367 - على هامش الإسراء
خطبة الجمعة    367 - على هامش الإسراء
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد أنت أحق من ذكر وأحق من عبد وأعظم من أبتغي وأرأف من ملك وأجود من سئل وأوسع من أعطى أنت الفرد لا مثل لك والملك لا شريك لك، كل شيء هالك إلا وجهك لن تطاع إلا بإذنك ولن تعصى إلا بعلمك تطاع فتشكر وتعصى فتغفر أقرب شهيد وأدنى حفيظ حُلت دون النفوس وأخذت بالنواصي وكتبت الآثار ونسخت الأجال القلوب لك مفضية والسر عندك علانية والحلال ما أحللت والحرام ما حرمت والدين ما شرعت والأمر ما قضيت والخلق خلقك والعبد عبدك فأنت الله العزيز الرحيم الغفور أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض وصلح به أمر الدنيا والآخرة أن تعيد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مما هي فيه وأن تحفظ دماءها وأعراضها وأن تجعل الدائرة على أعدائها

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.!

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإن الحديث في دائرة قول الله تبارك وتعالى من سورة الإسراء حيث قال جل جلاله "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿١﴾" جاء قول الله تبارك وتعالى في مطلع سورة الإسراء، وسورة الإسراء كما هو معلوم قد جاءت في الترتيب القرآني بعد سورة النحل، وقد كشف العلماء رحمهم الله تبارك وتعالى عن العلاقة بين سورة الإسراء وهذا المطلع العظيم وبين سورة النحل وسنعرض لهذا

ولكن بداية حدث مثل حدث الإسراء والمعراج له منطلقه ومنتهاه ، بدايته من المسجد الحرام ونهايته في المسجد الأقصى ، ثم كان العروج، وما أدراك ما العروج؟ إلى السموات العلى إلى حيث سدرة المنتهى وجنة المؤى إلى حيث الرفرف حيث سمع عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم صريخ الأقلام تجري بأقدار الله تبارك وتعالى

ثم كان ما كان حيث جاءت الكلمة القرآنية معبرة أروع تعبير فقد أعطت بجلالها وجمالها وكمالها دون أن نحيط بها وكيف نحيط يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بما أخبر الله تبارك وتعالى عن تلك المنزلة التي بلغها رسوله عليه الصلاة والسلام بقوله "ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ﴿٨﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴿٩﴾" وكان قبل ذلك يصحبه جبريل عليه الصلاة والسلام حتى إذا ما كان في موضع هو سدرة المنتهى توقف جبريل عن العروج وناداه عليه الصلاة والسلام كما قال القائل :

ولدى السدرة الجواز عليه صار حظراً فكان ثمّ انتهاء

فدعاه النبي حين علا السدرة نور منه عليها غشاء

ها هنا يترك الخليل خليلاً أين ذاك الوفاء أين الصفاء

قال عذراًً فلن أجاوز حدي لو تقدمت حل فيّ الفناء

وبه زج  في البهاء وفي النور إلى حيث كل خلق وراء

ورأى الله لا بكيف وحصر لا مكان يحويه لا آناء

فوق فوق وتحت تحت لديه قبل قبل وبعد بعد سواء

أولاك رؤيته في ليلة فضلت ليالي القدر فيها الرب أرضاك

أيمكن لإنسان في وقفة كهذه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن يحيط ببعض هذا الحدث العظيم الذي هو حدث الإسراء والمعراج بلها أو يكفي وقفات من أجل أن نتعرف إلى أبعاد هذا المسرى وذلك المعراج

لهذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نكتفي بالتقاطات من درر بحر ذلك الحدث الذي يعتبر من الأحداث البارزة في سير الدعوة إلى الله تبارك وتعالى نكتفي ببعض الدروس التي نحن بأمس الحاجة إليها ولعل منها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن الصحابة الكرام قد تعلقت قلوبهم بالمسجد الأقصى يوم كان بيد الحكم الروماني خاصة بعدما أيقنوا أن حدث الإسراء إنما ربط بين المسجدين ربطاً وثائقياً تاريخياً أبدياً لا ينفك، إذا ما نامت الأمة حيث أراد أعداء الله عز وجل أن ينفك الإرتباط فلا يعني هذا أنها ماتت بل تتكرر الذكرى ومع تكررها ينبه النائمون يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

من جملة ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه حدد أبعاداً للساعة قبل أن تقع أعدد ستاً قبل قيام الساعة أو بين يدي الساعة، من هذه فتح بيت المقدس وكأنما أشار إلى أولئك الربانيين الذين انطلقت جحافلهم لا انطلاق الغاشم المعتدي الطاغي، وإنما إنطلقت إنطلاق المبشر بشرع الله تبارك وتعالى الداعي إلى تحقيق العبودية لله فوق هذه الأرض تلك العبودية التي وحدها يعتز بها الانسان وتتحقق له إنسانيته ويدري كرامته عند الله تبارك وتعالى بها وحدها يسعد الانسان فوق هذه الأرض بها وحدها تتحقق قيمة الإنسان ، وإلا فإنه يكون ممن يدب فوق هذه الأرض "إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ " وما العبودية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حقيقتها إسلام القياد لله جل جلاله ونحن حينما نقول إسلام القياد لله جل جلاله نعني بذلك التحرر من كل القيود الأخرى التي قد أرهقت وأهلكت كثيراً من النفوس قيود الأهواء الجامحة وقيود الشهوات الهابطة حينما تسلم قيادك لله تبارك وتعالى معنى ذلك أنك تحررت من كل ألوان العبوديات، بهذا تتحقق الكرامة وتتحقق الحرية الحقيقة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ربما قال عن نفسه أنه حر ولكن هيهات هو عبد لألف شهوة وشهوة

ثم مع إسلام القياد لله جل جلاله تحقيقاً للعبودية يضم التبري من الحول والقوة ويضم لهذا رؤية أن كل هذا الكون ما له ما به ما فيه ما عليه إنما هو صنع الله جل جلاله ذكر النسائي في تفسيره قال قيل إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما بلغ الدرجات العلى والمنازل الرفيعة التي أراد الله عز وجل له أن يبلغها، أوحى الله عز وجل إليه يا محمد أشرفك صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أراد الله عز وجل أن يشرف نبيه عليه الصلاة والسلام وكأنما ألقى إليه الخيار يا محمد أشرفك قال ربي أنسبني إليك بالعبودية، هو عبد الله بهذا إرتقى وارتفع هو عبد الله حينما تلقى الكتاب من الله هو عبد الله حينما انتصب نذيراً وبشيراً بين يدي عذاب شديد هو عبد الله حينما قام يدعو إلى الله جل جلاله وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يقولون عليه لبدا "الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ ﴿١﴾ "، "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴿١﴾"، "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا"

أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

كل الدراسات والتاريخ والحقائق كلها تصب في مصب أن ضياع بيت المقدس يعني بداية فواجع تحل بهذه الأمة، فواجع إذ سقوط بيت المقدس يعني سقوط كل المقدسات ذلك أنه لا فرق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بين مقدس ومقدس إذا كان هناك من يغار على الكعبة المشرفة ثم تتجلط مشاعره تجاه بيت المقدس فإنما هي غيرة كاذبة غيرة سطحية غيرة بلهاء غيرة إنما يعبر عنها ترويجاً وحماية لما وراءها من ضعف ووهم وهزال

أما قرأتم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في التاريخ أنه لما جاء جحافل الصليبية فحطت رحالها في بلاد الشام وكان من جملتها أرناط ذلك الذي كان حاكماً على مملكة الكرك في الأردن بعث بعثاً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إلى أين بعثه؟ إلى المدينة المنورة، لماذا؟ من أجل أن يهدم قبر المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، من أجل أن يعبث بجثمان الحبيب المصطفى صاحب الإسراء والمعراج، لولا أن الله عز وجل قد قيض لهذه الأمة الربانيين الذين ما تاجروا في قضية بيت المقدس ولا في قضية فلسطين وإنما كانوا صادقين إذ سعوا ولم يناموا الليل بل وأعملوا جهودهم طوال النهار يعدون العدة إعداداً حقيقياً صادقاً لا كاذباً فإذا بالنصر يتأتى ويسترجع صلاح الدين رحمه الله تبارك وتعالى بيت المقدس ذلك الذي استلم مفاتيحه عمر الفاروق رضي الله تبارك وتعالى عنه

