381 - تزكية النفس فرض عين
خطبة الجمعة    381 - تزكية النفس فرض عين
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

إذا بدأنا فقلنا نحن بين شاطئين نحن مبدأهما ونحن منتهاهما فلا نكون قد أبعدنا أو إذ قلنا يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نحن بين يدي سلم دلي لنا من السماء أوله في الأرض وآخره في جنة عدن سلم من ارتقاه رقى به ولا يزال يرقى حتى يصل إلى "مقعد صدق عند مليك مقتدر" فلا نبعد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام. شريعة عظيمة جاءت بتفاصيل الحياة وسددت السلوك وأقامت التصور الصحيح الصادق الذي يتطابق تطابقاً كاملاً مع الحقائق حقائق هذا الوجود، شريعة في كثير من مناحيها إزدواجية رائعة حصيفة عميقة بسيطة وافية موفية صادقة أيما صدق رمزان ضرب الله عز وجل بهما لأمرين عظيمين الأول طلب منا أن نتبناه والثاني طلب منا أن نجتنبه "ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" كلمة الايمان وما تؤتيه من ثمرات في الأقوال والأفعال والأحوال وكلمة الكفر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وقال وإياكم من كلمة الكفر ومن كل ما يقرب إلى الكفر والكافرين بل وقانا الله تبارك وتعالى أن نسأله في هذه الوقفة أن يقينا من النفاق والمنافقين.

ثم إذا نظرت إلى بعض العبادات نظرة فاحصة دون استقصاء وجدت الصلاة مثلاً قال فيها ربنا جل جلاله "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" وقال "ولذكر الله أكبر" المنحى الأول في الصلاة إذا ما أقمناها وفق ما جاء به شرع الله نهتنا عن الفحشاء والمنكر وإذا كان كل المسلمين يصلون معنى ذلك أن ساحتهم قد خلت من الفحشاء والمنكر أما إذا ما عمت الفئات الاسلامية الفحشاء والمنكر معنى ذلك أنهم لا يقيمون الصلاة كما أراد الله جل جلاله ثم دوام الصلة بالله عز وجل لما قال تنهى أتى بالفعل ولما قال ولذكر الله أكبر جاء بصيغة جملة اسمية تدل على الثبوت والثبات أي إن الذي يقيم الصلاة لا يزال موصولاً بالله جل جلاله عبر دوام حضور القلب مع الله جل جلاله.

ولو نظرنا إلى الصوم لوجدنا مثل ذلك أو قريب منه ذلك أن الصوم فيه وقاية من شره النفس ونجم لها كي تتمكن من التعامل مع شهواتها وفق منهج الله جل جلاله كذلك الصيام يربي فينا القدرة على حسن التعامل مع أحكام شريعة الله تبارك وتعالى.

أما الزكاة فهي بهذه المثابة ذلك أن الزكاة فيها تطهير وفيها تزكية التطهير إنما يكتسح الشح الذي قتل الكثيرين ودفع إلى سفك دماء الكثيرين الشح يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لا يقي منه إلا أن تجاهد النفس بذات الله جل جلاله ومما شرع الله عز وجل لاقتلاع الشح من جذوره ليبقى شحاً صالحاً بدل من أن يكون شحاً فاسداً إجرامياً عدوانياً تأتي الزكاة من أجل أن تخلص النفوس من الشح وتأتي أيضاً من أجل أن تبني العلاقات الرائعة الصالحة بين أفراد المجتمع حيث إن الله عز وجل أعطى من أعطاه فبلغ ما أعطاه النصاب وحال عليه الحول فوجب فيه الزكاة وأن هناك أناس قد قعدت بهم مكاسب الحياة فإذا بهم يحتاجون إلى أن يرفدوا.

نقول هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وبين مسامعنا ما قاله محمد بن واسع قال عجبت من رجل ليس بيده شيء وهو راض عن ربه جل جلاله ويقول آخر من كذب فهو منافق وقال ثالث إذا أردت أن تتعرف إلى الجاهل ما عليك إلا أن تنظر إلى قوله حيث قوله لا ينفع وإلا عطائه فإنه لا يضع العطاء في موضعه  هو يحسن الظن بكل أحد حتى إبليس هو حينما يتحرك غضباً يغضب من غير ما سبب ونستمع إلى آخر وآخر فإذا بنا أمام مجموعة رائعة صالحة من العطاءات التي تفجرت في صدور من آتاهم الله عز وجل الحكمة يقول أبو تراب رحمه الله تبارك وتعالى أشرف القلوب قلب حظي بنور الفهم عن الله جل جلاله هذه الأقوال وأمثالها  الكثير إذا ما سنحت الفرصة لسوقها نضم لها مشاهد هي التطبيق العملي بل هي ثمرة ما نريد أن نتحدث عنه.

