377 - في صفات أهل الجنة
خطبة الجمعة    377 - في صفات أهل الجنة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإسلام والإيمان والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾"

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

أحد الصالحين يحدثنا عن الركون والنتائج المترتبة على هذا الركون إما أن يركن الانسان إلى الدنيا وإما أن يركن الانسان إلى الآخرة وإما أن يكون تعلق الانسان قلباً بالله جل جلاله، يقول يا ابن آدم إن تركن إلى الدنيا أحرقتك بنارها فصرت رماداً تذروه الرياح، وإن ركنت إلى الآخرة أغرقتك بأنوارها فإذا بك سبيكة ذهبية رائعة، وأما الركون إلى الله جل جلاله فإن أنوار حقائق التوحيد تغمرك تتغلغل في ذراتك وتصوغك صياغة تحولك إلى جوهر لا يمكن أن يقدر بثمن، ما معنى الركون إلى الدنيا؟ أن ينشغل بها انشغالاً يحجبه عن النظر إلى الآخرة مع أن هذه الدنيا فانية والآخرة آتية باقية، مع أن هذه الدنيا كما يعلم الجميع فيها ما فيها من المصائب والكربات والنوازل والأمراض والأسقام أما الآخرة فإن كنت في جنة الله تبارك وتعالى فهناك سعادة الأبد وإلا فينتقل من نصب الدنيا إلى شقاء الأبد

رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ونحن بصدد الحديث عن جنة الله تبارك وتعالى، لا تقل إن الحديث عن الجنة إنما يشغلنا عما نحن فيه من هموم وغموم لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الحديث عن الجنة في هذا الموقف إنما يتمثل في كثير من الحقائق ولكن أظهر هذه الحقائق أن للجنة أهلاً، وأن أهل الجنة قد جاءت النصوص تحددهم بمواصفاتهم ومواقفهم وأقوالهم وأحوالهم وأفعالهم

ذلك أن الله جل جلاله قد أنزل آيات كثيرة تتناول الآخرة وما فيها، ومما أنزل الله عز وجل "إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ " قال صلى الله عليه وسلم (اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا يغفل هاربها)، ويقول عليه الصلاة والسلام (لا تنسوا العظيمتين قالوا وما العظيمتان يا رسول الله قال الجنة والنار) وقد مر معنا في ليالي رمضان أن الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه الذي بين فيه كثيراً من أبعاد الصيام وشهر رمضان ومما قال (واستكثروا من أربعة خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غناء لكم عنهما أما اللتان ترضون بهما ربكم فتستغفرونه وتهللونه سبحانه وتعالى وأما اللتان لا غناء لكم عنهما فتسألون الله عز وجل الجنة وتعوذون بالله تبارك وتعالى من النار)

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

أناشيد الحرية قد عطرت الأجواء وما أروعها من أناشيد سمعناها من الصالحين تلك التي منها الصيغة على وزن الشعر العمودي ومنها ما فاهت به الألسن المعطرة بالتوحيد، الحرية الحقيقية ألا يستعبدك الكون لأنك قد أخلصت عبوديتك لـ"رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ"، أسمعتم ذلك النشيد الذي ترنم به في مؤتة جعفر بن أبي طالب وهو ينازل الروم يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارداً شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إذ لاقيتها ضرابها، ولما ضربت سكرات الموت بلالاً رضي الله تبارك وتعالى عنه كان يقول واطرباً واطرباً غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبا

 أسمعتم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام تلك الضحكة التي ضحكتها أم والأمومة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام هي العاطفة ذاتها أم قتل ولدها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله أخبرني عن حارثة وقد علمت منزلته مني، إن كان في الجنة صبرت ورضيت وإن لم يكن ترى ما أفعل؟ فقال عليه الصلاة والسلام أجنة هي يا أم حارثة هي جنان وقد أصاب إبنك الفردوس الأعلى، إستشهد حارثة جاءت أمه تسأل عن مصيره كأنما مشاعرها بقبضتها مشاعر الأمومة التي لا تعرف إلا الانطلاق فلما علمت ما قاله عليه الصلاة والسلام واطمأنت على مصير ولدها حارثة إذا بها ترجع وهي تضحك وتقول بخن بخن، بخن بخن ههنا إنما هي قصيدة رائعة إنما هي قوافٍ إنما هي من المعاني التي تمتلأ باليقين وبالرضا عن أقدار الله عز وجل تمتلأ بالطمأنينة على مصير الولد الذي هو فلذة الكبد  

