387 - في ظلال الحياة الإسلامية وحفظ الحقوق
خطبة الجمعة    387 - في ظلال الحياة الإسلامية وحفظ الحقوق
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن

ربنا ولك الحمد حتى ترضى ، ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده!! اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، وهو رب العرش العظيم.

الله- جل جلاله- يقول:"ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين"

ويقول- جل جلاله-:"إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا* لقد أحصاهم وعدهم عدا* وكلهم آتيه يوم القيامة فردا"

ويقول- جل جلاله-:"رفيع الدرجات ذوالعرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار".

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم!!

فإن شريعة الله- تبارك وتعالى- مبنية على العدل والحق والرحمة ، ومن الأهداف التي تحققها أنها تحقق مصالح العباد، فكل حكم من أحكام شريعة الله لا يخلو من حكمة ، ولا يعرو من رحمة ، ولا يبعد عن حق ، ولا ينأى عن جلب مصلحة ، أو دفع مضرة! ومن هنا كل حكم من الأحكام التي يمكن أن يأخذ به الناس ، ويتواضعون عليه دون أن يكون له صلة بشرع الله ، ولا علاقة له بتحقيق مصالح العباد في دنياهم وآخراهم ، أو لا صلة له بالرحمة ، فهو حكم بعيد عن شرع الله- تبارك وتعالى- الشرع الذي يتضمن الغذاء والدواء والشفاء ، أنزل الله- تبارك وتعالى- الرسالات ، وبين ربنا- جل جلاله- أن من أهم مقاصد هذه الرسالات أن يحقق الناس في الدنيا ما به يقيمونها إقامة تسعدهم في الدنيا ، وتفضي بهم إلى جنة الله- تبارك وتعالى- في الآخرة.

هي غذاء يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم تنمو بها النفوس وشفاء حينما تشفى بها الصدور وهي مع هذا وقبل هذا وبعد هذا المعتصم الذي به تسعد البشرية به تحقق إنسانيتها به تحق الحقوق وتصان الحرمات وتحمى الأعراض وتحفظ الأموال وتتحقق العقلية الربانية جاءت شريعة الله يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من أجل أن تحفظ على الناس عقولهم وقبل ذلك دينهم الذي إرتضاه الله عز وجل لهم ورضيه لهم في الدنيا ليسعدوا في الدنيا وفي الآخرة "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم" هناك في الآخرة وحيث تتصل شريعة الله بما تميزت تتصل بالآخرة مع بناءها لهذه الدنيا "وسيق الذين ارتضوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين" تطيب بها الحياة وترتقي بها النفوس وتتحقق بها الحقوق.

ومن هنا وجدنا من مؤسسات المجتمع الإسلامي الذي انتهج منهج الله- تبارك وتعالى- وتبناه بل من أهم مؤسساته مؤسسة القضاء ، ذلك الذي به تفض الخصومات ، وبه يؤخذ من الظالم للمظلوم ، وبه تحق الحقوق، كم اهتم شرع الله عز وجل بالقضاء ، لا بناءً على أنه إذا فسد فسدت الحياة وضاعت الحقوق خاصة إذا ما علمنا أن شرع الله عز وجل قد وجهنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إلى أن لا نتظالم ، يقول الله- عز وجل- في الحديث القدسي :"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم ، فلا تظالموا" وإنما لأنه المرجع الذي يرجع إليه الناس في خصوماتهم ونزاعاتهم ، وهذا أمر لعله من البداهة بمكان ، إنما هو القضاء ، فإذا فسد القضاء حدث ولا حرج عن ضياع الحقوق، عن الهرج والمرج، حدث ولا حرج عن العدوان والطغيان والابتئاس.