ما الذي نريد أن نتحدث عنه أمة محمد عليه الصلاة والسلام، نتحدث عن فريضة عينية ارتبط أمرها بالفلاح وارتبط تركها بالخيبة والخسران فرض عين إنما أناط الله عز وجل أمر القيام به وتعليمه لمن أقبل على الله جل جلاله، رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قام بهذه الفريضة ثم دعى إليها وربى جيل الصحابة عليها هذه الفريضة هي من مقاصد الرسالة التي جاءنا بها رسولنا عليه الصلاة والسلام من الله جل جلاله تزكية النفس لكن بأبعادها التي ينبغي أن نستحضرها خاصة ونحن نعيش أحوالاً نرجو الله عز وجل أن تتمخض عن ولادة المجتمع الرباني مهما كانت العوائق ومهما وصف الصادون عن سبيله هذا المولود الذي لعله يقربنا من تلك المرحلة التي قال فيها عليه الصلاة والسلام نبوة ثم خلافة راشدة ثم ملك عضوض ثم ملك جبري ثم حكم على منهاج الخلافة الراشدة قال ربنا جل جلاله وهو يبين مقاصد الرسالة وهو يحدد لنا ارتباط تزكية النفس بالفلاح علماً أن الشريعة قد جاءت بتفاصيل من أروع التفاصيل في أمور خاصة أتتناول الشريعة السواك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وكيف تدخل إلى الخلاء وكيف تخرج منه وكيف تدخل إلى بيت من بيوت الله وكيف تضجع لتأخذ مقعدك من فراشك وما الذي تقوله في دخولك وخروجك أتأتي بهذه التفاصيل أي تضبط سلوك الانسان وتحدد حركته من أجل أن تكون حركة ربانية وتغفل هذه الشريعة التي جاءت بكل هذه التفاصيل أمراً من أخطر الأمور ألا وهو تزكية النفوس على معنى تطهير هذه النفوس من كل الشوائب على مستوى التصور وعلى مستوى الأمراض النفسية وعلى مستوى السلوكيات التي ينبغي أن تتأتى جراء ما جاءنا به رسولنا عليه الصلاة والسلام من حقائق الايمان.

قال أبو بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه يا رسول الله مرني بدعاء أدعو الله عز وجل به والظن الغالب أن هذا لما نقل لنا إنما نقل لنا لأنه ليس بخاص بالصديق وإنما هو عام بكل فرد من أفراد هذه الأمة قال "قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه" قلها عند الصباح وعند المساء وحين تأخذ مضجعك للنوم، اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت  كأنما هيأه للحضور والخطاب لم يقل لا إله إلا هو وإنما قال لا إله إلا أنت لأنه توجه بذراته إلى الله جل جلاله هذا التضرع هذا الثناء على الله هذا ما يتعلق بالإفاضة التي تفيض بها القلوب حينما تتوجه إلى الله عز وجل مناجاة وإقراراً بربوبية الله جل جلاله، ما الذي تطلبه تعوذ بالله عز وجل من شر النفس وتعوذ بالله عز وجل من شر الشيطان وشركه ذلك أن من شباك الشيطان اولئك الذين يدعون الاسلام مع أن سلوكهم إنما يجافي أبسط الأحكام في شريعة الله تبارك وتعالى قال جل جلاله "والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ثم بين الله عز وجل بالآيات التالية حال اولئك الذين لم يزكوا أنفسهم وقد قال الله عز وجل في موطن آخر "ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة" وإن كان هنا للزكاة معنيان المعنى الأول الذي جاء على لسان كثيرين من المفسرين ولايؤتون الزكاة أي لا يزكون أنفسهم وأول مبادئ التزكية عند المشركين أن يتخلصوا من شركهم بالله جل جلاله أعطانا الله تبارك وتعالى مثل أولئك الذين ما زكوا أنفسهم وبين لنا سلوكياتهم وقبل ذلك وجدنا أنفسنا أمام ما أخبر الله عز وجل به عن هذه النفس قال علماء التربية إن كتاب الله عز وجل أو إن شريعة الله تبارك وتعالى عالجت أمر النفس عبر طريقين طريق التفسير وطريق التغيير أما التفسير فهو تحليل لمكامن النفس وصفاتها وأحوالها لا تقل هذا لا يهمنا لأنه يتناول نفسك ونفسي أما ذكرت النفس في القرآن بأحوال أما قال ربنا جل جلاله "إن الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين" تأتي العبادات هنا لتدخل في تقويم اعوجاجات النفس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أما قال ربنا جل جلاله "إنه كان ظلوماً جهولا" أما عاب الله عز وجل على الفرحين أولئك الذين يدفعهم فرحهم إلى أن يغرقوا في الشهوات والتسلط والعدوان لا يحب الله الفرحين.

