو قرابة خمسة عشر مليوناً !!! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

والنكتة المضحكة المبكية أن أحد العلماء كتب كتاباً سماه “الإسلام في وجه الزحف الأحمر” وتكلم فيه عن حقائق لكن الدولة التي منها الكاتب منعت أن ينشر،فاضطر الكاتب إلى أن ينشره خارج الدولة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الدولة التي ينتمي لها ذلك العالم نشر الكتاب خارجها أربع مرات ، طبعة بعد طبعة، ما هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟؟؟ بما يفسر هذا “الإسلام في وجه الزحف الأحمر” هو لا يتناول ما أنتم عليه، يا من منعتم نشر الخير والحق، هذه ثلمة ينبغي أن يفكر فيها المسلمون ، وينبغي أن ينأوا بأنفسهم عن مثل هذا الشره في الإفساد.

يقول ذلك الكاتب : وكأنه ليس هناك خطر حقيقي على أهل الأرض إلا الخطر المتمثل بالإسلام، فهو الخطر الحقيقي الذي ينبغي أن تتجمع له الجهود ، وتجيش له الجيوش ، وتلتفت إليه الأبصار!! ما هو؟ الخطر الإسلامي، لم كان الإسلام في نظر هؤلاء خطراً؟ يقول أعداء الإسلام : كنا نظن أن الخطر إنما هو خطر يهود! ونظن بأن الخطر إنما هو خطر بني الأصفر، أي الشعوب الصفر، وكنا نظن أن الخطر إنما يأتي عبر البلاشفة ، لكنا بالتحقيق والتدقيق ما وجدنا أي خطر من هذه الفرق.

حيث إن اليهود ظهروا لنا أصدقاء ، ومن هنا نقف إلى جانبهم ننصرهم باستمرار، وهم في فلسطين ضد المسلمين، وأما الشعب الأصفر فهناك من يكفينا هذا الشعب ، وأما ما يتعلق بالبلاشفة فقد تبين لنا أنهم حلفاء، رصد هذا ، ثم عطف فقال : الفرق بين اليهود وبين المسلمين ، ولماذا لا نعتبر اليهود أعداءً ونعتبر المسلمين أعداءً؟؟، لأن المسلمين ما عرف عنهم أنهم كانوا قلة توطأ بالأقدام، المسلم يحمل دعوة يريد أن ينشرها في الأرض، والإسلام الذي يحمله المسلمون ينتشر بين النصارى وبين غير النصارى ، بخلاف يهود ، فإنهم منزون على أنفسهم، بل إن الخطر يتمثل بوضوح في النظام الإسلامي الذي يشمل كل جوانب الحياة !!!!.

في تلك التربية الإسلامية التي تخرج الملائكة من البشر نظافة وعفة وتألق وسمو ومكارم أخلاق ، وقيم إنسانية راقية ، وعلينا أن ننقل الحرب بناءً على هذا من ساحة القتال إلى ساحة الفكر والثقافة !! وقد تبنوا مقولة تقول “إذا أرهبك عدوك فأفسد فكره ، لينتحر به ، ومن بعد تستعبده”أجل : “إذا أرهبك عدوك فأفسد فكره لينتحر به ومن ثم تستعبده”، وقد بدأوا بهذا فعلاً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!!.

هذا الذي ينبغي أن يتعرف إليه الشباب، كما نعرفهم تماماً إلى قضية الوحدانية ، وهي الأصل في البناء !، كما نعرفهم تماماً إلى قضية العبادات ، وإنما هي نتاج التوحيد، كما نعرفهم تماماً إلى معاملات الحلال والحرام ، من أجل أن يجتنبوا الحرام والشبه، كما نعرفهم نظافة السلوك ، فإذا بهم لهم عفة كعفة يوسف- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وطاقة على تحطيم الشر، وبناء الخير.

نعرفهم أن الأخوة الإسلامية الإيمانية هي الأخوة ، وهي العلاقة التي أرساها الله- تبارك وتعالى- بين أفراد الأمة، نعرفهم كيف يقاومون الظلم والظلام، نعرفهم كيف يدعمون الحق ويناصرون الإقساط في المجتمع، نعرفهم كيف يكرمون الضيف، نعرفهم كيف يحسنون للجوار، نعرفهم كيف يقفون إلى جانب المظلوم، نعرفهم كيف يغيثون الملهوف، نعرفهم كيف يقفون ليقضوا حاجة المحتاج، نعرفهم كيف يعلمون الجاهل.