ومن هنا دققت شريعة الله- تبارك وتعالى- تدقيقاً عجيباً في عمل القاضي بعدما ألحت على الصفات التي ينبغي أن تتحقق فيه حينما يولى القضاء ، ودعته إلى أن يكون عادلاً في قوله، في لحظه، في إشارته، في جلسته، في صوته، في تقديمه في تأخيره، في استماعه في إصغائه، ذلك أن قاعة المحكمة هي التي يقف فيها المدعي والمدعى عليه يستمع القاضي فيها إلى المدعي في دعواه، ثم يلتفت إلى المدعى عليه ليقرره بمضمون هذه الدعوى ، فإذا ما أنكر اتجه إلى المدعي، يطلب منه البينة والإثبات، لك أنت أن تتعرف إلى ما يقع في العالم الإسلامي اليوم ، وفي البلاد العربية خاصة، من ضياع للحقوق وسفك للدماء،وقهر للعباد !! كل هذا لأن المجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي ارتضى شرع الله- عز وجل- منظماً لحركته في الحياة، وهو الذي لا يقبل الدعوى إلا بالبينة، فما أكثر الدعاوى الكاذبة الفاجرة اليوم !! لا تقبل الدعوى إلا إذا أقمت عليها بينة، ولك أنت أن تستحضر ههنا وهذا جزء من مميزات هذه الشريعة الغراء، هذه الشريعة التي ربطت الآخرة بالدنيا والدنيا بالآخرة ، على أن العلاقة عضوية بين الدارين، على أنك إذا ما بذرت هنا ستحصد هناك، على أن الله عز وجل رقيب على كل شيء في هذا الوجود، على أنك مستحضر مقام الله- عز وجل- الرقيب- هنا- المحاسب- هناك-  "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين * فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين " "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" ثم يأتي الشهود ويأتي الكتاب الذي سطره الملائكة المعصمون من الأخطاء ، كتب علينا الملائكة ما نقول وما نفعل ،وكتبوا مواقفنا وأحوالنا ، ومن هنا حينما تقام محكمة الحق هناك يوم القيامة وفيها ربنا- جل جلاله- خير الفاصلين، وهو أحكم الحاكمين، هو الحكم العدل- سبحانه- هو المنزه في ذاته وصفاته وأفعاله عن النقص الذي يتمثل في أحد طرفي التشبيه والتعطيل ، هو ربنا تبارك وتعالى العدل في كل فعل من أفعاله أما سمعتم قول الله عز وجل "وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلا" ما أخبر به شرع الله- عز وجل- كله صدق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! وما قررته شريعة الله- عز وجل- من أحكام ، إنما هي عدل "وخلق كل شيء فقدره تقديرا".

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! هناك يقرر الله- عز وجل- العباد الشهود ، الأرض الشاهدة ،الفاعل والمكان والزمان ! وهذا نذكر به أولئك الذين يظنون أن الحق غائب عن تصرفاتهم ، عن أقوالهم ، عن تصريحاتهم ، عن جرائمهم ، عن سفكهم للدماء ، عن مكرهم وغدرهم بهذه الأمة ، عن ابتزازهم أموال هذه الأمة!! نقول "إن الأرض تشهد يومئذ فاسمعوا أخبارها ، وهي معصومة من الكذب ! بل إن الملائكة تشهد بما تخزن مما كتبت على هذا العبد "فمن أوتي كتابه بيمينه * فيقول ها هم اقرأوا كتابيه " "... وأما من أوتي كتابه بشماله * فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه" يبعث الله الأيام لتشهد على الإنسان مصغرة ، كأنما تمر علينا كما يمر علينا ما كنا قد صورناه في رحلة من رحلاتنا !! حيث إن هذه المصورة تلتقط الأنفاس منا ، ثم " الله على كل شيء شهيد" ولو أن الإنسان أنكر هناك ،فقد جاءت السنة المطهرة لتبين بأنه إن أنكر الإنسان هناك أي شاهد من الشهود الذين يقيمهم الله - عز وجل- عليه ، فإن الله- عز وجل- يختم على فمه ، ثم يأذن لأعضائه بأن تشهد!! اليد التي أجرمت وسرقت تشهد عليه ! الجلد الذي زنى به وارتكب الفواحش وغرق في الشهوات الحرام يشهد عليه!! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! فأين المفر والشهود عليه أعضاؤه؟

من هنا أجدني أمام القضاء، القضاء في هذه الأمة إنما صاغته شريعة الله- تبارك وتعالى- لم يكن بيانات تملأ الأجواء دون أن يكون لها رصيد من الواقع ، ما هي الحقائق التي صاغت القضاء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ مع هذا أجدني أمام بعض الدقائق التي ينبغي أن نجعلها مرآة لنا ننظر فيها تارة ، وننظر إلى ما نحن فيه تارة أخرى .

