363 - في إطار شمول دين الله للحياة
خطبة الجمعة    363 - في إطار شمول دين الله للحياة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده !

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

هناك خلل فاضح لا بد لكل مسلم أن يتعرف إليه تعرفاً إلى أسبابه وإلى العوامل التي تزيحه إلا إذا أردنا أن نظل في هذا الخلل الفاضح، خلل على مستويات متعددة تكاد تشمل كل جوانب الحياة

جاء عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لأجر حاكم يعدل يوماً أفضل من رجل يصلي سبعين سنة، لأجر حاكم يعدل يوماً أفضل من رجل يصلي سبعين سنة وذلك أن هذه الشريعة جاءت تغطي كل جوانب الحياة، فهي صبغة الله تبارك وتعالى التي أرادها للمجتمع البشري كله، جاءت لترقى بالإنسان بمواهبه جاءت لتدله على الصراط الذي سلكه النبيون والسعداء جاءت لتحرر الانسان من رقة العبودية للأكوان جاءت لتربط القلوب بعلام الغيوب جاءت لتقرر حقائق التوحيد وتبثها في الوجود كله، جاءت لتنير الخلايا خلايا الروح والسر والقلب والنفس بل وخلايا العظام واللحم والشعر والبشر

ومن هنا وجدنا أن قوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فيما نقله الربانيون حيث قالوا فيما بلغنا لأجر حاكم يعدل يوماً أفضل من أجر أو أفضل من رجل يصلي سبعين سنة، ذلك أن الذي يصلي في بيته إنما ينفع نفسه ويرقى بروحه ويحقق الصلة بالله تبارك وتعالى تلك الصلة التي أثرها الأول أنها "تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ "، "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ "

ومن هنا حيث يصلي في بيته معنى ذلك أنه يبني ذاته بناءاً ربانياً فنفعه عائد عليه، أما نتائج هذا النفع فإنها تتحرك في حركته فوق هذه الأرض، أما ذلك الذي يعدل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام فإنه بعدله يقر الحقوق لأصحابها وينفي الظلم عن ساحات الحياة ويبلغ الناس مأمنهم وطمأنينتهم، لك أن تتصور أيها المسلم إذا ما شاع الظلم في أرجاء المجتمع لك أن تتصور إذا ما تحولت النفوس إلى وحوش كاسرة لا تحل ولا تحرم لك أن ترى المجتمع إذا ما تولى عليه المفسدون، كيف يكون أمره يا ترى؟ هل يقر قرار لمسلم في مجتمع شاع فيه الفساد وانتشر الاضطراب والفوضى

ويقول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يخبرنا أن رجلاً أزال عن الطريق غصن شوك فغفر الله عز وجل له فأدخله الجنة، نمط آخر من تقريريات شريعة الله تبارك وتعالى يدلنا هذا النمط على ما قدمت من أن الشريعة إنما جاءت تغطي كل أنشطة الحياة يمكن للمسلم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إذا فهم عن الله جل جلاله ووقف على عظمة هذه الشريعة وعمقها أن يحول حركته سواء كان فوق هذه الأرض أو يمخر عباب البحار أو في أجواء السماء يركب الطائرات يمكنه أن يحول كل حركة تتأتى منه في الأرض أو في البحر أو في الجو إلى طاعة لله تبارك وتعالى 

غصن شوك أزاحه عن طريق المسلمين ولك أن تتصور أن هناك من يضع أغصان الشوك في دروب المسلمين يحرضهم على الشهوات الحرام يحثهم عليها صباح مساء يحجب عنهم الحقائق لا يرقى بهممهم لا يربي إراداتهم تربية ربانية هذا كله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يوقفنا على أن هذه الأمة

إذا رأينا أنفسنا في ساحل العوالم كلها دون أن يكون لنا نصيب في أي تقدم أو إزدهار في عالم الصناعة أو الزراعة أو الطب أو في أي مجال من مجالات الحياة، إنما نكون فيها ذيلاً أو كالذيل دون أن يكون لنا من أولئك الذين قد برعوا في هذه العوالم العلمية الربانية الكونية

