375 - على شاطىء العشر الأواخر
خطبة الجمعة    375 - على شاطىء العشر الأواخر
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ،عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون * ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون * ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

فإننا على شاطئ العشر الأخير من شهر رمضان المبارك ، ثم يكون السبح بل والغرق ، ولكنه غرق- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يخرج منه الغارق ربانياً في الباطن ، وفي الظاهر، ذلك أن في ليالي العشر ليلة هي خير من ألف شهر، وفي أيام العشر ربوض على باب الله- جل جلاله- ذلك أن العشر الأواخر كان- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- يستقبلهن بشد المئزر، وإحياء الليل ، وإيقاظ الأهل ، وكان يعتكف فيهن عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وما الاعتكاف؟

أرأيت إلى عظمة هذا التشريع حينما أذنت لنا أن نجلس بعد ركعتين لنقول التحيات لله ! أليس هذا المقام من أرفع المقامات التي تتذوقها الأرواح ، وتتشربها القلوب ، أليس العشر الأوائل تشكل الركعة الأولى من ركعات الصلاة ثم العشر الأواسط ألا تمثل الركعة الثانية ألا نجد أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- رابضين بعد الثانية ، نقول التحيات لله، في الاعتكاف انقطاع عن كل ما يتعلق بهذه الدنيا ، وإقبال على الله جل جلاله ، فيه يحقق المسلم المعتكف قول الله عز وجل " واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً " بل إن في العشر الأواخر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- نفحات ربانية شهدتها الدنيا كلها، أليس في العشر الأواخر تم فتح مكة، أليس في العشر الأواخر ظهرت أعلام من أعلام النبوة ، وما أكثرها ! فملأت الآفاق ، فأي إنسان له بصر يمكن أن يشهدها تملأ الآفاق نوراً وهداية وبصائر

يمكن أن نقدم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- والمجال مع الحر الشديد والصوم الذي نرجو الله عز وجل أن يتقبله منا ، يمكن أن نلخص ما يتعلق بليلة القدر مع الاعتكاف مع فتح مكة مع أعلام النبوة لنقول :

ظن عبّاد الأصنام أن أصنامهم إنما يحميها الرصاص الذي صبوه على أقدامها تثبيتا لها في الأرض ! ولكن هيهات ، ما أن جاء الحق حتى زهق الباطل ، ذلك أن وجود الباطل وتطوسه واستكباره واستفزازه لا يعني سوى أمر واحد هو غياب الحق ، فإذا ما جاء الحق زهق الباطل ، وهذا سنجده واضحاً أمة محمد عليه الصلاة والسلام حينما دخل عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة بعد أن فتحها الله عز وجل عليه وعلى المسلمين قاطبة ، توجه إلى الأصنام ، كان هناك ثلاثمئة وستون صنماً شدت بالرصاص ظناً من الذي شدها أن الرصاص يحميها ، وخسئ والله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

أتدرون كيف نكست الأصنام وتهاوت أمام أعين عبادها ، كان بيده عليه الصلاة والسلام قضيب ، كان يشير به إلى كل صنم من هذه الأصنام ، ويقرأ قول الله عز وجل " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " إلى ما غير رجعة ، فنيت الأصنام في مكة ، وإلى ما غير رجعة ، وتبعها الفكر الصنمي ، ذلك الفكر الذي يأبى أن يشهد ما يجري في الحياة ، بعد صلح الحديبية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- انطلق المسلمون يدعون إلى الله جل جلاله ، ذلك أن الدين الذي أكرمنا الله عز وجل به إنما هو دين التوحيد الخالص ، الذي يأبى كل لون من ألوان الشرك والوثنية ، هو دين دعانا إلى أن نتوجه إلى خالق هذا الكون ، نتوجه إلى سيد الوجود رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، وهو الأحق بالعبادة ، وهو الأحق بالذكر، وهو الأحق بأن يتوجه إليه ، لأن له صفات الكمال والجلال والكمال ، جاء دين الله تبارك وتعالى وهو دين ذوي الألباب ، هو دين العقل الكامل هو دين النفائس النفسية ، هو دين القيم الربانية ، هو دين الأخلاق الربانية السامية

جاء دين الله تبارك وتعالى ، فانطلق المسلمون بُعيد صلح الحديبية يدعون إلى الله جل جلاله ، يدعون على بصيرة ، ذلك أنهم قد تلقوا عن المصطفى عليه الصلاة والسلام الحقائق الربانية ، حقائق هذا الوجود، وانتشر الاسلام وتغير وجه الجزيرة العربية أو كاد، مع هذا التغير الرائع وجدنا أنفسنا أمام عقلية صنمية تأبى أن تشهد التغير، وتأبى أن تتساوق مع التغير، لأنها تمثل عبادة الصنم، والصنم لا يتحرك وهم لا يتحركون كذلك

