364 - من رضي بالله ربا
خطبة الجمعة    364 - من رضي بالله ربا
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى وربنا ولك الحمد إذا رضيت ربنا ولك الحمد بعد الرضا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

فإن العلماء قد أجمعوا على استحباب الترضي على الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم وجاء في التعليل لأنهم كانوا أشد الناس طلباً لرضى الله جل جلاله وقد بذلوا كل غال ونفيس في مرضاة الله عز وجل

أما قال ربنا جل جلاله فيهم "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴿٢٠٧﴾" هو صهيب رضي الله تبارك وتعالى عنه حينما أراد الهجرة واكتنفه المشركون يمنعونه فإذا به يأخذ قوسه ليضع فيه سهماً من سهامه ويقول يا معشر قريش إني لأرماكم سهماً ولن تصلوا إلي حتى أضع كل سهامي فيكم ولكن إن أحببتم أن أدلكم على مالي وتتركوني، فقبل المشركون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بالمال ذلك أنهم عباد مال وكم استعبد المال أناساً يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في صورة رشوة يرشون أناسا فإذا بهم ترى أعينهم عبر سكر الرشوة الحق باطلاً والباطل حقاً والظلم عدلاً والعدل ظلماً والحق الذي أرسته شريعة الله تبارك وتعالى تهتز حقيقته في نفوسهم تركوا صهيباً وقد دلهم على المال

ووصل المدينة المنورة وما أن صافح وجه الرسول عليه الصلاة والسلام حتى قال له صلى الله عليه وسلم ربح البيع أبا يحيى وقد ذكر العلماء كذلك أن من سمع الترضي على الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم استحب له أن يترضى عنهم وإذا ما ذكر الصحابي وحده يقال رضي الله عنه وهو دعاء لنا لهم رضي الله تبارك وتعالى عنهم أن يتغمدهم الله تبارك وتعالى برحمته وأن يحل عليهم رضوانه فإذا ما ذكر الصحابي مع أبيه كقولنا قال عبد الله بن عمر نقول رضي الله عنهما أما إذا ما ذكر الصحابي مع أبيه وجده نقول رضي الله تبارك وتعالى عنهم

قال رجل للرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يا رسول الله أي الناس خير قال عليه الصلاة والسلام يحدد الخيرية وتحديدات الاسلام يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام للحقائق والسلوكيات هي التحديدات المعصومة أما إذا ما سمعنا تحديدات تنقض أو تخدش مجرد خدش تلك البصائر التي جاءتنا بها رسالة الله تبارك وتعالى التي أكرمنا بها معنى ذلك أنه قد خرج عن دائرة السداد وضل وضلاله إنما يكون بمقدار ما حاد عن بصائر شريعة الله تبارك وتعالى لما سئل أي الناس خير؟ قال من طال عمره وحسن عمله أما طول العمر فنعلمه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قد يبلغ السبعين أو الثمانين أو المئة أو فوق المئة هذا يعتبر في نظرنا طويل العمر وأما حسن العمل فلئلا تضل الأذهان في تقويم حسن العمل ينبغي أن نقرر ما جاءت به شريعة الله عز وجل لا حسن لعمل يعارض شرع الله تبارك وتعالى

العمل الذي يتفق مع ما جاء به شرع الله من كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام وتقريرات الفقهاء رضي الله تبارك وتعالى عنهم هو العمل الحسن أما قال ربنا جل جلاله "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ" وقد قال العلماء الأحسن عملاً هو الأصوب والأخلص، الأصوب ما كان موافقاً لشرع الله تبارك وتعالى أتظن بأن الذي يقرر قولاً يظنه من الحسن بمكان ولكنك إذا ما محضت هذا القول ووزنته بميزان الشريعة وجدته مناكفاً لما جاء به المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ومعارضاً للحقائق التي أرستها شريعة الله تبارك وتعالى وأما الأخلص فهو العمل الذي يتطابق مع شرع الله عز وجل ويبتغى به وجه الله جل جلاله

ويقول ذلك السائل وأي العمل أفضل؟ أي الناس خير؟ من طال عمره وحسن عمله، أي العمل أفضل؟  قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله، ولا يمكن أن نفارق الدنيا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وإنما إعلان المفارقة حينما تأتي سكرات الموت إذا كان اللسان خشبياً قبل ذلك وجاءت سكرات الموت فإنها تزيده تخشباً وجفافاً ويبساً إنه وقتها سوف يتلفت في كل جانب من جوانب حياته المرة المظلمة فإذا به يغفل عن الله بل ربما أحس بأنه يساق إلى الله عز وجل سوقاً فإذا به يكره لقاء الله تبارك وتعالى وهنا يكره الله عز وجل لقاءه، وجاء عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال، قال يحدد لنا المعالم الكبرى في حياة المسلم وبناء شخصيته وسلوكياته ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

