386 - عيد الأضحى المبارك
خطبة الجمعة    386 - عيد الأضحى المبارك
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ما قامت الأشياء بربها، الله أكبر ما سبحت بحمده الأرض والسموات العلى، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ما عج الحجيج بالتكبير والتهليل والتلبية، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر!                 كم من لاجئ لجأ إلى جناب الله تبارك وتعالى فآواه، والله أكبر على كل من طغى وتجبر، الله أكبر مع كل انتصار انتصره المسلم في ميادين النفس ، وفي دروب الحياة.

الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، الحمد لله ذي الجلال والإكرم، ذي الطول والإنعام ، وذي العزة التي لا ترام ، والجوار الذي لا يضام، أنت يا ربنا الحق، ذاتك الحق ، وصفاتك الحق، وأسماؤك الحق، أنت التواب من الأزل قبل وجود من تتوب عليه !من الأزل سبقت رحمتك غضبك، وأنت الغني ، خزائنك ملأى ، لا تفرغ ولا تنفد ، ولا تقبل النفاد ، فهي ممدة بقولك للشيء " كن " فيكون كما أمرت وقدرت ، فما أعظمك ! ، وأنت القوي لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، أنت الرؤوف الذي تجبر خواطر مكسورة، إذا ما لاذت بجنابك وأقبلت عليك ، فدخلت رحابك، أنت يا ربنا ليس لنا سواك في هذه الدنيا، إذا كنا لا نفرح إلا بك فنرجو أن نكون من  الصادقين ، بعد عنك ذاك الذي ادعى محبة غيرك !!  بعد عنك الذي عصاك فاختال في معصيته ، تباركت وتعاليت ، ما أعظم شأنك !!!.

في يوم العيد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! فيه يرمي الحجيج جمرة العقبة ، ثم يحلقون ويذبحون ، يلبسون الثياب ، يتحللون التحلل الأصغر، ثم يأتون مكة المكرمة ، يطوفون طواف الإفاضة ، بعدما تنقوا من الذنوب ، وتطهروا منها، ورد أن علياً بن الموفق نظر فرأى الجمع الغفير في عرفات ، فرق قلبه ، وقال: إلهي إذا كان من هؤلاء من لم تقبل حجته فإني أهب له حجتي ، ومضى إلى المزدلفة ، فرأى في المنام من يقول له : يا ابن الموفق ! أتتسخى على الله وقد غفر الله عز وجل لأهل عرفات ولأمثالهم وشفعهم في أهليهم ، ومن شفعوا له ، فرحمة الله عز وجل واسعة ، وعطاء الله عز وجل لا ينقطع.

ونحن إذا ما أردنا أن نشارك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- نشارك بالفرحة ، ونشارك بالتقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة ، ذلك أن الإسلام قد جاء بيوم اسمه عيد ، هو عيد يوم الجمعة ، وذلك بعد أن يتم المسلم صلوات فرضها الله- عز وجل- عليه كل يوم وليلة خمس صلوات ، فإذا ما دار الأسبوع ، وجاء يوم الجمعة ، فإذا بالمسلم يأتي بيتاً من بيوت الله عز وجل يستمع إلى خطبة الجمعة ، ويصلي صلاة الجمعة ، وقد شبهت صلاة الجمعة بعيد الأضحى.

ومن هنا قال- عليه الصلاة والسلام- مبيناً ثواب من بكًر إلى صلاة الجمعة ، من أتى في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ثم بعد ذلك كأنما قرب بقرة ، أو شاة ، أو دجاجة ، أو بيضة، وهناك عيد آخر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يأتي تتويجاً لإكمال صيام شهر رمضان ، ذلك الذي أكرمنا الله عز وجل به ، وجعله روضاً أنزل فيه المنهج !! هل هناك توحيد- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- مثل التوحيد الذي جاءنا به شرع الله تبارك وتعالى ؟! وكل تصور يتعلق بالله جل جلاله بعد التصور الذي جاءت به شريعة- الله عز وجل- فهو باطل، وكل طروح بعيدة عن البصائر التي جاء بها شرع الله عز وجل فإنها لا تنير الطريق، وكل نظام ينتظم المجتمع في كل ناحية من نواحيه سوى نظام الإسلام فإنه نظام ضلال وجاهلية ووثنية.