البصر من أحوال النفس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا تصعر خدك للناس مظهر من مظاهر أمراض النفس، العجب والكبر والخيلاء والتعالي وغمض الحق وبصر الحق وغلط الناس كل هذا من أحوال النفس ولذلك تزكيتها أن تخلصها بعدما فسرتها أي حللتها من كل الآفات التي تقطعك عن الله جل جلاله تسوقها إلى الله بعد أن ألزمتها شرع الله تضع الخطام في فمها وتلزمها كتاب الله عز وجل ليقودها إلى جنات في الدنيا هي جنات السلوك الرباني إلى أن تحط الرحال هناك "في مقعد صدق عند مليك مقتدر" التغيير جاءت به آيات القرآن وأحاديثه صلى الله عليه وسلم وكل ما جاء من سيرته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم تفسير وتغيير من لم يفسر لا يغير ومن كان جاهلاً في شرع الله عز وجل لا يدري كيف يغير.

معرور بن سويد قال رأيت أبا ذر رضي الله تبارك وتعالى عنه وعليه حلة، والحلة هي الثوب الكامل وعلى غلامه حلة مثلها فسألته عن ذلك يا أبا ذر على غلامك حلة كالحلة التي تلبسها فذكر أنه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام سب رجلاً فعيبه بأمه فذهب الرجل إلى الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم إنك امرء فيك جاهلية أليس هذا نوع من أنواع التعشيب أي اقتلاع كل الحشائش والنباتات التي هي شائهة ومشوهة التي هي سامة في أحيان كثيرة في قاع النفس وقعرها إنك امرء فيك جاهلية ثم بين عليه الصلاة والسلام فقال "من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموهم مما تطعمون وألبسوهم مما تلبسون ومن لم يلائمكم من مماليككم فبيعوه لا تؤذوا خلق الله" لاحظ لا تؤذوا خلق الله ولاحظ ما تعيشه الأمة الاسلامية اليوم لا تؤذوا خلق الله يريد أنه عيبه فآذاه ولا يريد أنه أطلق عليه فقتله لا يريد أنه ذبحه بل لأنه عيره بأمه هذه شريعتنا بعمقها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حيث استطعنا أن نصل إلى هذا العمق وهناك عمق وعمق وعمق وما أروع شريعة الله عز وجل حينما تصوغ السلوك قال ربنا جل جلاله "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم" أنتم من أخبر الله عز جل عنهم بقوله "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم" الأجيال الاسلامية عليها أن تنهل من مناهل رسول الله عليه الصلاة والسلام يزكيهم إنما ذكر مباشرة بعد قول الله عز وجل "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" قدم التزكية على التعليم وهناك دراسات تقول إن ثمة إرتقاء بين التربية والتزكية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أو بين التعليم والتربية في مصطلحاتنا اليوم أما التزكية فهي كلمة قرآنية راقية عميقة إنما تناولت الظاهر والباطن من هذا الانسان ترقى به حيث إن معناها النمو والبركة والاتساع وصياغة الباطن وصياغة الظاهر والعجيب ههنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن الآية المباركة إنما جاءت في سورة الجمعة، وفي سورة الجمعة يذكر الله عز وجل حال الذين تعلموا دون تزكية حملوا العلم دون أن تهذب نفوسهم "مثل الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا" أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لماذا ساقه الله عز وجل بعد قوله "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم" ليدل أن هذه الأمة إذا ما نهلت من مناهل عليه الصلاة والسلام فإنها تجمع بين التزكية والتعلم والتعليم من هنا تنأى عن ذلك المثل الذي ضربه الله عز وجل اولئك الذين حملوا التوراة وأخفوا الكثير منها وحرفوا فيها ولاغوا فيها وأولوا فيها تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان ووظفوها لخدمة السلاطين هؤلاء ظنوا أنهم يتقربون إلى الله عز وجل بهذا ولذلك شمخوا بأنوفهم فكسر الله عز وجل هذه الأنوف، شمخوا بأنوفهم حيث كانوا يقولون للعرب نحن أهل الكتاب والعلم وليس لكم كتاب يقولون للعرب نحن لنا يوم السبت وهو أفضل أيام الأسبوع وليس لكم سبت نحن أفضل منكم هذه الدعاوى يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام رد الله عز وجل عليها في سورة الجمعة نفسها قال "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" فكان لنا أن أعطانا الله تبارك وتعالى يوم الجمعة فاغتاظ يهود من ذلك "قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم" أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

ابراهيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لما رفع القواعد من البيت ودعى الله عز وجل ومعه اسماعيل بعد الدعاء "ربنا واجعلنا مسلمين لك" اهتمام بالنفس "ومن ذريتنا أمة مسلمة لك" اهتمام بالنفس والذرية أيعد المنهاج الذي به ترقى الأجيال ولا يبحث عن مناهج تضلل الأجيال هذه من الجرائم الكبرى التي ربما غفل عنها كثير من المسلمين ومن ذريتنا أمة مسلمة لك هل اكتفى بذلك لا إذا سئل الله عز وجل أن يجعل من الذرية أمة مسلمة ألا يسأل الله عز وجل أن يبعث فيهم القائد الذي يقودهم إلى شاطئ الأمان يقودهم إلى رحاب الله جل جلاله ليعيشوا قد عرفوا الله وعظموا الله وهابوا الله وخشوا الله تبارك وتعالى ومجدوا الله وسبحوا الله وهللوا الله جل جلاله أجل قال "ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم" قال العلماء إن ابراهيم لما دعى أخر التزكية عن التعليم ولما بين الله عز وجل حال الرسول عليه الصلاة والسلام قدم التزكية على التعليم قال العلماء لأن موقف ابراهيم ليس موقفاً محدداً لمهمة الرسول عليه الصلاة والسلام كما في سورة الجمعة وإنما موقف فيه تزكية لأمة محمد عليه الصلاة والسلام ذلك أنها أمة مزكاة وقد أخبر الله عنها بقوله "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" لا بد من هذه الصفات التي حددها ربنا جل جلاله ملصقة لازمة لقضية خيرية من أن تتحقق وإليك شرط الخيرية تحقيق حقائق الايمان والدعوة إلى تلك الحقائق تطبيق شرع الله عز وجل على النفس ودعوة الآخرين إلى تطبيق شريعة الله تبارك وتعالى أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

لعل المواقف التي ألخصها هي ما نحتاجه إليه أو نحتاج إليه حاجة ماسة أبو تراب الذي ذكرته آنفاً لم يكن معه فلس جاء إلى المزين أي الحلاق فقال له أتحلق رأسي لوجه الله قال نعم إجلس حلق الحلاق رأس أبي تراب ما الأجرة حلق الرأس يبتغي وجه الله هذا الأجر لا يثمن بينما هو يحلق له إذا بأمير المدينة يمر وهو يعرف أبا تراب قال لبعض رفقائه أليس هذا أبا تراب قالوا بلى قال معكم شيء قالوا معنا ألف دينار ألف دينار ثروة قال لأحدهم إحملها إليه وقل له سامحنا ليس معنا سواها ذهب بالألف وكان المزين قد انتهى قال أبا تراب يسلم عليك الأمير لاحظ هذا الأمير يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ويقول لك سامحنا ليس معنا سوى هذا المبلغ ولم يذكره فقال له أبو تراب أعطه للحلاق أعطه للحلاق، موقف الحلاق الآن حلاق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وليس عالماً يحمل شريعة الله تبارك وتعالى الحلاق يقول يا شيخ أما تستحي طلبت مني أن أحلق رأسك لوجه الله ثم تعطيني أجراً لا أخذه ولو كان ألف دينار أبقاها هكذا قال الذي حمل الكيس أجل والله إنها لألف دينار قال لا أخذها والله وأبو تراب لا يأخذها لأنه لا حاجة له بها إرجع إلى الأمير وقل لا حاجة لنا بهذا المبلغ لو كنت مكانه لسقطت في الاختبار ما الاختبار لما قال أحلقه لوجه الله يعني ترى وجه الله ما ينبغي أن يلتفت إلا إلى وجه الله وجاء الاختبار بمبلغ ولم يكن درهم أو درهمين مئة أو مئتين وإنما كان ألف دينار ردت يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أليس في هذا من الأدلة على أن النفوس قد تزكت يعني حضرت مع الله أي سددت خطواتها وهي متجهة إلى الله جل جلاله هذا حلاق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

وائلة بن الأصقع من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام كان في السوق وهذا المشهد إنما يجسد لنا حقيقة من الحقائق الكبرى التي تقول ينبغي على المسلم أن يقوم بشرع الله عز وجل ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى وما ينبغي عليه بل لا يصح منه أن يقدم مصلحة خاصة أو دنيوية على حقائق شرع الله تبارك وتعالى من أغمض عن حقائق الشرع ابتغاء مصلحة خاصة أو غير خاصة مصلحة دنيوية قريبة أو بعيدة معنى ذلك أنه لم يزكي نفسه أقل ما يقال فيه وأنت خبير بأن الله عز وجل قال "وقد خاب من دساها" أي دسسها أي ملأها بالأوبئة والنجاسات وائلة كان في السوق فجاء رجل يريد أن يشتري ناقة جملاً وساوم صاحب الجمل على ثلاثمئة درهم انشغل وائلة بينما العقد قد تم ودفع المبلغ وأخذ المشتري جمله ثم مضى التفت وائلة فإذا بالجمل يبعد به صاحبه الذي اشتراه ركض وراءه عجيب أمر وائلة ليس له علاقة بالجمل ولا بالتجارة لم يكن تاجراً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بل كان صديقاً للتاجر قال يا هاذا توقف فالتفت قال ما بك قال لماذا اشتريت هذا الجمل هل اشتريته للحم أم للركوب قال بل للركوب قال فإن به آفة به نقض في أخفافه نقض وهو لا يتابع السير فيه علة فرد المشتري الجمل إلى البائع وتفاوضا من جديد فأسقط له مئة درهم وبقي الجمل بمئتين من الشاهد هنا بعد ما قضى الذي اشترى الجمل قال البائع لوائلة يرحمك الله أفسدت علي بيعتي يرحمك الله دعاء أفسدت علي بيعتي بماذا أجابه وائلة بل بماذا يمكن أن نكون نحن اليوم وأحوال الأمة على ما نعرف وربما قدمت المصالح الخاصة على مصلحة الشريعة حيث تستقر ولا سعادة لأمة إلا إذا استقرت أحكام شريعة الله عز وجل لأن الله عز وجل يقول "قد أفلح من زكاها" وتزكيتها إنما تعني بمعناها الأبعد أن تلتزم شرع الله ظاهراً وباطناً لأن التزكية إنما تتناول كشط الدهون عن النفوس كشط الأوهام النفسية الخبيثة من النفوس تكشط كل آفة تقطع عن الله جل جلاله بماذا أجاب وائلة إن رسول صلى الله عليه وسلم أخذ علينا العهد أن ننصح لكل مسلم وقد سمعت عليه الصلاة والسلام يقول لا يحل لأحد أن يبيع سلعة إلا بعد أن يبين ما بها من عيب إن كان بها وعلى الذي يعلم ذلك أن يبينه ووائلة بالضرورة كان واقفاً ويدري أن هذا الجمل الذي باعه صاحبه إنما به علة أمة محمد عليه الصلاة والسلام

هل هناك مضامير أخرى كل الحياة بهذه المثابة زوجة عمر الفاروق تريد أن تنهض بالاقتصاد بالمدينة المنورة تريد أن تسجل رصيداً لها استقرضت ديناراً واشترت قوارير وعطراً فوضعت العطر بالقوارير ثم أرسلت تلك القوارير إلى زوجة ملك الروم في عصر عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه وصلت القوارير العطرية إلى زوجة ملك الروم ما كان منها إلا أن فرغتها ثم ملأتها بالجواهر ثم ردتها إلى زوجة عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه وصلت القوارير المجوهرة وضع البساط وفرغت القوارير جواهر أرسلتها زوجة ملك الروم ما أحد منا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يقول في هذا شيء إلا إذا حولها إلى مسألة سياسية كأن يقول هذا لون من ألوان التدخل هذا لون من ألوان الود الذي نهانا الله عز وجل عنه أما في الأصل إنما استقرضت ديناراً واشترت عطوراً وبعثت بها هدية وردت المهدى إليها مثل هذه الهدية بل أكثر منها دخل عمر أجل دخل عمر  

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

ابن أبي مليكة يقول لقد التقيت ثلاثين من الصحابة كلهم كان يخاف على نفسه النفاق وسئل الإمام أحمد أيخاف المؤمن من النفاق قال ومن يأمن من النفاق إذا الفاروق رضي الله عنه خشي أن يكون قد ذكر مع المنافقين حتى استشهد حذيفة أنشدك الله يا حذيفة هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يخاف من النفاق في خطر لا بد من أن يخاف من النفاق، من لم يخف من النفاق فهو على شذا هذه واحدة والثانية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نحن مطالبون بدقة الأداء وفق منهج الله وإنطلاقاً من أن الله بكل شيء عليم من ظن أنه إذا غاب عن أعين الرقباء الأرضيين نجا خسر وخاب، لماذا لأن الله تعالى يقول في محكم كتابه "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين" أجل هؤلاء ما كانوا يستثيرون أن يشهد عليهم سمعهم ولا أبصارهم ولا جلودهم وهم ظنوا أن الله لا يعلم كثيراً مما يعملون "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم" الظن السيء بالله عز وجل منه أن تظن بأن الله غافل عما يعمل الظالمون "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وافئدتهم هواء" "ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية" يظنون بأن الله لا ينصر رسوله وأن الله ينصر أهل الحق إذا نادوا بالحق يظنون بأن الله عز وجل سيطفي نور هذه الشريعة وأنها لن تبلغ ما وعد به الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ارجع إلى التفاسير ما الذي قالوا في حق المنافقين الذين يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية

دخل العمر الفاروق فإذا بالبساط عليه جواهر وافرحتاه وافرحتاه لو صح لقلنا لقد ارتبطت هذه الثروة قد دخلت بيتنا وسنحولها إلى مستودعات كاملة خارج المدينة المنورة. لا والله قال ما هذا فذكرت له ما كان قال هات أعطاها دينار الذي استقرضته وباع الجواهر وأودعها في بيت مال المسلمين.

كان في السوق عمر يتجول التجول الذي يعرفه الناس القاصي والداني من هنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يخشى الكثيرون من أن تأتي شريعة الله عز وجل لتضبط حركة الحياة. أيديهم طويلة وشريعة الله عز وجل تقصرها لا ينبغي كما قال أحد الصالحين أن يكون الحر صريع بطنه وفرجه وهم صرعاء لبطونهم وفروجهم.

رأى إبلاً سماناً لمن هذه؟ هو مسؤول حتى عن حيوانات الأمة قالوا هذه الإبل لعبد الله بن عمر نعم لعبد الله بن عمر بخ بخ يا ابن الخطاب بخ بخ يا عبد الله وبخ هذه كلمة استحسان واستدعى ولده جاء عبد الله مثل بين يديه ما كان من عبد الله أن يدافع فيقول يا أمير المؤمنين إن حركة البيع والشراء ينبغي أن تنمو أفقياً وعمودياً وأنا أتحرى لأشارك أهل السوق في سوقهم على أن أتقي الله تبارك وتعالى في ذلك، قال ما لك يا أمير المؤمنين، قال ما هذه الإبل التي رأيتها، قال هي إبل كانت هزيلة فاشتريتها بثمن ثم بعثت بها إلى المرعى حتى إذا ما سمنت بعتها أتاجر كما يتاجر الناس ماذا قال عمر أتدري ما يقولون ارعوا إبل إبن أمير المؤمنين اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين خذ رأس مالك والباقي اجعله في بيت مال المسلمين.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

اللهم ربنا أتي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.