372 - في قدوم شهر رمضان
خطبة الجمعة    372 - في قدوم شهر رمضان
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

نفح طيب تأتينا عبر تلك النوافذ التي جلسنا قبالتها ننتظر ذلك القادم فإذا به يقدم رسائل تلو الرسائل بين يدي قدومه، ولم لا؟ وفيه مسارح الأرواح ومأنس القلوب ، فيه رفارف الأرواح لا يحجبها أفق عن الانطلاق في رحاب الرحمات ، هذا كله ومعه الكثير الكثير أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولكن ثمة مجموعة من الحقائق لعل منها أن من ظن أن الإسلام إنما ينحصر في طاعة من الطاعات أو عبادة من العبادات أو موقف من المواقف فقد أخطأ فهمه وضل فكره، ذلك أن الإسلام من حيث هو منهج الله تبارك وتعالى الذي يغطي كل أنشطة الحياة ولا يحصر الإسلام يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في طاعة دون طاعة، ولا في عبادة دون عبادة، ولا في موقف دون موقف، من ظن أنه إذا ما حقق الصوم ولو وقف إلى جانب الزور يناصره ويشد أزره أنه قد صام

من ابتغى أن يصوم في جو هادئ آمن مطمئن يستوحي به عطاءات كتاب الله عز وجل يُتلى وتشنف به الأسماع مع وجود أناس قد أسرهم الجوع والفقر، وأناس قد عصرهم الظلم والاستبداد والعدوان فإن هذا ما فهم منهج الله تبارك وتعالى

مجموعة من الحقائق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نذكر منها ما جاء عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال يغفر للمؤذن مدى صوته، وقال الدال على الخير كفاعله، وقال من جهز غازياً فقد غزى، وقال من عزى مصاباً فله مثل أجر مصيبته، وقال من فطر صائماً فله مثل أجره، وأقوال كثيرة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام جاءت عن الحبيب عليه الصلاة والسلام يرسم لنا الأبعاد، ولكنا نقف هنيهة أمام ما يطرح بين الحين والآخر ما الذي يمكننا أن نأخذه من الغرب؟ ليست نقلة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهذا الذي طرحناه تبعدنا عن نفس الطيب لا والله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وسنجد هذا واضحاً ملموساً بل مذاقاً

ما الذي يمكن أن نأخذه من غير المسلمين؟ وما الذي يمكننا أن نحذر منه إذا ما جاءنا من قبلهم؟ جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تتبعون سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراع بذراع حتى لو دخلوا جحر ظب لاتبعتموهم قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى، قال فمن أي اليهود والنصارى هذا الذي جاءنا عنه صلى الله عليه وسلم وهو الذي يدندن في باستمرار خاصة من قبل اولئك الذين يريدون ألا نأخذ منهم شيئاً علماً بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما جاءه خباب بن الأرت يشكو إليه ظلم الشرك والوثنية كانت الوثنية مسلحة وقد طالت أظافرها وتحتاج إلى مقص ومن هنا أوقعت ألواناً من الاضطهاد بأولئك الذين أعلنوا أنه لا إله إلا الله ومحمد رسول الله

كوي خباب بن الأرت كياً كانوا يطفئون الجمر بودك ظهره، جاء يشكو ألا تدعو لنا يا رسول الله، ألا تستتنصر لنا يا رسول الله، والرسول عليه الصلاة والسلام خبير بسنن الله تبارك وتعالى وهو على دراية عميقة بأن هذا من الابتلاء والتمحيص الذي يُعد به اولئك الذين حملوا دعوة الله عز وجل إلى مشارق الأرض ومغاربها، هو التمحيص يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لتصفوا النفوس لله الواحد الأحد لئلا يبقى هناك غبش ذلك أن الذي يُعد له المسلم إنما يُعد له "فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴿٥٥﴾" هناك الطهارة كلها وهناك الصفاء كله وهناك السمو كله وهناك الكمال كله

قال كان فيمن قبلكم يُأخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيوضع فيه ويُأتى بالمنشار ولقد سألت نفسي يا ترى هل كانوا يحضرون المنشار قبل حفر الحفرة؟ وهل هذه الأساليب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام جهلتها الجاهلية المعاصرة؟ يُأخذ الرجل فيه معنى إلقاء القبض عليه، يُحفر له في الأرض، حفرة، يوضع فيها يُأتى بالمنشار، لم أتيتم بالمنشار؟ أهو جذع نخلة أهو خشب من الأخشاب؟ أنتم الخشب أنتم الصخور أنتم أصحاب القلوب القاسية، يُؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، أنا أتألم وأنا أرى المنشار بأسنانه الملتهبة الوثنية تريد أن تكسر الجمجمة، يوضع المنشار على رأسه فيشطر شطرين ، ويُؤتى بأمشاط الحديد فيمشط ما بين لحمه وعظمه ما يثنيه ذلك عن دينه، ديننا أغلى يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لم؟ قال لأن هذه الدنيا بكل ما فيها سواء كان ما فيها من سراء أو ضراء، بكل ما فيها من بهارج ولذائذ وشهوات هذه الدنيا ستطوى والذي يبقى هو ما تقدمه غداً بين يديك فإذا ما قدمت بين يديك الإيمان والعمل الصالح معنى ذلك أنك سعدت سعادة الأبد "إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ﴿٧٤﴾ وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ﴿٧٥﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ ﴿٧٦﴾"

ويكمل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بعدما بين سنة من سنن الماضيين، ترى هل عرض السنة هنا من أجل أن نصبر كما صبروا من أجل أن نستمسك بما أوحى الله إلى نبيه عليه الصلاة والسلام كما استمسكوا بما أوحى الله عز وجل إلى أنبيائهم عليه الصلاة والسلام "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٤٣﴾"، أذكر السنة هنا من أجل أن ننفر منها؟ أيدخل هذا في قوله عليه الصلاة والسلام: لتتبعن سنن من كان قبل شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو أن منهم من أتى أمه علانية  لكان في أمتي من يفعل ذلك ، في رواية من الروايات لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

أقسم عليه الصلاة والسلام بعدما عرض سنة من سنن الله عز وجل تجلي عنق الإيمان وحقائق الإيمان حين تملأ الصدور، تلك الحقائق التي هي كفيلة بأن تكسر أنوف الطغاة، حقائق الإيمان يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا تقوى عليها كل ظلمات الأرض مهما اشتدت وتكاثفت" والله "أقسم عليه الصلاة والسلام ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، لكنكم تستعجلون أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

نضم لهذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ما جاء في مسند الامام أحمد وصحيح مسلم أن المستورد القرشي قال تقوم الساعة والروم أكثر الناس، تقوم الساعة والروم أكثر الناس، وسمع ذلك عمرو بن العاص رضي الله تبارك وتعالى عنه فسأله ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد أن يفحص، يريد أن يتأكد فإذا بالمستورد يقول قلت ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال لأن قلت ما قلت إن فيهم أربعة خصال، ما هذه الخصال؟ أحلم الناس عند فتنة وأسرعهم أوبة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وأنفعهم ليتيم ومسكين وضعيف، هذه أربع

أحلمهم عند فتنة وهذه إشادة بالروم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولعل الذين يمثلون الروم اليوم إنما هي الدول الأوروبية بعامة، أحلمهم عند فتنة وأسرعهم أوبة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وأنفعهم ليتيم ومسكين وضعيف، وخامسة حسنة جميلة ما هي يا عمرو؟ قال وأمنعهم من ظلم ملوكهم.

أيمكن يا ترى أن نقول إننا إذا ما حدبنا على اليتامى والضعفاء والمساكين نحن نستورد هذا من أولئك الروم الذين حذرنا عليه الصلاة والسلام من أن نتبع سننهم، إن السنن التي حذرتنا منها شريعة الله عز وجل هي السنن التي تنقض ما جاء به الرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم من حقائق وسلوكيات، أما ما اتفق عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام من مثل دفع الظلم ودفع العدوان والوقوف إلى جانب المظلوم وإغاثة الملهوف هذه كلها من القيم والسلوكيات التي أكدتها شرائع الله تبارك وتعالى أجمعت الشرائع كلها على وجوب تحقيق العدل فوق هذه الأرض

ومن هنا نقول يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إنه لمن الظلم الفاحش أن توظف النصوص في غير محالها، والمسدد هو الذي ينظر بنور الله فيقرأ النص كما هو، ويضم له سائر النصوص، ثم يفحص الحال فإذا ما وجد أنه بالإمكان أن ينزل نصاً من النصوص على واقعة من الوقائع يسأل الله عز وجل السداد ثم يقول ما يقول

