369 - الحنجرة الصادقة في مقعد صدق
خطبة الجمعة    369 - الحنجرة الصادقة في مقعد صدق
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله ثم الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت الحق وقولك الحق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم حق، اللهم لك اسلمنا وبك خاصمنا وإليك حاكمنا، بك آمنا فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله- جل جلاله- يقول:"يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !!

تيمناً أدعو الله- عز وجل- بتلك الدعوة التي قرأتها لصالح من الصالحين يقول في مناجاته: اللهم إني أسير قدرتك! فاجعلني طليق رحمتك! وأثني يا أمة محمد !- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بما جاء عن السلف الصالح أنهم قالوا: إن الصدق والكذب يتناحران في القلب ، حتى يخرج أحدهما الآخر، وقد قرر- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أن المؤمن يطبع على كثير من الأخلاق ، ولكنه لا يطبع على الكذب ، فلا يجتمع الكذب والإيمان في قلب أبداً، إذا ما هيمن الكذب- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذا ما هيمن الكذب على مجتمع من المجتمعات فصار تجارة رائجة ! يروج به كل ضلال ، وكل شر، وكل طغيان ، وكل فساد ! إذا ما كان ذلك كذلك حلت البدعة مكان السنة! والضلالة مكان الهداية!والخرافة مكان الحقيقة! والحق مكان الباطل ! والظلم مكان العدل! والجهل مكان العلم ! والخوف والهلع مكان الطمأنينة! فانقلبت الموازين ، وتضيع الحقوق ، وتلتاث الخطوات ، ويتناحر الناس ، ويصطدمون اصطدام الحديد بالحديد ! كل ذلك بسبب الكذب! أجل ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! الكذب خلق مرذول ! بل هو الرذيلة نفسها التي جاءت كل الرسالات من الله- جل جلاله- لتحاربها ! بل يمكن أن نذكر- هنا- قول الله تبارك وتعالى تيمناً بالحديث عن الصدق ، وآفاق الصدق ، وأبعاد الصدق ، وضرورة الصدق ، منازل الصديقين!!لأن الصدق مفتاح لكل الأبواب التي تعشق الأرواح أن تلجها !! نذكر- هنا- قول الله عز وجل "الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا " حديث الله- تبارك وتعالى- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! الذي يمثله ما أنزل الله- عز وجل- من آيات على الرسل- عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- حديثه الذي هو كتاب الله- تبارك وتعالى- أي: المنهج الكامل الذي قال فيه ربنا جل جلاله " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " أنزله الله- عز وجل- بعلمه ، وعلم الله- تبارك وتعالى- شامل كامل ، قد تعلق- أزلاً- بالواجبات والجائزات والمستحيلات تعلق انكشاف، ومن هنا ما أخبر الله- عز وجل- بخبر إلا كان حقاً وصدقاً! وما وعد وعداً إلا كان حقاً وصدقاً! وما رسم حكماً من أحكام الشريعة إلا كان حقاً وصدقا !.

 " الحنجرة " من الرقبة هي ذلك التجمع الذي يشكل منتصف الرقبة! ما قصة الحنجرة ؟ ما شأنها ؟ أليست هي التي يتجمع فيها الهواء عبر القصبة الهوائية ، فإذا به ينطلق عبر هذا الكلام، يتحرك اللسان بالهواء المندفع عبر الحنجرة ، فإذا به يهلل الله- جل جلاله- وإذا به يقرر الحق ويبطل الباطل ، وإذا به يهجم على الفساد بكل ألوانه ، حينما تنطلق  كلمة التوحيد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من الحنجرة ينطلق العطر كله ، ويشع النور كله ، النور الذي يهدم كل ظلام ، والعطر الذي يكتسح كل نتن من أنتان السلوكيات الجاهلية!! فما قصة الحنجرة ؟؟؟.

