389 - في حدث الهجرة
خطبة الجمعة    389 - في حدث الهجرة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

الحمد لله ثم الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمدأنت نور السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد، أنت الحق وقولك الحق ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد- عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- حق، اللهم لك أسلمنا ، وبك آمنا ، وعليك توكلنا ، وبك خاصمنا ، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله ، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله- تعالى- وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله- جل جلاله- يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

نودع عاماً ، وننتظر هلالاً يطل علينا لندخل في عام جديد! قال العلماء: حينما يدخل الطلاب المدرسة ، يعطون دفاتر من أجل أن يكتبوا فيها، وما أشبه العام الذي نستقبله بتلك الدفاترالتي يعطاها التلاميذ !! وإن كانت الدفاتر التي تعطى للطلاب تعد أوراقها بمئة أو ما يقارب من المئة ، فإن الدفتر الذي يعطاه كل منا إنما تعد أوراقه بثلاث مئة وستين ورقة،أو ورقه بعدد أيام السنة التي نستقبلها !أو بعدد الأيام التي رصدت من الأزل للمكلف ! كل ورقة من هذه الأوراق تعطاها- يا بن آدم- من أجل أن تسطر فيها ما تراه يسعدك ، يرقى بك ، يقربك من النعيم المقيم، إذا كان هذا ما يتعلق بما نستقبل به العام الجديد ، ترى هل لنا من وقفة لا بد منها ونحن نراجع الحسابات التي سطرناها في ذلك الدفتر الذي أعطانا الله عز وجل إياه العام الذي نودعه ،  ونسلمه ممتلئاً.

لا بد لنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من وقفة جديدة قوية عازمة جازمة مستنيرة، نقف فيها ببصيرة أمام ما كان منا من أقوال وأفعال وأحوال ومواقف!! لأننا نقبل على الله- جل جلاله- وراجعون إليه ، والرجوع إلى الله ، والإقبال عليه هو رجوع عام ، وإقبال عام ، لا يستثنى منه أولئك الذين أنكروا هذا الإقبال وذلك الرجوع ، أما قال- جل جلاله- : "وقفوهم إنهم مسؤولون" الذين تنكبوا الصراط ، وملأوا دفترهم أو دفاترهم بكل أنواع الجرائم والنكبات والإيذاء والخساسة والكذب والدجل والافتراء ، حيث ملأوا دفترهم أو دفاترهم بالدماء التي سفكت رخيصة بالعدوان والطغيان والاستبداد والإذلال ، وتضييع أموال المسلمين وهدرها ثم أغلق الدفتر، لكن لا بد للدفاتر من أن تصحح، أتدرون من يصحح هذه الدفاتر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-؟ تجمع لنا دفاترنا وقد بين الله- تبارك وتعالى- ما يكون من أمرنا تجاهها بقوله : "فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاكم اقرأوا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه ... "و "... وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوتى كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية * ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه" والآن فقط وقفت على وهج ما أخبر الله- عز وجل- عنه ، الذي نطقت به شفاه أولئك الذين يأتون الكتاب بالشمائل " ما أغنى عني ماليه * طغتهم الأموال فغفلوا عن الإعداد للقاء الله- عز وجل- وطغاهم السلطان !! " هلك عني سلطانيه " في هذه الدنيا كان له أن يستدعي من يحميه إذا نزل به ما يخيفه ! لكن- هناك- في ساحة العرض على الحي القيوم جبار السموات والأرض ،ليس له ذلك ، ولا يجد من يستدعيه ليحميه مما هو فيه أو: ليدفع عنه ،هناك لو دعا فلا يلبى ! ،هناك ، وما أدراك ما هناك !! أين السلطان الذي كنت تتعزز به انظر إليه ، فإذا بالأمر يصدرمن الحق- سبحانه- "خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة زرعها سبعين ذراعاً فسلكوه * إنه كان لا يؤمن بالله العظيم".

والإيمان بالله- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لا يترجم عنه اللسان وحده ، وإنما تترجم عنه الأركان ، لأن الله- عز وجل- قال في آوائل سورة البقرة : "ومن الناس من يقولوا آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" ثم ماذا بعد هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! نبضات ، لأن حدث الهجرة حدث يعتبر المنعطف الرئيس في حركة الدعوة إلى الله- جل جلاله- بل إنه المنعطف الذي استدعى التاريخ ، فأملى عليه، ويملي التاريخ من حافظته- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بإملاء الحدث ، فإذا بالمدينة المنورة تستضيء بأنوار الرسالة ، وأنوار الرسول- عليه الصلاة والسلام- هللي يا ربى المدينة واهمي... بسخي الأظلال والأنداء... واقذفيها الله أكبر حتى... ينتشي كل كوكب وضاء... واجمعي الأوفياء إن رسول الله... آت لصحبه الأوفياء... وأطل النبي فيضاً من الرحمة... يروي الظماء تلو الظماء.

هناك قام المجتمع الإسلامي الرباني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- المجتمع الذي لم تر البشرية مثيلاً له ، ونحن نقارب إذا ما ألزمنا أنفسنا منهج الله- تبارك وتعالى- ولكن هيهات أن نماثل أو أن نطابق !!" وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم " أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! ولد- عليه الصلاة والسلام- في مكة المكرمة ، ترعرع فيها ، واستنبأ على رأس الأربعين ، وقبل الاستنباء ، قبل أن يأتي جبريل- عليه الصلاة والسلام- بأول قطرات الوحي تلك التي تحيي النفوس ، وترقى بها ، لتكون قريبة من الحي القيوم- سبحانه وتعالى- قرب رضى وأنس !! قبل ذلك عرف- عليه الصلاة والسلام- بسيرة من أنظف السير، وأخلاق من أطهر الأخلاق ، كان العنوان العريض الذي لهجت به ألسنة قريش قبل أن يأتيها بالرسالة التي أكرمه الله- عز وجل- بها أطلقوا عليه الصادق الأمين ، وهل هناك أكثر أمانة من الحبيب- عليه الصلاة والسلام- وهل هناك أعمق صدقاً من صدقه- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -.

وأنت تعجب من هذا الذي كانوا يقولونه فيه خبرة ومعرفة ومعاشرة ومعايشة ، ثم إذا بهم يزأرون على دعوته !! ذلك الزئير الذي لخصه كتاب الله- عز وجل- بآيات دونما تفاصيل ، وعليك أن ترجع للتفاصيل لتتعرف إلى وحشية الوثنية والجاهلية سواء كانت جاهلية ماضية منطمرة منطوية مهزومة، أو: كانت جاهلية معاصرة!! ذلك أن الجاهلية إنما هي منهج حياة يقوم على الكفر بالله- عز وجل- والكفر بتوحيد الله- تبارك وتعالى- والسعي في الأرض لنشر الفساد فيها.

أمية بن خلف!! من زعماء الجاهلية ، كان يخرج ببلال- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وقت الظهيرة ، وصخور مكة شهدت ما كان من تعذيب بلال ، ولعلها انتفضت وانتفضت حيث كان يبقيه عاري الصدر على الصخور، ويقول: ستبقى هكذا ، أو تكفر بمحمد!! حتى تعبد اللات والعزى!! وما اللات والعزى ؟؟؟ صنمان من الأصنام التي كثرها المشركون حول الكعبة المشرفة ، وقلنا : إنه تحطيم الأصنام الحسية ، ينبغي أن يسبق بتحطيم معناها في النفوس، وتحطيم معناها في النفوس إنما يتحقق بالوقوف على حقيقة هذه المعبودات دون الله- عز وجل- أصنام لا تسمع ولا تبصر، ولا تقدم ولا تؤخر، ولا تضر ولا تنفع ، وهذا شأن كل البشر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الضر والنفع والخفض والرفع والتقديم والتأخير والإعزاز والإذلال والإحياء والإماتة والعطاء والمنع كله بيد الله الحي القيوم سبحانه وتعالى  ..

بين الله- تبارك وتعالى- محاولات الشرك للصد عن سبيل الله- عز وجل- فقال جل جلاله: "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" إذا كان هذا ما أراده الله عز وجل أتظنون بأن تلك الأفواه الشائهة يمكن أن تطفئ نور الله !!!

ويمكن أن ننظر اليوم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إلى أفواه شائهة تريد إقصاء دين الله- عز وجل- عن صياغة المجتمع ! تريد هذه الأفواه أن تقطع من أيدي الناس أسباب السعادة ، تلك الأسباب التي يمكن أن نرصدها في مدينتين : الأولى مكة المكرمة الظالم أهلها التي هاجر منها- عليه الصلاة والسلام- والثانية: المدينة المنورة التي أقبلت على أسباب السعادة بعدما تخلت مكة عن أسباب السعادة ، وأخذت بكل أسباب الشقاء ، مكة أو أهلها وأخذت بكل أسباب السعادة المدينة وأهلها ، والمهاجرون هم الذين انفصلوا عن مكة ، فأقبلوا على المدينة ، وإذا بالمهاجرين والأنصار يشكلون الركن الركين ، والركيزة الرئيسة ، والقاعدة التي يقوم عليها المجتمع الرباني ، ذلك المجتمع الذي بني على النصرة والهجرة ، ذلك المجتمع الذي فهم عن الله- جل جلاله- ورأت ببصائرها أنه هو الحي القيوم ، وأن له الأسماء الحسنى ، وأن بيده ملكوت السموات والأرض ، وأننا معروضون على الله- جل جلاله- وأنه لا إله إلا الله بحق وصدق ، فهموا هذا، فإذا بهم يسترخصون كل غال في سبيل الله- جل جلاله- هانت عندهم الدنيا حيث عزت في صدورهم العقيدة ! وصغرت الدنيا حينما اتسع نطاق الهدف السامي الذي يبتغي رضوان الله- جل جلاله- " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم "

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ! كان يجيب بلال ، وهذا من دروس الهجرة ، ذلك أن من دروسها تلك الحقبة المظلمة الحقبة ، الظالمة الحقبة التي كان بها المسلمون يُضطهدون ويُعذبون يُحبسون يُجوعون يُعطشون يُضربون يُسلخون كان المشركون يطفئون الجمر بجلد ظهورالمعذبين من الصحابة !!!.