ابن عباس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وإن كان الحديث عن رمضان، والحديث عن رمضان حديث يتطلب أن نتقدم به شهر رمضان ذلك أن الاستعداد الحقيقي لأي عبادة من العبادات إنما يعني أن تستنفر بكل طاقاتك وتعد كل الإعدادات من أجل أن تستقبل هذا الشهر العظيم، الشهر الذي فيه ليالي قائمة ليالي راكعة ساجدة فيه الإقبال من جديد على كتاب الله عز وجل، فيه فتح صفحة جديدة بينك وبين الله جل جلاله لتملي على الملائكة ما يمكن أن يسعدك في هذه الدنيا والآخرة

رمضان يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام كل نفس من أنفاسه طاعة من الطاعات، كل نفس من أنفاسه عطر من العطور، كل نفس من أنفاس رمضان إنما هو إقبال على الله عز وجل، ويتمحض هذا في خلاصة شهر رمضان في العشر الأواخر حيث تربض على باب الله جل جلاله معتكفاً تاركاً الدنيا وراء ظهرك وتتبتل إلى الله تبتيلا

أمة محمد عليه الصلاة والسلام

الإعداد لرمضان يتطلب فقهاً يتناول ما به يصح الصوم بل يتطلب أن نكون على فقه أي صوم نريد أن نصوم؟ أو أي صوم نريد أن نحقق؟ أتريد أن تصوم عن المفطرات مع سرح الجوارح ومرحها في معاصي الله تبارك وتعالى، الصوم الذي يكف الجوارح عن المعاصي الصوم الذي فيه صوم اللسان وصوم العين وصوم الأذن وصوم اليد، فإذا ما صام لكن اليد إنما امتدت بالإيذاء للآخرين بطشت وسفكت الدم من غير ما رحمة هذا لم يصم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

الزور كلمة حينما تذكر ينتقل السمع مباشرة بها إلى قاعة المحكمة، شهادة الزور أن يقف الشاهد وما أكثر شهود الزور اليوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، هؤلاء ولو صاموا لكنهم يظلون شهود الزور شاهد الزور أن يقف فيقسم بالله جل جلاله على الكذب، والرسول عليه الصلاة والسلام حذر أيما تحذير من قول الزور من شهادة الزور ولكن معنى الزور يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا يحصر بالأقوال بل إن معنى الزور يشمل الأقوال والأفعال والأحوال

قال العلماء الزور هو كل ما يصدر عنك يا ابن آدم مناهضاً للحق الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ جاءنا عليه الصلاة والسلام بالصيغة الخاتمة للرسالات التي أكرمنا الله عز وجل بها الاسلام هو الرسالة الخاتمة، وإن كان الاسلام إنما هو الدين الذي اختاره الله عز وجل فأنزله على كل الرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، فكل الرسل إنما جاؤوا بالاسلام، "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ۗ " وإنما اختلفت الشرائع بين الرسل عليهم الصلاة والسلام وهذا الاختلاف لم يتسع كل ما له صلة برسالة من الرسالات، وإنما اتفقت الرسالة قاطبة وكيف لا تتفق وهي من الله جل جلاله على مبادئ الحق والعدل والاحسان والايثار والمحبة والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان

الاسلام الذي جاءنا به عليه الصلاة والسلام هو الصيغة الخاتمة التي تعمر الحياة كلها الصيغة التي نجد السعداء هم الذين أقبلوا عليها، يصوغون بها بواطنهم وظواهرهم الاسلام وإن كان جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه بني على خمس لكن الوقفة لا بد منها

حيث جاء حديثه عليه الصلاة والسلام يرويه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم بُني الاسلام على خمس (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ولنا وقفة أمام هذا الحديث العظيم من أحاديثه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لنتبين أموراً منها أن الاسلام أوسع من هذه الأركان ذلك أن هذه الأركان إنما تمثل القواعد التي يقوم عليها بناء الاسلام العظيم ومن هنا جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه البيهقي في شعب الايمان، الايمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الايمان أو كما قال عليه الصلاة والسلام

ولكن نحن في المسجد النبوي الشريف كان هناك عبد الله بن عباس ترجمان القرآن معتكفاً، والاعتكاف سنة أصيلة من سننه عليه الصلاة والسلام، الاعتكاف هو الراحة والاستراحة، هو المصيف هو الربيع الذي دونه ربيع هو فصل من فصول السنة، هو ربيع فيه كل ألوان العطور والنور، ربيع فيه تتفتح مسام النفس بلها الروح فإذا بها تتعانق مع الأرواح مع الملأ الأعلى، الاعتكاف يقيمه عبد الله بن عباس ويأتيه زائر من معارفه سلم وجلس، عبد الله بن عباس كان يدري حقائق الاسلام ويدري أنه قد شرع لنا من العبادات ما تتفاوت درجاتها فيما بينها وأن العبادة التي تسرع بك إلى الله جل جلاله وإلى رضوانه هي العبادة التي يتعدى خيرها إلى غيرك