أمة العدل ! أين العدل فيها، أمة الحق! أين الحق فيها، أمة تناهض الباطل ، ولكن ألا ترى بأن الباطل يصول ويجول ؟ لماذا هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟؟؟ جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز- رضي الله تبارك وتعالى عنه- رسالة! أتدرون من كان يحكم ؟ وما كان يحكم ؟ قد أعطاه الله عز وجل الخلافة، لا على أنها ترفعه على أعناق الناس وأكتافهم ، وإنما أنيطت الخلافة بعنقه، ولما درى أن سليمان بن عبد الملك قد نص عليه نصاً في كتابه الذي كتبه وصية ، وهو يودع الحياة صعد المنبر وبين أنه ما طلب هذا ، ولا أراده ، وحيث جاء من غير اختيار الناس ، هو يخلع بيعتهم من عنقه ، ويكل إليهم أمر اختيار الخليفة الذي يختارونه!! وصاحوا صيحة واحدة: بل اخترناك وبايعناك ورضينا بك! هو الذي كان يبكي من جوف الليل ، وتسأله زوجه فاطمة بنت عبد الملك لم البكاء؟ فيبين أنها أن من وراء بكائه الإحساس بعظم المسؤولية ،إذ إنه مسؤول عن كل فرد من أفراد هذه الأمة ، تلك التي غطت مشارق الأرض ومغاربها ، مسؤول عن الفقير! مسؤول عن المريض ! مسؤول عن الغريب الكسير! مسؤول عن ذي العيال ، والمال القليل ، مسؤول عن التائه والضال ، مسؤول عن عقائد هذه الأمة ! مسؤول عن ما يوسوس به الموسوسون من عقائد باطلة فاسدة ماجنة فاجرة!!! مسؤول عن أن تعود لهذه الأمة مبادئها الإسلامية التي أقرتها شريعة الله ، ومبدأ الشورى لعله من أهم هذه المبادئ ! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !إنه مسؤول عن الإصلاح الحقيقي ، وهو لم يعلن ولا مرة من المرات ،ولم يلق البيانات تلو البيانات التي فيها خطته في الإصلاح !! ووالله لقد حكم سنتين وبضعة أشهر فكان منه ما كان !! انقلبت الأرض- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وأشرقت الأرض بأنوار أحكام شريعة الله- تبارك وتعالى- فكيف لو بقي في الحكم عشر سنين ؟ كيف لو بقي في الحكم ثلاثين سنة؟ كيف لو بقي في الحكم أربعين سنة؟ كان يخاف الله- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يمنعه من الظلم ، ولما سألته زوجته عن سبب بكائه، وبين" أنها المسؤولية " يا فاطمة! قال: إن سألني الله- عز جل- سألني عن أولئك جميعاً ، وأخاف أن لا يقبل الله- عز وجل- مني معذرة ، ورسولنا- عليه الصلاة والسلام- هو الحجيج فيهم ، وأخشى أن لا تكون لي حجة أمام حجته!! عليه الصلاة والسلام ، هذه من الحقائق التي ينبغي أن تبنى عليها الأنظمة في البلاد العربية : الخشية من الله ، فإن خلت القلوب من الخشية عند ذلك تحذلق المتحذقون ، وكان أشد الناس ذكاءً ومكراً ، هم أشد إيذاءً لهذه الأمة!! يظنون أنهم بذكائهم ومكرهم يمكنهم أن يرتكبوا الجرائم الكثيرة التي تضج لها السموات دون أن يحاسبوا ، أظنوا أنهم إذا ما خفوا عن أعين الناس يخفون عن عين الله- جل جلاله- ؟؟.