أذقت طعم الايمان؟ إذا لم يكن قد ذاق طعم الايمان معنى ذلك أنه قد أخل بهذه الحيثيات التي هي من وراء ذوق الايمان وطعمه، ذاق طعم الايمان كأني قلت يا رسول الله من ذاق طعم الايمان؟ قال من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا، وقد قال العلماء رحمهم الله تبارك وتعالى، الرضى بالله رباً أن ترضى به وله تصاريف الأقدار يرفع ويخفض يضل ويهدي يعز ويذل يعطي ويمنع يحيي ويميت يقدم ويأخر الكون كله بقبضة الله أمة محمد عليه الصلاة والسلام والأقدار كلها حلوها ومرها إنما هي بتقديراته سبحانه وتعالى إذا رضيت بالله رباً لزمك ذلك أن ترضى بأقدار الله تبارك وتعالى فإذا ما جاءت أقداره حلوة في فمك فهذا من البداهة بمكان أن ترضى بالله عز وجل رباً إذا ما أعطاك ترضى به رباً لأنه أعطاك وإذا منعك هنا ينبغي أن تحقق الرضى بالله عز وجل لأنه وحده الرب ووحده سبحانه وتعالى المتصرف بهذه الأكوان فهو المعطي المانع إذا ما منحك الله عز وجل منحة من منح هذه الدنيا أقبلت على الله عز وجل راضياً به رباً ولكن إذا منعك ما منح غيرك معنى ذلك أنك قد استنكفت عن أن ترضى بالله رباً هذا لم يذق طعم الايمان لأنه رضي بالله رباً معطياً ولم يرض بالله عز وجل رباً مانعاً

والأمر الثاني الأهم بعد قضية الايمان، ذلك أنه من الايمان أن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره من الله جل جلاله وأن لا تغفل عن الله تبارك وتعالى في حركتك الدنيوية حيث قدر الله عز وجل لك ما قدر فيها، الأهم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن ترضى بالشريعة التي أنزلها الله تبارك وتعالى، هو الرب الذي أنزل الشريعة هو الذي رضي لنا الاسلام دينا هو الذي أكمل رسالته على الرسول عليه الصلاة والسلام والأمة من بعده

فمن هنا من رضي بالله ربا اقتضى ذلك أن يرضى بشرع الله تبارك وتعالى ثم الرضى بالايمان ايمان والرضى بالكفر كفر الرضى بالطاعة طاعة والرضى بالمعصية معصية، اقول الرضى ولا أقول التحسين ، من رضي بالكفر مجرد رضى دون أن يثني على الكفر ودون أن يحسن الكفر ودون أن يعين الكفر ودون أن يناصر الكفر ودون أن يقر الكفر في الحياة لو رضي مجرد رضاً بالكفر كان كفاراً والعياذ بالله عز وجل، لم؟ قال لأن إنكار المنكر واجب إذا ما رأيت الكفر ولم تتمكن من أن تنكره بلسانك وبيدك فلا أقل من أن تنكره بقلبك ومحل الرضى يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام القلوب، فإذا ما رضي بقلبه بالكفر لو أنه رضي مجرد رضى لدل هذا على أنه لم يبق في قلبه مثقال ذرة من ايمان كما قرر عليه الصلاة والسلام وليس وراء ذلك مثقال ذرة من ايمان، من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، إذا لم ينكر المنكر بقلبه دل هذا على أنه لم يبق في قلبه مثقال ذرة من ايمان

إذا رضي بالظلم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نسأله هل الظلم مما يرضاه الله جل جلاله؟ وأنت مطالب بأن تتتبع ما يرضى الله عز وجل عنه قد قرر كتاب الله عز وجل أن الله عز وجل لا يرضى لعباده الكفر وأما في قضية الظلم وهو منحى من مناحي الحياة الظالمة فإن الله عز وجل قال "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" مجرد الركون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام للذين ظلموا فإن العاقبة قد قررها كتاب الله تبارك وتعالى "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" فمن رضي بالله رباً له تصاريف الأقدار، ومن رضي بالله رباً على أنه أنزل الشريعة الخاتمة الشاملة الرائعة التي ما تركت شأناً من شؤون الحياة إلا وعالجته معالجة ربانية

