371 - في آفاق التوبة حيث للعباد حقوق
خطبة الجمعة    371 - في آفاق التوبة حيث للعباد حقوق
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤﴾ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿٩٥﴾"

ويقول جل جلاله:"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴿٤٧﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإن الحسنة ضياء في الوجه ونور في القلب وبسطة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وإن السيئة سواد في الوجه وظلمة في القلب وضيق في الرزق وبغض في قلوب الخلق، هذا ما قرره ابن عباس ترجمان القرآن بين الحسنة وأبعادها فيمن عمل بها وبين تأثيرها في الآخرين فحيث يبسط أو تبسط المحبة في قلوب الخلق محبة ذلك الذي يعمل الصالحات الذي استقام على منهج الله تبارك وتعالى الذي رأى الحق حقاً فاتبعه ورأى الباطل باطلاً فاجتنبه، محبة في قلوب الخلق إذا ما تحولت إلى بغض دل ذلك على أن ثمة تغيراً لا بد لمن وقف عليه من أن يحاسب نفسه فيه ولعل المشهد يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قبل أن نبين ما الذي نريده في هذه الوقفة القصيرة الطويلة، الطويلة على بعض النفوس والقصيرة في كونها لا تستوعب ما ينبغي أن يقال، وما يقال إنما هو كثير كثير أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

سئل أحدهم بم تعمر عمرك؟ وهذا السؤال كأنما وجه لكل منا، بما تعمر أوقاتك؟ بم تعمر أنفاسك؟ فقال أعمر أوقاتي بأربعة أشياء، هاتها الأول من هذه الأشياء أني على يقين من أني في نظر الحق سبحانه وتعالى لا أغيب عن نظر الحق طرفة عين فأستحي أن أعصيه، والثاني علمت أن رزقي لا يجاوزني وقد ضمنه الله عز وجل لي فرضيت به وقنعت به، وعلمت أن علي ديناً لا يوفيه عني غيري فأنا مشتغل به، وعلمت أن الأجل يبادرني فأنا أبادره مراقبة الله عز وجل وما تورثه من استقامة على الصراط والرزق الذي يلهث وراءه الكثيرون وربما عاشوا في قلق ومضاضة بل ربما التهموا الحلال والحرام تورماً ظناً منهم أنه إنما هو الرزق المطلوب وغفلوا عن أن الرزق يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم هو ما يساق لك من الله جل جلاله فهو لك ما كان من حلال وهو عليك إذا كان من حرام

أما الدين الذي في عنقنا فهي الأمانات العبادات كلها بل الحواس التي أكرمنا الله عز وجل بها، كلها من الديون التي ترتبت في ذمتنا فإن وفينا هذه الديون وأقمنا حقها فيها وأقمناها وفق ما جاء به منهج الله عز وجل دل ذلك على أننا من السعداء والأخر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من منا يجهل أن الأجل إنما هو من الغيب ولا ندري متى تنتهي الآجال ربما تنتهي بعد ساعة بعد يوم بعد أسبوع بعد عشر سنوات ربما بقي الكبير في قيد هذه الحياة ورحل الصغير عن ميدان هذه الحياة ولما كان الأجل بهذه المثابة لا بد لنا من أن نكون دائمي الاستعداد على أهبة الرحيل حيث إذا ما نادانا المنادي قلنا لبيك اللهم لبيك

ثم إذا بنا ننتقل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ونحن في رحلة عبر النصوص والوقائع وما أحوجنا إلى النصوص يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام التي ترسم لنا خطواتنا في دروب الحياة وما أجدرنا أن نستحضر المواقف العطرة التي عطرها كفيل بأن يزيح عن أنوفنا كثيراً من النتن المعاف .