أسمعتم ذلك النشيد الذي فاه به أنس ابن النضر في غزوة أحد لما كان ما كان من حال الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم بعد أن كانت لهم الغلبة، ثم إذا بأنس بن النضر يقبل على المشركين الذين انقضوا بوحشية على صحابة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أقبل إليهم لقيه أحدهم فقال، إلى أين يا أنس؟ قال ورب النضر إني لأجد ريح الجنة دون أحد

سقنا هذا يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ومعه الكثير الكثير الذي إن تسنى لنا سقناه لنبين أن جنة الله عز وجل يقابلها النار وليس في الآخرة إلا الجنة أو النار، ثم نحن راحلون إلى الآخرة رحيلاً قدرياً لا بد من الخروج من ساح هذه الدنيا عبر بوابة البرزخ حينما نخرج يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من تلك البوابة التي تنسجم تماماً مع ما وراءها مع ما أقامه الله عز وجل من كون إنما هو مرتب أروع ترتيب ومقدر أدق تقدير ذلك أن الله عز وجل قد أقام هذا الوجود وفق ضوابط وسنن كونية رائعة تتبدى بها حكمة الله تبارك وتعالى تلك الحكمة التي يستبعد العقل السليم معها أن تكون الدنيا هذا أو الدنيا هذه التي نعيش فيها وحدها وهي مقدمة وليس لها خاتمة، يستبعد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن يكون عمر الانسان الذي هيأ الله عز وجل له هذه الأرض بل هذه الأكوان وسخرها له أن يكون وجوده لا يعدو سنين معدودة يعيشها فوق هذه الأرض ثم يموت يخرجه الله عز وجل من التراب ثم يعيده تارة أخرى إلى التراب ولا شيء بعد ذلك "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴿١١٥﴾"

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

إن الحكمة مع النصوص القاطعة التي دلت دلالات بعد دلالات على أننا راحلون إلى الله جل جلاله هناك في عالم البرزخ يجمعنا الله تبارك وتعالى إلى أن يأتي أجل هذه الدنيا التي تطوى ولا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله الله، جاءت النصوص مع علامات الساعة الصغرى علامات الساعة الكبرى التي لم يظهر منها بعد أي علامة، أما الصغرى فقد ظهر منها الكثير الكثير وكلها معالم على الطريق تذكرنا بصدق الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من أجل أن لا نكسل ومن أجل أن لا نشغل عن التوجه إلى الله عز وجل الدنيا هذه هي مزرعة وليست سوى مزرعة، المزرعة ههنا نلقي بها البذور من أجل أن نحصد الثمار هناك، فمن لا بذر له ههنا ليس له حصاد هناك

يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

خطب رسولنا صلى الله عليه وسلم في المجتمع القرشي قال إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس جميعاً ما كذبتكم ولو غششت الناس جميعاً ما غششتكم والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون الاحسان بالإحسان والسوء بالسوء، وإنه ليس بعد هذه الدار من دار إلا الجنة أو النار، ترى من هم أهل الجنة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ هل هم أولئك الذين عاثوا في الأرض فساداً؟ هل هم أولئك المجرمون الجبناء الذين ما تركوا فاحشة من الفواحش إلا وغرقوا فيها وأرادوا أن يأتوا إليها بكل من يقدرون على غشه؟ تعالوا بنا نستمع إلى بعض النصوص من أجل أن نتبين أن سلعة الله غالية قال مرة عليه الصلاة والسلام من خاف أدلج ومن أدلج بلغ الحمى أو المنزل ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة يكفي ههنا أن الصحابة قد فقهوا مع أنهم ما التقوا طويلاً مع الرسول عليه الصلاة والسلام، الأنصار التقوه في العقبة الأولى وبايعوه والتقوه في العقبة الثانية وبايعوه، أتدرون أنه قد سأل عليه الصلاة والسلام لنفسه بعدما قال له بعض الأنصار سل لنفسك وسل لربك يا رسول الله؟ فاشترط عليهم أنه إذا ما آتاهم في ديارهم أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وذراريهم ولما اشترط عليهم ذلك وقف بعض نجباء الأنصار وقال ما قال ومن جملة ما أرود يا رسول الله إن بيننا وبين القوم أي اليهود في المدينة المنورة إن بيننا وبين القوم حبالاً وإنا لقاطعوها أرأيت وقد أظهرك الله عز وجل أن تتركنا وترجع فأجاب عليه الصلاة والسلام لا الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم

وقال آخر يا معشر الأنصار أتدرون على ماذا تبايعون؟ تبايعون على الحرب الأحمر وغيره على حرب الناس قاطبة أرأيتم لو أنكم دخلتم في هذه البيعة ثم أنهكت أموالكم وقتل أشرافكم أتسلمونه إن كان ذلك والله لهو شقاء الأبد وإن كان ذلك فدعوه فإنه آمن في بلده وإلا فخذوه فهو سعادة الأبد المهم أنهم قد عرفوا أبعاد هذه البيعة وأنهم سوف يبذلون الأموال والأرواح في سبيل إنفاذ هذه البيعة، إذا عرفوا ذلك وقف واقفهم فقال وما لنا يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال الجنة قالوا أبسط يدك نبايعك

إذن ما معنى الجنة في نفوسهم؟ هل هي وهم؟ هل هي خيال؟ أتظنون بأنهم يبذلون أموالهم رخيصة وأرواحهم يقدمونها سريعاً في سبيل الله عز وجل من أجل أن يكون لهم"جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ"، الجنة حقيقة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام فإذا ما كانت الجنة حقيقة لا بد لها من أن تبسط سلطانها على الذات، إذا كانت الجنة حقيقة وإذا كان للجنة أعمالاً إذا ما اكتسبها الانسان في هذه الدار أوصلته إلى "جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ" ليكون "فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴿٥٥﴾" إذا وقر في ذاته أن الله ماجد عظيم وأن الله تبارك وتعالى مقدس عن كل سمات النقصان وأن الله تبارك وتعالى هو الغني المطلق وهو القادر المطلق وهو المريد المطلق والذي "أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا" وأن الله عز وجل لا يرضى أن يجاوره في الجنة فاجر أو آثم أو كافر أو خب أو خائن إذا ما عرفت ذلك لا بد لك من أن تسلك المسالك التي وضحتها شريعة الله عز وجل

رجعت لأراجع من لا يدخل الجنة؟ ومن يدخلها؟ وهذه مراجعة مهمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وإن كانت هذه الوقفة لا يمكننا بحال أن نستعرض الأعمال والأقوال والأحوال والأفعال والظاهر والباطن والتصورات التي بها يدخلنا الله عز وجل "جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ"  ولكن نقتصر ونختصر، لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة خب ولا خائن الخب هو المخادع الغشاش لا يدخل الجنة فتاك أي نمام أي الذي ينقل الكلام من جهة إلى أخرى على سبيل الإفساد لا يدخل الجنة مدمن خمر لا يدخل الجنة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قاطع رحم

إذن هناك مواصفات هذه من اتصف بها في هذه الدار لا يدخل جنة الله تبارك وتعالى وإن كان العلماء يعلقون على هذا وأذكره وإن كنت لا أريد أن أذكره لأن النصوص جاءت عنه صلى الله عليه وسلم صحيح قد قيدت بنصوص أخرى ونحن نراعي ذلك كله، ولكن الأصل حيث يقول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لا يدخل الجنة ديوس دعك من الاستثناءات ودعك ممن قال لا يدخلها بادئ الأمر ذلك أن دخول الجنة مع الداخلين أمر مهم وعظيم يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال و"مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴿٤٢﴾ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴿٤٣﴾ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴿٤٤﴾ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴿٤٥﴾ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿٤٦﴾"

ذلك أن هناك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من يؤمن بالآخرة ولكنه ليس إيماناً راسخاً فسلوكه يدل على أنه ليس ممن يؤمن بالآخرة، سلوكه يدل على أنه ما آمن بالآخرة لأنه لو كان يؤمن بالآخرة لوجد نفسه أمام معطيات كثيرة (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله باليوم الآخر فليأت الناس بما يحب أن يؤتاه) وهكذا وجدنا أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق والسلوكيات إنما يصوغها الايمان بالله توحيداً والايمان بالآخرة والسعي إلى لقاء الآخرة وحال الصحابة إنما هو المرآة الصقيلة الصافية إن وقفنا قبالتها وجدنا أنفسنا على أي ماء نحن نقف إذا كنت ممن آمن بالله عز وجل واليوم الآخر فعليك أن تتتبع الآيات التي دلت على أوصاف من يدخلهم الله عز وجل الجنة "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿١٣﴾ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴿١٤﴾"، "إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ﴿٥﴾"، "عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴿٦﴾ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴿٧﴾ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿٨﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴿٩﴾ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴿١٠﴾ فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴿١١﴾ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴿١٢﴾"، هذه الأوصاف ينبغي أن يتابعها السعداء ينبغي أن يحققها في حياته ذلك الذي يرجو لقاء الله "مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّـهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّـهِ لَآتٍ ۚ" أسمعتم قول الله عز وجل يبين لنا المتعلق الذي تعلقت به قلوب الكثيرين وهو شهوات هذه الدنيا ثم أسمعتم قول الله عز وجل يعقب على ذلك بقوله "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿١٤﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿١٥﴾ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٦﴾ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴿١٧﴾" هذه صفات أهل الجنة يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

معاذ بن جبل رضي الله تبارك وتعالى عنه كان من جملة أولئك الذين شهدوا العقبة الثانية كان مع مجموعة الأنصار معاذ قال له مرة عليه الصلاة والسلام والله إني لأحبك، معاذ أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام معاذ شهد له الصحابة الكرام رضي الله تبارك وتعالى عنهم شهادات بعد شهادات يقول عمر رضي الله عنه لو كان معاذ حياً لاستخلفته وإذا سألني الله عز وجل لم استخلفته أقول له يا رب استخلفته لأن رسولك عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال إذا وقف العلماء بين يدي الله عز وجل إذا حضر العلماء ربهم جل جلاله كان بين أيديهم ركوة حجر أيسبق عبد الله أو معاذ رضي الله عنه العلماء بمقدار رمية حجر فهو إمام العلماء الربانيين

ومن هنا معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه لما طعن أي أصابه الطاعون وظهرت أثاره في أصبعه كان يقول اللهم بارك في القليل يرجو أن ينال الشهادة لأن من طعن أي أصيب بالطاعون فمات يكون شهيداً كما أخبر عليه الصلاة والسلام ثم كانت له أحوال منها أنه قال لابنته أنظري هل طلع الصبح رجعت فقالت لقد طلع قال نعوذ بالله من صباح إلى النار ثم يتوجه إلى الله جل جلاله يستقبل القبلة وهو يقول اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك فتقبل نفسي بخير ما تقبلت نفس مؤمنة

معاذ لما مسته سكرات الموت كان إذا ما صحا قال اخنقني خنقك فوعزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك، معاذ لما جاءته سكرات الموت هؤلاء لا يخافون من الموت، لماذا؟ لأن الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب، الذي يخاف من الموت لا بد من أن يموت، والذي لا يخاف من الموت معنى ذلك أنه يعد لما بعد الموت الغفلة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام عن الرحلة القدرية الربانية غفلة قاتلة أولئك الذين يعيثون في الأرض فساد لا علاقة لهم بالبرزخ ولا بالآخرة ولا بالتوحيد

لو أنهم استحضروا أنهم موقوفون غداً بين يدي الله عز وجل لو استحضروا ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين حينما يجتازون الصراط المستقيم يحبسون عند قنطرة القصاص فيقتص الله عز وجل من بعضهم لبعضهم مظالم في أعناقهم، فإذا ما هذبوا ونقوا لا بد من التهذيب ولا بد من التنقية يأذن لهم بدخول الجنة من أجل أن تقف الملائكة على بوابة الجنة "ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴿٤٦﴾" من أجل أن يقال لهم "سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ"، أما الذي لا يطيب أما الذي في قلبه خبث أما الذي في أعماله نجاسات أما الذي يدعو إلى الفاحشة ويفعلها فهؤلاء إن لم يتفطنوا لواقعهم الخطير الذي فيه التدمير إذ لا بد لهم من الرحيل عن هذه الدنيا

أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه يقول اللهم وهو في سكرات الموت اللهم إنك تعلم أني ما كنت أريد البقاء في الدنيا لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار وإنما لظمئ الهواجر ومكابدة الساعات في الليل ومزاحمة العلماء بالركب في حلق العلم أو كما قال رضي الله تبارك وتعالى عنه، ثم إلتفت إلى أهله قال استودعتكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع هذا قلب حاضر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

وفي المقابل اولئك الذين يخربون الحياة أيما تخريب أولئك الذين خربوا حياتهم وآخرتهم قبل أن يخربوا الدنيا بل ربما قال أحدهم إن الله عز وجل أمرنا أن نعمر هذه الدنيا وربما نعى على أولئك الذين يعرضون مثل هذا العرض، فيقول أنتم تريدون من الناس أن يموتوا قبل أن يموتوا نقول له إنك أخطأت الفهم أيما خطأ ذلك أن عمارة الدنيا ما ينبغي أن تكون على حساب تخريب الآخرة، بل الدنيا هذه مزرعة الآخرة ترى أكل حصاد أكل زرع يقبل عند الله لو أنه زرع الأفيونة في هذه الدنيا أيكون قد تقرب إلى الله عز وجل بهذه الزراعة لو أنه زرع الزنى ولو أنه زرع الربا ولو أنه نشر الفاحشة أيكون قد عمرها عمارة قد طلبتها منا شريعة الله تبارك وتعالى

الذين فهموا عمارة الدنيا هم الذين جاهدوا في سبيل الله عز وجل هم الذين ما كانوا يخافون في الله لومة لائم أولئك الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويبذلون النصيحة ويتواصون بالصبر والحق هؤلاء عمروا هذه الدنيا، بم عمروها؟ عمروها بالإيثار والمحبة والمساواة الحقيقية وطلب نقاء النفس سلوكاً وتصوراً أمة محمد عليه الصلاة والسلام

أحد الأمراء دعى شاعراً من الشعراء بعدما هيئ له مجلساً فخماً وجاهد الشاعر فقال له ينادمه هل لك أن تقول فيما نحن فيه قولاً

عش ما بدا لك آمناً في ظل شاهقة القصور

 يسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح إلى البكور

وإذا النفوس تقعقعت في ضيق حشرجة الصدور

هناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور

كلمات هي جملة الحقائق التي يحتاجها الكثير ليستحضرها

 

عش ما بدا لك آمناً في ظل شاهقة القصور

 يسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح إلى البكور

وإذا النفوس تقعقعت في ضيق حشرجة الصدور

هناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور

مهما انغرس في لذائذ الدنيا ، والنعيم فيها ، حينما تأتيه مغصة الموت، وتضربه سكرات الموت كأنما نراه من خلال قول الله عز وجل "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿٢٠﴾ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴿٢١﴾ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴿٢٢﴾"، ثم هناك يتخاصم أحباب هذه الدنيا الذين أحب بعضهم بعضاً في الدنيا، أحبوا أو أحب بعضهم بعضاً في الدنيا يتناصرون على الباطل ويخاصمون الحق ويصدون عن سبيل الله هؤلاء يتخاصمون هناك "وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴿٢٣﴾ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ" ثم يأمر من حيث قرينه "فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ"

"قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴿٢٧﴾" الجواب "لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ﴿٢٨﴾ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٢٩﴾ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴿٣٠﴾"

فاسترجاع الآخرة من حيث داراها الجنة والنار، هل هناك دار ثالثة؟ لا لكن ورد في القرآن ما يسمى بالأعراف، أهل الأعراف الذين تساوت سيئاتهم وحسناتهم فلا السيئات قادرة على أن تنزلهم في النار لأن الحسنات تقف في وجهها ولا هي تأذن لهم بدخول الجنة هذا التساوي معنى من معاني الأعراف، وهناك من المعاني غير ما ذكرت هؤلاء مآلهم إلى الجنة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حيث لا يبقى أحد خارج الجنة أو النار ينادي المنادي يا أهل الجنة أطلوا فيطلون ويا أهل النار أطلوا فيطلون ثم ينظرون أو ينظرون إلى كبش أمله هو تجسيد للموت، أتعرفون هذا؟ نعم نعرفه، ما هذا؟ هو الموت الذي ذقناه فيدبح الموت يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، أسمعتم قول الله عز وجل "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴿١٨٥﴾"

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين !

الحمد لله وأفضل الصلاة وأتم التسليم على رسول الله، أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إن ربنا جل جلاله قال لنا فيما قال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

نحن نعلم وهذا أمر قدري معلوم من المسلمين وغير المسلمين أن حينما ينتهي الأجل لا نستطيع أن ندفع الموت على الإطلاق لا نحن ولا غيرنا "كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴿٢٦﴾ وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ ﴿٢٧﴾ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴿٢٨﴾ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴿٢٩﴾ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴿٣٠﴾ " نعلم هذا، ومن هنا ما نهينا عن الموت وإنما نهينا عن أن نخرج من بوابة الموت إلى عرصات البرزخ على الحالة نشقى بها والعياذ بالله تبارك وتعالى لذلك قال "وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"، هنا نجد أنفسنا أمام ما الذي يمنعنا من أن نظل في حالة مراقبة لله تبارك وتعالى، الدنيا ومشاغلها وملهياتها وشهواتها ومن هنا من مكن الدنيا من ذاته أسرته هذه الدنيا بذلك التمكين

يقال إن عيسى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم رأى الدنيا في صورة عجوز هالكة وعليها من كل زينة الله تبارك وتعالى فقال لها يا دنيا، كم زوجاً تزوجت؟ قالت والله لا أدري، قال أكلهم طلقك؟ أم مات عنك؟ قالت لا كلهم قد قتلته، ثم يعلق العلماء فيقولون يا بؤس الأزواج الآخرين الذين رأوا من تزوجتهم الدنيا فقتلتهم ثم لا يزالون على الطريق نفسه، هكذا تفعل الدنيا بأهلها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام عبارة جاءت منقولة عن السيد المسيح عليه الصلاة والسلام، وهنا حينما ننقل عن السيد المسيح عليه الصلاة والسلام يعني هذا أن هذه المعاني وهذه الحقائق جاء بها كل الرسل عليهم الصلاة والسلام الدنيا غدارة، الدنيا غرارة، الدنيا خادعة إلا إذا فهمت عن الله عز وجل وعرفت أنها دار من أجل أن تكسب فيها رضى الله جل جلاله

يقول هكذا تفعل الدنيا بأهلها سببه كان معه صديق وكان في سياحة فقال المسيح عليه الصلاة والسلام لصديقه اذهب فأتنا بثلاثة أرغفة ذهب هذا وقام المسيح يصلي رجع فلما رأى المسيح منشغلاً بالصلاة أكل رغيفاً وبقي رغيفان لما أنهى الصلاة قال هاك رغيف ولي رغيف، قال له أين الثالث؟ قال له ليس هناك إلا رغيفان، يا هذا ليس هناك إلا رغيفان فمضيا وعلى الطريق اعترضهم نهر كبير فأمسك المسيح بيد هذا الرجل ومشى على وجه الماء إلى أن تجاوزا ذلك النهر بعد أن تجاوزا النهر، قال له يا هذا أسألك بالآية التي رأيتها من أكل الرغيف الثالث؟ قال ليس هناك إلا رغيفان، مضى فمر بالضباء فدعى واحداً ثم ذبح وشوي وأكل منه ثم قال له قم بإذن الله عز وجل لأن من آيات المسيح التي أيده الله عز وجل بها إحياء الموتى، فقال أسألك يا هذا بالآية التي رأيتها من أكل الرغيف الثالث؟ قال ليس هناك إلا رغيفان، ومشا الإثنان حتى وصلا إلى مكان فوجدا فيه ثلاثة من اللبن مصنوعة من الذهب، لبنات من الذهب، ثلاث لبنات من الذهب، فقال المسيح عليه الصلاة والسلام لبنة لي ولبنة لك ولبنة لمن أكل الرغيف الثالث، قال يا السيد المسيح قال أنا أكلت الرغيف الثالث فأخذ اللبنة فلما إنكشف أمره للمسيح بهذه الصورة وبإقراره بلسانه قال لك الثلاثة، اللبنات الثلاثة لك، ثم فارقه المسيح عليه الصلاة والسلام

جاءت عصابة مباشرة ورأت اللبنات من الذهب فقتلت ذلك الرجل واستولت على اللبنات الثلاثة وكانوا ثلاثة فقالوا لأحدهم إذهب فأتنا بطعام ذهب الثالث إلى المكان الذي فيه الطعام ليشتريه فتشاور الاثنان إذا رجع صاحبنا قتلناه وتقاسمنا اللبنات الثلاث واتفقا على ذلك صاحبنا الذي وليس بصاحبنا ذلك الذي ذهب ليأتي بالطعام قال ما في أحسن من هذه الفرصة نضع السم في الطعام فيأكلانه فيموتان وأخذ اللبنات الثلاث، الدنيا تفعل هكذا بأهلها رجع بالطعام المسموم فما أن وصل إلى صاحبيه حتى عديا عليه فقتلاه وما الذي بقي، بقي أن يأكلا الطعام، أكلا الطعام فمات الثلاثة وجاء المسيح ماراً فلما علم بالمشهد ما كان من أمر هؤلاء حتى قال هكذا تفعل الدنيا بأهلها

الدنيا حينما تخلو من التوحيد، من مراقبة الله عز وجل، من الحضور مع الله تبارك وتعالى حينما تكون الغفلة في هذه الدنيا عن المصائر التي نحن متجهون إليها لا بد من أن يقتل بعضهم بعضاً، على ماذا؟ على لبنات من ذهب لو أنهم بذلوا أرواحهم في سبيل الله عز وجل لكانت الشهادة التي قال فيها ربنا تبارك وتعالى "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿١٦٩﴾"

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين، اللهم ربنا إجعلنا أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.