الشريعة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لو أراد من يثني عليها ، الثناء عليها يرجع من بعد الثناء عليها كما قرر العلماء كذلك الذي وضع اصبعه في البحر ثم أخرج اصبعه وأخذ يصف البحر من خلال ما علق باصبعه من ماءه، أيحيط هذا الوصف الذي أثتى به على البحر من خلال قطراته كذلك لا يقدر أحد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن يحيط بمحاسن هذه الشريعة، قال العلماء لو اجتمعت العقول وكانت على أكملها عقلاً على أن تقترح على الله تبارك وتعالى تعديل حكم أو إلغاء أو إضافة حكم لما تمكنت فيا لها من شريعة الرضى بها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام دليل على العقلانية ودليل على الصفاء ودليل على استواء النظرة واستقامة السلوك، من رضي بالله رباً بهذه المثابة استسلم لله جل جلاله أخبت لله تبارك وتعالى أيقن وجود الله حقق التوكل على الله والإنابة إلى الله والتعلق بالله تبارك وتعالى

هجرت الخلق طراً في هواك، أجل يقول لسان حاله هجرت الخلق طراً في هواك

هذا شأن من عرف الله فأحبه، هذا شأن من أحب الله فاستجاب لكل محاب الله تبارك وتعالى، استسلم لله فالاستسلام لله عز وجل هنا يعني أنه تحرر من كل استسلام لغير الله إما أن تكون عبداً لله وحده وإما أن يكون عبداً لغير الله تبارك وتعالى

لو جاءت شريعة الله تبارك وتعالى فاستقبلتها استقبال الحبيب فطبقت أحكامها على حياتك ودعوت الناس إلى تطبيقها كما فعل الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم لأننا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام مطالبون بأمرين تجاه الشريعة أن نطبقها في ذوات أنفسنا وأن ندعو الناس إليها

ومن هنا ما يقال إن التدخل فيما لا يعنيك ليس من هذه الشريعة هؤلاء أقل ما يقال فيهم إنهم لم يفقهوا أن هذه الأمة قد أمنت متابعة الرسالة بعد انتقال المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ"، "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ ۗ" شأن هذه الأمة أن تدعوا الناس قاطبة إلى الحق الذي جاء به رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من الله جل جلاله

ومن رضي بالاسلام دينا إذا أخبرنا الله عز وجل أنه هو الذي رضي لنا الاسلام دينا "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ۗ"، "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ" فمن أعلن أنه لا يريد الاسلام أيبقى فيه ذرة من ايمان أو اسلام، الله عز وجل رضي لنا الاسلام دينا، ما معنى أن الاسلام دين؟ هو الذي يضبط حركة الحياة يعمر الباطن بكل المحاب التي يحبها الله عز وجل ويخليها من كل ما يقطع عن الله عز وجل، ما معنى أن الاسلام دين؟ هو الذي يحكم كل مناحي الحياة الحلال والحرام والقيم والعلاقات الاجتماعية والمعاملات وقضية المال وقضية النفوس وكل ما يتعلق بحركة الانسان فوق هذه الأرض إنما تصاغ بشرع الله تبارك وتعالى

إذا كان من رضي بالله عز وجل استسلم له فمن رضي بالاسلام دينا عمل فيه وعمل له وعمل به، ذاق طعم الايمان من رضي بالله رباً وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا صلى الله عليه وسلم معرفتنا بالحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم معرفتنا بمراضي الحبيب، ما الذي يرضاه الرسول عليه الصلاة والسلام؟ إذا كان انسان ينتسب للاسلام ويرضى بفاحشة، إذا كان انسان ينتسب للاسلام ويرضى أن تسفك دماء هذه الأمة، إذا كان انسان يرضى بالاسلام ويطالب بإلغاء شريعة الله عز وجل وحجبها عن أن تصوغ الحياة حياة الانسان فوق هذه الأرض فما الذي بقي له يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من اسلامه  

من رضي بالاسلام ديناً عمل له ومن رضي بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا اتبعه اتباعاً مطلقاً واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ثمرة حقيقية لرضاك بالرسول نبياً أرسله الله تبارك وتعالى، بم جاءنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟ جاءنا بالحق من الله جل جلاله بصرنا بالبصائر التي تسعدنا في الدنيا والآخرة

تلا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قول الله عز وجل في ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام "رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٦﴾" وتلى قول الله عز وجل في عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١١٨﴾" ماذا كان بعد هذا وهو المتفاعل الأول مع كلام الله عز وجل إذا أردت أن تتعرف إلى موقف قلبك من كلام الله فعليك أن تتعرف إلى موقف قلب الرسول عليه الصلاة والسلام من الحقائق التي جاء بها كتاب الله