جاءته رسالة أتدرون من أين ؟ من مصر، من أرسلها ؟ لو وقفنا عشر سنين لما عرفنا من أرسلها إلا إذا قرأنا سيرته ، ونحن اليوم وقبل الغد مطالبون أن نتعرف إلى سيرة هؤلاء ، لأن سيرتهم هي النبراس المضيء! هي اللوحة الصافية النقية التي رسمت فيها سطور من نور!!" هي الفترة الزمنية المباركة التي فيها ارتقى المجتمع ارتقاءً أقل ما يقال فيه: من بات آمناً في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " !!! وأنت تسير في الطريق تأمن على روحك من أن تختطف بيد مجرمة ، تأمن على مالك ، ولو تركت أبوابك مفتحة ، تأمن وتأمن وتأمن ،لا يحقق ذلك إلا من ظل من هذه الأمة قلباً وقالباً ، وبقي في أوج ارتقائها بتحكيم شريعة الله- عز وجل- وأما من كان على ما هو عليه اليوم من إجرام ، فما أبعده- مهما تشدق بالإصلاح- عن هذا !!وما أقل هؤلاء المجرمين اليوم يوم كانت شريعة الله هي الصائغة للحياة ! هم كانوا أقل من القليل وأذل من الذليل، جاءت عمر- رضي الله عنه- رسالة من امرأة اسمها (فرتونة) كانت تعيش في مصر، فما مضمون هذه الرسالة ؟ قالت له: يا أمير المؤمنين! إني امرأة فقيرة ، وعندي كمية من الدجاج أتمعيش بها ، وحائطي قصير مما يغري أولئك الذين يتسورون الجدران ، فيسرقون دجاجي ، أهذه مسألة تعرض على أمير المؤمنين- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أيجوز لفرتونة هذه أن تشغل أمير المؤمنين عن القضايا الكبرى الدولية التي يقف أمير المؤمنين قبالتها يدافع عن سمعة هذه الأمة دفاعاً صوتياً ، لا والله بل دفاع حقيقي ، ويحمي حقوق هذه الأمة إنما حماية صوتية،لا بل حماية واقعية !! أمير المؤمنين ينبغي أن يشغل بقضايا الأمة الكبرى ، ألا وهي علاقات هذه الأمة بالدول الأخرى، كانت الدولة الإسلامية وقتها هي الدولة التي تهيمن على الأرض، ومن هنا تأتي البركات كل البركات فوق هذه الأرض ، لكن هذه المرأة لم يخطر ببالها ما يمكن أن يطرح اليوم ، من انشغال بالقضايا الكبرى ، ، ولو أهمل كل الناس !! بعثت إليه تطلب منه أن يحصن لها حديقتها ، قرأ الرسالة!! مباشرة كتب رسالة إلى عامله في مصر قال له: لقد جاءتني رسالة من فلانة ، فعليك أن تركب بنفسك إليها ، وتنظر ما طلبته ، ثم آمرك أن تحصن لها سور بيتها ، وبعث إليه بالجواب ، كان بالإمكان أن يرسل إلى عامله فحسب ، لكنها الحقائق الإيمانية تصوغ السلوك، أجل الحقائق الإيمانية هي التي تصوغ السلوك ، إن فرغت الذات من الحقائق الإيمانية ، فالسلوك سلوك وحشي أو متخبط ، يدمر الحياة ، ولا يبنيها !! سلوك إنما يمكن أن يكون في الغابات حيث لا إنسان فيها ، وأرسل لها رسالة ، وصلتني رسالتك ، وعرفت ما تطلبين فيها ، وبعثت إلى عاملي آمره أن يحصن لك سور بيتك ، لتأمني مما تخافين إن شاء الله، ويركب عامله،بالله لا تقل لي: إنك تضيع علينا الوقت!! لا يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- نحن نعيش أزمة !! نعيش كارثة!! نعيش مأساة!! والذي لا يرى المأساة التي يعيشها المسلمون اليوم إنما هو أعمى ، هو بليد الإحساس ، هو غليظ الجلد والكبد ، هو مخدر، كأني به كرجل مسها السكر بآفاته ، فتجلطت كل مشاعرها ،ونهايات أعصابها التي تحس وتشعر!! قال لي الطبيب: تفقد قدميك ، فإن السكر يتلف رؤوس الأعصاب في الرجل ، وربما جرحت ، وأنت لا تدري!! الذين لا يرون أننا في كارثة من الظلم والعدوان والطغيان! الذين يظنون أنا نعيش في مثل عصر الخلافة الراشدة هو القميء فكريا ونظراً!! قميء والله- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لأن الحياة الربانية على غير هذا الذي يظن الظانون،اجل : وركب والي عمر يسأل عن تلك المرأة حيث عينت موطنها ، فإذا هي بالجيزة في مصر، سأل عنها فلانة فلانة حتى وصل إليها ، كانت امرأة سوداء، ومن قال بأن السواد يمنع الإنسان من حقه ؟ هناك أناس يغالطون- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- حينما تطالب بحقوقك يقولون لك: إنك قصير القامة! إنك أبيض البشرة! إنك أعشى البصر!! إنك ... قل ما شئت من أقوالهم ، لا علاقة للألوان ، ولا للأجناس- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بقضية الحقوق ، وتحقيق العدالة ، بل إن الإسلام ارتقى فوق هذا أيما ارتقاء!! رفع عامل عمر للمرأة  السور، وشكرت المرأة الله- جل جلاله- على ما هيأ لها من أمر عمر بن عبد العزيز- رضي الله تبارك وتعالى عنه- مثل هذا يدعى له بطول العمر !!!.

علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- كان في السوق ، فرأى درعه مع يهودي ، وهويعرف درعه ، كم لبسها- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- كأنما ريح عرقه الفخم الفاخر قد ملأ ذرات الحديد فيها ، أمسك بها قائلاً: هي درعي! قال اليهودي : لا ، وأنا لا أعرف عم تتكلم ؟ قال: هي درعي ، لقد سقطت مني في يوم كذا وكذا! قال: لا أدري ما تقول ، هي درعي ، وفي يدي ،وقال تعال بنا نتقاضى أمام قاضي المسلمين ، يهودي وعلي بن أبي طالب ، إنما هو إمام المسلمين أمير المؤمنين!! وارتفعا إلى القاضي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وأقول: ارتفعا لأن القضاء هو أعلى سلطة في المجتمع ، ينبغي أن يكون مستقلاً استقلالاً تاماً ، وينبغي أن يعين القاضي على أنه عالم بأحكام شريعة الله ، عدل، سوي السلوك، نظيف السمعة، ولا يعين لدوافع أخرى ،  فإذا ما كان القضاء فاسداً فسدت الحياة كلها، لأن المنطقة التي بها أحقق حقي إذا كانت منطقة فاسدة !! فأين أحصل على حقي؟؟ يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! ووقف الخصمان أمير المؤمنين ، واليهودي ، ما الدعوى؟ يقول أمير المؤمنين: هذه درعي، سقطت مني يوم كذا وكذا، ما تقول يا يهودي؟ قال: هي درعي وبيدي ، وأنت تعلم بأن السلعة إذا ما كانت باليد، فوجودها في اليد من الأدلة على أنه يمتلكها ، فالتفت شريح القاضي إلى علي بن أبي طالب- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وقال: ما دليلك على أنها درعك ؟ قال: شاهدان ، حسن إئت بهما ، وهنا نذكر بأنه لم يكن في الزمن الغابر  للمحكمة درجات ، كانت المحكمة ابتدائية فحسب ، لم يكن هناك محكمة استئناف ولا محكمة تمييز، ومن هنا كانت القضايا سرعان ما يبت فيها ، إذا ما دخلت القضية عند الصباح ما أذن الظهر إلا والقضية قد بت فيها- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قارن هنا بين القضاء إذا ما تلكأ في بث القضايا ، وبين إحجام الكثيرين عن أن يدخلوا قاعات المحاكم، لأنهم يعلمون سلفاً علم اليقين ، أو علماً شبيهاً باليقين ، أنهم إذا دخلوا المحاكم لم يخرجوا منها : إما أن يموت القاضي، أو يموت المدعي ، أو يموت المدعى عليهن أو تفنى السلعة المدعى بها ، كانت المحاكم مرتبة واحدة وهي التي تبت في كل القضايا المطروحة أمامها ، قالوا: لا مانع من أن تتعدد الدرجات، وعللوا ذلك- والتعليل رائع- قالوا: لما كانت الذمم مصونة، ولما كان العدل قد ملأ الجوانح ، ولما كان القضاة إنما يتسنمون سدة القضاء بناء على مؤهلات، ولما كانت الخشية من الله- عز وجل- هي العامة ، فلا مانع من أن تكون درجة واحدة ، أما إذا انتفت هذه الحقائق، أو ضعفت في النفوس والواقع ، فهنا يخشى من قضاء المرتبة الأولى: أي المحكمة الابتدائية،  يخشى أن يحيف أو يجور، وقد جاء عنه- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تخلى عنه الله ، ولزمه الشيطان" أجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- القاضي المؤهل يسدد، وهو مأجور عند الله بل إن مكانته عند الله عالية عالية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ومن هنا جاء عنه صلى الله عليه وسلم "إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين ، ذلك أنهم عدلوا في حكمهم وحكم أهليهم وما ولوا" أو كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- من هنا أتى علي- رضي الله عنه- بالشاهدين من هما: غلامه، وولده الحسن، استمع القاضي إلى الغلام فقال: هذه درع أمير المؤمنين ، واستمع إلى الحسن فقال: هذه درع أمير المؤمنين ،صدر قرار القاضي إذ قال أما قنبر- يعني غلام سيدنا علي رضي الله تبارك وتعالى عنه- فقبلنا شهادته، وأجزناها ، وأما الحسن فلم نجز شهادته!! أتدرون لماذا؟ لأنه من المشهود له، وأنتم خبراء بأن الشاهد ينبغي أن ينأى كل النأي عن كل العلاقات التي تدفعه، ربما إلى أن يشهد، مع أن الحسن والحسين- رضي الله عنهما- هما سيدا شباب أهل الجنة، لكن شريحاً إنما يعمل بأحكام القضاء التي تعلمها، وحكم بها ، فرد شريح دعوى علي ، فإذا بعلي يدفع الدرع لذلك اليهودي، ويقول له : خذها !!فما الذي حدث الآن ؟؟ اليهودي قال في نفسه : الحاكم يعني القاضي يحكم على أمير المؤمنين لي والدرع إنما هي درع علي فعلاً، هو يدري أنها درع علي ، وإنما أبى أن يساوم ، أن يجادل، أن يقاوم كما قالوا، ومن هنا قال: يا أمير المؤمنين! والله إن الدرع درعك، وإن هذا الحكم الذي استمعت إليه الآن لا يحكم به إلا الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بما قابل علي هذا، هو المجتمع النظيف ،لا مجتمع التصليحات والإعلانات الفارغة، نحن بحاجة ماسة إلى أن نحول القيم الربانية إلى وقائع ، إلى سلوك ، لو أننا صمتنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وتحولت حركتنا الحياتية الصامتة إلى مسالك! إلى عدل! إلى إنصاف! إلى حق! إلى صدق! لكان أولى بكثير من أن تتحرك الألسن مع أن الواقع يكذب كل ما تتحرك به هذه الألسن، علي- رضي الله عنه- قال: هي هبة مني لك، وهذه فرس إضافة، وهذا مبلغ من المال!! وبهذا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تنطوي نصف هذه المشاهد التي هي إضاءات ، لا تقل: كانت في الماضي ،بل هي في الحاضر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لماذا هي في الحاضر؟ قال لأن الله- عز وجل- أعطانا الإمكانات التي بها يمكننا أن نقوم بتطبيق شريعة الله- عز وجل- في كل زمان وكل مكان ، ذلك أن شريعة الله صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ، إذا ما رجعنا سريعاً إلى عمر بن عبد العزيز كان في السوق يتفقده ، ويتعرف إلى الأسعار فيه ، وإذا برجل عليه بردان أحمران! قال أمير المؤمنين؟؟؟ قال: نعم ، قال: أنت نادى مناديك ألا من كانت له مظلمة فليرفعها إلينا!!قال: ما شأنك؟ قال لي مظلمة، أتظن ذلك نداء، ذلك النداء- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- كان لما ولي الخلافة وبايعه الناس ، نزل ليستريح في البيت قبل صلاة الظهر، وفتح الباب قبل أن يسلم عينيه للنوم ، وإذا بولده عبد الملك! كان عمره سبع عشرة سنة ، قال: يا أمير المؤمنين! ماذا تفعل؟ قال: يا بني! إني آخذ قسطاً من الراحة ، لقد تعبنا البارحة في دفن سليمان بن عبد الملك ، ثم بعد ذلك نعود للعمل قال: ألا ترد المظالم إلى أهلها؟ قال: يا بني أقول لك إن بدني قد فقد الطاقة! فهلا أخذت حظاً من الراحة ، ثم بعد ذلك أعود لما يطلب أن أقوم به ، نصلي الظهر ثم نرد المظالم إلى أهلها ، وهذه الشريعة قد عينت ديواناً للمظالم !! المصيبة في هذا أن يكون الذي يتولى ديوان المظالم ، هو من أظلم الظلمة ، هذه الشعارات ربما يعلن عنها في ربوع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا يصح على الإطلاق أن نوكل إلى أظلم الظلمة أن يحاسب الظالم ، ولكن هذا لا يليق بحسب الفهم والفحوى والدلالة والحق والحقيقة ! قال: يا أمير المؤمنين! من يضمن لك أن تبقى إلى صلاة الظهر؟ قلت مرة: لو كان أمير المؤمنين ابن يومنا هذا لأطلق على ولده النار!! وقال له يا صفتك يا نعتك أتتشائم وأنت تفول علي- كما يقولون في العامية- بمعنى أن ما تقوله يعتبر " فأل سوء" وأنت بذلك تريد أن تأخذ مكاني ، كذبت ، لكن عمر نمط آخر بل ولده نمط آخر أتدرون من ولده؟ كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز أتقى من والده عمر ! وأخشى لله من والده ، وقد سؤل عمر بن عبد العزيز حيث توفي  ولده عبد الملك شاباً ، وفي أثناء دفنه أثنى عليه والده ، فقيل له: لو أنه بقي حياً أتوليه؟؟ قال لا، لا أوليه، الولاية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تكليف ومسؤولية لمن فهم عن الله- جل جلاله-.