رجل كان شأنه في الحياة الاسلامية أنه كان قاطع طريق وما أكثر قطاع الطريق في عصرنا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولكن الفرق بينه وبين قطاعنا اليوم أن هذا القاطع للطريق إنما لمعت في قلبه لمعة فإذا به يرحل كما يجب على كل مسلم أن يرحل، يرحل من المعصية إلى الطاعة ومن الغفلة إلى اليقظة ومن الحرام إلى الحلال ومن الظلم إلى العدل ومن المداهنة إلى المناصحة ومن مواقف الضعف والوهن والخور إلى مواقف القوة والوقوف في وجه الطغاة أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

هذا الرجل كان قاطع طريق وكان سيطه يمتد عبر البلدان بينما هو في الليل ذات ليلة إذا بقافلة تربص بها فإذا بقائد القافلة، وكل قائد قافلة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! إنما هو مطالب بالحفاظ على قافلته يحافظ عليها أرواحاً ويحافظ عليها أموالاً ويحافظ عليها أعراضاً ولا يفهم على الإطلاق أن يكون القائد، قائد القافلة وههنا هو الذي يهتك الأعراض  وهو الذي يعرض النفوس للهلاك وهو الذي ينتهب الأموال أموال القافلة، زعيم القافلة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يقول لمن معه إنا نخشى أن يعترضنا قاطع الطريق فلان فما علينا إلا أن نميل إلى هذه القرية القريبة لعلنا نأمن من شره وقع الكلام في قلبه وقوع الصاعقة لم يكن كلاماً بل كان حروفاً من نور، لم يكن كلمات ولكنه كان متفجرات من نور إنما تفجرت في باطنه فإذا بهذا الباطن يرحل من قطع الطريق إلى أن صار دالاً على الله جل جلاله

ظهر للقافلة وقال أنا فلان مروا جوزوا والله لأجتهدن على أن لا أعصي الله أبدا، ثم بدأ بالخير توجه ليأمن للقافلة علف دوابها ويشاء الله جل جلاله أن ينقل هذا العبد الذي كان قاطع طريق إلى عبد موصول بالله جل جلاله ودال على الله جل جلاله إذ به يسمع من كان يقوم من الليل من السحر وإذا به يقع في سمعه قول الله عز وجل "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ" قال إلهي آن والله قد آن هو الفضيل بن عياض رضي الله تبارك وتعالى عنه لا يخلو كتاب يترجم للصالحين يخلو من ذكر سيرته، أيمكن للانسان أن تنتقل من الشر إلى الخير أي والله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

ونحن في وقفتنا هذه حديثنا سيكون في وجوب الانتقال من الشر إلى الخير من الكذب إلى الصدق من النفاق إلى الإخلاص من الرياء إلى تمحيض طلب وجه الله جل جلاله، وقفتنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نستمع فيها إلى مواقف من المواقف وإلى نصوص من النصوص "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا"، "وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" والتوبة كما نعلم واجبة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام على الفور وهي مراتب رب تائب من شرب الخمر ورب تائب من شرب الدخان ورب تائب من كذب ودجل ورب تائب من نفاق ومدهنات ورب تائب من غفلات عن الله تبارك وتعالى ورب تائب من أكل الربا ورب تائب من الزنى هناك توبات يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، والذنوب كلها ذنوب تعني الإنحراف عن الصراط المستقيم تعني التوجه للإعوجاج بعد أن ثبت الله عز وجل قدميك على الصراط الذي هو منهج الله جل جلاله