أما قلت إن حظ بيت المقدس في خواطر المسلمين في بؤر شعورهم في مجمل تصوراتهم أن بيت المقدس قد أدخله الله عز وجل في الممتلكات الاسلامية هذه الممتلكات التي ترجع إلى الأمة كلها قاطبة من أولها إلى آخرها وتغييب هذا الممتلك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهو مسرى الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو المنطلق في المعراج تغييبه يعني أنهم يريدون إزاحة هذا المعنى من نفوس المسلمين بتغييبه مرة بعد أخرى وسنة بعد أخرى والزمان ليس لصالح المسلمين يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

ثم ماذا كان بعد هذا؟ جاء البرتغال بعدما هزم الله عز وجل الحملات الصليبية جاؤوا يعيدون الكرة على هذه الأمة لعلهم يحققون ما أخفق فيه أسلافهم فإذا بهم يغيرون، على من يا ترى أغاروا؟ أغاروا على المسلمين، أين؟ قال أرادوا المدينة المنورة أيضاً، عجيب أمر المدينة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إذا كان المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى يخافون منه كل هذا الخوف ويرعبون كل هذا الرعب فكيف لو كان عليه الصلاة والسلام بين ظهرانينا

وهنا ينبغي أن نقرر أن هذه الأمة إذا كانت على قدم المصطفى عليه الصلاة والسلام هيهات هيهات أن ينال منها ولو ذرة واحدة، من انتصر لهؤلاء المغيرين؟ المماليك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، العثمانيون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، هذا هو التاريخ المشرق الذي صنعته التضحيات

أما سمعتم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بما يجلي لنا حقيقة أن بيت المقدس هو البوابة التي إذا ما فتحت أمام أعداء الله عز وجل إنطلقوا فإذا بهم لا يبقون قيد شبر بأيد المسلمين، ونحن إنما نذكر ذلك يعتصر الألم الأكباد ذلك أن مثل هذا القول وإن كان من الخطورة بمكان لكنه ربما صافح أسماعاً فإذا بها تقول، ما هذا الكلام؟ هذا لون من ألوان الدجل السياسي هذا لون من ألوان التحريض

هنا المشكلة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إذا ما صرح عدو من أعداء الله تبارك وتعالى وإذا ما مس هذا التصريح الهزال في النفوس والوهن ما كان من أصحاب هذه النفوس إلا أن عبروا بأن هذا لون من ألوان التصريحات التي لا قيمة لها، تعال بنا إلى سنة سبع وستين وتسعمئة وألف حينما وقعت الواقعة على الأمة الاسلامية والأمة العربية بخاصة ولو كنا على المستوى لوقفنا وقفة جبارة عقب ذلك ولكن أما ترى بأن التخدير لا يزال يسري بل ربما ادعى المدعي أن سنة سبع وستين إنما كانت نصراً من ألوان الانتصارات ولكن الناس "لَا يَفْقَهُونَ"

مسؤولة يهودية كانت هي المسؤولة عن إدارة المعركة لما دخل اليهود إلى بيت المقدس حيث سقط بأيديهم هناك أخبار ومواقف قد ضختها وسائل الإعلام تهز الكيان من الأعماق لا تبقي ولا تذر من النفس إلا وقد ملأتها شحونات من ألم ممط وقفت لتقول، أين وقفت؟ وقفت على خليج العقبة الذي سمي خليج إيلات بدأ التحريف بالأسماء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وبدأ محو أسماء المدن وأسماء الشوارع وأسماء البيوت وأسماء الأسواق، تذويب كامل ونحن نعد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام فأبشروا