ومن هنا وجدنا شرطاً من شروط صلح الحديبية يقول من أحب أن ينضم إلى الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من القبائل فله ذلك ، ومن أحب أن ينضم إلى قريش من القبائل فله ذلك، وبهذا الشرط وجدنا خزاعة تنضم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، ووجدنا بني بكر إنما ينضمون إلى قريش ، أين العقلية الصنمية ههنا ؟؟ توجه بنو بكر في غفلة من الناس ظناً منهم أن الليل ساتر، ظناً منهم أنهم إذا ما ارتكبوا جرائم القتل والفتك وسفك الدم أن هذا لا يرى! خسئوا والله، إن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية ، إن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض

هيهات هيهات يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن يحجب عن علم الله عز وجل ذرة في السموات أو في الأرض ، وشأنهم في ذلك شأن من يرتكب جريمة في ظلمة الليل ، يظن أنه ليس هناك من يصوره ، وليس هناك من يرصده ، وليس هناك من يراه ، فإذا به يسفك الدم بقلب بارد ، ومشاعر متجمدة!

أما سمعتم ما قال الله عز وجل في حق الأحبار الذين في عقائدهم لوثة ؟ ماذا قال ربنا جل جلاله فيهم ؟  " وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون  * أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " فالوثنية ههنا تسير على هذا المسار، ومن هنا بيّت بنو بكر خزاعة ، وهم في ركوعهم وسجودهم من الليل ، ثم أغاروا عليهم ، فقتلوهم ومن كان معهم ؟ كان مع بني بكر الوثنية القرشية ، وثنية تشترك مع وثنية ، وتعاضدها وتشد من إزرها ، ولذلك أمدوهم بالخبراء في القتل ، وأمدوهم بالسلاح ، وتخفوا في ذلك ، لعلهم تلثموا! لا ندري يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

كان هذا في الليل وميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: بات عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما شأن الرسول في الليل ؟ كان راكعاً ساجداً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام " ومن الليل فتهجد به نافلة لك " كان هذا دأبه عليه الصلاة والسلام ، كان دائم الوقوف على باب الله، وباب الله مفتوح له أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، قام عليه الصلاة والسلام من الليل يتوضأ ،تقول ميمونة : فإذا بي أسمعه يقول في متوضئه لبيك لبيك لبيك ، نصرت نصرت نصرت ! ولما انتهى من الوضوء وخرج قلت يا رسول الله: أكان معك أحد؟ سمعتك تقول لبيك لبيك لبيك نصرت نصرت نصرت ؟ قال ذاك راجز بني كعب.

عمرو بن سالم يزعم أن قريشاً مع بني بكر قد عدوا عليهم فقتلوهم وهم ركع سجد ما الذي سمعه عليه الصلاة والسلام من الليل ؟ سمع راجز بني كعب وقد أرسله قومه إلى المدينة المنورة بعدما نقضت قريش العهد والعقد الذي عقد في الحديبية وكان يقول من الليل يسلي نفسه

يا رب إني ناشد محمدا                 حلف أبينا وأبيه الأتلدا

إن قريشاً أخلفوك الموعدا             ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا            وزعموا أن لست أدعو أحدا

 فادع عباد الله يأتوا مددا      فيهم رسول الله قد تجردا

إن سيم خسفا وجهه تربدا             هم بيتونا بالوتير هجدا       

وقتلونا ركعاً وسجداً 

ووصل بعد ثلاثٍ راجز بني كعب ، وبعدما صلى عليه الصلاة والسلام الصبح فوقف في المسجد وأخذ يبين للرسول عليه الصلاة والسلام ما كان من نقض قريش للعهد أشجب عليه الصلاة والسلام ؟ أقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ؟ هل استرجع هل حوقل عليه الصلاة والسلام ، فقال لا حول ولا قوة إلا بالله، الرسول عليه الصلاة والسلام هو المشرع بإذن الله، سنته شريعة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، لا سعادة لهذه الأمة إلا بمقدار ما تلتزم بشرع الله، وشرع الله إنما هو في كتاب الله وفي سيرته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

حليف من حلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام يعتدى عليه ، هم شركاء في لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟ نصرت يا عمرو بن سالم ! لا نصرني الله إن لم أنصرك، نصرت بما أنصر به نفسي، ولعل الرسول عليه الصلاة والسلام قد بنى الفعل للمجهول ، ما قال سأنصرك ، والسين للاستقبال، سوف أنصرك ، لا ، قال : نصرت ، وكأنما الأمر قد قطع به يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ومرت سحابة فإذا بالرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ هذا الخط الكوني في السماء يقول: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ، أي تبشر بالنصر الذي ينصره الله عز وجل للمسلمين ، هذا مشهد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو علم من أعلام النبوة ، أهو وحده ؟ لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