لك أن تتعرف إلى هذه الأمة وقد استوطأت العجز مع أن دينها الذي أكرمنا الله عز وجل به أول مبادئ وجوده عمل المعجزة العظمى كما قال  قال العلماء الربانيون، لك أن تتعرف إلى هذه الأمة وهي تركن إلى الجهل وكيف تركن إلى الجهل، وأول ما أنزل الله عز وجل قوله "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾" وقد قال العلماء في هذا أول دينها إنما هي غايات العلم الذي يتعلمه الناس فوق هذه الأرض، إذا ما رأيت هذه الأمة تتخلى عن حمل النور وبسطه فوق هذه الأرض وتركن إلى أنفسها تجتر شهواتها وتتبع أهواءها لك أن تتوقف أمام ما مدى صلة هذه الأمة بذلك النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

النبي الذي رقى ورقاه الله تبارك وتعالى فكان أعظم مخلوق لله، أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام هو أول من يُنشر، حيث ينشر الله تبارك وتعالى الموتى من قبورهم، هو الذي يخطب في المجتمع البشري حينما يعرضون على الله جل جلاله، هو الذي يبشرهم إذا ما حل بهم يأس، هو عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حامل لواء الحمد، آدم فمن دونه تحت لواءه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كل الأنبياء يوم القيامة يشيرون إليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حينما يتوجه الخلائق إلى الأنبياء يسألونهم الشفاعة العظمى والمقام المحمود لكنه له عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فهو صاحب الحوض المورود والمقام المحمود الذي يقومه بين يدي الله عز وجل فيحمده عليه الأولون والآخرون هذا هو نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بل هذا بعض ما لنبينا صلى الله عليه وسلم

إن الله عز وجل جمع له كل الفضائل والفواضل جمع له أنفس ما أنزل الله عز وجل من الرسالات السابقة عليه وقد تمثل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الخلاصات الربانية وبلغها للأمة ورباها على عينه، هل لك أن ترى سطوة لا تذر على الأرض من الكافرين سيارة أمام موقفه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في غزوة أحد ربي إهدي قومي أو إغفر لقومي فإنهم لا يعلمون

هل لك أن تتعرف إلى مقام الكليم موسى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حينما كان يكلمه الله عز وجل عند الطور وموقفه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حينما دنى فتدلى "فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴿٩﴾ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ﴿١٠﴾" هل لك أن تنظر إلى أمر الله عز وجل موسى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حينما استسقاه قومه فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، هل لك يا تُرى أن ترى هذا الانفجار انفجار الماء من تلك الحجر وترى ذلك الينبوع السر الذي هو أطهر ماء عرفه الوجود حيث نبع الماء من بين أصابعه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

ألا يحفزنا هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام على إعادة النظر بصلتنا بهذا الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أتدرون لم نصبه الله عز وجل أسوة من أجل أن نرقى بارتقائه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لو كانت حياتنا وفق خطواته صلى الله عليه وسلم، لو كانت حياتنا مصاغة بما جاء به عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من تشريع وأخلاق وقيم وعبادات ومعاملات وحلال وحرام لكان أمرنا على غير ما نحن عليه أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

تلقف العلماء الربانيون قضية الهمة العالية للمسلم، المسلم ذو همة عالية من أين اقتبسها؟ أخذها من الحوافز، من أين اقتبسها؟ إقتبسها من تحديد الهدف الأسمى، من أين اقتبسها؟ إقتبسها من سير الصالحين، من أين أخذها؟ أخذها من صحبة العلماء الربانيين العاملين