ومن هنا نجد أنفسنا أمام العيد الكبير الذي هو عيد الأضحى ،الذي جاء إتماماً لركن من أركان الإسلام ، ألا وهو ركن الحج ، وإذا كنا قد شاركنا في الصيام ، وحق لنا أن نحتفي بإتمام صيام شهر رمضان ، فندخل في عيد الفطر سعداء فرحين ، فلم يا ترى نشارك الحجيج هناك حيث وقفوا في عرفات ، وأقاموا ركناً من أركان الإسلام ، ألا وهو ركن الحج، الأن طيوب الله عز وجل ورحمات الله- تبارك وتعالى- إنما تغمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يفرح المسلم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، إذا انتصر على نفسه بنفسه ، حيث ألزمها شرع الله تبارك وتعالى ، حيث تمتنع عن الرشوة ، فأنت منتصر، وأنت في عيد ، لأنك مطيع لله تبارك وتعالى ، وحيث تكع النفس عن العطاء ، لكنك تأبى عليها إلا أن تمتد يدها في الإنفاق فأنت منتصر، وأنت في عيد ، لأنك أطعت الله عز وجل ، وعصيت الشيطان في وساوسه ، كل طاعة لله تبارك وتعالى إنما لك فيها عيد ، وهذا العيد بمعناه الأعم.

يقول الحسن البصري- رضي الله تبارك وتعالى عنه-  : "كل يوم يمر بك يا ابن آدم لا تعصي الله تبارك وتعالى فيه فإنه لك عيد " هذا هو الانتصار على النفس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ومن هنا يفرح المؤمن حينما ينتصر على نفسه ، فإذا بها يراها طوع شرع الله تبارك وتعالى ، حيث يحكم المسلم أمر الشرع في نفسه ، فيكون قياده بيد شرع الله تبارك وتعالى ، معنى ذلك أنه يفرح لأنه انتصر في ميادين النفس على النفس، وألزمها شرع الله تبارك وتعالى  " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " وهذا انتصار آخر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

 إذا حق لنا أن نفرح بالتوبة والمغفرة والرحمات وما يفيضه الله عز وجل على هذه الأمة أ لسنا مدعوين إلى أن نحقق فرحتنا في ميدان الحياة ، تعالوا بنا إلى مقتطفات نراها من الأدلة الباهرة على ما قدمنا انتصاراً وإنجاز، انتصاراً في ميدان النفس وإنجازاً في ميدان الحياة ، ما دليل ذلك تعالوا بنا إلى المناسبة الكبرى التي توجنا بها الانتصار ، الأضحية!! ذلك أنها تذكرنا بذلك الموقف الرائع الرهيب الذي ابتلي فيه ابراهيم ومعه ولده اسماعيل فنجحا ، والله الذي لا إله إلا هو نجاحا أروع نجاح ! بلغ الخليل- عليه السلام- ستة وثمانين عاماً ، وسأل الله عز وجل الولد ، فرزقه الله عز وجل إسماعيل ، كان غلاماً حليماً ، وكما قال العلماء الولد شبه أبيه، ومن هنا لا تعجب- وإن كان هذا الذي سأقوله لا أعني به الاستطراد العام الذي لا يخرم- إذا رأيت الولد مجرماً ، ورأيت أن أباه كان من قبله أشد إجراماً ، دل هذا على أن هذا العرق دساس، الأب يختلف- ههنا- نحن أمام الخليل الذي وهب بدنه للنيران ، ولما عرض له جبريل في السماء قال: ألك حاجة ؟ قال:أما منك  فلا، وأما من الله فبلى ،قال- تعالى-  "وقلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم" نحن بيد يدي الخليل الذي بذل أمواله للضيفان ، وبدنه للنيران ، وولده للقربان !! كما قال العلماء.

وهنا يأتي الابتلاء ، حيث بلغ إسماعيل مع أبيه السعي ، وكان من قبل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قد ابتلي ابراهيم بأمر أمره الله- عز وجل- به فأنفذه أيما إنفاذ ، وأنجزه أروع إنجاز، أمره الله عز وجل أن يأتي بزوجه هاجر ومعها الرضيع إسماعيل إلى وادٍ غير ذي زرع ،حيث لا أنيس من البشر ، ولا شجر يظل ، ولا ماء يمكن أن يروي ، وهناك ترك زوجه وابنها !! هنا لقطة لا بد لنا من أن نتعرف إليها لنعيد صياغة القلوب وفق ألوانها وحقائقها، لما سألت زوجها إبراهيم : أالله أمرك بهذا؟ قال نعم ! قالت : إذن فلن يضيعنا، أرأيت يا أم اسماعيل حال المسلمين اليوم حيث سلكوا مسلكك ، وسعوا سعيك !! أرأيت المسلمين اليوم الذين أكرمهم الله عز وجل بأداء فريضة الحج يشربون من ذلك الماء الذي هو متفجر من عين يقينك بالله ، وعين توكلك على الله عز وجل ، لقد توكلت على الله، ووثقت بالله " إذن لن يضيعنا " فما ضيعك الله والله .

ومن هنا لو أطللت إطلالة على المسعى ، لوجدت المسعى مزدحماً بالساعين ، بل قد سعى من قبل الأنبياء مسعاك، والأولياء سعوا كذلك مسعاك، والشهداء على مسعاك، والصالحون كذلك !!! أي روعة هذه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام تظهرها الثمرة ، ثمرة التوكل على الله ،والأمة اليوم تحتاج إلى أن تعيد صياغة التوكل على الله،ليتطابق التوكل مع التوكل ،وإلى بناء الثقة بالله ، والثقة بالله تبارك وتعالى لها حقيقة تحققت بها أم إسماعيل- عليه السلام- من كان يظن يوم ترك الخليل زوجه في ذاك المكان القفرأن المصيرالذي ستصير إليه ذكرى هاجر أم اسماعيل إلى ما صارت إليه اليوم.

لو نظر الجاحدون الشامتون الملاحدة العلمانيون إليها ، وقد تركت هناك ،لأنكروا ذلك التصرف ، ولبكوا عليها وذرفوا الدموع السخينة ، وأيقنوا أنها ستموت هناك في القفر دون أن يدري بها أحد، إذا جئنا- الآن- مباشرة إلى بلوغ إسماعيل السعي مع أبيه،الذي رأى في المنام أنه يذبحه، وتفاصيل هذه الحادثة من أوضح الواضحات لدى كل المسلمين صغاراً وكباراً.

ما المشهد- ههنا- ماكان أمر إبراهيم في يده ، إذ كان قياد نفسه بيد الله جل جلاله، كل ما في الوجود بقبضة الله- عز وجل- وهو طا ئع خاضع لله جل جلاله !والإنسان المختار الموفق يلقي بقياده طوعا لله- تعالى-  فيكون وفق أمر الله تبارك وتعالى، قال الله- عز وجل- له في المنام اذبح ولدك في صورة " إني أرى في المنام أني أذبحك،فانظرماذا ترى "  فما الذي جرى يا ترى ؟؟ وما موقف المعروض عليه الذبح يا ترى ؟! تقدم الوالد إلى ولده فعرض عليه يستوثق من موقفه ، فكان الولد شبه أبيه تماماً ، كما قلنا،" قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " ثم ماذا كان بعد هذا " فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين " نحج الوالد والولد نجاحا باهراً !!

نجاحاً نصبه الله- عز وجل- لنا آية أرضية ، وأنزلها- سبحانه وتعالى- آيات قرآنية لروعة الاستجابة تتلى ، لماذا؟ ليقف كل منا أمام نفسه ، إذا كان الأمر قد توجه إليه من الله بذبح الولد وكان المأمور إبراهيم قد سارع لينفذ أمر الله، ترى إذا أمرك الله عز وجل بأن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، إذا أمرك الله عز وجل أن تدخل السرور على قلب مسلم، إذا أمرك الله عز وجل أن تكشف الكربة عن مسلم، إذا أمرك الله عز وجل أن تقضي الدين عن مسلم، إذا أمرك الله تبارك وتعالى أن تقف إلى جانب المظلوم، إذا أمرك الله تبارك وتعالى بأن تهتم بأمور المسلمين، ما موقفك؟ كل الأوامر التي ذكرتها دون الأمر الذي توجه الله عز وجل به إلى إبراهيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وإذا كان قد قام بتنفيذ الأمر الأكبر تراه أيقصر يا ترى إذا ما أمر بما هو دون ذلك ؟؟؟