أشد ما يجب أن نتوب منه أن نبرأ ذممنا من حقوق العباد لو أنه اعتدى على العباد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام فسفك دماءهم وانتهب أموالهم وكتم أنفاسهم ثم جلس وأطرق واستغفر الله جل جلاله نقول إذا كان هذا الاستغفار من اللسان فهو توبة الكاذبين والذي يستغفر الله عز وجل بلسانه من ذنب وهو مقيم على الذنب كالمستهتزئ بربه، الاستغفار المقبول يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إنما يعني التوبة الخالصة لله جل جلاله ومن شروط التوبة ههنا أن يبرئ ذمته من حقوق العباد، ذلك أنه إذا ما رجع إلى الله تبارك وتعالى وتاب عليه ألا يبقي في ذمته حق لأي عبد من عباد الله وههنا نقول إن المطالبة مطالبة العباد بحقوقهم لا يمكن أن تصور أو تصور هذه المطالبة على أنها لون من ألوان الثأر الجاهلي الذي جاء دين الله عز وجل ليمسخه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام هذا فهم أعمى أو فهم أعور من ظن أني إذا ما طلبت بحقي يعني هذا أني أعود للجاهلية لأثأر لحقي حيث أطالب به إذا ما قيل ذلك قلنا ماذا تقول حينما فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدموع، أجل فاضت عينا الحبيب عليه الصلاة والسلام بالدموع، أتدرون لماذا؟ لأنه كشف لنا عن موقف أو مشهد من مشاهد الآخرة هذا المشهد يقول فيه عليه الصلاة والسلام وهو لا ينطق عن الهوى هو الذي بلغنا عن الله جل جلاله هو الذي عرفنا بالله جل جلاله هو الذي دلنا على مظاهر عظمة الله جل جلاله هو الذي بين لنا الوظيفة التي من أجلها خلقنا الله تبارك وتعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾" وعبادة الله تبارك وتعالى تعني بأبسط معانيها أن تجعل منهج الله عز وجل هو الذي يهيمن على ظاهرك وباطنك فلا هوى ولا شهوة ولا جاه ولا سلطان ولا مال كلها إنما ينبغي أن تنطوي إنطواءاً كاملاً في منهج الله عز وجل ترضى حيث يرضى الله وتغضب حيث يغضب الله جل جلاله تكون حيثما شرع الله تبارك وتعالى لا ترى في مواطن المعاصي وترى معمراً تلك المواطن التي بها ذكر الله جل جلاله بكل ألوان ذكر الله جل جلاله

رجلان من أمتي يقول عليه الصلاة والسلام جثيا بين يدي رب العزة هذا الجثو يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إذا ما حددنا معالمه كما جاء بها حديثه عليه الصلاة والسلام لنا أن ننظر إلى أنه رجل ورجل فكيف إذا كان الخصوم كثراً لا يعدون ولا يحصون إذا جاء الانسان يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة، إذا جاء الانسان بصيام بصلاة وصيام وصدقة ثم جاء يوم القيامة وقد ضرب هذا وشتم هذا وقذف هذا وسفك دم هذا، فهذا يأخذ من حسناته وهذا يأخذ من حسناته إلى أن تفنى حسناته ويبقى عليه من حقوق الذين ظلمهم في هذه الدنيا، ما الحل يا ترى؟ الحل حددته شريعة الله عز وجل يأخذ من سيئات هؤلاء المظلومين فتلقى على ذلك الظالم ثم يلقى بذنوبه وما عمل من ذنوب في نار جهنم والعياذ بالله عز وجل "وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ " هؤلاء الذين ضلوا وأضلوا هؤلاء الذين كذبوا وحاولوا أن يجعلون الناس كذابين مثلهم

رجلان من أمته عليه الصلاة والسلام جثيا بين يدي رب العزة قال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، له معه حق هضمه أكله إعتدى عليه خذ لي مظلمتي، أهناك محكمة لرد المظالم أي والله "لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ " هذا الذي قرره كتاب الله تبارك وتعالى وجاء في الأزل الإلهي وعزتي وجلالي لا يغادرهم اليوم ظلم ظالم ولو بلطمة كف، فكيف إذا كان بقدم فاحشة متفحشة، لا يغادر اليوم ظلم ظالم ولو بلطمة كف وليسألن العود لمن زكب العود أو لمن خرش العود وليسألن الحجر لمن زكب الحجر وليقتصن من القرناء للجماء أو كما جاء في الحديث القدسي

أمة محمد عليه الصلاة والسلام!