يقرأ قول الله عز وجل في ابراهيم وقول الله عز وجل في عيسى عليه الصلاة والسلام فإذا به يبكي ويهتف، بم هتف صلى الله عليه وسلم؟ قال أمتي أمتي لو أطل الرسول عليه الصلاة والسلام افتراضاً على هذه الأمة ترى هل يرضى ما عليه أحوالها الجواب يعرفه الجميع يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إذا كان الحق يصور على أنه باطل وإذا كان الباطل يرسخ على أنه حق وإذا كان الكذاب إنما يعتبر من الصديقين الصادقين وإذا كان الخائن يعتبر من المؤتمنين المقربين من الله جل جلاله إذا كان الظلم ينظر إليه على أنه عين العدل وبؤرة العدل ومنبع العدل لكن الرسول عليه الصلاة والسلام شأنه شأن آخر، أمتي أمتي يا رب فأرسل الله عز وجل جبريل عليه الصلاة والسلام إذهب إلى محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فاسأله والله عز وجل أعلم، ما أبكاك؟ وجاء جبريل ورجع ليبين أن الذي أبكاه إنما هو ما قرأ من موقف ابراهيم وعيسى عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم إرجع يا جبريل فرجع جبريل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يخبره إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك

مرضاة الله تبارك وتعالى مقصد هام بل أعظم مقصد لك، إذا كنت تسعى في هذه الدنيا وقد ازور قلبك عن طلب رضوان الله عز وجل فأنت بحاجة إلى تقويم، ذلك أن الاعوجاج، الاعوجاج اعوجاج القلب عن الهدف المقصد العظيم الذي بينه الله عز وجل في مواطن هذا يحتاج إلى طبابة عاجلة قبل أن تضرب سكرات الموت ذلك الانسان، حيث تضرب سكرات الموت هذا الانسان ولا بد لها من أن تضربه، إن سكرات الموت لا تفرق بين كبير وصغير سكرات الموت لا تفرق بين غني وفقير سكرات الموت لا تفرق بين حاكم ومحكوم سكرات الموت لا تفرق بين قائد وجندي سكرات الموت لا تفرق بين انسان وانسان إذا ما جاء الأجل لا بد من أن ينتهي بصورة سكرات الموت

تعالوا بنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى كيف الرحيل؟ أتحب أن تكون من أولئك الذين قال الله عز وجل فيهم "وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ"، "وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ"، "فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ" أمواج الموت "وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ"، "أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ" أتريد لروحك أن تخرج بهذه الصورة لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا نريد ذلك لأي مسلم فوق هذه الأرض "وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿٥٠﴾ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٥١﴾"، "وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" من تحصن بعزه وجاهه الدنيوي، من تحصن بقوته المادية يقول الله عز وجل له "وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ" هذا مشهد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لأولئك الذين خرجوا من هذه الدار على ظلم خرجوا من هذه الدار ولم يرضوا بالله رباً ولا بالاسلام دينا ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، لأولئك الذين حرفوا الحقائق ووقفوا إلى جانب الباطل وقوفاً يكاد يكون من مواقف إبليس

وأما المشهد الأخير الذي أختم به وأرجو الله عز وجل أن نكون فيه ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع أحد الصحابة يتلو قول الله تبارك وتعالى يصور لنا تلك الرحلة الرائعة ذلك المشهد الحميم المشهد الندي المشهد الرطب المشهد الذي ينبض بالحياة "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿٢٧﴾ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴿٢٨﴾ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿٢٩﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿٣٠﴾"، "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿٢٧﴾ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴿٢٨﴾ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿٢٩﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿٣٠﴾" قال يا رسول أبو بكر الصديق لما سمع هذه الآية ما أحسن هذا قال أما إنه يا أبا بكر ستقول لك الملائكة هذا حين يأتيك الموت، لم؟ لأن الله قال "سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ" وقبلها "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ۖ"، وقال جل جلاله "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

من طلب رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس أجل والله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يضم إلى هذا ولا أطيل أكثر من هذا أن الأمة كلها بل كل أهل الأرض لو ترضوا على انسان سخط الله عز وجل عليه ما نفع هذا المترضى عليه من قبل الناس رضاهم وترضيهم، لو أن أهل الأرض ترضوا على انسان وهو مبعد من الله جل جلاله وهو قد سخط الله عز وجل عليه فهيهات هيهات هذا شأن المنافقين يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وشأن الفاسقين "يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ۖ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿٩٦﴾" ماذا يفعل رضانا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام على فاسق الله ورسوله أحق أن يرضون هذا هو الشأن بم نرضي ربنا جل جلاله؟ ببذل كل ما أعطانا الله عز وجل في طاعته، بم نرضي ربنا؟ بأن نصوغ حياتنا وفق المنهج الذي ارتضاه لنا، بم نرضي ربنا؟ إذا ما وقفنا المواقف التي هي من مراضي الله جل جلاله ولو أدى هذا إلى أي نتيجة تؤدي إليه هذه المواقف معنى ذلك أننا مع مرضاة الله تبارك وتعالى 

أمة محمد عليه الصلاة والسلام

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسلمين واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة