385 - في يوم عرفات
خطبة الجمعة    385 - في يوم عرفات
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى ، ربنا ولك الحمد إذا رضيت ، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !!

قرأت لذلك العالم الذي توفاه الله- عز وجل- من قريب ، وقد دبج كلمات ، يتناول فيها خطبته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في عرفات، عرفات ذلك الحفل الرباني الرائق المتفرد المتسم بتحقيق العبودية لله- تبارك وتعالى- والذي ينضح خشوعاً وتخشعاً ، والذي تمتزج فيه الثناءات على الله عز وجل مع الدموع.

عرفات !! غداً سيحضرها ضيفان الرحمن، ضيوف الرحمن- هناك- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ونحن- هنا- نرى حينما نتحدث عن عرفات الكثير من الحقائق والمشاعر الراقية، أنتحدث- في هذه الوقفة القصيرة- عن تلك المواهب والفيوضات والتجليات التي يتذوقها من كان هناك، أم أننا نتحدث عن شعيرة من شعائر هذا الإسلام العظيم، هذا الإسلام العظيم الذي أبى الله- عز وجل- إلا أن يتمه.

وهنا يمكننا قبل أن نعرض ما قال هذا العالم أن نقول: لو أنك اطلعت على حال المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- هناك في مكة المكرمة ، وهو يتبع منازل الناس ، يدعوهم إلى الله- جل جلاله- من يحملني إلى قومه لأبلغ دين الله تبارك وتعالى .

وكان أبو لهب يجري وراء النبي- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ما من موطن ينتقل عنه إلا حل فيه أبو لهب، فإذا به بإعلامه الحاقد يأبى إلا أن يشوه الدعوة إلى الله- جل جلاله- والإعلام الحاقد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- خطير، فكم من كلمة قالها لسان الإعلام المنحط الحاقد الكافر الجاحد المشرك الوثني الجاهلي قد صدت عن سبيل الله تبارك وتعالى .

ذلك أن الناس لهم آذان ، وليس كل الناس على مرتبة واحدة من الوعي في استقبال ما يلقى في آذانهم، ولكن الصد هذا عن انتشار دعوة الله تبارك وتعالى ؟ هل صد ما لوًن به كفار مكة ، أو الجاهلية ، أو الوثنية ، ما لوًنت به من ألوان العذاب لأولئك الذين أقبلوا على الله- جل جلاله- من الصحابة الكرام الذين سبقوا إلى الإيمان، هل صد ذلك- يا ترى- عن انتشار دين الله تبارك وتعالى ؟! أما يكفي أن نقول بأن شدة الاضطهاد والمطاردة والإيذاء والتنكيل والضرب والسلخ والقتل ، كل هذا دفع إلى أن يهاجر المسلمون تاركين مكة المكرمة، تلك البلد الحرام التي قال فيها الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو يودعها " والله إنك لأحب أرض الله إلى الله ، وأحب أرض الله إلى نفسي ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت "

هل صد ذلك- يا أمة محمد- عن انتشار دين الله تبارك وتعالى ؟ لو أننا تتبعنا كلماته- عليه الصلاة والسلام- أو: لو أننا تلونا الآيات القرآنية المبكرة  في العهد المكي لوجدنا أن الله- عز وجل- قد أنزل الشريعة لتبقى إلى يوم القيامة، وما قدره الله عز وجل هيهات لكل طوائف الأرض أن يطمسوه ، أو أن يوقفوه. لو أنك نظرت كما نظرت لوجدت أن المسلمين اليوم مئات من الملايين ،وقد انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، يوفدون كل عام منهم وفوداً إلى هناك حيث رحاب الله تبارك وتعالى الطاهرة.

من- هنا- وكأنما قرأ هذا ، أوقرأ بعضه ، أو كله، يقول ذلك العالم حينما أصلي على المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أجدني أضع الثناء في موضعه، فالرسول- عليه الصلاة والسلام- موضع الثناء ، ولم لا ، وأنت حينما تصلي وتسلم- عليه صلى الله عليه وسلم- معنى ذلك أنك تشهد العبودية بكمالها وروائعها وعطورها وأنوارها ودلالاتها وسموها وعطاءاتها الإنسانية الربانية ،  تشهد هذا في شخصه- عليه الصلاة والسلام- الذي أبى إلا أن يعيش أنفاسه يبتغي رضوان الله تبارك وتعالى، أبى إلا أن يذيق الوثنية دروساً، أبى إلا أن يحطم الطواغيت والأصنام ، تلك الأصنام التي كانت منتشرة في مكة المكرمة !!!.

ولعلي لا أبعد- هنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! إذا ما قلت: إن هناك أصناماً قد نصبت من جديد، الأصنام الأولى أصنام من حجارة منحوتة ، كسرت رأسها الفؤوس ! ، ولما جاء- عليه الصلاة والسلام- مكة المكرمة فاتحاً ، ما كان منه إلا أن أشار إليها إشارة خفيفة بعود بيده ،وهويقرأ قول الله- عز وجل- : "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" فكانت تنكس الأصنام على وجوهها ،ومن يومها نظفت مكة من الأصنام !! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أفيمكن- بعدها- أن تنصب أصنام أخرى مصنوعة من غير الحجارة !! ، من المال والجاه والشهوات والأهواء !، من التشبثات الفكرية التي نصبت لتزيح شرع الله- تعالى- عن صياغو المجتمع، أيمكن ذلك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ودون أن يشار إليها مجرد إشارة ، أو يطاح بها ؟؟

كان جبلة بن الأيهم يطوف بالبيت العتيق ، وكان قد دخل في الإسلام، وووافق أن مر به أعرابي   فداس- دون قصد- على طرف ردائه، خربت الدنيا لما ديس على طرف رداء جبلة، ما كان منه وهو في الطواف ،أجل كان في الطواف، ولكن العلماء يحللون هذه الشخصية في تباطؤ ، فيقولون : كان يطوف بجسده ، وحول نفسه، وإنه كان جسده يطوف حول البيت العتيق، الدليل على ذلك أنه ما راعى الموقف ، ولا المكان ، ولا قدسية المكان،ولم يبحث عن مبرر لما وقع ، ولم يحمله على أنه ما عمدا !!! فإذا به يعتدي على ذلك الذي داس على طرف ردائه ، فلطمه لطمةً هشم بها وجهه، من نهى ابن جبلة عما فعل في البيت العتيق ؟ الشريعة ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، تلك التي إذا غابت كان سلطان القوة متحكما في الإنسان ، يصبح الحق مع القوة بدل من أن تكون القوة مع الحق.

أجل دين الله تبارك وتعالى نشهده في معالمه العريضة في عرفات، هناك المساواة الحقيقية الربانية، هناك العبودية لله الخاشعة، هناك تهتف الحناجر وتخفق القلوب، الحناجر تهتف بـ"لبيك اللهم لبيك" هناك لا يطرح اسم انسان مهما كان، الموقف نظيف من كل أوشاب البشرية هناك، وأما القلوب فكأن كل قلب يقول "وكان فؤادي خالياً قبل حبكم وكان بذكر الناس يلهو ويمرح فلما دعا قلبي هواكم أجابه فلست أراه عن فنائك ينزح" قلوب واجفة بين الخوف والخشية والرجاء تدعو الله جل جلاله، تجعل إلى الله وهناك مواقف إذا سمح الوقت عرضنا بعضها لنتعرف إلى ما هناك، حيث المساواة، تسمع قول الله عز وجل هناك وتراه مجسداً في لغات شتى وألوان مختلفة وجنسيات متنوعة كلهم قد أتوه سبحانه وتعالى ضيوفاً وقد هيأ لهم القرى  الساحة العريضة تلك التي يقول فيها عليه الصلاة والسلام ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو- سبحانه وتعالى- من عباده رحمة ومغفرة وتجاوزاً عن الذنوب !! ويباهي بأهل عرفات الملائكة.

أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام العتق من النار بالآلاف، والمغفرة لا تكال بمكيال ، إذ  الرحمات- يومها- غامرة، أتريدون الدليل على ذلك ؟ عدو الله إبليس هو الدليل، أجل كيف يرى إبليس هناك، أو كيف يرى إبليس غداً، ذلك الذي أطغى الناس، ذلك الذي أغوى الناس، ذلك الذي وسوس لأناس بأن يقتلوا ويسفكوا الدماء رخيصة، ذلك الذي وسوس لأناس لينتهبوا أموال الناس، ذلك الذي وسوس لأناس فورم أدمغتهم ، فإذا بالطغيان بكل مظاهره ، وأشكاله ،وسبله ، إنما يعانق كل حرف من حروف شفاههم الغليظة.

إبليس ما الذي سيراه غداً،وكيف يبدو بما يرى ؟ ما رؤي إبليس- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-  في يوم هو فيه : أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة !! حقارة وصغار واندحار وغيظ ،،وذلك مما يرى ! يا ترى لم يغتاظ إبليس؟ لم يصغر؟ حين يرى تجاوز الله- تبارك وتعالى- عن الذنوب، حين يرى الرحمات تتنزل ، والمباهاة تتحقق.

وقد سألت نفسي عن المباهاة، ما سرها؟ ما سر أن  يباهي الله- تعالى-  بأهل عرفة ملائكة السموات ؟ أتدرون لماذا ؟ قلت : لو أني أردت أن أباهي بأحد أقاربي أناساُ ، قد حضروا أباهي بمن يلوذ بي أناساُ حضروا ، لأنهم كانوا قمة في التقوى! قمة في الصلاح ! قمة في معرفة الله تبارك وتعالى !  قمة في العلم ! قمة في قول الحق ، والثبات عليه، إذا باهيت بمن يلوذ بك أولئك،معنى ذلك أن كل هؤلاء يلوذون بي ، وأنا أباهي بهم.

ترى هل هذه المباهاة تضع الأمور في مواضعها والحقائق في أنصبتها، يباهي الله عز وجل بأهل عرفات الملائكة، من الملائكة يا ترى؟ الملائكة خلق من خلق الله ، عابدون حامدون  شاكرون  ساجدون راكعون ،" لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " هم الذين قالوا حينما عرض عليهم ما سيكون من أمر الله- عز وجل- فوق هذه الأرض "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويفسك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون".

أجل يباهى الله- عز وجل- بأهل عرفات الملائكة، وما يوم عرفات !!كأن يقال لهم : أهؤلاء الذين قلتم عنهم : أتجعل فيها ... وتستحي الملائكة ، لأنهم رأوا أناسا نسيج واحد ، لباسهم : إزار ورداء ليس له جيوب ، قد خلصوا القلوب من كل العلائق ، أقبلوا على الله- سبحانه وتعالى- أخذوا يجارون إلى الله عز وجل بالدعاء ، ومن الأدعية- هناك- بكاء ، ودموع قد امتزجت بالثناء على الله- جل جلاله-.

رأى الفضيل بن عياض ذلك المشهد فإذا به يقول : ما أروعه من مشهد! لكنه ما أكمل حتى كادت الشمس أن تغيب ، فإذا به يقول: وقد رفع طرفه إلى السماء ، واسوأتاه ، ولو غفرت لي ذنوبي، ويقول آخر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أرأيتم يا أهل الموقف ! موقف عرفات ، أرأيتم لو أنكم جميعاً توجهتم إلى رجل ثري وسألتموه درهما واحداً ، أيعجزه أن يعطيكم ما سألتموه ؟! لو توجهتم إلى كريم من الكرماء وسألتموه درهماً من الدراهم ، أيعجزه ذلك الدرهم ؟ لا والله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، والذي لا إله غيره إن صفح الله عز وجل عن عباده أيسر من إعطاء ذلك الدرهم من ذلك الكريم.

ويقول آخر وقد تملكه رجاؤه ، يا رب! اغفر لهم من أجلي ، هو رأى أن له دالة على الله- جل جلاله- ويقول صاحبه الذي كان معه: ما أروعه من موقف ! لولا أني فيهم ، وهكذا تتنوع الآهات والتأوهات والأنين والتوبة ، وما أدري ما الذي سيقوله الواقفون غداً في عرفات عما يجري في العالم الإسلام اليوم ؟! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

هناك سفك لدماء! هناك عدوان! هناك طغيان! هناك إباحية ، دم المسلم غال! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، كم قتلتم سكت المسؤول ! قتلتم: آلافاً ، لا ، قتلنا خمسمائة فقط!! عليكم من الله ما تستحقون ، أسمعتم ما جاء عنه- صلى الله عليه وسلم- قال : "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم" مسلم واحد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! هدم الكعبة أهون عند الله عز وجل من قتل المسلم ! المسلم أعلى منزلة عند الله من الكعبة المشرفة وما أعظمها ! .

حكيم من حزام يأتي- حين يأتي- إلى عرفات ومعه مئة من البدن ، ومئة من الأرقاء ، فكان ينحر البدن ويوزعها تقرباً من الله جل جلاله ، وأما ما يتعلق بالأرقاء فإنه كان يعتقهم لوجه الله هناك ، ومع العتق كان الناس يضج بالبكاء والدعاء ، إلهنا ! هذا عبد من عبيدك ، أعتق عبيده ، ونحن عبيدك ! أرقاؤك ! فاعتق رقابنا !! إذا كنت لا تقبل إلا الطائعين ، فبمن يلوذ المذنبون، بمن يلوذ المذنبون ؟؟؟ يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! إن كان الله لا يقبل إلا الصالحين الطائعين، فهناك يقبل الله- تبارك وتعالى- كل من أقبل عليه جل جلاله ،وشتان ما بين هذه المغفرة التي تتنزل بالاسترحام والتضرع والإقبال الصادق على الله- تعالى- وبين تلفيقة فداء المسيح- عليه السلام- وكراسي الاعتراف التي نصبتها الكنيسة لنهب أموال الناس ، حيث عللوا ما ظنوه " من صلبه " خروجا من عدة إشكالات عقدية ، عللوه " بالفداء "!! وفيه: أن يعمل الإنسان أي شيء ، مهما فحش ، وليكن مطمئناً ، فقد سبق العفوعنه قبل وقوع الذنب منه ، إذ تبرع إنسان بأن قدم دمه- الذي لم يسفك- على مذبح المغفرة !! ومع ذلك يطالب هؤلاء بدم المسيح ممن نسبوا إليهم أنهم صلبوه ، مع أن عليهم ان يقدموا لهم- بناءًعلى قصة الفداء المزعومة- اسمى آيات الشكر لما تمخض بزعمهم عن تلك الجريمة التي لم تقع ، وإن همً بها من نسبت إليهم !!

إذا ما رجعنا قليلاً ، ووقفنا أمام الحقائق التي قررها- عليه الصلاة والسلام- في خطبته الرائعة التي هي كليمات ، أو كلمات ، لكنه صاغها من " أوتي جوامع الكلم " الرسول صلى الله عليه وسلم كسائر الرسل، والرسل لم يكونوا من أولئك الذين بضائعهم من الكلام ، ربما كان كلاماً ساحراً ، ربما كان كلاماً مزيناً مزخرفاً منمقاً ، لكنه خلو من المضامين ! كم من كلام ساحر في الظاهر، ولكنك - إن فتشته لم تر فيه شيئا!- ويأخذ الناس إلى الهاوية.

هناك ! لما  ضرب جبلة ابن الأيهم ذلك الأعرابي ،ضربة هشم وجهه ، توجه الأعرابي إلى عمر- رضي الله عنه- وهو المسؤول عن دفع الظلم عن المظلوم من الرعية ، وهذه من اهم مهام " ولي الأمر "، عمر- رضي الله عنه- والخلفاء من بعده كانوا يقدرون ما في الحج من موسم عظيم ، بل كان منهم من يجعل الحج موعداً ليلتقي أولئك الذين كان يوليهم على المدن والمناطق من أجل أن يحاسبهم ، هذا شأن من " أسلم " وجهه لله عز وجل و "حمل " المسؤولية مسؤولية هذه الأمة.

وعمر- رضي الله عنه- كان من أولئك الذين يسعون جاهدين لإقرار أحكام شريعة الله- تبارك وتعالى- تلك التي إن نأى عنها المجتمع فالشقاء كل الشقاء ، والإبلاس كل الإبلاس ، وهو اليأس كل اليأس ، والقنوط كل القنوط ، من حياة ترنوإليها النفوس ، أجل يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام-  قرر عمرلما سمع القضية المرفوعة إليه القصاص ، واستدعي جبلة واسمعه عمر" القرار " بعد ما أقره بما فعل : ألطمت الأعرابي ؟ قال لطمته ، ولكنه داس على طرف ردائي ، أنا لم أسألك عن السبب ، لا يصح هنا أن تفعل فعلتك بيدك ،و لو أنه اعتدى عليك ، عليك أن ترفع أمره إلى أمير المؤمنين ! ألطمته ؟ لطمته ، إذن " القصاص " عجب جبلة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- كيف القصاص ، وأنا أمير، وهو من السوقة ، من العوام !! وكاد أن يقول بلسان التقدمية المعاصرة : هذا من الرعاع ! من أولئك الذين هم غثاء ،أو: كالغثاء ، أوقل- إن شئت- جراثيم من الجراثيم ، أو جرذان من الجرذان ، أو قل ماشئت من الألفاظ الحقيرة التي تدل على الوعاء الذي طفح بها ، قال عمر :" إن الاسلام سوّى بينكما " هذا الإعلان- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام - ينبغي أن نستحضره،على أنه من حقائق الإسلام العظيمة !ولم يكن شعارا لا رصيد له ، بل هو- كما ترى- واقع ، تمخض عن الواقع ، فما عرف الإسلام النص  لمجرد النص ، بل التطبيق دائما مع النص ، نحن أمام الإسلام ، وبمنظوره ، سواء : لا أمير ولا صغير، ولا كبير، ولا غني ولا فقير، قل ما شئت فالناس سواسية أمام أحكام شريعة الله عز وجل ، بل القاعدة هنا "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" أما سمعتم الله- تبارك وتعالى- يقول "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" أجل: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" هناك تشهد معنى قوله- تعالى- "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" هذا دين الله- عز وجل- الذي وعد سبحانه وتعالى بأن يظهره في مشارق الأرض ومغاربها ،ومع تعهد الله له بالإظهار هيهات للوثنية المعاصرة أو السابقة الأولى ، أن تطفئ نور الله تبارك وتعالى، ولكنه لون همود ، أو جزر ، فترة من الفترات ، ثم لا بد من أن يستفيق المسلم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ويأخذ بالمد بعد ذاك الجزر !! ليرى حاله ، وأنها حال الدفينة التي تكالب عليه أعداؤها ، لم يا ترى هذا الوهن الذي ألقي في القلوب ؟قد بينه- عليه الصلاة والسلام- علته " حب الدنيا وكراهية الموت " استنظر جبلة عمر قبل أن يوقع به القصاص ، حتى يفكر في أمره ، ومن الليل غادر مكة المكرمة ، ولاذ بالنصرانية ، ترك العدل في مقاره ، في موطنه ، في أصوله ، ثم غادر إلى الوثنية والشرك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !! غادر غير مأسوف عليه ،لأنه هو بحاجة إلى الإسلام ، وليس الإسلام بحاجة غليه ، ولأن له ما كسب ، وعليه ما اكتسب.

هناك قبل أن نتعرف إلى بعض مشاهد عرفات ، نجد بلالاً- رضي الله عنه- كان يطلق عليه " الغراب الأسود " ولما دخل  في رحاب الإسلام ، أبى الإسلام إلا أن يرفعه على ظهر الكعبة ، برجليه السوداوين وطأ ظهر الكعبة ، لأنه أرقى ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! وأخذ بالتكبير، أخذت الشهادة بالتوحيد وبالرسالة تملأ الآفاق ، حي على الصلاة حي على الفلاح ، وانتقل آذان بلال فإذا بنا نسمعه في أعماق أمريكا ، وإذا بنا نسمعه في اليابان ، وإذا به نسمعه في كل مكان من الأمكنة ، ولاحظوا دقة تعبيره عليه الصلاة والسلام في هذا المجال.

دعا رسولنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ربه تبارك وتعالى بالمغفرة والرحمة ، وأجابه الله تبارك وتعالى إلا في ما وقع من تظالم بيننا مما يسمى " بالتبعات " وأفاض عليه الصلاة والسلام من عرفات ، وبلغ المزدلفة ، وهناك أعاد الدعاء ، لأنه لا يقطع رجاءه بالله ، أجل ، وإذا به يبتسم- عليه الصلاة والسلام- ما الذي جعلك تبتسم يا رسول الله ؟! قال: ذاك عدو الله إبليس ، لما علم أن الله عز وجل قد تجاوز عن السيئات والذنوب ، وتحمل التبعات- سبحانه وتعالى- ما كان من إبليس إلا أن حثى على رأسه التراب ، وراح ينادي بالويل والثبور!! فقال له عمر- رضي الله عنه- : ألنا خاصة يا رسول الله ؟ قال: لا ، هي لكم ، ولمن أتى من بعدكم من أمتي إلى يوم القيامة !!

التعبير- هنا-  بفعل " أتى " إذ لم يقل : لكم ولمن سيأتي ، ولكن من " أتى " هو يتحدث بوحي وما ينطق عن الهوى ، والوحي ربما عبر عن المستقبل بالماضي لتحقق وجوده ، قال- تعالى- " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " ومن هنا كان من أتى أنتم ، ممن تأتون ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولكن ينبغي أن نحقق حقيقة مهمة .

كثيرون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يظنون أنه إذا أوقع الصلح بينه وبين الله ، فتاب عن الذنوب والمرتكبات قبله الله عز وجل ، وبرئت ذمته ، هذا يخلط بين حقوق الله- عز وجل- التي يغفرها بالتوبة والإنابة والرجوع والاستغفار والعمل الصالح ، وبين حقوق الناس، فإن حقوق الناس- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- تبقى في الذمة حتى تبرأ الذمة منها ، هذا هو الأصل الذي قرره العلماء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، أحياناً نرى منا من يقف جهير الصوت أمام دعاة العلمانية الذين يقولون : نريد مجتمعاً مدنياً ، لا علاقة للشريعة به، الشريعة خاصة ، وليست بعامة ، لا يصح أن تحكم الشريعة المجتمع ، هذا نداؤهم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وهم اليوم يجاهرون بهذا دونما حياء ، علماً بأن الشريعة إذا ما حكمت ميادين الحياة في المجتمع  نظمتها ونظفتها ورقت بالمجتمع ، وسمت به.

وقد ذكرنا أن اللصوص وحدهم هم الذين يخافون من حد السرقة ، وأن الزناة وحدهم هم الذين يخافون من حد الزنى ، الذين يرمون المحصنات- وحدهم- هم الذين يخافون من حد رمي المحصنات ،هذا الاقتراف الذي يسمى " بالقذف " بشريعة الله تبارك وتعالى.

هذا ينتقد دعوة العلمانيين إلى فصل الدين عن الدولة أو عن المجتمع ، ولو فتشت في سلوكه ، أو هو فتش في سلوك نفسه لوجد أنه كأنه ليس له سوى أن يقف في وجه العلمانية التي تدعو إلى فصل ، أما في سلوكه ففاصل فصلاً عنيفاً شديداً ، ذلك أنه لا يحكم شرع الله عز وجل في أقواله أوفي أفعاله أوفي مواقفه !!!.

من هنا نجد أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أمام بلال ، وقد رقى على ظهر الكعبة ،بإذن من الحبيب- عليه الصلاة والسلام- وقال العلماء: وفي رحاب المسجد الحرام يتلو التالي قول الله- عز وجل- "تبت يدا أبي لهب وتب" أجل ، كان يقول عمر- رضي الله عنه- عن بلال " أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا " !! هذا هو المجتمع الفاخر، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !! هذه البضاعة هي من صنع شريعة الله تبارك وتعالى.

ومن هنا لو أصغينا إلى الحبيب- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وهو يوجه الأمة ، ويوصيها  وينصح لها ، كان قلبه ممتلأ بالمحبة والرحمة والخيرلها ، من هنا فاه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بكثير من المعاني التي فيها " أن دك حصون الجاهلية دكاً ، ووضع الربا تحت قدميه ، وقبر الثأر الجاهلي إلى غير مبعث !!  وهنا ما ينبغي أن يخلط بين الثأر وبين طلب القصاص.

إذا قتل قتيل فلأهل القتيل أن يطالبوا بالقصاص ، ولو بعد ألف سنة ، بل القصاص سيكون هناك في رحاب العرض على الحكم العدل-سبحانه- إن نجا القاتل من القصاص في رحاب هذه الدنيا ، ومن أطلق على " القصاص أو طلب القصاص " أنه الثأرالذي دفنه- عليه الصلاة والسلام- فهو أجهل من الجاهلين !!! أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :قال من جملة ما قال لأهل الموقف :" اسمعوا مني ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، في مقامي هذا " وقد صدق- عليه الصلاة والسلام- فما كانت إلا أيام قاربت التسعين يوما ، وإذا به عليه الصلاة والسلام يقول للفضل : يا فضل ! خذ بيدي ، وكان في مرضه الأخير- عليه الصلاة والسلام- وأخذ الفضل بيد الرسول- عليه الصلاة والسلام- فصعد المنبر، ثم قال: يا فضل! ناد بالناس ، ونادى بالناس ،  واجتمعوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، هذه رسالة مختصرة لكل المسلمين صغاراً وكباراً رؤساء ومرؤسين ، رسالة حقيقية صادقة ناصحة ، خاصة لأولئك الذين سدروا في غيهم ، الذين يظنون أنهم لو تملصوا من عين المراقب أومن مس المعاقب ، أيعني هذا أنهم قد نجوا؟! يفعلون فعائلهم وجرائمهم مستورة ، ويزعمون الكذب أنهم ما فعلوا ، إذا ظنوا أنهم ينجون عند الله نقول لهم : أما سمعتم قول الله "رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم  لله الواحد القهار* اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب "وقوله :  "ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " وقوله :" ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " وقوله :" وهو معكم أينما كنتم " هذه الحقائق أتى بها وحي الله تبارك وتعالى ، وبلغها الرسول الناصح عليه الصلاة والسلام .

صعد المنبر- عليه الصلاة والسلام- وقال بعد ما بين أنه يعرض عليهم أمراً ، وهو يدري أنهم سوف يتلكؤون بالاستجابة ، لم يا رسول الله ؟ قال: لأنه بين أنه راحل عن هذه الدنيا إلى الرفيق العلى ، ويريد أن يرحل إلى الله عز وجل بريء الذمة !!والله إنك لبريء الذمة يا رسول الله،  أجل !!الحبيب عليه الصلاة والسلام يريد أن يرحل إلى الله بريء الذمة ، ووالله إن ذمتك بريئة يا سيدي يا رسول الله، وهل هناك ذمة أبرأ من ذمتك ؟! نرجو الله عز وجل أن يجمعنا على حوضك يا رسول الله ، قال: ألا من كنت قد جلدت له ظهرا ، فهذا ظهري فليستقد منه ، ومن كنت أخذت منه مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ما شاء ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد ، وأعادها- عليه الصلاة والسلام- حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ! لي معك ثلاثة دراهم ، يودع الدنيا رسولكم عليه الصلاة والسلام ، وعندما أقول رسولكم أقصد كل أفراد الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها

أين هؤلاء الذين جاؤوا من الإسلام وهم يفتكون فتكاً ذريعاً بالحياة ، ملأوا الحياة فساداً وطغياناً  وعدواناً !! رسولنا عليه الصلاة والسلام يريد أن يكون بريء الذمة ، وقام الرجل ليقول لي معك كذا وكذا من الدراهم ،وسأله عنها ، فذكر أنه استقرضها منه ، فأمر الفضل أن يعطيه إياها .

من هنا أجدني أمام ما  وضع- عليه الصلاة والسلام- في خطبته في حجة الوداع ، في حجة الإسلام إنه وضع الأسس العريضة ، للدعوة التي أمضى عمره الطاهر يبلغها عباد الله ، ونبه الأمة إلى مخاطر ، ونهاها عن أن ترجع- بعده- كفاراً ، يضرب بعضهم رقاب بعض ، وقرر أن دم المسلم حرام وأن عرض المسلم حرام ، بين عليه الصلاة والسلام أن المال والدم والعرض حرام يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وينبغي إذا أردت أن تسعد عند الله عز وجل أن تغادر هذه الدنيا وليس في ذمتك أي حق لمسلم من المسلمين ، ثم قرر ذلك بأقوى تقريراته سأل الصحابةعن اليوم الذين هم فيه ، وعن الشهر الذين هم فيه ، وعن البلد االتي هم فيها ، فهم يقررون أن اليوم من أيام الأشهر الحرم ، وأنهم في شهر من الشهر الحرم ، وأنهم بمكة المكرمة ، فبين أن حرمة مال المسلم ، وحرمة دمه ، وحرمة عرضه ، حرام كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا وبلدكم هذا ، ثم حمًل الأمة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- حمًلها أمانة التبليغ ، أنت مكلف أن تبلغ دين الله تبارك وتعالى !! وإلا ما دخلت في قول الله عز وجل " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " إذا انزويت فأقلعت ، فتركت ، فنهيت عن التبليغ كيف تكون شاهداً على الناس ، ويكون الرسول عليك شهيدا " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" وأبى عليه الصلاة والسلام إلا أن يسألهم : إنكم ستسألون عني ، إن الله سائلكم عني يوم القيامة ، فبماذا تجيبون ، وترقرقت الدمعة الغالية في عينه حينما قالوا : قد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت للأمة ، واتجه بأ صبعه السبابة إلى السماء ن يقول : اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد.

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه فإنه قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام

التقى طرفا الرسالة في عرفات، في عرفات نزل قول الله- عز وجل- "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" وقريب من عرفات نزل جبريل بقول الله " اقرأ باسم ربك الذي خلق " وبين( اقرأ ) وبين قوله تعالى( اليوم أكملت لكم دينكم ) سنوات فيها ذاق المسلمون ما ذاقوا من ألوان الاضطهاد والمطاردة من الوثنية العالمية ، ومن الجاهلية العالمية ، ونقول العالمية- ههنا- لأن هؤلاء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في أجيالهم اللاحقة لم يأمنوا من إيذاء الجاهلية في صورها المختلفة ن خاصة تلك التي يعاصرها أناس وقد لبسوا رداء التقدمية ، هم في جاهلية لأنهم قد رجعوا إلى ما قبل الإسلام ، إلى الجاهلية رجعوا يريدون أن يحطموا المجتمع بفصله عن الشريعة الشاملة الباقية ،ويجعلوا أمخاخهم المرجع الأساس والوحيد: في تصوير المجتمع ، وفي صياغة المجتمع ، وفي توجيه المجتمع ، والحقائق الكبرى التي نجابهها هنا يا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أننا ملاقو ربنا جل جلاله ، ونحن مسؤولون غداً بين يدي الله تبارك وتعالى ، ويبعث المرء على ما مات عليه ، وخطيرة خطيرة أن أختم حياتي بكارثة فكرية ، أوبسلوك جاهلي ، أو بمعصية أموت عليها ، لأبعث عليها ! ما معنى أن المرء يبعث على ما مات عليه ؟؟إذا كان على طاولة الخمر، فجاءته سكرة الموت ففطس في مكانه ،أو كان يخطط للإيذاء فاختنق دماغه ، وإذا به يسقط ميتاً ميتة منكرة ،أو كان يعد لخير هذه الأمة ، ولإسعاد هذه الأمة ، فانتهى أجله ، رأيت شريطاً مصوراً لمدرس في مسجد من المساجد ، وهو يتكلم سكت ,,, مال,,, فإذا بروحه قد انتقلت إلى الله جل جلاله ،هذا يبعث على ما مات عليه !! المرء على ما مات عليه يبعث ، من كان بيده طنبورا يدق عليه ، من كان يهتف للفاسق والظالم ، من كان على جريمة من الجرائم ، كل هؤلاء إذا ماتوا على ما هم عليه أو على النوايا التي ملأت قلوبهم يبعثون على نواياهم ، ذلك الذي عبد الله تبارك وتعالى خمسمائة سنة ومع عبادته الخالصة سأل الله عز وجل أن يبعث يوم القيامة وهو ساجد فسأل الله أن يقبضه وهو ساجد ، وفي الحديث أن الله عز وجل أمر ملك الموت أن يقبضه وهو ساجد، ما العلاقة بين عرفات وبين هذا المعنى بلغ- عليه الصلاة والسلام- أن محرماً بالحج وقصته ناقته، فوقع عن ظهر الناقة ، فاندقت عنقه ، فمات ، فقال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم غسلوه بماء وسدر لا تمسوه طيباً ، ولا تخمروا له رأساً ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً أجل يبعث يوم القيامة ملبياً ، أناس يا ويلاه ينادون بالكفر ، وأناس  ينادون " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك " وهكذا نجد أنفسنا في رحاب الآخرة يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وقد دخل صلى الله عليه وسلم على شاب يحتضر فسأله كيف تجد قلبك ؟ قال يا رسول الله ! أرجو الله ، وأخاف ذنوبي ، فقال: ما اجتمعا في قلب عبد عند الموت إلا أعطاه الله ما رجا ن وأمًنه مما يخاف ، أما في الغد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بعد صلاة الصبح مباشرة ونحن في جلستنا كما كنا في صلاتنا هناك تكبيرات جاء بها شرع الله عز وجل هي ملخصة في الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد أو تقول الله أكبر الله اكبر الله أكبر الله لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد المرة الأولى وإذا ما ثنيت بمعنى أتى بالثانية والثالثة فهذا محبوب بإذن الله تبارك وتعالى ، ألا يدل هذا على أن هذه الأمة أمة تعظم الله جل جلاله ، رقاها الله فعرفت نعمة الله عز وجل عليها بترقيتها ، فإذا بها لا تعرف وجها تريده إلا وجه الله ، وجه الله تبتغي ليس لها ملتجأ سواه 

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا اجعل في قلوبنا نوراً وفي أسماعنا نوراً وفي أبصارنا نوراً اللهم اشرح لنا صدورنا ويسر لنا أمورنا وقنا فتنة القبر

اللهم إنا نعوذ بك من شر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح ، ومن شر بوائق الدهر.

اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيراً مما نقول ، اللهم لك صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا وإليك مآبنا ولك ربنا تراثنا ، اللهم إنك تسمع كلامنا وترى مكاننا وتعلم سرنا وعلانيتنا ولا يخفى عليك شيء من أمرنا نحن البائسون الفقراء المستغيثون المستجيرون الوجلون المشفقون المقرون الممتلؤون ذنوبا ، نسألك مسألة المسكين ، ونبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وندعوك دعاء الخائف الضرير، من خضع لك برقبته ، وفاضت لك عبرته ، وذل لك جسده ، ورغم لك أنفه

اللهم لا تجعلنا بدعائك أشقياء ، وكن بنا رؤوفاَ رحيماً يا خير المسؤولين يا خير المعطين

إلهنا إن كنت لا ترحم إلا أهل طاعتك فإلى من يلجأ المذنبون ! إلهنا دعوناك بالدعاء الذي علمتنا ، فلا تحرمنا الرجاء الذي عرفتنا. إلهنا ما أنت صانع العشية بعباد قد أقروا لك بذنوبهم وساروا إليك يرجون رحمتك ، رجعوا إليك اللهم إليك خرجنا وبفنائك أنخنا ن وإياك أملنا ، وما عندك طلبنا ، ولإحسانك تعرضنا ، وبرحمتك رجونا ، ومن عذابك أشفقنا

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسليمن واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.