ياربي وإلهي خذ لي حقي من أخي فيقول له الله جل جلاله كيف تفعل وقد فنيت حسناته لم يبقى له حسنات لك معه حق وهناك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إن كان بالإمكان في هذه الدنيا أن توظف الأموال رشاوى وإن كان بالإمكان أن تشترى الضمائر بالأموال فهناك لا أموال على الإطلاق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وإنما الحسنات والسيئات ونحن حينما نعرض هذا نعرضه على أن نراجع كل منا شأنه

ولعل أناساً يظنون بأنه لا ذنب إلا ما يمثله الزنا أو الربا هناك ذنوب صغائر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، والمصر على الصغائر تنقلب إلى كبائر لا إصرار حينما يستنكف العبد عن أن يلح على الذنب وراء الذنب، حيثما يصر على أي ذنب من الذنوب ينقلب هذا الذنب في حقه كبيرة، والتوبة إنما نحن طلبنا بها على أن تكون شاملة للكبائر والصغائر على حد سواء وإن كان هناك فرق في شروط التوبة بالنسبة للكبائر

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أحد الصحابة يقول يا رسول الله إن لساني ذرب، وعامته في أهلي كأنما يضبط لسانهم مع الآخرين أما إذا كان في بيته فحدث ولا حرج، لساني ذرب غير منضبط وخاصة مع أهلي، دله عليه الصلاة والسلام على الدواء لهذا الداء، داء ذرب اللسان قال له أين أنت من الاستغفار؟ فأني أستغفر الله في اليوم والليلة مئة مرة أو كما قال عليه الصلاة والسلام، الاستغفار يهدم الذنب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لكنه استغفار الصادقين لا استغفار الكاذبين، الاستغفار الذي يستحضر المستغفر فيه معنى الذنب الذي ألم به ويستحضر تعظيم الله جل جلاله ويكون الندم قد أكل كبده أكلا ويعزم على ألا يعود، هذا ذرب اللسان فكيف بمن كان ذرب اليد أمة محمد عليه الصلاة والسلام

كيف تفعل وقد فنيت حسناته قال يا رب خذ من سيئاتي فاحملها عليه، بكى عليه الصلاة والسلام قال إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل من ذنوبهم عنهم أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

ما دمنا بهذا الصدد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام فلنا صورة من الصور المشرقة لتوبة تائب من الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم ولها أبعادها بل أبعد من أبعادها، هذا الصحابي أحياناً يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة المنورة إذا ما غادرها هذا الصحابي كان مع علي رضي الله تبارك وتعالى عنه زميلي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وكانوا يتعاقبون بعيراً يركب كل منهم فترة من الزمان فتشاور علي مع هذا الصحابي لماذا لا نجعل حصتنا للرسول عليه الصلاة والسلام فيركب ونمشي، قالوا يا رسول الله إنا نود لو أنك ركبت طول الوقت ونمشي عنك، بما أجاب الحبيب عليه الصلاة والسلام، بما أجاب من لا ينطق عن الهوى بما أجاب المعصوم بما أجاب السعيد بما أجاب الموفق بما أجاب من ربى أمة تربية ربانية هو مثال يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لكل المسلمين صغاراً وكباراً ولا أقصد بالصغار ههنا من لم يبلغ وإنما أقصد في الصغار من ليس في القمة كما يتوهم كثيرون أنهم في القمة، قال عليه الصلاة والسلام ما أنتما بأقوى مني هذي واحدة، والثانية ولا أنا أغنى عن الأجر منكما، أنا لا أستغني عن الأجر هذا حبيبنا عليه الصلاة والسلام ألا ترون أنوار النبوة من كلامه هو الذي عرف الله جل جلاله أعظم معرفة وأبلغ معرفة وأكمل معرفة فيما يطيق البشر وسلوكه إنما جاء ثمرة لهذه المعرفة فكان عليه الصلاة والسلام قمة في السلوك ودليلنا أن الله تبارك وتعالى قد نصبه لكل من آمن بالله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً أسوة حسنة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) ما أنتما بأقوى مني وما أنا أغنى عن الأجر منكما ومضى الركب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