هناك عبادة لازمة وهناك عبادات متعدية، وكل عبادة من العبادات التي يتعدى أثرها إلى الآخرين بمقدار ما يتسع هذا النفع للمجتمع، إذا قمت بعبادة من العبادات التي يمتد نفعها ليشمل كل أفراد المجتمع معنى ذلك أنك أفضل من ذلك الذي قام من جوف الليل بينه وبين الله، وما أعظم هذا القيام يبكي تسح دموعه خشوعاً وحضوراً بين يدي الله عز وجل، فتلك الدموع إنما ترجع على صاحبها أنواراً أما ذلك الموقف الذي وقفه من وقفه ليدفع عن الأمة حيفاً وظلماً وجوراً إنما يدافع عن المستضعف وعن الفقير وعن المسكين إنما يمد يد المساعدة لأولئك الجوعى أولئك الذين يموتون بالمئات ولعل الغرب ههنا يتجلى في سلوكهم ما جاء عن عمرو بن العاص رضي الله تبارك وتعالى عنه وأنفعهم ليتيم ومسكين وضعيف هذه العبادة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أنفع لك عند الله تبارك وتعالى

وإن كنا لا نستغني عن العبادات الخاصة نظر ابن عباس في وجه الزائر فقرأ فيه الحزن والكآبة، وعينا ابن عباس عينان فاحصتان كان بالإمكان أن يغمض عينيه لئلا يتأذى بهذا الوجه المكتئب الحزين، لا والله ما يفعل ذلك ابن عباس نحن ربما بعضنا فعل ذلك، يغمض عن الجروح والقروح والآلام يصم أذنيه عن الأنات والتأوهات والاستغاثات، ابن عباس ما يفعل ذلك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

قال ما لي أراك مكتئباً حزيناً؟ قال يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لفلان علي حقاً ثم يقسم بالله ما أجد له ما يدفعه، لفلان عليه حق ولا يستطيع أن يؤديه، مكتئب لأنه لا يتمكن من أداء الحق الذي لزمه، كان بالإمكان أن يحوقل ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون أو كان بالإمكان أن يقول يا منكوب لم ركبت في ذمتك هذا الحق، أنت السبب فيرجع إلى السبب لا إلى النتيجة والله ما فعل ذلك لأنه على نور وينطلق من نور لأنه من أولئك الذين شهد لهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم على أنه يترجم القرآن وموقفه إنما هو لون من ألوان التراجم لكتاب الله عز وجل

قال أوتحب أن أكلمه؟ هذا هو الموقف أتحب أن أكلمه؟ قال إذا أحببت إلى هنا انتهت، لا لم تنتهي لأن ابن عباس وهو المعتكف في مسجده عليه الصلاة والسلام قام مباشرة فانتعل نعليه وخرج من المسجد، قال له الرجل يا ابن عباس لعلك نسيت ما أنت فيه قال لا لم أنسَ، لم أنسَ ما أنا فيه هو كان في المعتكف ولم ينسَ أنه كان معتكفاً لكنه عرضت عارضة وهو يقدر العبادات حق تقديرها عرضت له حاجة لأخ من إخوانه في الله فأحب أن يقوم بها وأن يمشي بها، قال لا لم أنس ولكني سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب وفاضت عينا ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما سمعته يقول من مشى في حاجة أخيه حتى بلغ بها، كان له من الأجر أكثر من إعتكاف عشر سنين، وإن من اعتكف يوماً يبتغي بذلك وجه الله عز وجل، جعل الله عز وجل بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق ما بين الخافقين هؤلاء فقهوا الاسلام يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