ذو همة عالية تطلعت فرأت أرقى ما في هذا الوجود رضوان الله تبارك وتعالى، وحيث ترتقي الهمة إلى طلب رضوان الله تبارك وتعالى لا يعود هناك أي مطمح دون هذا المطمح العالي الراقي فإذا ما كانت همتك متعلقة بالله عز وجل معرفة وإذا ما عرفت الله تبارك وتعالى فأحببته وإذا ما أحببت الله عز وجل فتعلقت بجنابه، وإذا ما تعرفت إلى حقائق التوحيد في هذا الوجود وشهدت أن لا إله إلا الله على معنى أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا خافض ولا رافع إلا الله، ولا معز ولا مذل إلا الله، ولا مقدم ولا مؤخر إلا الله، ولا محيي ولا مميت إلا الله، معنى ذلك أنك قد تخلصت من كل الأوبئة التي اكتسحت كثيراً من النفوس أوبئة العبودية للجاه والمال والمنصب 

عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ربى الصحابة وكلهم قد نالوا قسطاً وافراً من حقائق الاسلام وتعاليمه كلهم كانوا على نهج النبوة ومع ذلك وجدنا فروقاً بينهم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهذه الفروق إنما هي فروق من منح الله عز وجل لهذا الانسان

ومن هنا قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يحدد الأوسمة على الصدور تلك التي رباها بحقائق الايمان وزع الشهادات عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم شهادات التخرج من مدرسة الاسلام العظيم ذلك أن الاسلام إنما هو دين الله تبارك وتعالى الذي جاء به الرسل عليهم الصلاة والسلام

ودين الله عز وجل يعني أن تسلم وجهك لله تبارك وتعالى إسلاماً كاملاً مع الرضى عن الله تبارك وتعالى، التسليم المطلق لله تبارك وتعالى هو حقيقة الاسلام بلى من أسلم وجهه لله أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا معنى لتسليم الوجه لله إلا إذا ما اتخذت منهج الله عز وجل منهاج حياة ذلك أن اسلامك وجهك لله تبارك وتعالى إنما يعني أن تكون مع ما أمر الله عز وجل به لتقوم به فتقوم به، ومع ما نهى الله تبارك وتعالى عنه فتنتهي عنه إذن إسلام الوجه لله أن تلتزم منهج الله تبارك وتعالى

وتعالوا بنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قبل أن نتعرف إلى تلك الشهادات التي مهبها من لا "يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ" تلك الشهادات التي دلت عليها الوقائع ليست انتفاخات كتلك الانتفاخات التي يعيشها المسلمون بل كثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كثير من الانتفاخات اليوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إنما تطلق على القصير على أنه طويل وعلى النحيل على أنه سمين وعلى البخيل على أنه كريم وعلى الكاذب على أنه صادق وكأني بحديثه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يحدثنا حيث حدثنا عن الأيام أو السنين الكوابت التي يصدق فيها الكذوب ويكذب الصادق ويؤتمن الخائن ويخون الأمين

من هنا وجدنا أنفسنا أمام قول الله تبارك وتعالى "وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٣٥﴾" قال ذلك ربنا جل جلاله بعدما بين لنا التاريخ الحقيقي للخليل إبراهيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حيث جاء بزوجه وولده اسماعيل إلى البلد العتيق، هناك أمره الله عز وجل أن يضع زوجه وولده بعدما بين الله عز وجل لنا صلة البيت العتيق الذي هو قبلة المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها، بعدما بين الله عز وجل لنا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إنما كان مسلماً ودعى الله عز وجل أن يثبته على الاسلام، ودعى أن يخرج من ذريته أمة مسلمة

بعدما بين الله عز وجل لنا ذلك الموقف الذي وقفه اسرائيل أي يعقوب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حينما حضرته الوفاة "أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٣﴾" ألم أقل لكم إن الاسلام إنما هو دين الله الذي جاء به الرسل جميعاً عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم

وبعد هذا العرض التاريخي القرآني الرائع وقف اليهود والنصارى من الدعوة الخاتمة الشاملة العامة الكاملة الناسخة غير المنسوخة الايجابية الربانية التي تحقق إنسانية الانسان، الدعوة الخاتمة يا أمة محمد عليه                      الصلاة والسلام إنما جمع الله عز وجل فيها الخلاصات "أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ " هذا الأمر توجه به الله عز وجل للحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