نحن نمطمط بل نطول بل نحن كما قال أحدهم من ثلاثين سنة حالنا حال من ينتقض فإذا به يسن السيف ثم يشحذه ويشحذه يقول لقد انتصرنا واستعدنا الحقوق حتى إذا ما حمي السيف بيده أرجعه إلى غمده ليقول نحن الذين نبدأ نحن الذين نحدد نحن الذين نقرر ولن يجرنا عدونا بل جرهم والله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

وقفت على خليج العقبة ونظرت إلى الجزيرة العربية وهناك ألقت بنظرها إلى المدينة المنورة، ماذا قالت يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ ولعلي إذا ما بقيت في هذا المسرى لن أتحدث ولا عن درس من دروس الإسراء والمعراج بل يكفينا هذا الدرس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لأن المسألة لا تتعلق بكم المعلومات إنما تتعلق بكيفياتها، ولعلنا في هذه الذكرى التي نحييها من فوق المنبر كلاماً لعلها تبعث فينا صلاحاً جديداً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

وقفت تلك المرأة لتقول إني أشم رائحة أجدادي من هناك من المدينة من يثرب التي سوف نسترجعها، أسمعتم بهذا؟ سمعنا، ما الأثر؟ السؤال عن الأثر لا عن السمع يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ وإن كان لقائل أن يقول وماذا نفعل أسقط في أيدينا نقول هذا قول العاجز الذي يريد أن يمرر الكارثة على أنها ليست بكارثة أو شبه كارثة أو قريبة من شبه الكارثة أو لعلها فئة من كارثة وليست بالكارثة نقول يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ما دام حق المسلمين في بؤرة الشعور فلا يخاف من ضياعه، متى يضيع الحق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ يضيع الحق إذا ما غيب الحق عن بؤرة الشعور فصار في حواشيه فلا يستنهض ولا يستثار إلا في المناسبات ما دام في بؤرة الشعور فلا خوف

صلاح الدين جاء بعد قرابة قرن ليستعيد بيت المقدس ولا ضير على هذه الأمة بل إن تأخر الاسترجاع، استرجاع الحق إنما يرجع إلينا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، بمقدار ما نكون مع الله جل جلاله عباداً لله وبمقدار ما نكون مع أحكام شريعة الله تبارك وتعالى والإلتزام بشريعة الله وما دمنا نقيم بيننا القيم الاسلامية الربانية التي تحقق الأخوة في الله والمحبة في الله والإيثار والتعاون على البر والتقوى إذا ما كنا كذلك فإن استرجاع الحقوق بعامة لن يطول يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، بل إن أحد العلماء قد زادته الحماسة في هذا الشأن فقال لو رجع المسلمون إلى دينهم رجوعاً حقيقياً عند العصر لاسترجعنا الحقوق عند المغرب

إذن هي تشم رائحة أجدادها، تشم رائحة بني قريظة الذين غدروا وخانوا الخيانة العظمى، تشم رائحة بني قينقاع الذين مزقوا حجاب المرأة المسلمة وأرادوا أن يعتدوا عليها في سوقهم، ولكن هبة الايمان منعتهم من ذلك، تشم رائحة بني النظير يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حيث حمل زعماء بني النظير أموالهم ولما مروا أمام الرسول عليه الصلاة والسلام إذا بزعيم من زعمائهم  يضرب بيده على أكياس من الذهب يقول هذا ما أعددناه لقلب الأرض

وأخيراً قال أحدهم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهو مسؤول كبير قالها صراحة إن احتلال بيت المقدس يعني فتح الأبواب إلى المدينة المنورة وسوف نصلها ثم ماذا فعلوا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام هذا لا تثيره وكالات الأنباء لأنه مؤلم للمشاعر، ووكالات الأنباء حريصة على أن يطمئن المسلمون، فالمسلمون بخير بل هم في قمة الخير يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ربما كان هناك أناس يقلقون ولكن لا تقلقوا هؤلاء شرذمة قليلون هذه نظرة فرعون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