فالله أكبر الله أكبر الله أكبر،" ما عمل آدمي يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراق الدم " هذه من الشعائر التي دعتنا إليها شريعة الله- تبارك وتعالى- ثم يحفزنا- عليه الصلاة والسلام- على الاستجابة، يعلم شرع الله عز وجل أن النفوس ربما ترق وتضعف ، فإذا بالشرع يبين ما النتائج ،فما النتائج يا ترى ؟ إن إبراهيم لم يذكر النتيجة التي سيكون عليها أمر اسماعيل، بما أخبر زوجه هاجر أنها سيكون لها شأن، وأن النساء سوف يسرن سيرتها في الحج، ما أخبرها بذلك ، ومع ذلك رضيت، رضيت وليس في كفها سبب من الأسباب، رضيت وقد انقطعت الدنيا كلها بحذافيرها عن يدها ، وعن نظرها ، وقالت شامخة باليقين " لن يضيعنا "

الرسول- صلى الله عليه وسلم- حينما يقول : " ما عمل آدمي يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراق الدم ، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً " هذا جانب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وينبغي هنا أن نلحق بهذا الجانب، الجانب الآخرالذي ينبغي إذا ما أكرمنا الله عز وجل فتقربنا إلى الله عز وجل بالأضحية أن نسأل الله عز وجل أن ينصرنا في ميادين الحياة كلها.

 قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تقضي له حاجة ، ويقول : أحب إلي أن أمشي مع أخي في حاجة من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً، ويقول :" من كف غضبه " ما النتيجة يا ترى؟ " ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو أراد إنفاذه أنفذه ملأ الله عز وجل قلبه رضى يوم القيامة " ويقول عليه الصلاة والسلام يبين " أن من مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها ثبت الله عز وجل قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام " لقطات سريعة ونقوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى الطعام والشراب لأن اليوم ، هو يوم أكل وشرب وذكر وشكر لله تبارك وتعالى، يوم صلة أرحام   ، يوم فيه فسحة للحبور والسرور !! على معنى أن نتواطأ مع شرع الله تبارك وتعالى ، لا على معنى أن ننساح في مشارق الأرض ومغاربها نكسر القيم التي جاء بها شرع الله بناءً على أن هذا الدين يسر، وأننا في يوم فرحة.ولنا- هنا- وقفة مع الشهداء !!

حينما غادروا إلى الآخرة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام غادروها من بوابة الشهادة ، ماذا قال ربنا في حقهم؟ "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله" بم نفرح ؟؟ قلت مذكرا بتوجيه الله- تعالى-  : "قل فبفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " حذار أن تفرح بالدنيا ومتاعها وإن كانت ضالة مضلة،" إن الله لا يحب الفرحين " الذين تستغرقهم الحياة الدنيا وتأسرهم سطوة السلطان وقوة القوة فإذا بهم يبطشون.

قال: فإن هؤلاء الذين إذا ما سمعوا التكبير فروا، إذا ما سمعوا التكبير انتقض وضوؤهم، وهم- أصلا- ليسوا على وضوء على الإطلاق، بل الجنابة تكاثفت على قلوبهم تكاتف الجبال فوق سطح هذه الأرض، أو تكاتف الجبال الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي، هؤلاء يسمعون التكبير فيذعرون ، يسمعون التكبير فيعربدون ، يسمعون التكبير فإذا بهم ينهالون ضرباً وإيذاءً بهذه الأمة. ولكن بالمقابل في منى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في خيمته يكبر الله تبارك وتعالى ، فيسمع أهل منى في خيمهم التكبير، فيكبرون ، فيكبروا أهل الأسواق ، وإذا بمنى كلها من أولها إلى آخرها تكبر الله عز وجل ، وهل بعثت الرسالة إلا من أجل تعظيم الله جل جلاله ؟!!      

فالله أكبر الله أكبر الله أكبر، نضم لهذا إذا تبت إلى الله ، ورجعت إلى رحاب الله تبارك وتعالى ، قبلك الله ، وأحبك الله، والله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره ، وقد أضله في فلاة ومن هنا نجد أنفسنا أمام مشهد رائع ، فيه أن رسول الله- عليه الصلاة والسلام- قام من الليل  ، وقال يا أم سلمة !قالت : لبيك يا رسول الله  ،قال: قد أنزل الله عز وجل توبة كعب وصاحبيه !!! كعب وصاحباه قاطعهم المسلمون، أتدرون لماذا؟ لأنهم تخلفوا عن رسول الله في غزوة إلى تبوك توجه بها، تخلفوا عن المضي في طريق إحقاق الحق وإبطال الباطل ، ومن هنا قاطعهم المسلمون وأدبوا بآداب الشريعة أيما تأديب ، وظلوا خمسين ليلة على هذه الحال ،كانوا إذا سلموا لا يرد المسلمون على سلامهم، وإذا تكلموا ما استمع أحدٌ إلى كلامهم ، مقاطعة كاملة ما رأت الأرض مثيلاً لها، ثم قال : يا أم سلمة ! قد أنزلت توبة كعب وصاحبيه،قالت : ألا أبشره يا رسول الله، قال لا ، إنهم يمنعونك من الليل ، يمنعونك من النوم آخر الليل،لأنهم إذا علموا بالتوبة استنفروا للبشارة بها ، ولما صلى عليه الصلاة والسلام الصبح، ثم أقبل إلى الصحابة يقول : قد أنزل الله عز وجل التوبة على كعب وصاحبيه، ما الذي حدث في المدينة المنورة يا ترى ؟ قام أناس ووقفوا على أعلى جبيل في المدينة ، وصاح أحدهم : قد تاب الله على كعب، وسمع كعب ذلك ، وفرح أيما فرح، وأركض الزبير فرسه في بطن الوادي يريد أن يصل قبل الصوت، ولكن الصوت صوت المبشر كان أسرع إلى سمع كعب من غيره ، وتوجه حمزة بن عمرو، أو سعيد بن زيد ، توجه إلى هلال وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عز وجل عليهم يبشره بالتوبة، أتدرون ماذا كان؟ يقول المبشر : ظننت أن كعباً لما سجد حيث سمع توبة الله عز وجل عليه ، ظننت أنه لا يرفع رأسه حتى تقبض نفسه، وأخذ يبكي ، وكان بكاؤه أشد من بكائه لما كان حزيناً،أجل ، بكى فرحاً بكاء أحر من بكائه لما كان حزيناً بالمقاطعة.

ثم جاء كعب إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد وكان عليه الصلاة والسلام وحوله الصحابة ، وكان وجهه- عليه الصلاة والسلام- مستنيراًيبرق ، وكان إذا سر صار وجهه صلى الله عليه وسلم كأنه فلقة القمر، البشارة واضحة قال : يا كعب ! أبشر بخير يوم ولدتك فيه أمك ، أو منذ ولدتك أمك، ما هو يا رسول الله؟ قال لقد تاب الله عز وجل عليك، أمنك يا رسول الله أم من الله؟ قال : من الله، وما كان من كعب إلا أن وقف وقفة الصابر فرحاً بتوبة الله عز وجل عليه، أتدرون بم يفرح الشهيد ؟ الفرح لأنه لقي الله شهيداً ، أتدرون ما الفرح ، وبم الفرح ؟ لما تاب الله عز وجل عليه ، وهنا إذا ما أردت أن تتابع أو تلاحق الفرح ، لا فرح إلا بطاعة الله ، ولا فرح إلا برضوان الله ، ولا فرح إلا بترك المعصية التي نهانا الله عز وجل عنها ، فالله أكبر الله أكبر الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً نحمده سبحانه وتعالى على ما هدانا وأولانا، ونشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح للأمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الفرحة الكبرى كانت في عرفة لما أكمل الله تبارك وتعالى هذا الدين ، فأنزل قوله-  عز وجل- "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" اليوم يئس الكفار من دينكم ، فلا تخشوهم واخشوا الله- تعالى-  ما العلاقة حيث انتصر شرع الله تبارك وتعالى ، وانتصاره كان بداية في مكة المكرمة حيث كان في مكة رجل طاهر الجناب رائع الأخلاق سامي الصفات قد عرف الله عز وجل فأحبه ونذر حياته كلها لله عز وجل وكان لسان حاله : " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " هو محمد عليه الصلاة والسلام دعا إلى توحيد الله تبارك وتعالى واستجاب له الصحابة الكرام رضي الله تبارك وتعالى عنهم ، وأخذ يسكب في قلوبهم من المعاني والحقائق ، فامتلأت القلوب بمحبة الله بعدما امتلأت بمعرفة الله والتوكل على الله والثقة بالله ، وقد شعرت شعوراً كاملاً بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عواتقهم ، فانطلقوا في مشارق الأرض ومغاربها يدكون الضلالة دكا.

