368 - في وجهي التواصل الاجتماعي
خطبة الجمعة    368 - في وجهي التواصل الاجتماعي
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت الحق وقولك الحق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم حق، اللهم لك اسلمنا وبك آمنا، وبك خاصمنا وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

قال الفضيل ابن عياض رحمه الله تبارك وتعالى: عالم عامل معلم يدعى عظيماً في ملكوت السماء، عالم عامل عمل بعلمه، معلم علم الناس ما علمه الله عز وجل إياه يدعى عظيماً في ملكوت السموات، وقال أبو أمية الشعباني أتيت أبا ثعلبة رضي الله تبارك وتعالى عنه وهو من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا أبا ثعلبة ما قول الله عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ " قال على الخبير وقعت، سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عن تلك الآية فقال:" ائتمروا بالمعروف وتناهواعن المنكر حتى إذا رأيت شح مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك " أو كما قال رضي الله تبارك وتعالى عنه ينقله عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

وروى عدي رضي الله تبارك وتعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء، وما هي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال إذا كان المغنم دولاً والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً وأطاع الرجل زوجته وعصى أمه وبر صديقه وجفا أباه وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وارتفعت الأصوات في المساجد وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القينات والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فانتظروا عند ذلك خسفاً أو مسخاً أو ريحاً حمراء" أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

نافذة نطل بها أمة محمد عليه الصلاة والسلام على وضع اجتماعي يحتاج إلى وقفة، هذه الوقفة ترينا منه ما هو على الصواب وما هو على الباطل وكم نحن بحاجة أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى أن نحرر حياتنا وفق منهج الله تبارك وتعالى ذلك المنهج الذي أكرمنا الله عز وجل به فاختاره لنا ديناً ورضيه ، واختار له محمداً عليه الصلاة والسلام ختم به الرسالات إلى الناس فبلغه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حيث تلقاه، بلغه حيث بلغه، بلغه حيث حوله إلى واقع عملي حياتي معاش، منهج الله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يقوم على قاعدة معرفة الله جل جلاله وقطف الثمار من هذه المعرفة إنما يتحقق بالالتزام بما أنزل الله عز وجل الذي عرفناه إلهاً واحداً لا شريك له عرفناه رباً حكيماً رازقاً هو مالك الملك سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، أنزل القرآن بعلمه وقد أحاط ربنا بكل شيء علما.

جاءت شريعة الله عز وجل تنظم العلاقات بين الناس، تنظم العلاقة بين العبد وربه، وبين العبد والعبد، وبين العبد والكون، وبين العبد والحياة، وبين العبد وما هو راحل إليه، ولعل من أوثق هذه الصلات، هذه الصلات الصلة بالله جل جلاله ، ما هو هذا الأمر الذي نحن بحاجة إلى أن نقف قبالته لنتعرف إليه خاصة إذا ما علمنا أنه يتجه اتجاهين متعاكسين متخالفين ما يسمى بالتواصل الاجتماعي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

قالوا: إن الانسان خلق اجتماعياً بطبعه وهو قول صحيح ذلك أنه لا يستطيع أن يعيش منفرداً فوق هذه الأرض هل يعني هذا أن ينطلق في كل الاتجاهات من أجل أن يقيم صلاته ليحقق ذلك الميل الطبيعي فيه أم هناك ما يمكن أن يعنون تحت عنوان جرائم التواصل الاجتماعي أو ضلالات التواصل الاجتماعي أو يمكن أن يوضع تحت عنوان هدايات التواصل الاجتماعي أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ليس كل تواصل اجتماعي مطلوباً في شريعة الله عز وجل بل هناك من ألوان التواصل الاجتماعي ما نفرت منه شريعة الله تبارك وتعالى، أروع تواصل يمكن أن يقيمه العبد هو التواصل الذي يحقق ما جاءت به شريعة الله تبارك وتعالى، التواصل الذي يحقق بين المتواصلين محبة الله عز وجل، الإخاء في الايمان الإخاء في الله جل جلاله، الذي يحقق التقوى في ربوع هذه الأرض هذا هو التواصل، لا التواصل الذي يبنى على الشر والعدوان والطغيان والإثم