البناء الإسلامي بناء شامخ رباني ، يتخرج به من تربى في مدرسته وعلى مناهجه إنساناً ربانياً عرف الله- جل جلاله- فأحب الله، عرف أن الله هو مالك الملك، وأنه المتصف بصفات الكمال، وأن له الأسماء الحسنى، وأن بيده الخفض والرفع، والإعزاز والإذلال، والإحياء والإماتة، والتقديم والتأخير، والإعطاء والمنع، وأنه سبوح قدوس- سبحانه وتعالى- وأنه لا يلتجئ إلا إليه ، ولا يلتزم إلا بابه، وأنك لا تسأل إذا ما سألت إلا الله، هذه المعاني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تشمخ بالإنسان إذا ما استقرت في ذاته شموخاً لا يعلم لذته - الثواب الذي يترتب عليه- إلا الله.

ابن عباس- رضي الله عنهما- كان غلاماُ ، لاحظ التربية النبوية لشباب المسلمين ، وربما عرجنا إذا أمكن إلى نماذج عجيبة غريبة ينبغي أن نملأ بها خيالات الشباب !! ينبغي أن تمتلأ ساحة الذكريات في رؤوس الشباب بسير الصالحين ، سير العمالقة من هذه الأمة ، سير الأبطال ، سير الذين تمردوا على الاستبداد والظلم سير أولئك الذين رفعوا راية التوحيد عالية! سير أولئك الذين تراكضوا ، تسابقوا إلى !!! أين يا معشر الشباب؟ إلى جنة عرضها السموات والأرض.

 “يا غلام إني أعلمك كلمات “احفظ الله يحفظك” هذا درس للشباب- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذا ما تلقاه وهو غض طري عجينة رائعة تتشكل بمنهج الله- عز وجل- ليقال عنها هذه “صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة”،” يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك” أتراه إذا ما حفظ الله وحفظه الله- تبارك وتعالى- أي: إذا حفظ شرع الله عز وجل، فصان الله تبارك وتعالى قلبه، وصان عقله، صان سيرته، وصان خواطره، صان باطنه، أتظن بأنه لا يسعد، شاب نشأ في طاعة الله هذا من أولئك السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله “احفظ الله يحفظك ، ، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله “.

ثم تأتي الجسور التي تمتد بين قلوب الشباب وبين الله- جل جلاله- “ واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك،ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف “ أو: كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- لقمان قال لابنه وأنزله الله- تبارك وتعالى- آيات بينات “يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم” توحيد الله- عز وجل- هو السمة البارزة في حياة الشاب ! تعلقه بالله ! توكله على الله! إنابته لله، إذا نشأ هذه النشئة وبلغ السبعين معنى ذلك أنه صار أرسخ في باب التوكل والإنابة إلى الله جل جلاله.

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! أن نعلم شبابنا كيف يتقنون الأعمال، وكيف يصلون الأرحام، وكيف يقولون الحق، وكيف يبتغون الخير، وكيف يتحولون إلى بؤر نورانية، إذا فعلنا ذلك فهل- يا ترى- يساعدنا المجتمع من حولنا على ذلك ؟! هذه النقطة الجديرة بالبحث ، ذلك أن على الأمة كل الأمة أن تسعى جاهدة لتهيء المجتمع الرباني الذي يعتبر محضناً راقياً لتربية أبنائهم، وإذا لم يفعلوا ذلك يكونون قد فرطوا من الجانب العام، وإن كانوا قد قاموا بواجبهم تجاه أبنائهم، لكنهم كما قلنا فرطوا حيث لم يهيؤا للأبناء ما به يحفظ عليهم بناءهم داخل الأسرة.

إذا بنيت لبنة داخل الأسرة ، ثم خرج الشاب الذي بنيت اللبنة في ذاته ، فإذا بألف فأس وفأس تحطم هذه اللبنة!!! هذا لون من ألوان بناء يبنيه رجل ويأتي ألف هدام وهدام من أجل أن يهدم ما بناه ذلك الرجل!! ولك أن تنتظر حتى يكمل البناء.