زاره ابن عم له وكان عزباً ، يقول بعد ما صلينا العشاء أطفأ المصباح ، ثم أوى كل منا إلى فراشه، وأغمضنا العيون ، ثم انتبهت من جوف الليل فإذا بعبد الملك يشهق ينشج نشيجاً مكبوتاً ، وهو يتلو قول الله- عز وجل- ويردده "أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * فما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون"، "أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون فما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون"، الذين يظلمون ويعتدون على الناس ويطغون نذكرهم بفرعون !! فرعون الذي قال " أنا ربكم الأعلى " فرعون الذي قال: " ما علمت لكم من إله غيري " فرعون الذي أراد أن يحاور موسى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وهنا ينبغي أن يضحك الإنسان أو أن يضحك الإنسان من هذا الطيش فرعون الفكري والسلوكي !!، فرعون يدعو موسى- عليه الصلاة والسلام- إلى الحوار! لكن أتدرون ما فحوى الحوار؟ وما مضمون الحوار؟ قال فرعون لموسى وقد سجل الله- عز وجل- ذلك آيات نتلوها ، نحن بحاجة إلى أن نقرأ مرة ثانية وثالثة لنتعرف إلى النفسيات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- سأل فرعون موسى " وما رب العالمين " ؟ فإذا بموسى يبين "أنه رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين" فرعون سأل عن ماهية الله- عز وجل- عن حقيقة ذات الله!! وموسى دله على الآثار التي تدل على الله ، فقال فرعون للملأ حوله- يحرضهم يستعديهم- " ألا تستمعون " فأكمل موسى عرضه للحقائق ، غير ملتفت للمقاطعة والشغب هو " ربكم ورب أبائكم الأولين" فإذا  بفرعون يصف موسى بأنه مجنون ، قال "إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون" ولقد خرس الملأ الفاجر، وخرسوا وخرسوا!! ما تبين على الإطلاق لما وصفه بالجنون !! ربما يصفه بالأحلام والأوهام ، ربما يصفه بالتآمر، قل ما شئت ، لكن أن يصفه بالجنون فلا "إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون" فلما أكمل موسى حججه التي قذف بها قذفاً على ذلك القلب الغافل ، إذا بحقيقة فرعون الطاغية تطفو على السطح لساناً وعربدة !! ما حقيقته التي ظهرت ؟ " قال لئن اتخذت إلهاً غيري لتكونن من المسجونين " هذا هو الحوار الذي أراده فرعون من موسى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ولنتقدم خطوات أمام الآيات التي حدثتنا عن مثل هذه المواقف حتى نصل إلى القرار الذي أصدره فرعون لوجدنا أنفسنا أمام أنه استدعى بعد ذلك السحرة ليؤيدوه ، من أجل أن يبقى على كرسيه ، لكنهم أسلموا لله- عز وجل- حيث رأوا أنما بيد موسى إنما هو معجزة ، وليس هو من السحر بشيء ، هناك ما كان منه إلا أن ألقى الاتهامات: أولاً :" إنه لكبيركم الذي علمكم السحر" ويعلم الجميع- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أنه لا لقاء هناك على الإطلاق بين موسى وبين السحرة ، بل إن الذي جمع السحرة هو فرعون ، ولم ير السحرة من قبل موسى- عليه السلام- كما لم ير موسى- عليه السلام- من قبل السحرة ، وإنما جيء بهم من أجل أن يقولوا وقد" قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون *"فإذا بالتهمة الكاذبة " إنه لكبيركم الذي علمكم السحر" وقذف بتهمة أخرى ، لأن التهمة الأولى لعله ما صدقها هو نفسه ، وإذا به يقول " إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها " إذن هي عملية التآمرالخارجي !! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، أهذا هو الحوار الذي أراده فرعون ؟ ثم إذا به ينهال لتظهر فرعونيته على أبشع صورها !! إنه أقسم على تقطيع الأيدي والأرجل والتصليب في جذوع النخل ، وبين أنه أشد عذاباً وأبقى من الله- جل جلاله- بم أجابه السحرة " قالوا فاقض ما أنت قاض "!! القرار الذي أصدره فرعون في ثمرة حواره مع موسى- عليه الصلاة والسلام- أنه ليقطعن الأيدي والأرجل وليصلبن ، أولئك الذين تنكروا صراطه الأعوج ، أولئك الذين أبوا تلك الألوهية الفارغة التي ادعاها فرعون ، الذي لم يكن حاكماً لمصر بل كان مالكاً لها " أليس لي ملك مصر" ولك أن تتدبر عمق الدلالات القرآنية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذا ما رجعنا سريعاً ولن نطيل أكثر من هذا إلى ما كنا بصدده وهو أن عمر بن عبد العزيز قال لولده عبد الملك: اقترب مني يا بني!! ادن مني ،أقبل فقبله والده بين عينيه ، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على أمر ديني ، وخرج مباشرة ، ونادى مناديه: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها إلينا.وسجلها التاريخ بأحرف من نور، لكن الطغاة لا يعرفون قراءة ما كتب بأحرف من نور ، ويجيدون تجسيد سلوك زعيمهم الروحي " فرعون "!!!