تعالوا بنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حتى لا نبعد أما سمعنا حديثه عليه الصلاة والسلام إذا فعلت أمتي خمسة عشرة خصلة حل بها البلاء، أنت لو تدبرت هذه الخصال لوجدتها ألواناً من ألوان التواصل الاجتماعي ذلك أنه تواصل مع صديقه لكنه قطع عن التواصل مع أبيه، تواصل مع زوجته لكنه على حساب بره بأمه، تواصل مع الموبقات من شرب الخمور وإتخاذ القينات والمعازف تواصل مع الأشرار يقف قبالتهم ينحني لهم بجبهته خوفاً من شرهم، هذه ألوان من التواصل قد نهت عنها شريعة الله عز وجل وإن كان هذا النهي لم يأت بصورة مباشرة، لكنه جاء نهياً يكاد يكون ملموساً أما قال فانتظروا عند ذلك ريحاً حمراء أو خسفاً أو مسخاً أو كما قال عليه الصلاة والسلام، أيراد بالريح الحمراء تلك القذائف التي تلتهب في أجواف السماء ثم تسقط على الأرض فتحرق الأخضر واليابس يمكن أن يكون ذلك كذلك ولكن حيث رتب على هذه الخصال إذا فعلتها الأمة تلك العواقب الوخيمة دل هذا على أننا بحاجة ماسة إلى مراجعة الحساب بالتواصل ثم لماذا لم ننظر من تلك النافذة العريضة الصادقة المصدقة تلك النافذة التي نزلت آية قرآنية بل آيات قرآنية وما الآيات القرآنية التي تناولت المصائر وكشفت عن العواقب إلى نوافذ نطل منها على الآخرة التي نحن مقبلون عليها

أما سمعتم قول الله عز وجل "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ" إذا كان التواصل يراد منه اتخاذ الأخلاء، ترى أتحب أن تكون عدواً لمن تواصلت معه في أيامنا هذه خاصة عبر وسائل الاتصال الحديثة والقديمة معاً "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ" لولا أن الله عز وجل قال "يَوْمَئِذٍ" لوقفنا، لكنه لما قال "يَوْمَئِذٍ" إنما كشف لنا بهذه الكلمة القرآنية المباركة ما سيكون من أمر أولئك الذين قد تخاللوا في معصية الله عز وجل، تخاللوا في الصد عن سبيل الله تبارك وتعالى، تواثقوا فيما بينهم على أن يطفئوا نور الله عز وجل سواء أرادوا أن يطفئوه بأفكار ملحدة ضالة مضلة أو أرادوا أن يطفئوه بسلوك شيطاني ومن هنا "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ"، "إِلَّا الْمُتَّقِينَ"

إذا بنيت الصحبة في هذه الدنيا على التقوى فهناك الفوز والفلاح والسعادة الأبدية هذا النص يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يرسم لنا بعداً ينبغي أن يستحضر ونحن نقيم العلاقات بين الناس، قال لي أحدهم إني في مصيبة، لم؟ قال ولدي لا ينتهي عن التواصل الاجتماعي وقد أقام علاقات مع بلدان الأرض كلها، له أصدقاء، التقيته، سألته؟ فحمد الله على أن له من المعارف ما يربوعلى عشرة الآلاف! وماذا تعرف عنهم؟ لا يعرف عنهم شيئاً سوى ما يكتب له على الشاشة، ومن هنا نجد أنفسنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أتريد أن تكون لك كل هذه الذخيرة من الأخلاء أو الأصدقاء ثم تتعادون يوم القيامة ينبغي أن تتحرى في اتخاذ الصحبة ينبغي أن توثق الصلة بالمؤمنين الأتقياء، لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إذا تحابوا في الدنيا لأغراض دنيوية وأهداف قريبة آنية وإن كانت هذه الأهداف تعارض ما جاءت به شريعة الله عز وجل هؤلاء بشرهم بقول الله عز وجل "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴿٦٧﴾"

جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّـهُ مِنَ النَّارِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٢٤﴾ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴿٢٥﴾ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٢٦﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ

ثم أما سمعنا قول الله عز وجل "ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا" أولئك الذين يعلنون محبتهم رخيصة ويسفحونها في مراحيض الهوى والشهوات أولئك ما عرفوا لم أعطانا الله عز وجل تلك العاطفة الراقية عاطفة المحبة، "يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ" هؤلاء "يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ" إذ تواثقوا في الدنيا على الشر والعدوان وتعاونوا عليه وأيد بعضهم بعضا، والمواقف يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن خطيرة خطيرة يقف إلى جانب الظالم ويقف إلى جانب المعتدي ويقف إلى جانب المجرم ويقف إلى جانب الطاغي ويقف إلى جانب الظالم دونما سبب لهذا الوقوف سوى أنه ينتمي إليه بالاشتراك في المنافع الدنيوية