الزبير بن العوام شاب يافع ، كان جالساً في البيت ، فسمع صوتاً يقول: قتل رسول الله!! هب حاسر الرأس، فاستل سيفه، خرج مباشرة إلى الشارع، تلفت فلم يجد أحداً أخذ يركض، وإذا الرسول بوجهه، الرسول- عليه الصلاة والسلام- كان قبالته ، فلما رآه على هذه الهيئة، قال: ما بك يا زبير؟ قال: سمعت يا رسول الله أنك أخذت، فتبسم- عليه الصلاة والسلام- قال: وما كنت فاعلاً ؟؟ قال: والله لأميلن عليهم بالسيف.

الزبير بن العوام! حب الرسول- عليه الصلاة والسلام- هو الذي ملأ ذاته، ولم لا؟ وهل هناك أفضل على الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أهناك من جاءنا بخير أعظم مما جاءنا به- عليه الصلاة والسلام-؟ والله لو عرفنا موقعه- صلى الله عليه وسلم- ونظرنا إليه ، ونحن في هذا المقام بعين البصيرة ، ورأيناه حين يسجد بين يدي الله عز وجل يوم القيامة ، فإذا به ينادى: يا محمد! ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع . لعرفنا مقامه المحمود- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- .

خيثمة وابنه سعد! كانا يتجاذبان أطراف الحديث ، فإذا بالمنادي ينادي لم يدر الوالد خيثمة بم ينادي المنادي ! فقال لابنه: اخرج فانظر لنا ما وراء هذا النداء؟ خرج سعد إلى الشارع فعرف أن منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعوهم إلى الجهاد ، رجع مباشرة وغفل عن أن يخبر والده، لبس مباشرة وأخذ سلاحه ، وإذا بوالده يقول: إلى أين؟ يقول ينادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الجهاد ،قال : ولم لم تخبرني؟ قال: لقد شغلت بنفسي معداً لها من أجل أن أسرع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأبى عليه أبوه، قال: لا يمكن أن نخرج نحن الاثنين ، ولا بد من أن يبقى واحد في البيت ، قال فلتبق أنت يا أبي! قال: لا أنت فابق ، هنا تعرض قضية البر والعقوق ، إذا بررت أباك برك بنوك، إذا رباك أبوك معنى ذلك أنه قد قام بما يجب عليه لأن الله عز وجل أناط التربية بالأبوين.

من هنا وصى الله- تبارك وتعالى- الأباء بالأبناء من حيث التربية، لاحظ الفقرة القرآنية التي نقولها دون أن نقف قبالتها نحن الآباء، حينما نسأل الله- تبارك وتعالى-  أن يرحم والدينا “رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” لو وضعت خطاً تحت ربياني دل هذا على أني أستحضر ما قام به الأبوان تجاهي، ومن هنا أبى خيثمة على ابنه إلا أن يخرج ، وأبى سعد على أبيه إلا أن يخرج. وما الحل؟ المخرج القرعة، أرأيتم بيتاً بمثل هذه المثابة ؟؟ هل يختلف خارج البيت عما بداخله ، كلهم قد استنفروا لله جل جلاله، كلهم في سبيل الله عز وجل، كلهم عارف بالله عز وجل، كل على قدر سعة إدراكه، ووقعت القرعة على الولد على سعد، وخرج سعد واستشهد- رضي الله تبارك وتعالى عنه- .

 وجاء العام القابل ودعا داعي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسلمين، وجاء خيثمة يقول: يا رسول الله! وودت أن أخرج ، وقص على الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان بينه وبين سعد الشهيد، ثم قال: يا رسول الله! أريد أن أخرج معك ، ولقد رأيتني البارحة في الجنة، وهناك كان سعد فإذا به يقول: يا أبتاه الحق بنا ترافقنا، أود لو استشهد في سبيل الله ، وخرج الأب إلى غزوة أحد ، واستشهد- هناك- في سبيل الله تبارك وتعالى.