أعلام النبوة تتبدى في كثير من المواقف ، تتبدى في كونه عليه الصلاة والسلام قد وقف بعدما فتح الله عز وجل عليه مكة المكرمة وخاطب قريشاً : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم . قال: لا أقول لكم إلا كما قال يوسف لإخوانه " لا تثريب عليكم اليوم " هذه النبوة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ما جاء عليه الصلاة والسلام ليقتص ، ولا ليريق الدم ، ولا ليسفكه ، ولا ليهتك الأعراض ، حشاه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وإنما جاء من أجل أن يؤمن آخرة الناس ، من أجل أن يربط القلوب بعلام الغيوب سبحانه وتعالى ، ومن هنا كان العطف شيمة من شيمه صلى الله عليه وسلم

كانت أعلام النبوة ترفرف حينما كان يطوف بالبيت العتيق ، أرأيتم ليل مكة ؟ لما فتح الله عز وجل مكة على المسلمين كيف كان؟ قبل أن تفتح كان ليل مكة ليلاً عربيداً سكيراً ، ليلاً الفواحش فيه لا تقاس، لما فتحت مكة امتلأت السماء بالتكبير والتهليل والتحميد امتلأت السماء والأجواء بتسبيح الله عز وجل وتعظيمه ، هذا شأن الأمة إنما ينصرها الله عز وجل فتسبح الله ، وتعرف ما يجب عليها من حقوق تجاه شرع الله تبارك وتعالى

الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت العتيق ، وهناك واحد من المشركين كان له ثأر، أراد أن يأخذ به ، مشى وراءه عليه الصلاة والسلام ، واقترب اقترب ثم اقترب حتى كاد أن يصبح حيث إذا ما أغمد رمحه أو سيفه أو سكينه أو سلاحه في ظهر المصطفى عليه الصلاة والسلام لأمكنه ذلك ، لما اقترب هذه المسافة التفت عليه الصلاة والسلام ، وقال أ فضالة؟ قال نعم فضالة يا رسول الله ، قال ما الذي تحدث به نفسك، قال لا شيء يا رسول الله كنت أذكر الله، كنت أذكر الله، فتبسم عليه الصلاة والسلام ، وابتسامته علم من أعلام النبوة يمكن أن نقرأها بوضوح ، رجل أراد أن يغتاله وكان من ذلك عليه الصلاة والسلام على يقين كما كان على يقين من مستقبل الدعوة

كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرى أن الحق ظاهر لا محالة، لم؟ من أين أخذ هذا؟ أخذه من أمور منها قول الله عز وجل " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله " كان عليه الصلاة والسلام رؤياه للمستقبل من أوضح الواضحات ، أقسم مرة فقال- لما جاءه أحد الصحابة يشكو إليه التعذيب، تعذيب الوثنية في مكة، اضطهاد الوثنية في مكة، والوثنية واحدة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، عباد الطبيعة وثنيون، وعباد الأشخاص وثنيون، وعباد الجاه والمنصب وثنيون، وعباد المال وثنيون

الوثنية ههنا لما ألقت بثقلها تعذيباً واضطهاداً للمسلمين ، جاءه أحد الصحابة ، وهو خباب بن الأرت يشكو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فبين له صلى الله عليه وسلم سنة الله في الدعوات- ثم قال:" والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه " أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولما قال والذئب على غنمه هنا علم من أعلام النبوة، ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما جاء ليمحو الأسباب ، وإنما جاء ليؤكدها لكنها على أنها قائمة بذات الله عز وجل الأسباب لا تضر ولا تنفع إلا بالله جل جلاله

ومن هنا وجدناه عليه الصلاة والسلام يبتسم في وجه فضالة الذي جاء من أجل أن يثأر، فيقتل المصطفى عليه الصلاة والسلام، أدنُ يا فضالة ، ودنا فضالة ، وكانت الكف الرحيمة كفّ من بعث رحمة للعالمين ، قد امتدت إلى صدر فضالة، يقول فضالة وقد غرق في النور: والله قبل أن يضع كفه في صدري كان أبغض الناس إليّ ، والله ما رفعها حتى كان أحب الناس إليّ ، علم من أعلام النبوة 

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى وقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

يحدثنا واحد من أولئك الثلاثة الذين قدموا المدينة المنورة قبل أن يفتح الله عز وجل مكة على المسلمين خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، يحدثنا عثمان بن طلحة يقول وهو من سدنة الكعبة ، معه مفتاح الكعبة: كنا نفتح باب الكعبة يوم الخميس والاثنين ، وكنت أرفض أن يدخل الرسول عليه الصلاة والسلام الكعبة ، كان يضايق الرسول صلى الله عليه وسلم