إذا فعلت أمتي خمسة عشرة خصلة حل بها البلاء، أن يكون المغنم دولاً والأمانة مغنما تقاسم في الثروات يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام على حساب أصحابها ومن هنا يقال لهؤلاء أما نظرتم عبر نافذة القرآن إلى الآخرة أتريدون أن تكونوا من أولئك الذين "يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا" غاية السخط تبدى في اللعن ههنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ثم أبى القرآن إلا أن يكشف لنا عن ذلك المصير الذي ينتظر أولئك الأتباع والمتبوعين على حد سواء، لماذا يا ترى؟ لأن الأتباع اتبعوا على عمى وضلالة ولأن المتبوعين إنما ساقوا أولئك الأتباع بحبائل الشهوات والأهواء، من هنا سمعنا الله عز وجل يقول "إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴿١٦٦﴾ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴿١٦٧﴾"

أما قلت يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بأن قضية التواصل الاجتماعي تحتاج إلى وقفة صادقة كل من يقف مع نفسه ليسألها أهي في تواصلها الاجتماعي تقيم ما جاءت به شريعة الله عز وجل من حد على التواصل ونفي لكل ما يسيء إليه، صلة الأرحام دعتنا إليها شريعة الله عز وجل، إتخاذ الأخوة في الله جل جلاله دعتنا إليها شريعة الله تبارك وتعالى، يوم القيامة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في الجانب المشرق يكون هناك أناس على منابر من نور المتحابون في الله عز وجل على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون والشهداء من مكانهم من الله عز وجل هناك وطن نفسك على أن تسمع النداء، أين المتحابون فيّ؟ أين المتباذلون فيّ؟ أين المتزاورون فيّ؟ أين المتجالسون فيّ؟ أين المتحابون فيّ؟ اليوم أظلهم بظلي يوم لا ظل إلا ظلي

هناك ألوان من التواصل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ينبغي أن تحدد الأهداف منها لو أننا دون أن نستعرض ما في كتاب الله عز وجل بما أمكننا وإنما نحط الرحال في سورة الكهف وهي سورة مباركة دعينا إلى أن نقرأها كل أسبوع يوم الجمعة لما فيها من ذخائر، تعالوا بنا إلى التواصل الذي أحدثه فتية الكهف، "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" لم يبالوا بطغيان قومهم وصناميتهم ووثانيتهم "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴿١٣﴾ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ" هذا هو التواصل الحقيقي، التواصل هو ارتباط القلوب بعلام الغيوب سبحانه، وترتبط القلوب بعلام الغيوب ثمرة من ثمرات المعرفة، "اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٧٩﴾"، "اللَّـهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا" أجل "اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ "، "اللَّـهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا"، الله سبحانه وتعالى هو "مَالِكَ الْمُلْكِ"، بيده "مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ "، هو "اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ "، "هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ "الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ "، هذه كلها عرضتها آيات القرآن الكريم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لم يا ترى؟ من أجل أن تفتح بها القلوب، على ماذا؟ على رياحين المعرفة، على عطور التلذذ، بذكر الله والأنس بالله تبارك وتعالى، ومن هنا إذا قلنا إنك إذا ما أقبلت على أقبل الله عز وجل عليك

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَدًا ﴿٣٥﴾ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا ﴿٣٦﴾ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴿٣٧﴾ لَّـٰكِنَّا هُوَ اللَّـهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ﴿٣٨﴾ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّـهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا

التواصل لو أردنا أن نوظف هذا المعنى فيما بيننا التواصل هو الذي يترتب عليه زيادة إيمان بالله عز وجل والتزام بشرع الله واستمرار على الاستقامة في سبيل الله تبارك وتعالى والوقوف في وجه الباطل ومناصرة المظلوم ومساعدة الضعيف وقضاء حوائج الناس، التواصل الذي عرفناه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في صورة النهي عن المنكر عرفناه في قصة صاحب الجنتين الذي "دَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَدًا ﴿٣٥﴾ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا ﴿٣٦﴾" صاحبه الآن تواصل معه لكن بأي صورة من صور التواصل قال "أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ" إذا ما أردت أن تتعرف إلى غير التقي فلك ذلك بشرط أن يكون الهدف من هذا التعرف أن تدعوه إلى الله جل جلاله، أما سمعت الله عز وجل يأمر حبيبنا عليه الصلاة والسلام في سورة الكهف بقول الله عز وجل "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ " هذا هو التواصل المطلوب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