فكنا على المحجة البيضاء وكنا على الصراط المستقيم الذي نسأله الله تبارك وتعالى في كل ركعة من ركعات الصلوات "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾" من أولئك الذين أنعم الله عز وجل عليهم؟ هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وقف اليهود والنصارى من الدعوة إلى الله تبارك وتعالى موقف المعادي موقف الصاد عن سبيل الله تبارك وتعالى

"وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ" هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في البلاغة يسمى اللف والنشر، ما الذي قاله اليهود؟ "كُونُوا هُودًا" وما الذي قاله النصارى؟ كونوا نصارى وقد جمع الله عز وجل القولين بضمير واحد ليكون الرد عليهم رداً واحداً "وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ" أي وقال اليهود كونوا يهوداً وقال النصارى كونوا نصارى بل حرف إظهار يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أسكتوا عن هذا المنطق "بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ" نحن على "مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ" ونحن الأمة المتفردة فوق هذه الأرض المتميزة بما أعطانا الله عز وجل فوق هذه الأرض أعطانا شريعة خاتمة شاملة كاملة عامة وهي محفوظة من التحريف والتزوير ذلك التحريف الذي وقع فيما أنزل الله عز وجل من كتب سابقة "بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ" أي اتبعوا "مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ

ما كانت "مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ"؟ "حَنِيفًا ۖ "، والحنيف هو المائل للحق "بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٣٥"، تعريض بما عليه القوم من ألوان الشرك، ثم أنطقنا الله تبارك وتعالى فقال جل جلاله "قُولُوا" وينبعي على المسلم أن يقول، ما الذي يقوله "قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٦ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّـهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١٣٧"

ثم وجدنا أنفسنا أمام الجوهرة المتلألأة التي جاءت بصيغة أسلوب الإغراء يغرينا الله تبارك وتعالى بعدما بين وحدة الرسالات وإن كل الرسل قد جاؤوا بالاسلام وأن من دعى إلى غير الاسلام فليس على شيء كما قال ربنا جل جلاله في ذلك التنابز الذي كان بين كل من اليهود والنصارى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّـهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿١١٣﴾"

ماذا قال لنا ربنا جل جلاله بأسلوب الإغراء؟

"صِبْغَةَ اللَّـهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ"

نحن عابدون لله عز وجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام العبادة الحقيقية فوق هذه الأرض في هذه الأيام لا تتأتى إلا من المسلمين قد تميزوا عن سائر الأقوام الذين يعيشون فوق هذه الأرض بأنهم وحدهم الذين قالوا لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، فتفرد الله عز وجل في تصورهم بالألوهية فهو المعبود الحق سبحانه وتعالى

كما أن كل ما سوى الله لا يعدوا أحدهم عبداً لله، كلنا نشترك في العبودية لله عز وجل عبودية الاضطرار، أما عبودية الإختيار فنحن قد أعلنا عنها فقلنا "وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ"

قال العلماء إن الله عز وجل شرف هذه الأمة فعطف قولها على قوله "صِبْغَةَ اللَّـهِ ۖ " قول الله عز وجل "وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً ۖ " سؤال جوابه واضح  لذلك لا نجد الجواب في القرآن، للوضوح "وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ" هذا القول إنما نطقنا به فسجله الله عز وجل قرآناً، فكانت الآية المباركة قد جمعت بين أمرين الأمر الأول أن الله عز وجل شهد لهذه الرسالة الخاتمة بأنها "صِبْغَةَ اللَّـهِ ۖ "

هل هناك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من فرق بين الصبغ وبين الطلاء؟

قال العلماء الصبغ هو المادة الملونة أي تدخل في ذرات الملون، أما إذا لم تدخل المادة الملونة في ذرات الملون فهي طلاء، فهي ظاهر، وكل ما نخشاه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن نظن أن الطلاء صبغة، المرأة إنما تصبغ ظفرها بألوان والألوان التي تضعها على إظفارها هو طلاء وليس صبغ، الحناء صبغ لأنها تدخل في ذرات المحنى، أما اللون الذي يبقى على الظاهر فهو لون لا يطلق عليه صبغ، وقد زين الله عز وجل أن هذه الشريعة هي "صِبْغَةَ اللَّـهِ ۖ "، ما معنى ذلك؟