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! التربية الربانية تربية عز وكرامة، تربية قيم وأخلاق وسلوك ، الذي يربى تربية إسلامية يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويغيث الملهوف ، ويعين المحتاج ، ويرد عن المظلوم من ظلمه، قلبه رقيق، روحه شفافة ، نظراته إنسانية ،لا يقر عدواناً إذا ما وقع ، ولا يسكت عن ضيّم إذا ما نزل ، حاله كحال الشافعي- رحمه الله تبارك وتعالى عنه- هو الذي قال: همتي همة الملوك ، ونفسي نفس حرة ، ترى المذلة كفراً، همتي همة الملوك! ونفسي نفس حرة! ترى المذلة كفراً!!!.

هنا نجد أنفسنا أمام رجوع خالد- رضي الله تبارك وتعالى عنه- من مؤتة، خرج- عليه الصلاة والسلام- وخرج أهل المدينة للاستقبال ، حفل مهيب، وفي مؤتة تدرون أن الأمراء الثلاثة قد استشهدوا فيها : جعفر لم يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره ، كان أميراً قائداً، زيد بن حارثة- رضي الله عنه- استشهد أول من استشهد، ولده أسامة نصبه الرسول- عليه الصلاة والسلام- أميراً، وكان من جملة جنده عمر بن الخطاب- رضي الله تبارك وتعالى عنه- .

يا للشباب!! وما أروع موقعهم من الإسلام والدعوة إلى الله- تبارك وتعالى- الشاب الذي يبقى في عفن سلوكه، الشاب الذي يظن أن الحياة إنما هي هاتف محمول، ودخول عبر المدافن في الحاسوب ! وأن الحياة عبارة عن شهوات ، وأن الشبهات قد ملأت صدره ، هذا شاب سوف يطويه الموت عما قريب ، ثم هناك الحساب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !.

خرج- عليه الصلاة والسلام- وخرج أطفال المدينة يستقبلون الجيش العائد من مؤتة بعد معركة ضارية مع الروم ، وإذا به- صلى الله عليه وسلم- يقول احملوا الأطفال وأتوني بعبد الله بن جعفر، ولد جعفر ابن أبي طالب، عبد الله كان صغيراً، فأتوه بعبد الله بن جعفر فأركبه أمامه، وتوجه الجميع لاستقبال الجيش.أين المفاجأة؟

أطفال المدينة استقبلوا خالداً وممن معه من المسلمين الذين خاضوا معركة رهيبة ، ذلك أن عدد المسلمين فيها كان قرابة ثلاثة الآلاف، أما عدد الروم فكانوا قرابة مئتي ألف، ولولا لطف الله- عز وجل- لانمحى هذا الجيش عن بكرة أبيه!! حيث فتق الله- تبارك وتعالى- ذهن خالد رضي الله عنه ، فتمكن من الخروج والرجوع بأقل الخسائر، وهذا يعتبر نصراً في حد ذاته ،وذلك حينما نرى الفارق الرهيب بين العددين.

الأطفال، أطفال المدينة رحبوا بالعائدين ، ما الشعار؟؟ نحن إذا سحقنا اعتبرنا أن هذا من النصر بمكان، الأطفال الذين رباهم القرآن والأجواء الإيمانية كانوا يصيحون في وجوه الراجعين: يا فرار يا فرار!! حتى قال الرسول- عليه الصلاة والسلام- ليسوا بفرار، إنما هم كرار إن شاء الله تبارك وتعالى.

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه ، فيا فوز المستغفرين.

إن الحمد لله، نحمده- سبحانه وتعالى- ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح بالأمة ، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه فقد قال لنا “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون”.

 أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام!!

إنه من قتل الشباب أن يحصروا عبر وسائل التربية في ذواتهم، ما الصلة يا ترى؟ إذا ما عاش الشاب لنفسه! لا يرى إلا نفسه! ولا يعمل إلا لها! ولا يبني إلا من أجل أن تنال الرغائب، أما سمع الله- تبارك وتعالى- في القرآن يحدث ، وكان ذلك في العهد المكي ، عما كان من أمر الفرس والروم : “ غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون “ ما علاقة المسلمين في طرق مكة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بحرب قامت بين دولتين ، هما المتفردتان وقتها فوق هذه الأرض،  “غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد* ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء “.