إن حبيبنا صلى الله عليه وسلم قد أقام التواصل الاجتماعي على أروع صوره قبل النبوة فكيف به بعد النبوة عليه الصلاة والسلام، إن السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها لما رجع عليه الصلاة والسلام من غار حراء بعد ما التقى الحبيب جبريل عليه الصلاة والسلام وهو يرتجف فؤاده من شدة المفاجأة ووقعها عليه صلى الله عليه وسلم لأنه لأول مرة يلتقي جبريل عليه الصلاة والسلام، رجع إلى بيته بيت السيدة خديجة رضي الله عنها يقول زملوني زملوني فلما أن هدأت نفسه الشريفة عليه الصلاة والسلام قال يا خديجة لقد خشيت على نفسي قالت كلا والله، لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم تصدق الحديث تحمل الكل تعين على نوائب الحق تؤدي الأمانة هذه الصفات قررتها السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها

أما نحن بحاجة إليها؟ تحمل الكل تعين على نوائب الحق إذا نزل بالمسلمين نازلة وشدة وجب على كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها أن لا يقول ليس علي أن أقف إلى جانب هذا المسلم الذي نزلت به نازلة، هذا ما فهم الاسلام وهذا ما عرف الرسول عليه الصلاة والسلام، المسلم من أبرز صفاته أنه يقيم شرع الله وأعلى مهمة جاء بها شرع الله عز وجل بعد التوحيد ومعرفة الله تبارك وتعالى وتحقيق العبودية لله عز وجل أن يقر الحق والعدل فوق هذه الأرض وأن ينفي الظلم ما استطاع إلى ذلك سبيلا

رجل من زبيد جاء مكة المكرمة ثم إذا به يقف على أندية قريش يخاطب زعماءها يقول يا أهل مكة كيف تدخل عليكم المادة ويجلب إليكم الجلب ويحول التاجر في محلتكم وأنتم تظلمون في حرمكم يشكو، الزبيدي يشكو يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقد سجلت السيرة ذلك من أجل أن نتعرف إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام وواجب علينا أن نتعرف إلى سيرته لأنه هو الذي جعله الله عز وجل أسوة لنا، إما أن يكون الرسول أسوتنا وإما أن تكون المصالح الآنية الهزيلة الفانية العفنة إنما هي مقصدنا في معاملاتنا، إذا أقام الناس علاقاتهم وتواصلهم الاجتماعي على قضايا دنيوية تافهة فانية وإن كانت تتعارض مع شرع الله عز وجل معنى ذلك أن المجتمع إنما يتشكل من لبنات هشة وأي جدار يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يكون من الهشاشة بمكان إذا كانت مكوناته من لبنات هشة، ذلك أنا لا نقوى إلا بالله ولا نعز إلا بالله ولا نرتقي إلا بالله جل جلاله، الزبيدي يشكو ظلم قريش هم ظلموه وكأنما أشار لهم، أنهم إذا ظلوا في دأبهم الظالم فإنه لن يأتي إلى بلدهم بضاعة ذلك أنه ما يأتيهم تاجر إلا ويرهقونه ظلماً وعدوانا، لم؟ قال لأن هناك من طغاة قريش من تسلط على الجانب الاقتصادي في مكة المكرمة، كان مجرماً في هذا الأمر، تعالوا بنا إلى أن نتعرف إليه