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين!!

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته ، فقد قال لنا ربنا- جل جلاله- "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

إنا بينا في صورة غير دقيقة ولا شاملة ما كان من أمر فرعون مع قومه ، وماذا كان يفعل بهم بل إنه ادعى أنه لا ينظر في أمر من أموره إلا عن رأي من معه من الملأ! ماذا قال؟ " قال ذروني أقتل موسى " نعم سألهم أن يتركوه ، ليقتل موسى- عليه الصلاة والسلام- ومن معه ! لماذا يا فرعون؟ قال يخشى فرعون من موسى أن يبدل دينهم ، أي : المنهج الذي أرساه في مصر سنين يخاف من موسى أن يبدله، أو أن يظهر الفساد في الأرض ، فرعون كله صلاح ، ذراته نخامته ، وكله نخامة ، كل ما فيه من قذارة قد ظهرت حيث ادعى الألوهية ، ومن هو حتى يدعي الألوهية هو ابن الحيضة ، هو الذي إذا أكل وزحمه الطعام ذهب إلى الخلاء !" قال أنا ربكم الأعلى " ما الذي يدعيه هذا؟؟؟ ومن هنا خشي من موسى أن يفسد في الأرض ، ثم بعد أن قال ذروني إذا به يقول لأهل مصر: عطلوا أعينكم ، وعطلوا أسماعكم وعطلوا ألسنتكم ، فما أقوله تقولونه! وما أسمعه تسمعونه! وما أراه ترونه1 " ما أريكم إلا ما أرى ، ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد" حدث ولا حرج عن رشاد فرعون حينما يدعو إلى الرشاد!!- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ! ما الذي يقابل ذلك؟ يقابل ذلك عبد من عباد الله ، وهو عمر بن عبد العزيز الذي صاغته شريعة الله- عز وجل- عرف الله فأحب الله ، وخشي الله ، وأقبل على الله ، وهو الذي قال: ما تاقت نفسي إلى شيء إلا نالته ، وبعد أن تناله تتوق إلى ما هو أعلى منه!! همة شماء ! وقد أعطاني الله- عز وجل- الخلافة ! وأني أتوق إلى ما هو فوقها ! يريد جنة الله ورضوان الله- جل جلاله- قال ذلك الذي يلبس بردين أحمرين: أنت يا أمير المؤمنين قلت: من كانت له مظلمة فليرفعها ، ما مظلمتك ؟ قال جئتك من بلد بعيد! قال: من أين؟ قال: من عدن إلى دمشق- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لم يكن عمر بن عبد العزيز مختار قرية! بل كانت الأمة الإسلامية قاطبة قبل أن تمزق! كانت كلها بحكم الأمة الواحدة التي شهد الله عز وجل لها بقوله: "كنتم خير أمة أخرجت للناس". قال: من اليمن ، من عدن ، إنها بلد بعيد ، ما مظلمتك ؟؟ قال: كانت لي أرض فعدا علي من يلوذ بك ، فاغتصبها مني !! يريد أرضه انتفض عمر رضي الله- تبارك وتعالى عنه- ثم أمر فكتب له كتاباً إلى عامله في عدن: يجيئك فلان يحمل هذه الرسالة ، فانظر في قضيته ، ودلائل ثبوت حقه ، فإذا ما وجدت أن له مدعاه ، استرجع حقه ممن اغتصبه منه، ثم أعطه إياه. أخذ الرسالة وأراد أن يشكر قال: لا أنت أمضيت أياماً على الطريق ، ولا بد من أنك قد أنفقت الأزواد وأبليت الثياب، وأتعبت الدابة، فإذا به يعطيه  ما يقابل الذي أنفقه من طعام وشراب ولباس ، وما يؤمن رجوعه إلى عدن- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-. كان كل منهم قاضياً ، وأنت قاض في بيتك، كان كل منهم قاضياً ، وأنت قاضي في دائرتك. لا يشترط أن يكون القاضي وحده هو المطالب بالعدل أنت مطالب بالعدل ما وليت أمر هذه الأمة ، ولو وليت ثلاثة أو أربعة ، فأنت مطالب أن تحكم بينهم بالعدل ، أنت مطالب أن تنهى عن الظلم كل النهي ، فمن هنا سنحاسب- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أمام الكلمة تقولها ، إن كانت عدلاً أو كانت كذباً وباطلاً، ومن هنا نجد أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أمام شريعة ارتضاها الله- عز وجل- لنا لا سعادة لا في الدنيا ، ولا في الآخرة إلا بها ، علينا أن نغرف منها ، وعلينا أن نقف في وجه أولئك الذين يمتدون أمواجاً بعد أمواج يحرضون على أن لا نقبل بشريعة الله- عز وجل- أن تهيمن على الحياة!! لماذا ؟ لأن شريعة الله عدل ، وهم ظلمة! لماذا؟ لأن شريعة الله حق وهم باطل ! لماذا؟ لأن شريعة الله صدق ، وهم كذبة!إذا كنتم كذلك ، وأبيتم أن تطبق هذه الشريعة ، فلماذا تحرمون الناس من خيرها وبركتها ؟؟؟

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين.

اقسم اللهم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا

 اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأقم الصلاة.