من هو هذا؟ أبو لبابة بن المنذر رضي الله تبارك وتعالى عنه، ما قصته؟ باختصار شديد ونحن بحاجة إلى تفاصيل هذا الموقف ولكني ألمح إلى هذه النقاط تلميحاً، لما حاصر عليه الصلاة والسلام بني قريظة، أتدرون لماذا؟ لأنهم خانوا الخيانة العظمى لأنهم غدروا بالأمة لأنهم نقضوا العهد مع الرسول عليه الصلاة والسلام عاهدهم فوفى وعاهدوه فنقضوا، وقفوا إلى جانب الأحزاب حينما ألبهم يهود بني النظير فجاؤوا بعشرة الآف مقاتل أحدقوا بالمدينة يريدون أن يطفؤوا نور الله تبارك وتعالى فيها وهيهات لا يمكن لكل أهل الأرض أن يحذفوا الاسلام من فوق هذه الأرض ولا أن يطفؤوا نور كتاب الله ونور سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، الذي ينطفئ نوره هو ذلك المكلف الذي زاغت بصيرته وإذا به ينحرف عن الصراط لمعنى من المعاني، لجهل من الجهالة

أما الاسلام فلا يمكن يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولكنه الابتلاء ولكنه الاختبار، وأرسلت الأحزاب مندوبها وكان يهودياً أيضاً إلى بني قريظة حرضهم على نقض العهد تأبوا بداية ثم أخذ لهم العهود والمواثيق من الأحزاب على أن يقفوا إلى جانبهم لو إنكفؤوا إلى ديارهم خاسئين مهزومين فإذا بهم ينقضون العهد، وبلغ ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام وهزم الله الأحزاب ودخل عليه الصلاة والسلام بيته وإذا بالباب يقرع وإذا بجبريل لم يزل يحمل السلاح يا محمد عليه الصلاة والسلام إن الله يأمرك أن تتوجه إلى بني قريظة ونادى مناديه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ألا من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وحاصرها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أياماً وليالي إلى أن ضاق الأمر عليهم وأبى عليه الصلاة والسلام ما عرضوه، عرضوا أن يفسح لهم المجال كما أفسح المجال لبني النظير من قبلهم ليخرجوا من المدينة المنورة ويتوجهوا إلى بقاع أخرى، الظن أنهم أرادوا ذلك ليفسدوا هناك حيث إنه قد أعمل شرع الله عز وجل سيفه في أظافرهم بل في أيديهم الناقضة للعهد مع الله ورسوله، ثم إذا بهم يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام بعدما أبى ذلك عليهم، أبى عليهم إلا أن ينزلوا على حكم الله وحكم رسوله قالوا يا محمد صلى الله عليه وسلم أرسل لنا أبو لبابة بن المنذر، وكانت لأبي لبابة صلة باليهود قبل أن يدخل في الاسلام، كانت هناك أموال وكان عيال وكان اختلاط، وهم رجوا أن ينصحهم أبو لبابة أرسل عليه الصلاة والسلام أبا لبابة دخل حصنهم هيأوا مظاهرة منكرة مزيفة منافقة دجالة جاؤوا بالنساء وبالأولاد وأوصوهم إذا ما دخل أبو لبابة أن يفغروا في وجهه بكاءاً ونحيباً وعويلاً الآن ضعفاء أنتم، الآن أنتم أظهرتم ضعفكم لكنكم غفلتم عن خطورة العهد الذي نقضتموه مع الرسول عليه الصلاة والسلام تأثر أبو لبابة وأقول حق له أن يتأثر، قالوا يا أبا المنذر إنصحنا أننزل على حكم محمد صلى الله عليه وسلم قال نعم إنزلوا على حكمه وماذا فعل أشار بيده إلى حلقه يعني الذبح، إنزلوا على حكمه وأشار بيده، تلك اليد ليس لها صلة بجسم أبي لبابة وليس لها صلة حيث امتدت بالحقائق الايمانية الراسخة ومنها "إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" وأن الله شاهد عليه وعليهم تحركت يده لكن أبا لبابة الذي ملأ بالحقائق الايمانية، لكنها مرت غفلة إذا به يقول والله ما مددت يدي إلى جانبي بعدما أشرت إليهم أنه الذبح حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله مباشرة ما كان بعد سنة أو سنتين أو شهر أو شهرين أو يوم أو يومين، هو ماذا فعل؟ خان الله عز وجل وخان رسوله، كيف؟ قال لأنه أعلم القوم بما يحرضهم على العصيان، بما يحرضهم على الإيباء أن يأبوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على حكمه، مباشرة ترك المكان وهرع، إلى أين يا أبا لبابة؟ لو سألناه، لقال انتظروا حتى تنظروا، ولو قدر لك أن تزور مسجد النبي عليه الصلاة والسلام لوجدت هناك سارية كتب عليها اسطوانة التوبة أو الاسطوانة التي كانت قريباً من باب بيت أم سلمة رضي الله تبارك وتعالى عنها لو قدر لك أن تراها لرأيت المشهد