الحقائق الايمانية الحقائق الربانية حقائق هذا الوجود مكاننا في هذا الوجود وظيفتنا التي أراد الله عز وجل لنا أن نأتي بها، قضية الاخلاص قضية النوايا الصالحة، عمارة الباطن مع عمارة الظاهر هذا كله صنع الله تبارك وتعالى، ومن هنا أصلح الله عز وجل بهذه الشريعة البواطن والظواهر أما البواطن فإنها صلحت بأنوار الحقائق وأما الظواهر فإنها صلحت بتأييد الله عز وجل وتوفيقه

ومن هنا المنافق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لم يدخل في قدرة الله وإنما طلى ظاهره بـ (لا إله إلا الله محمد رسول الله) دون أن يكون لقوله ذرة من أثر في حياته، فأقواله لا تنسجم مع شريعة الله وأفعاله لا ترتقي مع أحكام الله تبارك وتعالى وأحواله إنما هي أحوال الفاجرين ذلك أن باطنه قد عمره النفاق

هذا كله من أجل أن نقف هنيهة دون أن نطيل أمام تلك الحوافز التي ترقى بالمؤمن فالمؤمن يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إذا خير بين أمرين ربما شاءت الناس أن يختار أيسرهما لكن من حيث المؤمن الفرد ومن حيث تربيته علامة المؤمن أن يختار أعلى الدرجتين

إبراهيم بن أدهم إلتقى شقيق في مكة المكرمة وكلاهما ممن ترجم له في كتب التراجم تراجم الصالحين، تجد ترجمة لإبراهيم بن أدهم أبي إسحاق في كل الكتب التي ترجمت للصالحين، إلتقى شقيقاً وشقيق هذا أيضاً من الصالحين وتتلمذ في مدارس الصالحين سأل أبو اسحاق إبراهيم بن أدهم شقيقاً قال له ما بدءوا أو ما بدو أمرك؟ يعني كيف توجهت هذا التوجه إلى الله جل جلاله؟ قال ذلك حينما كنت في البرية يوماً فوجدت طائراً كسير الجناح فقلت كيف يرزق هذا؟ ثم إبتعدت قليلاً أراقب، وبين أنا أراقب إذا بطائر في منقاره جرادة جاء بها فوضعها في منقار الطائر الكسير الجناح رزق ساقه الله عز وجل لهذا المكسور جناحه فقلت في نفسي إن الذي رزق هذا الطائر الكسير يقدر على أن يرزقني، فتركت التكسل وأقبلت على الله عز وجل بالتسليم المطلق هكذا فهم شقيق رحمه الله تبارك وتعالى

ما التعليق الذي علقه إبراهيم بن أدهم؟ قال له يا شقيق لم لم تكن مثل الطائر السليم الجناح تأتي بالجرادة لتضعها في منقار كسير الجناح أما بلغك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال اليد العليا خير من اليد السفلى، إن علامة المؤمن يا شقيق أن يبلغ أن يطلب أعلى الدرجتين فإذا بشقيق يأخذ بيد إبراهيم يقبلها ويقول أنت أستاذنا

أيدل هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام على أن المسلم الذي عمرت حقائق الايمان ذاته إنما يرقى باستمرار لا يرضى على حال إذا كان في مذلة لا يرض أن يبقى في مذلة وإن كان في ظلم لا يرض أن يبقى في ظلم وإن كان في تأخر لا يرض أن يبقى في تأخر وإن كانت الغمة الاسلامية اليوم ليس لها شراكة في ميادين العلوم الكونية لتقاعس أو لحواجز أو لعوائق أو لمنهاهج قد قررت على الأمة من عشرات السنين حتى تصل إلى أن تبقى فقيرة في هذا الكون