في المقابل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- كان هناك في مكة المكرمة أناس قد ألفوا نتن الوثنية ، عاشوا في مستنقع الجاهلية ، فوقفوا للمسلمين بالمرصاد،وقد قال الله- تعالى- في زعيم من زعمائهم "ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع وأنا أزيد * كلا ، إنه كان لأياتنا عنيدا"،وقال في آخر "أرأيت الذي ينهى * عبداً إذا صلى، أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى". نحن اليوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ربما لا يهتز لنا عرق بل تهتز كل العروق إن بلغنا أنا خسرنا درهماً واحداً، ولا يهتز لنا عرق حينما نسمع أن هناك في مشارق الأرض ومغاربها من يمنعون الناس من الصلاة !!! بل يطاردون الذين يصلون ، ويتعقبونهم ، ويستأصلونهم بشتى الأسباب ، لا نصر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- للمسلمين إلا إذا أخذوا بالمسالك التي أخذ بها السلف الصالح رضي الله تبارك وتعالى عنهم ، لا قدست أمة لا يأخذ للضعيف حقه من القوي غير متعتع !! إذا كنت ضعيفاً ولك حق ، ثم رفعت صوتك، فإذا بأسنانك تسقط ، وبعينك تقلع ، وبشعرك يقص ، نكاية بك !! ثم بعد ذلك ربما زادوا عليك بالعسف !! أولئك الذين أسكرتهم السلطة ، أو أسكرتهم قوتهم التي بأيديهم !! هذا حال الجاهلية يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، عامل الجاهليون الوثنيون المسلمين في مكة المكرمة وفي بطاحها بوحشية ، ولكن لمن كانت النهاية ؟ لمن كانت العاقبة ؟ كانت لأولئك الذين ثبتوا على حقائق التوحيد ، فرحتنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بالطاعة والمغفرة ، وفرحة بالانتصار على الباطل ، ولعلي أختم بقول الله- عز وجل- "الم غلبت الروم في أدنى الأرض * وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين * لله الأمر من قبل ومن بعد * ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" الفرس تقاتلوا مع الروم ، والفرس غلبوا الروم ، والفرس أهل وثنية كالجاهلية في مكة المكرمة وقتها ، والروم كانوا أهل كتاب ، وإن كانوا على ما كانوا عليه من بعدهم عن ما أنزل الله- عز وجل- ولكن أهل الكتاب يراعون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لمجرد نسبتهم للكتاب الذي أنزله الله عز وجل على الرسول الذي توجهوا إليه بالايمان به ، ما الذي كان بعد ذلك ؟ نادى أبو بكر" غلبت الروم في أدنى الأرض * وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين " ثم راهن أهل مكة على صدق ما جاء به كتاب الله عز وجل ، وقد كسب أبو بكر الرهان ، لأن وعد الله بأن الروم سيغلبون الفرس إنما كان وعداً صادقاً من الله جل جلاله، فرح المؤمنون بنصر الروم على الفرس ، لأن الروم أهل كتاب كما قلنا، وفرح الوثنيون ابتداءً بنصر الفرس على الروم ، لأن الفرس والوثنية والجاهلية في الجزيرة العربية كانت تنهل من مستنقع واحد ، لا تؤمن بتوحيد الله ، ولا تؤمن بلقاء الله تبارك وتعالى، ولكن قال ربنا جل جلاله "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" ترى هل هو نصر الروم على الفرس، يمكن أن يكون ذلك ،  ولكن كثير من المفسرين قالوا "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" أي:يوم ينتصر الروم على الفرس ، ينصر الله تبارك وتعالى المسلمين في بدرعلى المشركين ، وقد توافق نصر الله عز وجل في بدر مع انتصار الروم على الفرس ، وهنا نستحضر ما قاله- صلى الله عليه وسلم- حيث إن إبليس في عرفات يكون أصغر وأحقر وأدحر وأغيظ إلا ما رؤي في يوم بدر، وما رؤي في يوم بدر يا رسول الله ؟ قال : لقد رأى جبريل يزع الملائكة أي: يصفهم من أجل أن يشاركوا المسلمين في تلك الغزوة المباركة هذا الذي ذكرنا. فرحة في الخارج ، وفرحة في مجال الحياة ، وفرحة في الانتصار على النفس ، وإن كنا نقدم الفرحة بانتصارنا على أنفسنا على ذلك ، لكن لو أنه تأخر وتقدم أحدهما فلا مانع بإذن الله.

فالله أكبر الله أكبر الله أكبر. اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجيهن اليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ، واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين ، والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والله أكبر.