الرسول عليه الصلاة والسلام لما جاء الزبيدي ووصل إلى مجلسه صلى الله عليه وسلم وكان معه ثلة من أصحابه الكرام وسمع ما سمع، قال للزبيدي ما قصتك؟ قال يا عبد الله جئت بأجمال لي- جمع جمل- ثلاثة جمال جاء بها إلى مكة ليبيعها وهي من أثمن جماله فيها من الامتلاء والنشاط والحيوية ما فيها، جاءها يبيعها من أجل أن يستفيد أو ينتفع من ثمنها وما الذي جرى؟ جاء أبو جهل التمساح الاقتصادي في مكة البعبع الذي كان يرهب أهل مكة، جاء أبو جهل عمرو بن هشام قال فسام مني الأجمال لو افترضنا لو أني قلت له بثلاثة الآف فقال ثلاث مئة، الثلاثة بثلاث مئة أعطاني فيها ثمناً بخساً هذا لا ضير منه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ما المانع؟ أن يطلب صاحب السلعة مبلغاً ثم يأتي المشتري ليخسف الأرض بهذا الثمن إلى هنا لا ضير، ولكن لما سام أبو جهل الجمال ما جرؤ واحد من أهل مكة ولا من تجارها ولا من طغاتها أن يسوم الجمال إرهاق اقتصادي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام كان يمارسه أبو جهل وهو فرعون هذه الأمة، قال أين الجمال؟ قال هناك في الساحة فقام عليه الصلاة والسلام مع الزبيدي ومعه أصحابه نظر إلى الجمال فرآها فارهة نشيطة، بكم؟ ساومه وأعطاه الثمن الذي يرضيه واشترى عليه الصلاة والسلام الجمال ثم عرضها للبيع فباع جملين بثمن الثلاثة، وبقي جمل واحد كان ربحاً له صلى الله عليه وسلم، ماذا فعل به؟ هذا رسولكم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ماذا فعل بالجمل الذي كان ربحاً؟  

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فقد قال لنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

فإن الرسول عليه الصلاة والسلام باع ذلك الجمل، فماذا فعل بثمنه؟ دفع ثمنه إلى أيتام بني عبد المطلب، كان يعين على نوائب الحق كان يحمل الكل عليه الصلاة والسلام كان يقف إلى جانب المظلوم، وهو صلى الله عليه وسلم قد دعي وهو شاب لما تأته الرسالة، لكنه كان مهيئا من الله جل جلاله ومصطفى لها، ومن هنا حُبي عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق والأمة اليوم إنما هي مدعوة من أكثر من أي يوم إلى أن تتعرف إلى رسولها عليه الصلاة والسلام من أجل أن تقف المواقف الربانية التي علمنا إياها صلى الله عليه وسلم، ما اكتفى عليه الصلاة والسلام بهذا، ذلك أن الطغيان الاقتصادي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أمره خطير لا فساد أشد من الفساد الذي يترتب على وجود مثل أبي جهل فرعون هذه الأمة في المجتمع أو أي مجتمع من المجتمعات، ماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟ يمم وجهه قبل أبي جهل وقف فقال يا عمرو بن هشام إياك أن تعود إلى مثل ما فعلته مع هذا الأعرابي وإلا سترى ما تكره، ما أروعك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم

أقول التواصل يكون من المُعلم للمعَلم ومن المُربي للمرَبى ومن رب العمل للعامل ومن العامل لزميله في العمل، التواصل الاجتماعي له قواعده إنما هو مبني على حب الله أساساً وعلى الأخوة في الله تبارك وتعالى، ومن هنا لما قال ربنا جل جلاله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ " دل على أن التعارف لا يراد منه نفس التعارف، ليس التعارف هدفاً في ذاته، أنا أعرف ألفاً ومن هؤلاء الألف؟ والله ما أعرف عنهم إلا القليل، وما هؤلاء الألف؟ إنهم لن يقفوا معك يوم القيامة بل ربما هلكوك كما هلكوا

ومن هنا وجدنا أنفسنا أمام الرسول عليه الصلاة والسلام يهدد أبا جهل أن يعود لمثلها وإلا رأى ما يكره، ماذا قال أبو جهل؟ لا أعود لمثلها يا محمد، لا أعود لمثلها يا محمد، كررها كما يكرر الطفل، ذلك أن الطغيان ربما بدى طاغوتاً أكبر، لكنه بنفخة من نفخات الحق إنما يرجع إلى أصله الخاوي قلوبهم هواء يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فإلى التواصل الاجتماعي المبني على محبة الله وعلى التعاون على البر والتقوى المبني على أن يحذب الغني على الفقير المبني على أن يبر الولد والديه المبني على أن يحترم التلميذ أساتذته مبني يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام على المعالم الربانية والأحكام الشرعية التي أكرمنا الله عز وجل بها

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين سلماً لأوليائك وحرباً على أعدائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك، اللهم ربنا هذا الجهد وعليك التكلان، وهذا الدعاء وعليك الإجابة

اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.