أتدرون من نعت فرعون بالشرذمة القليقلين نعت موسى عليه الصلاة والسلام ونعت الذين آمنوا معه وكانوا معه هم شرذمة قليلون هذا النعت يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نعت فاجر أعمى عمي عن الحق وشرب من كؤوس الشهوات، والشهوات كثيرة كثيرة فسكر، هيهات أن يصحو مما سكر به إلا بعد أن تنزع روحه، وقد نزعت لما قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل قالها وهو يعاني من الغرق والإختناق بالماء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ماذا فعلوا أيضاً؟ صنعوا خريطة ووزعوها على طيرانهم من أجل أن يطلع عليها كل الركاب الذين يمتطون طائراتهم، ما في هذه الخريطة؟ إذا قلنا بأن هذه الأقوال تصريحات ما ينبغي أن ينتبه لها ولا أن تهز أعصابك بل نحن نعد العدة إن شاء الله تبارك وتعالى ولو بعد خمسمئة سنة همة عالية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نقول هذه الخارطة فيها بيان لدولة اسرائيل الممتدة من النيل إلى الفرات

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين !

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فقد قال لنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

فلا أقل من درس واحد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام كي لا تطوى الذكرى دونما درس، وهذا الدرس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لعله من كبريات الدروس من حدث الإسراء والمعراج، ما هذا الدرس يا ترى؟ إذا ما نظرت إلى المقدمات التي سبقت الإسراء والمعراج لوجدت الحصار الاقتصادي الذي ضربته الجاهلية ونظامها الجاهلي على الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة، ولوجدت الإضطهاد يتوالى وألوان من العذاب إنما توقع على الذين قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولوجدت رحلته عليه الصلاة والسلام إلى الطائف وما كان من أمر الطائف حيث ضيقوا عليه صلى الله عليه وسلم واغروا به غلمانهم وسفهاءهم ورجع عليه الصلاة والسلام إلى مكة المكرمة أبى أن يدخلها إلا في جوار، فاستدعى من يجيره ليدخل مكة فأبى بعضهم ومنهم الأخنس ابن شريق وأبى بعضهم وهؤلاء الذين أبو ما أراد الله عز وجل لهم هذا الشرف العظيم والذي رضي أن يجيره هو المطعم بن عدي وما كان ذلك إلا أنه المشرع عليه الصلاة والسلام

من حيث البشرية فعل ذلك وإلا كان بإمكانه أن يدخل رغماً عن أنوفهم لو مال عليهم عليه الصلاة والسلام ميلة رجل وهو الرجل عليه الصلاة والسلام، والله ما استطاع أحدهم أن ينظر في وجهه صلى الله عليه وسلم ولكنه تشريع كما هاجر سراً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لأنه المشرع ولم يفعل ما فعله عمر حينما هاجر علانية

أقول كربات بعضها فوق بعض ومع بعض، أين الفرج؟ إذا كانت مكة قد أغلقت أبوابها فهي كالسموات السبع تفتح أبوابها، ما النظام الجاهلي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي فيه عمرو بن هشام زعيماً؟ والذي فيه صهيب بن عمرو من الزعماء وقد أسلم من بعد، ما النظام الجاهلي في مكة؟ إذا أنف أرباب النظام الجاهلي أن يجيروا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فإن الملائكة ملائكة السموات قد اصطفت لاستقباله عليه الصلاة والسلام، وما الأرض ومن عليها وما عليها، هل ترى الأرض يا ترى "فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" بل هل يرى عمرو بن هشام أبو جهل في هذه الذرة التائهة في مساحات "السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"

استقبله الملأ الأعلى شرف عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ألا يعني هذا أن المنحة إنما تتولد من قلب المحنة، كل محنة يمر بها المسلمون إذا فهموا عن الله تبارك وتعالى وأسلموا قيادهم فيها لله عز وجل ستنقلب والله وهذه سنة من سنن الله إلى منح من الله جل جلاله

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا إجعلنا أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، حفنا اللهم والمسلمين بألطافك الخفية واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً مباركاً محفوظاً، لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً، هبنا جميعاً لسعة رحمتك يا أرحم الراحمين

واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.