العلاقة واضحة! أنتم تحملون رسالة عالمية، وكي نحقق هذه الرسالة لا بد من الوعي الكامل ، لا بد من معرفة خطط الأعداء ، لا بد من التعرف إلى السموم التي تنثر في الأجواء، لا بد لنا من أن نقف على تلك الخطة التي وضعها المستشرقون الذين ضلوا عن طريق الله- تبارك وتعالى- والمنصرون الذين يسعون جاهدين لإطفاء نور الله- تبارك وتعالى- فإذا بهم يركزون على مسائل كبرى، من مثل: إن الفقه الإسلامي لا يقوى على الوقوف في وجه الحياة المتغيرة، من مثل : إن الحضارة الإسلامية لا قيمة لها على الإطلاق إلا بنظر أصحابها، من مثل: ينبغي أن تتغير الأحكام بتغير الأزمان، من مثل: إن الأمور بمقاصدها ، فإذا ما تحققت المقاصد فلا تبال بالوسائل التي يمكن أن يكون شرع الله- عز وجل- قد أقرها، من مثل: تشويه التاريخ الإسلامي، من مثل: تقزيم عمل الصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- إن كان بعض ما ذكرت يعتبر من القواعد الأصولية ، ولكنهم يطرحونها ليوظفوها بصورة هدامة! كالدعوة إلى إلغاء الشريعة بحجة “ لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان !” كذلك دون الضوابط التي نص عليها الفقهاء تجاه هذه القاعدة !!

هذي كلها سموم، إذا لم يكن الشاب قد حصن منها فإنها كفيلة أو: بعضها ، بأن يستأصله، يستأصله وجوداً، كما قلنا : إذا أرهبك عدوك فأفسد فكره ، لينتحر به، ومن ثم تستعبده، المقصد الأكبر لهم أن يستعبدوا هذه الأمة ، ولكن ما الخطوات يا ترى؟

ينبغي أن نؤصل في أبنائنا ، بل في أنفسنا ، حب الله وحب رسوله، الاعتزاز بالإسلام ، الاعتزاز بلغة القرآن، الاعتزاز بالأخوة الإسلامية، الاعتزاز بالانتماء إلى الأمة الإسلامية، ينبغي أن تملأ النفوس بمعرفة الله- جل جلاله- ورقابة الله تبارك وتعالى ، على معنى أن نرقى بشبابنا إلى مقام المراقبة “ أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك “ ثم لا بد من القيم أن نزرعها زرعاً بطريق نظري وبطريق عملي.

أما العملي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فهذا جهد الوالدين في البيت ، وجهد الأصدقاء والبيئة خارج البيت ، ومن هنا نجد أنفسنا أمام : إذا ما أحسن الوالد تربيته ولده إحساناً يجعله يقدر الكبير ويحترمه، يقدر الحق ويعشقه، يحب الطهارة ويفعلها، يكره الظالم والظالمين، ولا يركن إلى الذين ظلموا، قل ما شئت في الحقائق الإسلامية التي نضحت بها الشريعة ، أو التي جاء بها كتاب الله- عز وجل- وامتلأت بها سنته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- .

فالمكتبة الصغيرة في البيت أمر مهم، وجلسة الوالدين مع الأولاد ولومرة في الأسبوع ، بل لو كان أكثر لكان أفضل ، أمر مهم أيضاً، وصلة الأرحام بصورة جماعية ، والحوار الذي يمكن أن يتشكل في الأسرة ، والأمور التي  تطرح والمشاكل التي يمكن أن تطرأ ، كل هذا لا بد له من أن يكون له نصيب في البيت تجسيداً وتوجيهاً.

بل ، لا بد للوالدين من أن يكونا على بصيرة مما يجري في العالم الإسلامي ، والعالم العربي بخاصة ، من أجل أن يبصر الأولاد بما ينبغي عليهم أن يكونوا عليه من حيث ما يجري.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله- تبارك وتعالى- قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله “إن الله وملائكته يصلون على النبي* يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً “ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي “ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب “.

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين ، سلما لأوليائك وحرباً على أعدائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك ، اللهم ربنا هذا الدعاء وعليك الإجابة ، وهذا الجهد وعليك التكلان ، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك فنهلك، اللهم ربنا كن لنا ولا تكن علينا ، اللهم ربنا انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم ربنا ارفعنا ولا تضعنا ، اللهم ربنا ادفع عنا ولا تدفعنا ، اللهم ربنا أعزنا ولا تذلنا، اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسلمين، آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.