وفي يوم من الأيام جاء عليه الصلاة والسلام مع الناس من أجل أن يدخل ، يقول فوقفت في وجهه ورفضت أن يدخل ، تبسم عليه الصلاة والسلام ثم قال له: لعلك يا عثمان ترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت، يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح في يوم من الأيام بيدي أضعه حيث شئت، فما كان من عثمان إلا أن قال هلكت قريش يومئذ وذلت ، هذا الفكر الصنمي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

يظن بأنه إذا لم يكن هو السادن معنى ذلك أن قريش هلكت ، معنى ذلك أن قريش ذلت ، لأن عز قريش- كما يظن- منه ، ووجود قريش من وجوده، قال عثمان قلت: هلكت قريش يومئذ وذلت، قال: لا بل عُمرت وعزت ، ومضى الوقت ودخل عليه الصلاة والسلام وقتها الكعبة ، يقول عثمان فوقع قوله في نفسي موقعاً عظيماً ، قلت يمكن أن يكون ذلك كذلك ، هذه كلمات النبوة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام والرسول صلى الله عليه وسلم حينما يقول ذلك لا ينطق عن الهوى ، كأنما أراه الله عز وجل المستقبل ، وكيف يكون مفتاح الكعبة في يده. 

مضت الأيام وفتح الله عز وجل مكة المكرمة على المسلمين ، وإذا بالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: يا عثمان إئتني بالمفتاح، أجل إئتني بالمفتاح ، ويأتي عثمان بالمفتاح ، كان وقتها قد أسلم كما قلت إذ مضى الثلاثة الذين ذكرتهم إلى المدينة المنورة قبل فتح مكة وأسلموا ، وقال وقتها عليه الصلاة والسلام لما رآهم : لقد ألقت إليكم مكة بأفلاذ كبدها، أعطى عثمان المفتاح للرسول عليه الصلاة والسلام ونزل جبريل بقول الله عز وجل " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به " هذا قول الله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

قال: يا عثمان، قال: نعم يا رسول الله، قال: خذ المفتاح، خذوها- أي هو وأسرته- خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، يا عثمان ! إن الله استأمنكم على بيته ، فما جاءكم من أموال من هذا البيت فكلوه بالمعروف، أخذ عثمان المفتاح ومضى قبل أن يبتعد قال: يا عثمان! نعم يا رسول الله ، رجعت إليه، قال: أما قلت لك سيأتي يوم سترى فيه المفتاح بيدي أضعه حيث شئت ؟ قال: بلى يا رسول الله أشهد أنك رسول الله . الحديث طويل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

وأختمه بجملة وما أجمل أن نفصل فيها لكن في غير هذا المقام

الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال نصرت يا عمرو بن سالم مباشرة أعد العدة لفتح مكة ، ومن جملة ما سأل الله عز وجل وقتها قال، اللهم خذ العيون عن قريش حتى نبغتهم في دارهم ، أتدرون لماذا؟ لأن قريشاً لو علمت بالإعداد لفتح مكة سوف تستعد ، وإذا ما استعدت سيكون الأمر عسيراً ،ولا يكون دخول مكة إلا بإراقة الدماء ، والرسول عليه الصلاة والسلام ، يأبى أن تراق قطرة دم واحدة ، هذه النبوة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ولذلك لما حاطب بن أبي بلتعة كتب كتاباً إلى قريش ينبههم فيه بأمر نيته عليه الصلاة والسلام بالتوجه إلى مكة ، نزل الوحي مباشرة يخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن هناك كتاباً قد كتب وحملته امرأة وهي في المكان الفلاني روضة خاخ فبعث علياً والزبير رضي الله عنهما وأمرهما بأن يأتيا بالكتاب ، كل ذلك من أجل أن يعمّي الأمر على قريش، لماذا؟ من أجل أن يبغتها في موطنها، لماذا؟ من أجل ألا يصادمها ويؤدي التصادم إلى سيلان الدماء

ما أحلانا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ما أسعدنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، لو أننا عكفنا على السيرة ، ففهمناها لنصوغ حياتنا وفق أبعادها، ما أحلانا وما أسعدنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وما انصرنا إذا ما رأينا أعلام النبوة ترفرف في آفاق الوجود ، وكلما رأينا علماً من أعلامها إزددنا ثقة بالله تبارك وتعالى ، فإلى الربوض على أعتاب الله تبارك وتعالى في الاعتكاف ، وإلى شد المئزر وقيام الليل وإيقاظ الأهل في العشر الأواخر، وإلى ترصد تلك الليلة التي هي خير من ألف شهر.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً "، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين سلماً لأوليائك وحرباً على أعدائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك، اللهم ربنا هذا الدعاء وعليك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ونهلك، اللهم ربنا أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان وأدخلنا الجنة بسلام برحمتك يا أرحم الراحمين

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.