علماً أن من كلفه الله عز وجل بحمل الرسالة الخاتمة إذا كان جاهلاً بهذا الكون واستنباطات الخير منه فهو لا يقدر على الإطلاق أن يحمل دعوة الله عز وجل ذلك أن الكون قد قررت الآيات القرآنية أنه مسخر "اللَّـهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ" فهو "الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ " لتأكلوا منه لحماً طرياً "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ " هو "الَّذِي سَخَّرَ" لنا "الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ " "وَسَخَّرَ" لنا "الْأَنْهَارَ" "وَسَخَّرَ" لنا "الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ " "وَسَخَّرَ" لنا "اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ"

هذا التسخير يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي أعلنه القرآن علانية للأمة أن تبحث أن تفتش أن تنقب أن تسبق العالم كله في فهم أسرار هذا الكون وكنوز هذا الكون، فإذا ما سبق غير المسلمين المسلمين إلى هذه الكنوز وتغلبوا بما سبقوا به على المسلمين معنى ذلك أن المسلم أعجز من أن يقوم بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى

ولذلك يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وجدنا الشهادات توزع على صدور ربانية خرجتها مدرسة الرسول عليه الصلاة والسلام، ماذا قال فيها عليه الصلاة والسلام؟ أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في الدين أو في دينها عمر بن الخطاب وأصدقهم حياءاً عثمان بن عفان وأقضاهم علي بن أبي طالب وأقرؤهم أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعرفهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر وإن لكل أمة أميناً وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

فإن رسولنا عليه الصلاة والسلام حفز هممنا إلى أعلى ما يمكن أن تحفز إليه الهمم علق هممنا بالله جل جلاله من جملة توجيهاته صلى الله عليه وسلم إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى، أجل إذا سألتم الله عز وجل فاسأله الفردوس الأعلى، وما أظنك حينما تسأل الله عز وجل الفردوس الأعلى إلا وقد استحيت بعد قليل حيث تسأله الفردوس الأعلى وأنت تأكل بالأرطال وتشرب بالأرطال وتنام الليل مهما طال، إذن هو حفز همة أما سمعت الله عز وجل يقول "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ" أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ" المسارعة هذه كلها والاستباق هذا كله لون من ألوان التنافس في ميادين عمارة هذه الدنيا

العلماء الكونيون المسلمون يتسابقون في ميادين العلوم ومن سبق منهم في ميدان العلم الذي وصل إلى أغواره فكفى هذه الأمة حاجتها من هذا العلم هو من جملة الذين "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ" التنافس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في مضامين الخير والبر والرشد والعطاء وبناء هذه الدنيا كل هذا إنما حفزتنا شريعة الله تبارك وتعالى إليه  

قال عليه الصلاة والسلام لأبي بن كعب الذي قال فيه أقرؤهم أبي بن كعب قال له يا أبي إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك "لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا" فأبي ما احتمل ذلك قال يا رسول الله أذكرني الله باسمي، يا أبي إن الله أمرني أن أقرأ عليك، أمر الله عز وجل الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقرأ على أبي سورة من كتاب الله تبارك وتعالى، قال نعم فبكى أبي وحق له أن يبكي عواطف الفرحة التي ملأت جوارحه تفجرت ينابيع في عينيه وأي إنسان منا يبلغه بالمنام أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد سلم عليه فإن عقله لا يحتمل ذلك فكيف بأبي يقول له عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك كذا

هنا ينبغي ألا نغفل وأختم أن التعبير تعبيره عليه الصلاة والسلام كان من أدق التعبيرات أما سمعتم ما قال أرحم أمتي بأمتي أشدهم في دينها أقضاهم علي أقرؤهم أبي قل ما شئت كلها جاءت بأسلوب أفعال التفضيل، لم؟ ليدلك على أن من سوى هؤلاء كان لهم النصيب لكنهم تنافسوا فيما هم فيه حيث قلدهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وسام الفوز والكسب والسبق

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

ربنا تقبل منا ما كان صالحاً وأصلح منا ما كان فاسداً وأصلح فساد قلوبنا بما أصلحت به عبادك الصالحين، حفنا والمسلمين بألطافك الخفية، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً مباركاً معصوماً، لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً هبنا جميعاً لسعة رحمتك يا أرحم الراحمين

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسلمين واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة