388 - من خصائص الحضارة الإسلامية
خطبة الجمعة    388 - من خصائص الحضارة الإسلامية
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإن أحد الكتاب يقول يدندن حول أولئك الفتية الذين هم خميرة النهوض ، نهوض هذه الأمة ، هم أس استرجاع هذه الأمة لما كانت عليه من عزة وكرامة !: لا تسمع هذا الفتى الذي أقوله ، فإنه شجاع متى يسمع الطعنة يشتق ! أي يشتق إليها ! ويقول الآخر: غير أن الفتى يلاقي المهالك حالكات... ولا يلاقي الهوانا !! حديثنا- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- تجتمع فيه أمور، يمكن أن تعنون " بعوامل النهوض " أو" وجه الحضارة الإسلامية " أو" خصائص تلك الحضارة " مع ما يتعلق بالوهن الذي أخبر عنه رسولنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ونحن بين مظاهر الوهن الحضاري الذي نبأ به ، وحذر منه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- على أنه عارض يعرض لهذه الأمة ! ولا يعني بحال أنها به تموت ، ذلك أنها تستعصي على الموت ، وبين خصائص هذه الحضارة ، لا على سبيل الاستقصاء ، إذ محال في مثل هذه الوقفة ، مهما طالت ، أن تستوعب حضارة ربانية إلهية إيمانية صاغتها شريعة الله- تبارك وتعالى- بكل أبعادها ، لكنها مقتطفات ، لعلها تذكر أولئك الذين يحتاجون إلى التذكير، أو تشد من أزر أولئك الذين تنبهوا ، تيقظوا ، فأقبلوا ، أو حينما ننتصب بتلك القامات التي عرفتها تلك الحضارة تلك الأيدي البناءة !وتنشط تلك العقول المستنيرة التي صيغت منها هذه الحضارة على قواعدها الراسخة ، لعل هذا يغري الكثيرين- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بالالتفات إلى النفس ، والتعرف إلى موقعها ، مما يجب على هذه الأمة أن تقوم به الساعة.

عبيد الله بن ميمون القداح ، وأبو طاهر القرمطي ، والحملات الصليبية ، وهجمات التتار، والعداء الناصب المنتصب الذي لا يكل ولا يمل ، ويقف في وجه الإسلام سواء كانوا من الداخل أو الخارج ، هذا كله يضم إلى عتبة، من عتبة هذا؟ عتبة بن أبي لهب، لماذا نسوقه؟ نسوقه شاهداً على أن الله- عز وجل- هو الذي أيد رسوله- عليه الصلاة والسلام- ربنا جل جلاله "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله " ربنا جل جلاله هو الذي صاغ هذه الأمة بالآيات المحكمات التي أنزلها على قلب المصطفى- عليه الصلاة والسلام- أحاديثه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، ومنها : أن الأرض قد زويت له فرأى مشارقها ومغاربها وأن ملك أمته سيبلغ ما زوي له من الأرض ، وإنه أوتي الكنزين الأحمر والأبيض !! هذا يفسر لنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ما انطوت عليه هذه الأمة- فيما امتدت في وجودها فوق هذه الأرض- ما انطوت عليه أراضيها من كنوز، ومن ثروات ومن معادن ، وما يبقى إلا هذا الإنسان !! الإنسان الرباني الذي التزم شرع الله ، فكان أهلاً لأن يعيد الكرة، كرة الإسلام بعد فرة أهله ! حيث يغطي وجه الأرض ، وكم البشرية- اليوم- بحاجة إلى عودة الإسلام كاملا إلى ربوع الحياة ، كل الحياة ! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

بل إن كاتباً من النصارى اطلع على عطاءات الإسلام ، وأبى إلا انصافه ، إلا أن يخط بيمينه هذا الإنصاف ، فقال: قطعت يد شارل الذي وقف في وجه عبد الرحمن الغافقي في معركة بلاط الشهداء!! قطعت يده !إذ لو أنه لم يكن ، وجاء الإسلام لعم أوروبا كلها ، بل لعم الخير والعدل والحق والعفاف والقيم الأخلاقية الربانية، بل لعاد المسيح- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ليضع الأمر في نصابه ، بل لعادت التوراة التي أنزلها الله- عز وجل- على موسى عليه الصلاة والسلام !!!.

أجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- عتبة بن أبي لهب كان معادياً شرساً ، كأولئك المعادين الشرسين اليوم الذين بلغت بهم الوقاحة إلى أن يعتدوا على ذات الله- جل جلاله- !! أبت وقاحتهم إلا أن يحولوا البشر الحقير إلى إله في الزعم !! تماماً كما انتصب فرعون بقولته الفاجرة " أنا ربكم الأعلى " يوم انتصب.

جاء النبي- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- يوماً ، من أجل أن يفرغ حقده على الإسلام والتوحيد ، فقال : يا محمد- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- إنه- والكلام ههنا بصيغة المتكلم لعتبة-  يكفر بالذي " دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى "ولم يكتف بهذا الإعلان الكافر ، بل ، وتفل في وجه المصطفى عليه الصلاة والسلام!! أرأيتم وثنية مثل هذه الوثنية ؟؟؟ ألا تحتاج هذه الوثنية إلى أن تستأصل من فوق هذه الأرض ،وتريح الأرض من فجورها !أما يكفي أنه أعلن عن كفره، فلم التفل ؟؟ يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، لم هذا الإيذاء، أتدرون من آذى ؟؟ آذى الذي رقى الله- عز وجل- به حتى بلغ قاب قوسين أو أدنى، إنه أعظم مخلوق لله- جل جلاله- !! إنه الذي أعده الله عز وجل ليقوم مقام مرسلين ، وليس رسولاً واحداً ، ذلك أنه أرسله ربنا- جل جلاله- رحمة للعالمين.

فعل عتبة فعلته ، ورجع إلى أبيه، فأخبر أباه بما كان منه، فقال له أبوه : وما الذي قاله لك؟ قال: قال لي "اللهم سلط عليه كلباً من كلابك"، فاهتز أبو لهب، اهتز من أعماقه ، لأنه على خبر بصدق المصطفى- عليه الصلاة والسلام- هو من أولئك الذين أيقنت أنفسهم " بصدق " المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بكل ما يقوله ،ولكنه جحد وأبت عليه وثنيته أن يرجع إلى الحق ، بل تمادى في الباطل، قال: يا بني ! والله ، لا آمن عليك مما قال، وجاء يوم توجه القافلة إلى بلاد الشام ، وخرج أبو لهب ومعه عتبة ولده ، وإن كان حذره في هذا المسيرمهيمناً عليه ، وفي الطريق نزلوا في بيئة تسمى " الشراة " كانت مسبعة ، فنزلوا بجانب صومعة لراهب ، فأطل عليهم من صومعته فقال: يا أيها الناس ! لم نزلتم ههنا ؟ ألا تعلمون أن السباع ههنا تسرح كالأغنام، فهز ذلك أبا لهب من أعماقه !! فإذا به يسأل الركب الذين معه : تعرفون منزلتي فيكم ، ومكانتي عندكم ، وولدي أخاف عليه مما قاله محمد- صلى الله عليه وسلم- فأرجوكم أن تجمعوا أشياءكم فتجعلوها كومة ، ثم ينام ولده عتبة فوق الكومة ولده ، ثم تحيطون به ، فإني لا آمن عليه من تلك السباع ، هو ظن أن هذه الكومة تحميه- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إنه إذا أرسل الله عز وجل سهمه- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فسهم الله نافذ ، لا يرده راد ، ومن يمكن أن يتقي من سهام الحق- سبحانه وتعالى- إذا ما أرسلت ؟؟ ولذلك دعينا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إلى أن نضع السهام في الأقواس، متى؟ في الأسحار لعل الله- جل جلاله- أن يأخذ بنواصي هذه الأمة إلى ما فيه خيرها وسعادتها وعزها وسؤددها.

نام القوم ، وجاء المرسل المسلط من الله- جل جلاله- ههنا ، وهو استجابة لدعائه- عليه الصلاة والسلام- كان الناس بين النوم واليقظة ، ذلك أنهم أرعبوا أيما إرعاب ، الذي روى ذلك هبار بن الأسود ، كما ذكر ابن كثير في سيرته ،المرسل المسلط أخذ يتشمم القوم ! لديه خبرة بالرائحة ، وما أشد خبرته وما أعمقها فيها !! هو يريد رأساً معيناً ، لا يريد سواه ، يريد أن يسقط هذا الرأس ، لأنه رأس تافه ، تشمم القوم فلم يجد بغيته ، لكنه نظر، فإذا به يرى الكومة ، تراجع قليلاً ثم وثب ، فكان فوق الكومة ،وهناك تشمم رأس عتبة ، ثم بطش به ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!!

أما قال الحبيب- صلى الله عليه وسلم- "اللهم سلط عليه كلباً من كلابك" !! أراد عتبة أن يصد عن سبيل الله ،بل صد حيث وقف ليؤذي رسول الله ! والإيمان وحقائق الإيمان ، فأخذه الله- جل جلاله- هذا الأخذ القوي ، وكثيراليوم مثله- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إلى أن انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها كان الكثير من الأدلة الباهرة على أن الله- عز وجل- إذا أراد أمراً أمضاه !! قوة الإسلام- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قوة ذاتية ، لأن الإسلام وضع الله أي: شرع الله ، هو منهج الله- جل جلاله- هو الذي ارتضاه للبشرية من أجل أن تسعد به في الدنيا وفي الآخرة ، ولذلك قال العلماء: من رصد الأفراد والجماعات رصدنا لعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حيث توجه ، وقد تقلد سيفه ، يريد قتل أخته وزوجها ! لم ؟ لأنها آمنت بالله- جل جلاله- شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله! وكذلك شهد زوجها لله بالوحدانية ، وللرسول بالرسالة ، أراد أن يقطع الرأس الذي أعلن توحيد الله- جل جلاله- وأعلن الإيمان بالرسول- عليه الصلاة والسلام- وهل قامت الحضارة الإسلامية المترامية الأطراف ، التي أكد العلماء أنها تميزت بخصائص من أروع الخصائص ، وأنها احتلت مكانة متميزة في تاريخ البشرية ، لم تبلغها حضارة قط ، وذلك لتخصصاتها أو خصائصها ، ذلك لمميزاتها ، ومن أهم مميزات الحضارة الإسلامية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أنها حضارة إيمانية ، وأنها حضارة عالمية ، وأنها حضارة قد أعطاها الله- عز وجل- القدرة على المواجهة والاستمرار، وأنها حضارة معطاءة ، وأنها حضارة باقية ، وأنها حضارة لا تقصر في خير، وإن كانت قد امتنعت امتناعاً كاملاً عن كل أنواع الشر!!!

أما كون هذه الحضارة حضارة إيمانية ، فلأنها قامت على أسس الإيمان وأركانه ،  الإيمان بالله- عز وجل- هو أس الحضارة الإسلامية ، نحن لا نتكلم هنا عن المدنية ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام التي عرفها ، أو حددها العلماء بقولهم: هي المظهر العملي للحضارة ، من عمارة  وغيرها، الحضارة هوية ، الحضارة مجموعة من القيم والحقائق والأفكار والتصورات التي توقف الإنسان على أبعاد هذا الوجود!! الحضارة الإسلامية أوقفت الإنسان شامخاً بين الكوائن فوق هذه الأرض ، لتقول له: إن الزمان الذي خلقت من أجل أن تكون فيه ، ليس هو هذا الزمان الذي تعيش فوق هذه الأرض ، إن الزمان الذي علمتنا إياه شريعة الله- عز وجل- هو الزمان الممتد منذ أن يولد الإنسان إلى أن يكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر وهناك ينادى أهل الجنة: يا أهل الجنة! خلود فلا موت.

والمكان كذلك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من حبس نفسه في حارته ، أو مدينته ، أو قريته ، أو بلده ، معنى ذلك أنه حصر نفسه فيما لا يسوغ له أن يحصر نفسه فيه، إذ إن المكان- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ممتد امتداداً عجيباً ، هناك مكان نعلمه ، وهناك مكان لا نعلمه، وقد جاءت شريعة الله- عز وجل- بمثل قوله تعالى "فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم" عالم البرزخ من جملة الامتدادات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ساحة العرض على الله يوم يبعث الله- عز وجل- من في القبور، إنما هي امتداد كذلك لهذا الوجود الأرضي ، بل إن الله- عز وجل- أخبرنا أن المجال الحيوي لأنشطة الناس فوق هذه الأرض إنما تتمثل في كل ما سخر الله- تبارك وتعالى- لهذا الإنسان ، فما أروع هذه الحضارة!! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

الإنسان آفاقي في الحضارة الإسلامية ، ومن هنا يبني سلوكه الذي هو المظهر العملي للحضارة ، أنت متحضر، دل على تحضرك سلوكك ، ذلك أن السلوك إنما يصاغ بحقائق الإيمان ، هو مؤمن أن الله- عز وجل- مالك الملك، ومؤمن أن الله عز وجل بديع السموات والأرض، وقد آمن أنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، وآمن أن كل نفس ذائقة الموت، وآمن أن تصاريف الأقدار بيد الله جل جلاله، وأن لله ما في السموات وما في الأرض، وأنه سبحانه وتعالى هوالرازق الخالق المصور البارئ- سبحانه وتعالى- هو الذي له الأسماء الحسنى ، والصفات العلى، هذه الأسس الإيمانية إنما قامت عليها الحضارة.

يتحرك الإنسان في دروب الحياة ، يبنيها ، يقصر عن كل شر، ويعمل يده في كل خير، وميادين الخير!! ما أكثرها في الحضارة الإسلامية، ومن ظن أننا إنما نعبد الله- تبارك وتعالى- أو نتقرب إلى الله عز وجل بالعبادات الرئيسة كالصلاة والصوم والحج والزكاة وحدها ، فقد أبعد النجعة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الوقوف في وجه الطغيان لون من ألوان التقرب إلى الله، الجهاد في سبيل الله بمعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لون من ألوان التقرب إلى الله- عز وجل- إغاثة الملهوف لون من ألوان التقرب إلى الله، الوقوف إلى جانب المظلوم ضد ظالمه إنما هو لون من ألوان التقرب إلى الله، بل إن مفاتيح الجنة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يمكن أن تعطى لكل إنسان سلك مسلكاً أقرته شريعة الله- تبارك وتعالى- التي جاءت لتقرر الحقائق فوق هذه الأرض ، جاءت من أجل أن تنصر الحق وتدحض الباطل ، جاءت من أجل أن تكون مع العدل ضد الظلم ، جاءت من أجل أن تكون مع الخير ضد الشر.

من هنا وجدنا أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أمام خصيصة ثانية من خصائص الحضارة ، وتتمثل في أنها حضارة عالمية!! أجل أتدرون أن الذين شاركوا في بناء الحضارة فوق هذه الأرض لم يكونوا من العرب وحدهم، مع أنهم مادة الإسلام الأصلية ، إنما هي صنع أولئك الذين آمنوا بالله ربا ، وبمحمد عليه الصلاة والسلام رسولا،من كل الأجناس البشرية ، وهم الذين التزموا شرع الله- تبارك وتعالى- هم الذين صفت مواطنهم بحقائق التوحيد ، هم الذين امتلأت جوانحهم بثمرات التوحيد، كالتوكل على الله والإنابة إلى الله ومراقبة الله والحضور مع الله جل جلاله ، فحيث ما التفتوا شعروا بمعية الله تبارك وتعالى، أتظن بأن الإنسان إذا استحضر معية الله يفسد في الأرض، يسرق يرتشي يزني يشرب الخمر يقف في وجه الحق لا والله! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إلا إذا كان فاسداً في التصور، وفساده إنما يمثله أن يرى الحق باطلاً والباطل حقا أن يرى الخير شراً والشر خيراً ، أن يرى التوحيد شركاً والشرك توحيداً ، وهذا لا علاقة لنا به- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هذا له أدوية خاصة إنما تعالجه من أجل أن يخرج من الازورار في الرؤية ، من العور في النظر، ولكن العالمية ههنا إنما تعني أنها عالمية في الآفاق وعالمية في الرسالة ذلك أنها ضمت بين جوانحها كل أجناس البشر.

الكندي ، وسيبويه ، الشافعي ، والإمام مالك ، وقل مثل هؤلاء الكثير الكثير الذين شاركوا في بناء الحضارة الربانية ، يقول الكتاب الباحثون إذا اعتزت أمة من الأمم بحضارتها جراء اعتزازها بالعباقرة الذين وقفوا ليشيدوا حضارتها فإن الأمة الإسلامية إنما تفتخر بالعباقرة من جنسيات مختلفة، وألسن مختلفة، ومواطن بل أوطان مختلفة ، ما جمعهم إلا حب الله عز وجل ، ما جمعهم إلا التوحيد وحقائق التوحيد.

أما قولنا: إن الحضارة إنما تمتاز بتلك القوة على المواجهة والمجابهة ، وأنها تستعصي على الاستئصال، فعمر- رضي الله تبارك وتعالى عنه- يتوجه إلى بيت أخته ، على الطريق التقاه مسلم قد أخفى إسلامه ، وحيث نقول أخفى إسلامه- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- نشير بذلك إلى شراسة الوثنية في مكة المكرمة بداية الدعوة ، ذلك أنه لو كان هناك لون انصاف لتركوا هذا يعلن بما يريد عما يريد!! أخفى إسلامه كما أخفى مؤمن آل فرعون إيمانه ، فالطغيان واحد، وهل اختلفت إلا الأقنعة أو الوجوه.

سأله عن وجهته ؟ ثم لفت نظره إلى أن يتوجه إلى اخته وزوجها ، لما علم منه أنه يريد دار الأرقم ،وقد انطلق إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم يريد أن يقتل المصطفى- عليه الصلاة والسلام- هيهات يا عمر!!! يريد أن يقتل المصطفى- عليه الصلاة والسلام- نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين نستوعب الحدث كله من أوله إلى آخره ، بناءً على أن كل الأفواه التي نفخت في وجه النور الذي أطلعه الله- عز وجل- من مكة المكرمة بل من غار حراء ، وأراد له أن يغطي العالم كله ، وسيأتي اليوم الذي يكون فيه المسيح- عليه الصلاة والسلام- هو قائد تطبيق شريعة الله تبارك وتعالى ، وتستجيب له الأرض كلها ، هناك نرى أبعاد قول الله- عز وجل- "ليظهره على الدين كله" أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

لفته إلى بيت أخته ،على أنها قد صبأت ، لم يقل أسلمت من أجل أنه أخفى إيمانه ، عمر لما توجه إلى بيت أخته ما خرج منه إلا وهو يريد الرسول- عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يؤمن ، وما توجه إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وقرع الباب وفتح له ، وأدخل ، إلا وخرج وهو يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذا شأن الطاقة الذاتية في الحقائق التي أتى بها رسولنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- لكن القلوب إذا ما اشتدت أقفالها عليها ، هيهات أن تستجيب لذلك النور!!.

هرقل من أولئك الذين استجابوا في الظاهر، لما سأل أبا سفيان عن أمر الرسول- عليه الصلاة والسلام- وبم يأمركم ، وأخذ لما سمع جواب أبي سفيان على أنه يأمرهم  بالصدق والصلاة والعفاف ومكارم الأخلاق، أجرى مقارنة سريعة ، وهو خبير بما عليه النصرانية، بين النصرانية وبين الإسلام الذي يدعو إليه محمد بن عبدالله- عليه الصلاة والسلام- حتى قال: إن كنت قد صدقتني ليأخذن موضع قدمي هاتين،أي : سيملك موضع قدمي ، لأنه يدري أن الرسول الخاتم الذي بشر به عيسى- عليه الصلاة والسلام- إنما ستوطأ له أكناف الأرض بإذن الله، لا من باب التسلط والسيطرة والعلو والاستعلاء في الأرض ، وإنما من باب أنه ينشر الحق والعدل والخير الجمال ، وكل ما تسعد به البشرية فوق هذه الأرض، ثم قال هرقل: والله لو أمكنني الوصول إليه لفعلت ، ولو كنت عنده لغسلت على قدميه!!! أجل أليس هذاالذي نطق به هرقل ؟، نطق به وسجله التاريخ ، ليدلك على قوة الحق ، مع أن الحق- ههنا- لم يبلغه من فم المصطفى- عليه الصلاة والسلام- وإنما بلغه نقلاً عن أبي سفيان ، ووقتها لم يكن أبو سفيان قد آمن ، إذ آمن بعد ذلك- رضي الله تبارك وتعالى عنه-.

إذا ما مثلنا هذا وجدنا أنفسنا أمام قدرة الإسلام على المجابهة والمواجهة ، وهنا نذكر أن واحداً من رجال التاريخ الأسود المظلم يسمى عبيد الله بن ميمون القداح كان نصرانيا ،أو يهودياً ، فأعلن الإسلام في الظاهر، ثم توجه إلى شمال إفريقيا ، وهناك تمكن من مصر، وأنشأ الدولة الفاطمية المعروفة !! من اتصل به؟ اتصل به أبو طاهر القرمطي في أواخر القرن الرابع الهجري- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أو في أوائله في السنة السابعة عشرة بعد الثلاثمئة للهجرة ، وفي الثامن من ذي الحجة ، في يوم التروية ، وهو يوم مشهود لدى المسلمين ، إذ فيه يتوجهون إلى منى ، ثم إلى عرفات ،وفيه: جاء أبو طاهر!! أو أبو النجس ، وهذا هو اللائق به ، فاحتل مكة المكرمة!! كيف كانت المجزرة ؟؟؟ ما ترك أحداً من شره! ذبح الناس في الحرم ، من تعلق بأستار الكعبة أرجأه حتى انتهى من تعلقه ، وربما ترك بعض الطائفين لكبر سنهم بعد أن ينتهوا من الطواف ولا يتركهم يصلون ركعتين لله- جل جلاله- ذبح ولم يستثن أبو نجس هذا واحداً من الحجاج ، ثم جلس على باب الكعبة وقال قولة لا أجرؤ على أن أقولها ، أو: إذا نقلتها خففتها ، وناقل الكفر ليس بكافر ، يقول- وهنا أضع نقاطاً خطيرة!!!!قال: أنا أخلق الخلق ، ثم أبيدهم ، ورفع أحد أتباعه إلى ميزاب الكعبة فاقتلعه ، لكنه سقط من فوق ن فاندقت عنقه في النار واقتلع الحجر الأسود!! ورجع به إلى وطنه، وبقي الحجر الأسود لديه اثنتين وعشرين سنة !! إذا قلت لي: لم تذكرنا بهذه الوقائع ؟؟ أو لم تذكرنا بما ذكره غوستاف لوبون بالصفحة الأربعمئة من كتاب " حضارة العرب" حيث ذكر بلسان قلمه: أن الصليبين دخلوا بيت المقدس سنة ثلاث وتسعين وأربعمئة للهجرة ، وهنا يكفي أن يقال بأن فرسان الصليبية هناك قد نضح عليهم دم المذبوحين في الأرض، ذبح الشيوخ والأطفال والنساء والعجائز!!!! وترك الشباب ليرسلهم إلى بلاده من أجل أن يباعوا في سوق النخاسة ، اقتلع الفرسان كل ما في بيت المقدس من ذهب وفضة ، فرى أولئك الصليبيون فريهم في بيت المقدس ، لماذا نذكر هذا؟؟ ولماذا نذكر أن التتار قد أكلوا الأخضر واليابس ؟؟ نذكره لأننا في القرن الحادي والعشرين رأينا امتداد هذه الأمة واستمرار وجودها ، وأنه- بعد كل هذه الإبادات بقيت- لأنها لا تستأصل بحال، قد يصيبها الوهن- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الوهن الذي قال فيه- صلى الله عليه وسلم- : "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ! قالوا : أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل !! ولينزعن الله مهابتكم من قلوب أعدائكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن! ما الوهن يا رسول الله؟قال : حب الدنيا وكراهية الموت" والعلماء الباحثون قالوا: حب الدنيا يعني أن تستغرقنا شهوات هذه الدنيا استغراقاً يعمينا عن الآخرة التي نحن راحلون إليها !! استغراقاً يصدنا عن الوظيفة التي أناطها الله- عز وجل- بأعناقنا ، استغراقاً يوقفنا عن بناء هذه الحياة بناء يتناغم مع عظمة الرسالة التي شرفنا الله- تبارك وتعالى- بها ! حب الدنيا- ههنا- يعني صياغة ، بل قل وجود ، لأنه ليس بصياغة حب الدنيا ، يعني: وجود المسلم الاستهلاكي الذي يأكل مما يطبخ له ، ويعمل بالآلة التي يصنعها له غيره ، هو آكل ، وليس مطعماً ، هو آخذ وليس معطياً ، يطالب بحقه دون أن يفكر لحظة واحدة بأن عليه من الواجبات ما ينبغي عليه أن يقوم به.

هذا الوهن- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الذي انتقل فيه المسلم من إنسان معطاء كما هو مميزات هذه الحضارة ، إلى إنسان ، إنما يعيش على هامش الحياة !! بل ربما من نكد الواقع أن يقول قائلهم : وما علينا أن لا نصنع! يكفي أن الله- عز وجل- سخر لنا الكفار، هم يصنعون لنا الهواتف والسيارات ، وكل وسائل الرفاه ، وكل الآلات ، ونحن نستخدمها ،وعلى هذه النظرة هم مسخرون لنا !! خاب هذا الرأي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- مثل هذا النظر المأخوذ، لا يصلح أن يكون في بدن ، شهد لسانه: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وعرف قلبه عظمة الرسالة التي كلفنا الله- عز وجل- بحملها ، وأنها تغطي كل أنشطة الحياة ، وميادين الحياة ، هذا جهل أن علم الكيمياء والفيزياء والفلك والرياضة والطب وكل الوسائل التي إنما تحمي هذه الأمة وتحتاجها إنما هي من فروض الكفاية التي إن تركتها الأمة كلها أثمت والعياذ بالله- تبارك وتعالى- ! 

أما كراهة الموت فتعني: فقدان الاحتساب ، والغفلة عن الثواب والعقاب ، تعني أن الإنسان لا يجد الحافز من أجل أن يأتي بمكارم الأخلاق ، لا يجد ما يشجعه ، أو يحفزه  على أن يواصل المسير، هو غفل عن ما أعد الله- عز وجل- لعباده الصالحين ، غفل عن جنة عرضها السموات والأرض ، وغفل عن أن العمل الصالح الذي يشمل كل أنشطة الحياة ، إنما هو سبيل من السبل التي من سلكها مع الإيمان دخل جنة الله- تبارك وتعالى- كراهة الموت تعني انقطاع النظر إلى ما بعد الموت ، والعاقل إنما هو الذي يعد لما بعد الموت و" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ".

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ! هناك مظاهر للوهن ظن بعضهم أنها من الأمور التي بها نخرج من ذلك المرض الذي حل بديار المسلمين بصورة تختلف نسبها بين مكان ومكان آخر.

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله- تعالى- فقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

واجب على الأمة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وهذه لغة الخطاب مع أن الأصل أن ينبع هذا المعنى من نفس كل مسلم ، واجب أن نخرج مما نحن فيه من الوهن ، وهذا يتطلب جهوداً جبارة مخلصة صادقة عميقة شاملة ، نتعرض بها أولاً إلى من يأكلنا ؟ أهو ممن لسانه لسان عربي ، أو لسان أجنبي ، وإن كان لساناً أجنبياً ترى ما خصائصه ، كيف نتخلص من أضراسه التي تمضغنا ، من المأكول يا ترى ؟ وما الوجه الذي أكلنا به ؟ وما المخرج؟ ما العلاج ؟ ذلك أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- قد أشار إليه إشارة حيث بين أن الوهن إنما هو حب الدنيا وكراهية الموت ، ترى هل علينا أن نكره الدنيا ؟ لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ما طلب منا أن نكره الدنيا ، لأنها مزرعة الآخرة ، وإنما طلب منا أن نفهم عن الله فيما أقامنا فيه من هذه الدنيا، الدنيا أنفاس ! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! املأها بطاعة الله ، املأها بالعمل النافع لحماية هذه الأمة، املأها بالعمل الصالح الذي يرجع على هذه الأمة بالخير ، املأها باغتنام الوقت أروع اغتنام ، قال أحدهم كأنما نبيع الطرابيش ، والمتكلم إنما شهد معرض من المعارض معارض الكتب ، فهزني التعبير!! نحن نعلم بأنه ليس هناك طربوش واحد في المسجد، تصور أننا دخلنا معرض الطرابيش! كم سنشتري منها يا ترى ؟ لا نشتري شيئاً! لماذا؟ ألئن رؤوسنا حاسرة لا تحتاج إلى طربوش ؟ إذن هنا نقطة خطيرة إذا كانت المكتبة الإسلامية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قد بدأها كتاب الله- عز وجل- بأول قطرات الوحي "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وإذا كانت المكتبة الأولى في التاريخ كما يقول المؤرخون للمكتبات " مكتبة الاسكندرية" وتأتي المكتبة الثانية هي مكتبة " بيت الحكمة " وكانت من أعظم المكتبات العالمية! وإذا كانت هذه الأمة أمة كتاب- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ألا يستدعي ذلك أن نرجع إلى أنفسنا كباراً وصغاراً؟ ألا يعني هذا أنه ينبغي على الآباء أن يبنوا في نفوس الأبناء الشغف ، شغف القراءة ، الشوق ، الشوق إلى القراءة ، الحب ، الحب للقراءة ، وهذا يتطلب منا وقتاً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ومنهجاً بالتربية ، لا تظنن بأنك إذا قلت لولدك: يجب عليك أن تقرأ، يعني أنه أصبح ممن يحبون القراءة ، هذا يحتاج إلى آليات ، ينبغي على المسلمين أن يدرسوها ، ثم ينبغي أن نجعل الوعي كاملاً في نفوس أبنائنا وشبابنا ، كبارنا وصغارنا ، هذا الوعي يتطلب أن الإسلام كل متكامل ، يشمل كل جوانب الحياة ، وأن البناء لا يقتصر على زاوية من زواية الحياة ، وإنما كل ما في هذه الحياة يمكن أن نتقرب به إلى الله ، ما لم يصادم نصاً من نصوص شريعة الله- تبارك وتعالى -

ولذلك قال العلماء: من ظن أنه إذا ما أكثرنا من الآلات التي ينتجها غيرنا ، نكون بذلك قد خرجنا من الوهن ، فقد خاب ظنه !! ذلك أن الآلات إنما هي نتاج نهضة صناعية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ذلك أن الميدان الصناعي إنما هو لون من ألوان الحضارة ، أو مظهر من مظاهر الحضارة ، إذا هم كانوا قد حققوا الحضارة ، وأنتجت حضارتهم الآلات، أيمكننا يا ترى أن نحقق معاني الحضارة وحقائق الحضارة فينا إذا ما استخدمنا هذه الآلات؟! على العكس- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ربما أدى استخدام الآلات وإغراق المجتمع بها إلى لون من ألوان الكسل والكآبة والفراغ ، وأن هذا الإنسان تشل أفكاره ، ولا يحتاج إلى أن يفكر في شيء، من باب المداعبة قلت له: يا أخي! لماذا لا نفكر في أشياء تخترع ؟ قال: لماذا؟ أي شيء نفكر فيه قد اخترعه الآخرون ، ومن هنا انطلق إلى السوق لينتقي أدق الساعات ! علماً أنها لم تصنع في مصانعنا ، وقد قال محمد الغزالي- رحمه الله- في كتاب له لعله من أنفس ما كتب ! يعالج فيه مثلما نطرحه الآن ، يقولك لو أن المجتمع الإسلامي اليوم ، قال للموجودات التي حوله وفيه ومعه: ليرجع كل شيء من الأشياء حولنا إلى موضعه ، لبقينا عراة!! نحتاج إلى ورق التوت ، انتقى الساعة الدقيقة التي لا تخل بالثانية ، ثم وضعها في يد عاطلة عن البناء ، ثم لم يستخدمها لماذا؟ لأنه لا حاجة له، لا إلى الثواني ، ولا إلى الدقائق ، ولا إلى الساعات ، ولا إلى الأيام ، أيمكن أن نعتبر هذا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- منطلقاً سليما للبناء ؟هذا من أجل أن نرجع إلى البيوت، ونفكر لمدة ساعة أو ساعتين، يوم أو يومين ، على أن نعيد الكرة من أجل أن يأخذ كل موضعه ، إذا كان ولدك قد أعطي ذكاءً !ً فعليك أن توجهه إلى علوم الكون ، نحن بحاجة إلى أطباء يبرعون في الطب ، وبحاجة إلى مهندسين يبدعون في الهيكلة ، وبحاجة إلى صيادلة ، لا يبيعون ويشترون بل يصنعون لنا الدواء ، بحاجة إلى كل هؤلاء ، وهذا هو المظهر الحضاري- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الذي يمكن أن يدخل في المدنية أو في الثقافة.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإن الله- تبارك وتعالى- قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي * يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

 إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك ، لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، حفنا والمسلمين بألطافك الخفية ، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً ، وتفرقنا من بعده تفرقاً مباركاً محفوظاً ، لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً، هبنا جميعاً لسعة رحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا، واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ، ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم ، آمين والحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وأقم الصلاة.