أعرابي جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فشهد شهادة الحق ،حيث قال:" أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله " والرسول- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هو الصادق المصدوق الذي إذا قال ،قال العلماء بعد دراسات مستفيضة ، واقتفاء كامل لكل ذرة من ذرات حياته، وكل خلجة من خلجات كلماته،قالوا : إذا قال- عليه الصلاة والسلام- وقفت الدنيا كلها ، بل الأكوان كلها ، لتقول: صدقت يا رسول الله! قال ربنا- جل جلاله- فيه "وما ينطق عن الهوى" وكان- عليه الصلاة والسلام- في آفاقه المرحة ، في بشره واستبشاره ، كان يمزح أحياناً ، لكنه ما كان يقول إلا حقا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وقد أنزل الله- عز وجل- قوله: "وأنذر عشيرتك الأقربين" فصعد الصفا ودعا أهل مكة ، فجاؤوا إليه، دعاهم حيث قال: يا صباحاه! قالوا: من هو؟ قالوا: إنه الصادق الأمين ، هذا لقبه الذي قد غلب على اسمه- عليه الصلاة والسلام- حتى أعداؤه الذين عادوه فيما بعد كانوا قد أطلقوا عليه أنه " الصادق الأمين " إنه الصادق الأمين يدعونا ، فلبوا النداء ، وجاؤوا، فقال- عليه الصلاة والسلام- : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تغير عليكم من سفح هذا الوادي ، أكنتم مصدقيّ ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبا !! هذه شهادة من جرب هذا الرسول الأمين.

التقى الأخنس بن شريق مع أبي جهل في درب من دروب مكة ، خلا الرجلان ، فقال الأخنس : يا أبا الحكم! ليس من قريش غيري وغيرك يسمعنا ، أسألك: أمحمد صادق أم كاذب؟ قال: ويحك محمد صادق! إن محمداً صادق ، وما كذب محمد قط ولكن،" لكن " هذه- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هدمت كثيراً من الحقائق فوق هذه الأرض ! لكن هذه التي أسكرت الكثيرين في القرن الحادي العشرين عن الحق !!ولوت عنقه !" ولكن " ماذا يا أبا جهل! ولكن قصياً حينما قالت لنا السقاية ، ولنا الحجابة، ولنا اللواء ، ولنا النبوة ، فماذا يكون للناس بعد ذلك ؟؟.

إذن هي الزعامة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من شرب بكأس خمرتها سكر، ومن سكر حطم الدنيا كلها " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " أبو جهل إن أقر بصدقه- عليه الصلاة والسلام- أيمكنه يا ترى ألا يقر ما عرفناه- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من أن قريشاً حينما طعنت بالرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بل برسالته، ما عرفنا أنهم قد رموه بالكذب ، بل إن أبا سفيان لما وقف أمام هرقل ، وسأله هرقل أسئلة منها: أجربتم عليه كذباً؟ أي قبل أن يقول ما يقول!! قال: لا ما جربنا عليه كذباً !وجمع هرقل كل الأسئلة، ثم أعادها على مسمع أبي سفيان بعدما سمع منه جواب كل منها ، قال: لقد سألتك: أجربتم عليه الكذب قبل أن يقول ما يقول ؟ فقلت: لا، فقلتك ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله !!!.

محمد الصادق الأمين!!- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- حذر من الكذب إذا ما تفشى في المجتمع ،وكشف عن آثاره الرهيبة ، وبين أنه سيأتي زمان على الناس" يصدق فيه الكاذب ، ويكذب فيه الصادق ، ويتهم فيه الأمين ، ويؤتمن فيه الخائن " وهناك فقرة عجيبة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لمن تتبع الأحاديث ، الفقرة التي فيها تحذيرات من ذي القلب الرحيم الشفوق ، الذي بلغ الرسالة كاملة ، وأدى الأمانة كما حمله الله- عز وجل- إياها ، ورحل إلى الرفيق الأعلى قرير العين ، بعدما امتلأت عينه من الصحابة ، وهم كما وصفهم الله- تعالى- حيث كانوا " ركعاً سجداً يبتغون من الله فضلاً ورضوانا " في صلاة الفجر، يؤمهم الصديق الذي بلغ الغاية من الصدق- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- يقول في تلك الفقرة- عليه الصلاة والسلام- يخبر عما سيكون ، وحيث أخبر عما سيكون لا تظنن أنه ينبغي أن نستوعب الخبر دونما أن يكون لنا منه  الموقف الشرعي ، حينما يحذر- عليه الصلاة والسلام- من تصديق الكاذب ، كأنما يقول لكل فرد من أفراد الأمة: حذار من أن تكونوا ممن يصدقون الكذابين، الإعلام إذا ما كذب ، ما قيمته؟ والشاهد الذي يقف أمام منصة القاضي ليشهد، إذا كان كاذباً ، ما قيمة شهادته؟ التاجر إذا ما كذب ، ما قيمة سلعته ؟ يقول- عليه الصلاة والسلام- :" ويقوم الخطباء بالكذب ويقوم الخطباء بالكذب فيعطون حقي لشرار أمتي ! يقوم الخطباء بالكذب فيعطون حقي لشرار أمتي ! فمن صدقهم في ذلك ورضي منهم ، لم يرح رائحة الجنة " أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! أغنمه الله- تبارك وتعالى- غنائم بعدما أعلن هذا الإعرابي إسلامه ، وكان- عليه الصلاة والسلام- قد ضمه إلى مجموعة من الصحابة يتعهدونه بالتعليم والتوجيه والتثقيف ، لكنه وكما يبدو، ومن حنجرته بالذات ، كان فقيهاً فقهاً فطرياً ! بل لعله قد حقق ما وجه إليه العلماء حيث قالوا: أتريد أن تكون من أهل الجنة ؟ عليك أن تتصف بصفات أهل الجنة ، أما سمعت قول الله- عز وجل- "قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد * الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار* الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار" أتريد أن تكون من أهل الجنة عليك أن تتعرف إلى كلمات قرآنية هي محاور في بناء الشخصية الإسلامية.

جاء في كتاب الله- عز وجل- إضافة الصدق للقدم " قدم صدق " وإضافة المقعد للصدق " مقعد صدق " وإضافة المدخل والمخرج أو المُدخل والمُخرج للصدق وجاء إضافة اللسان للصدق قال ربنا- جل جلاله- "...وجعلنا لهم لسان صدق عليا" وقال يخبرنا عما كان من أمر الخليل إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- "...واجعل لي لسان صدق في الآخرين" وقال ربنا- جل جلاله- : "إن المتقين في جنات ونهر* في مقعد صدق عند مليك مقتدر" وقال ربنا- جل جلاله- : "...وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم" وقال ربنا- جل جلاله- للحبيب- عليه الصلاة والسلام- وهو يغادر مكة مهاجراً إلى المدينة المنورة "...وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق".

أما المدخل والمخرج- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فيشمل حياتنا كلها ، كل حركة تتحركها ، كل أمر تدخل فيه ، وكل أمر تخرج منه، إما أن يكون مدخل صدق أو مدخل كذب!! لما خرج جيش المشركين من مكة إلى بدر كان مخرجهم مخرج كذب ، وهذا شأن كل من يخرج ليقاتل دين الله- عز وجل- وليصد عن سبيل الله- تبارك وتعالى- إذا ما خرج للظلم والاضطهاد والعدوان والقتل وسفك الدماء هذا مخرج كذب ، ولكن الرسول- عليه الصلاة والسلام- لما توجه بمن معه إلى بدر، كان مخرجه إلى بدرمخرج صدق!! ذلك أنه كان بالله ولله! فإذا ما كان مدخلك بالله ولله، وإذا كان مخرجك لله وبالله، فأنت في رعاية الله- تبارك وتعالى- كان أحد الصالحين يقول حينما يخرج من بيته: اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجاً لا أكون فيه ضامناً عليك ، ذلك أن من كان بالله ولله كان الله- عز وجل- ضامناً له.

أما قدم الصدق ففي قوله- تعالى- : "...وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم" فيشمل أمرين اثنين الأول: على ماذا تقدم أنت بعد الموت، أنا ما أفكر في هذا!!! لا هنيئاً له، ذلك أنه قد ألقى بيديه إلى التهلكة!! لماذا لم تستحضر ما جاء به الرسل- عليهم الصلاة والسلام- وقد جاؤوا جميعاً كما قد تواترت أخبارهم " أن لنا لقاءاً بين يدي الله- تبارك وتعالى- هذا اللقاء إذا ما غاب عن ساحة الشعور- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- حدث ولا حرج عن الجرائم والطغيان وسفك الدماء وانتهاب الحقوق ودوسها بالأقدام من أولئك الذين لم يستحضروا أنهم سيعرضون بين يدي الله- تبارك وتعالى- .

إذا ظن أنه يفعل ما يفعل ، وهو في غفلة عن الله، أن هذا لا يسجل ،ولا يحاسب عليه ! فلنسمعه قول الله- عز وجل- وإن كان لا يؤمن به: "وإذا الصحف نشرت" أجل "وإذا الصحف نشرت" لما سمعها الفاروق اهتز قلبه، ومرض ، ذلك أني استحضرت عند قول الله- عز وجل- "وإذا الصحف نشرت" أقوالي وأفعالي وأحوالي وكذبي وخطئي وهرجي ومرجي ولغوي ، وكل شأن من شؤوني ، ذلك أن الله- عز وجل- قد قال: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " وقال- جل جلاله- : "كلا بل تكذبون بالدين * وإنا عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون".

إذا ما حضر في قلبك ، واستحضرت أنك تقدم على جنة عرضها السموات والأرض ، وصدقت في التوجه إلى طلب رضوان الله- تبارك وتعالى- جاءك قول الله- عز وجل- : "...وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق" ما تقدمون عليه ، ما استحضرتموه حينما تقدمون على ما تقدمون في أقوالكم وأفعالكم وأحوالكم ، فإن الله- عز وجل- يبشركم بذلك ، أو تقول: ما ستقدم عليه إنما هو الجنة ، ولكن بم تقدم على الجنة ؟ قال: بالأعمال الصالحة ، قدم صدق: أي الأعمال الصالحة تقدمون بها على الله- جل جلاله- وقد ضمن الله- عز وجل- لمن أتاه مؤمناً قد عمل الصالحات ضمن له الجنات "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا".

أما إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- فقد قال : "...واجعل لي لسان صدق" أي: لساناً يثنى به علي بالصدق، ذلك أن الثناء ينقسم قسمين: هناك ثناء يتوجه به الذين يتوجهون به إلى الجبان ، فيقولون له : ما أشجعك!! وإلى البخيل يقولون: ما أكرمك!! وإلى الخائن يقولون: ما أشد أمانتك!! هذا كلام باطل فاه به لسان كاذب! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو وبال على المثني والمثنى عليه، لا يريد إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- أن تتحرك الألسنة بالثناء عليه كذبا ، ولا أحد من الصالحين يريد ذلك ، وإنما يريد ذلك البطالون ، الذين لا يجدون من أعمالهم وأقوالهم وأحوالهم ما به يحرضون الألسن على الثناء عليهم ، لذلك سأل الله- عز وجل- أن يثنى عليه " بلسان صادق " وكان مع هذا قد لبى الله- تبارك وتعالى- ما أمره الله- عز وجل- به ، فكان صادقاً مع الله !!.

يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! يبقى لمن له مقعد الصدق؟ قد جاء الجواب في قوله- تعالى-  والمعنى واضح "...إن المتقين في جنات ونهر* في مقعد صدق" ولكن أين ؟ "عند مليك مقتدر" فما أسماها من عندية !! أنت فيها في حماية الله ،  إذ إن هذه العبارة القرآنية تدل على الثبوت ، والثبات والديمومة ، والنفع الدائم الكامل!! فهناك في جنة الله- عز وجل- دوام ، لا انقطاع فيه ، ونفع لا مضرة منه على الإطلاق ، ذلك أنك "عند مليك مقتدر" !! اللهم لا تحرمنا من فضلك !!.ونعود بعد بعد إلى الحنجرة !

فما قصة الحنجرة؟؟ لما جاءت الغنائم قسمها- عليه الصلاة والسلام- وكان لهذا الأعرابي نصيب منها ، فدفع نصيبه إلى أصحابه الذين أوكل إليهم أن يراعوه ن أو يرعوه ، أخذوا نصيبه ، وكان حيث لا قتال يرعى ماشية القوم ، ولما جاء عند المساء دفعوا إليه القسمة! قال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:ما على هذا اتبعته! أخذ ما أعطي وتوجه مباشرة لحضرة المصطفى- عليه الصلاة والسلام- يا رسول الله! نعم، ما هذا؟ قال: هذا قسم قسمته لك، قال ما على هذا اتبعتك، على ماذا اتبعتني إذن؟ اتبعتك على أن أرمى ههنا وأشار إلى حنجرته، فأقتل ، فأدخل الجنة، قالها عند المساء ، وعند الصباح كان من الشهداء! أين جاءت الإصابة؟؟ جاءت في حنجرته!!! فقال- عليه الصلاة والسلام- أهو هو؟؟ قالوا: نعم ، قال: صدق الله فصدقه الله ، ثم قام- عليه الصلاة والسلام- فدعا له ، وكان من جملة ما قال: اللهم! هذا عبدك ، جاءك مهاجراً في سبيلك ، وقتل شهيداً ، وإني أشهد أنه شهيد!! أو كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- .

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين! .

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فقد قال لنا "يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون".

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !!

رجل صدق الله! وأنت يمكنك أن تصدق الله! صدق التوجه إلى الله- عز وجل- يقول العلماء إنما هو المفتاح ، هو القدم الأولى ، هو الخطوة الأولى على الطريق إلى الله- جل جلاله- أرأيت من صدق التوجه إلى الله؟ ما كان منه ذلك إلا بعد أن تعرف إلى الله- جل جلاله- وتعرف إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- وأيقن بكل ما جاء به رسولنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- إذا ما صدق بالتوجه تولد بل ولد!! أرأيت إلى جسده ؟؟ حينما ولد، فخرج من رحم أمه! ألم يكن الرحم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- حجاباً حاجزاً له عن شهود هذه الدنيا التي من حوله!! كذلك حينما يصدق التوجه إلى الله تتولد قبسة في باطنه، وتنبع همة عالية رفيعة، هذه الهمة كفيلة بأن تمزق كل الحجب، حجب النفس والشهوات والآفات والهوى ، فإذا به يولد من جديد، كما ولد جسده من رحم أمه ، فإذا بالرحم يزول من حيث كونه حجاباً ! كذلك تتساقط حجب الهوى والشهوات الحرام ، فإذا به يرى الآخرة أقرب إليه من أن يرحل إليها !! هذا ما كان من شأن ذلك الأعرابي.

كذلك السهم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- السهم انطلق من يد آثمة! عليها إثمها ، وستعاقب وتحاسب ، ولو افترضنا أن وسائل الإعلام الأرضية لم تلتقطها وقتها ، هو ظن كذلك !! ظن أنه لم يره أحد حينما صوب السهم إلى تلك الحنجرة !!خاب ظنه ، وأرداه !! ولكن في المقابل إذا ما رأينا السهم من حيث أثره ، فإنه نهض بهذا الأعرابي إلى الجنة ! يكفيه شهادة المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- له بذلك ، فنحن بحاجة ماسة إلى أن نراجع حساباتنا في الصدق ، والمواقف من الصدق والصادقين ، والكذب والكاذبين ، حتى يجب علينا أو ينبغي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لمن تيقظت مكامن قلبه أمام الحقائق ، ينبغي أن يعلم بأن لسانه عليه من الله رقيب ، وأن يده عليها رقيب !! وأن رجله عليها رقيب !! والصدق إنما يدخل في الأقوال والأفعال والأحوال.

ومن هنا قالت امرأة للرسول- عليه الصلاة والسلام- يا رسول الله! المرأة منا تشتهي الشيء ثم تقول لا اشتهيه، حينما تدعى إلى طعام ، ربما تمنعت في البداية ، تظهر أنك ممتلئ ، مع أن نفسك قد هفت وهفت بل ذابت في الصحن الموضوع أمامك ، فإذا قلت: أنا ما أشتهيه !! مع أن النفس تشتهي، المرأة منا تقول للشيء: لا أشتهيه، وهي تشتهيه!! أفيعتبر هذا من الكذب؟؟ قال- عليه الصلاة والسلام- : " إن الله- عز وجل- يكتب الكذبة كذبة ، والكذيبة كذيبة " فالمراقبة هنا أجدر بأولئك السعداء الذين تيقظت قلوبهم ، فإذا بها تلامس الحقائق ، وتتهاوى أمامها كل الحجب المزيفة التي يراد من أعداء الله- عز وجل- أن تنزل على البصائر والأبصار!!

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله- تبارك وتعالى- قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " .

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين ، لا ضالين ولا مضلين، اجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك ، لا تردنا اللهم عنك إلا إليك ، اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ، واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ، ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم ، آمين ، والحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأقم الصلاة.

   ==============

الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا – سورة النساء

 

‏وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ الإسلام الأنعام

وأنذر عشيرتك الأقربين  - الشعراء

  1. قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
  2. الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
  3. الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ - آل عمران آية 15

وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) (مريم:50)

واجعل لي لسان صدق في الآخرين } .الشعراء

إن المتقين في جنات ونهر ( 54 ) في مقعد صدق عند مليك مقتدر ( 55 ) ) القمر

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ. إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ ... يونس

وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِير - الاسراء