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين !

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه فقد قال لنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

مباشرة لما حكم على نفسه أنه قد خان الله ورسوله قرر لكنه ما قرر أن يشكل لجان يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام للتحقيق من أجل أن تأخذ من فيه بإقرار وما انتظر أن يتابع من قبل غيره بل يتابع نفسه بنفسه وهذا شأن المسلم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الرقابة الذاتية قد يغفل الانسان عن وهجها في بعض الأحيان لعوارض تعرض ولعل بكاء النساء وصراخ الأطفال وقتها هو الذي حجب عنه هذا المعنى لفترة وجيزة لكنه قرر، قرر أن يربط نفسه بسارية المسجد وأقسم ألا يحل رباطه إلا إذا تاب الله عليه، وقرر ألا يطأ أرضاً خان الله فيها ورسوله وكانت زوجه تأتيه بعدما ربط نفسه بالسارية لتحل رباطه ليؤدي الصلاة ثم يرجع ليربط نفسه بنفسه وبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك فقال لو أنه أتاني لاستغفرت له، ولكنه حيث فعل ما فعل فأتركه حتى يتوب الله عز وجل عليه، ومضت الأيام والليالي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وكان أبو لبابة تكفيراً عن ذنبه الذي ألم به في ومضة غفلة أو في حالة غفلة من الغفلات التي ربما ترتاد بعض الصدور، قرر ألا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى يتوب الله عليه ومر اليوم السابع فإذا بقواه تخور، خارت قواه فكاد يسقط على الأرض مغشياً عليه ومن الليل بلغ التأديب حده الذي علمه الله عز وجل

كان عليه الصلاة والسلام في بيت أم سلمة رضي الله عنها فضحك فقالت أضحك الله سنك يا رسول الله، ما أضحكك؟ قال لقد تيب على أبي لبابة هنا الموقف أم سلمة قال ألا أبشره يا رسول الله وكان ذلك قبل ضرب الحجاب ألا أبشره يا رسول الله، قال نعم، قال بلى عليه الصلاة والسلام فرفعت الستر وقالت أبشر يا أبا لبابة لقد تاب الله عليك، وهنا مس المصلين الذين ملؤوا المسجد حالة فرح وسرور لأن واحداً منهم قد رجع إلى رحاب الله جل جلاله بتوبة الله عز وجل عليه فركضوا جميعاً إليه لماذا؟ ليفكوا رباطه، أبى قال والله لا يحل رباطي إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، وخرج عليه الصلاة والسلام لصلاة الفجر هذا قبل الفجر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، بين حال قبل الفجر لدى أناس المكر والعدوان والطغيان والنهب والسلب والتخريب وسفك الدماء لكن المجتمع الاسلامي كان راكعاً ساجداً لله عز وجل خاشعاً وهذا هو الحال الذي يدعو الدعاة إلى الله عز وجل أن تعود الأمة إليه، خرج عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مر به فحل وثاقه، ثم قال يا رسول الله إن من توبة الله علي أن أنخلع عن كل مالي، فقال عليه الصلاة والسلام الثلث يكفي

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك

اللهم اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.