إذا نحن كنا بين يدي هذه الحقائق وجدنا أنفسنا أمام ذلك الذي شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بالصلاح نعم العبد عبد الله، عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أثنى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وكان فطناً ذكياً دقيقاً، ومن أظهر ملامح سيرته أنه كان شديد الاستقصاء بسنته عليه الصلاة والسلام وهو الذي يروى عنه أنه كان في طريقه إلى مكة المكرمة حيث صحب من قبل الرسول عليه الصلاة والسلام فإذا به كان يحيد بين الحين والآخر عن الطريق ثم يرجع إليه فقال له من كان يصاحبه لم تفعل ذلك يا ابن عمر؟ قال لعل خفاً أن يقع على خف، ذلك أنه رأى الرسول يفعل ذلك مع أن هذا لا يدخل في قضية العبادات، إذا حاد عليه الصلاة والسلام عن الطريق بناقته ثم رجع إلى الطريق لا يعني هذا أن تسلك هذا المسلك

لذلك يحيى بن يحيى قال سألت مالكاً رضي الله تبارك وتعالى عنه فقلت له هل سمعت الشيوخ يقولون من أخذ بقول ابن عمر يكون قد بلغ منتهى الاستقصاء في تتبع سنته عليه الصلاة والسلام، أي من إلتزم بسيرة ابن عمر رضي الله عنهما يعني هذا أنه كان على المحكة البيضاء التي جاءنا بها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لأن القلب كان على القلب ولأن البدن كان يسير وفق شرع الله عز وجل تتبعاً لسنته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

ابن عمر سمع من الحبيب عليه الصلاة والسلام بُني الاسلام على خمس ولعل السامع الذي كان في مجلسه أعاد الحديث بعدما قاله ابن عمر فإذا به يقدم الحج على الصوم ما رضي ابن عمر أن يقدم بالذكر الحج على الصوم وإنما قال لا بل صوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً قال هكذا سمعته من الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه فإنه قال لنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام

أما ما يتعلق بحديث ابن عمر فلنا وقفة إذ لم يعد هناك وقت للمسات لا بد للمسلم أن يلمسها إزاء هذا الحديث الشريف العظيم، الأمر الآخر حينما نقبل على كتاب الله لا يكن همك كم ختمة تختم في رمضان، بل يكن همك كيف تدرس كتاب الله عز وجل دراسة ولو وضعت إلى جانبك تفسيراً كالجلالين ليتعرف في هذا الشهر المبارك إلى معاني المفردات لأشويت بإذن الله تبارك وتعالى، ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقرأ القرآن باستمرار ومع ذلك فإنه عليه الصلاة والسلام كان يراجع جبريل عليه الصلاة والسلام كل رمضان يقرأ جبريل ويستمع الرسول عليه الصلاة والسلام ويقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم ويستمع جبريل وهذا لون من ألوان الضبط علمنا إياه رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

حتى إذا ما جاء رمضان وكان آخر رمضان صامه عليه الصلاة والسلام دارس جبريل في الشهر مرتين دارسه القرآن في النصف الأول مرة وفي النصف الثاني مرة فهي المداركة إذن يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وهنا يستحضر تلك المشاهد التي عرضها علينا كتاب الله عز وجل وهي مشاهد متكررة فيها مصارع القوم الذين كذبوا بالله عز وجل وكذبوا رسله فيها أولئك المتقين الذين اعتصموا بحبل الله تبارك وتعالى فيها ألوان من طيب السلوك وحسن الجوهر وصفائه فيها أولئك الذين أخبثوا لربهم أولئك الذين يذكرون الله عز وجل "قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ" فيها أولئك "الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ" وكن على يقين من أنك إذا ما أقبلت على كتاب الله تعرض حالك إذا ما مرت صفة من الصفات السلبية إبحث عنها فيك فإن وجدتها تب مباشرة إلى الله عز وجل والبشرى تأتي مباشرة، لله أفرح بتوبة عبده من العاقر الوالد، والضال الواجد والظمآن الوارد حديث من أحاديثه العجيبة عليه الصلاة والسلام

أرأيت إلى امرأة قد بلغت الأربعين وقرر الأطباء جميعاً أنها عاقر لا تلد ومع ذلك حملت، كم هي فرحتها لله أفرح بتوبة عبده من العاقر الوالد، ومن الضال الواجد الذي أضل سلعة من سلعه جوهرة من جواهره ثم وجدها أضل بعيره فوجده من الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد إذا ما تقشب سقف حلقك، تشقق سقف حلقك إذا ما كاد يهلك إذا ما تشققت الشفتان فإذا به يرى الماء هذا هو الظامئ الوارد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام فأقبل على الله يقبل الله عز وجل عليك

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، حفنا اللهم والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بألطافك الخفية، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً مباركاً محفوظاً، لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً هبنا جميعاً لسعة رحمتك يا أرحم الراحمين

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.