و- هنا- يمكن أن تعتذر الجاهلية بألوان التعذيب من الجاهلية المعاصرة ، لتقول: ما كنا ندري ما دريتموه أنتم اليوم من ألوان التعذيب !! فاعذرونا ، لو كنا اطلعنا على ما وصلتم إليه من خبث وكيد وفجور ووحشية ، لما قصرنا ، ذلك أن العقلية واحدة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ولذلك وجدنا ابن عباس- رضي الله تبارك وتعالى عنهما- يسأله سعيد بن جبير يقول له: أكان المشركون يعذبون الصحابة تعذيباً يعذرون به بترك دينهم ؟  "الفتنة" يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! يفتنون المسلم مع أنه ما كان يرفع في وجههم سلاحاً ، أجل، ما كان شعار المسلمين في مكة المكرمة؟ " كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة " ولكنه الخبث الباطني يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !!.

الفجور السلوكي الجاهلي الوثني،" كفوا أيديكم " فما كانوا يردون على اللطم بلطمة ، ولا على الشتم بشتمة ، ومع ذلك كانوا يعذبونهم حيث قال ابن عباس : أي والله ، نعم كانوا يعذبونهم يحبسونهم يجوعونهم يعطشونهم يسلخون جلودهم ضرباً ، وحتى يخرج من عذابهم المسلم كان يعطيهم ما أرادوه!! وهذا لم يكن عاماً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

وإنماكان بلال كلما ازداد عليه التعذيب ،لهج لسانه المعطر قلبه بالمعرفة وحقائق التوحيد : يقول أحد، أحد !! يوحد الله- جل جلاله- ثم لما تظاهروا لقريش... حين زاد الخفاء زاد الجفاء... نوعوا فيهم العذاب وكانت... من لظاهم بالأبطح الرمضاء ... لهف نفسي على بلال وقد... صب عليه وزاد عنه البلاء... لهف نفسي على الولي أبي اليقظان... إذ آل ياسر أسراء... لهف نفسي على الجميع... وما ينفع لهفي وما يفيد البكاء!! لو أننا بكينا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- اليوم على الذين يضطهدون، هل يستفيد المضطهدون من بكائنا، المسألة مختلفة اليوم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قال الصديق- رضي الله عنه- وقد وقف على المنبر يوماً من الأيام : يا معشر المسلمين! إنكم تقرؤون قول الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" و تضعونها في غير موضعها ، وقد سمعت الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول: إذا رأت أمتي المنكر، فلم تنكره أوشك أن يعمها عذاب الله- جل جلاله- أو: كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

هذا الذي وقفنا عليه من مشهد ذكره الله- تبارك وتعالى- مركزاً" يريدون أن يطفئوا نور الله " ما الوسائل في إطفاء نور الله ؟؟ التضييق على المسلم ، خنق المسلم ، كان أمية بن خلف يغت بلالاً حتى يختنق ، فيغشى عليه ، ثم يتركه لئلا يموت بين يديه ، لا حرصاً على حياته ، وإنما من أجل أن يزيد فيه التعذيب ، والتعذيب ، والتعذيب، غذاء النفوس الشريرة!! مشاهد يمكن أن نلخصها فيما يلي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- المؤتمر الذي عقد بزعامة الطاغوت أبي جهل ، وهو الذي أدار الجلسة ، وخرجوا منه بقرارات بعدما تبينوا الآراء في : ماذا نفعل بمحمد عليه الصلاة والسلام ؟ منهم من قال ، ومنهم من قال ، ومنهم من قال ، وبين الله- تبارك وتعالى- ما قالوه بآية نصاً ، ليبين مدارج الوثنية والجاهلية عبر الزمان والمكان ، المخطط أو القرار الذي اتخذ في دار الندوة إنما انصب على قتله- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أي : الاستئصال ، ثم فكروا كيف نقتله وهناك أقاربه وعشيرته بنو هاشم ؟ فكيف نفعل ؟ قالوا: نعد أربعين شاباً من الشباب الأقوياء ، ومن أسر مختلفة ، حتى يضيع دم المصطفى- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وإذا ما أراد بنو هاشم أن يأخذوا بثأر محمد عليه الصلاة والسلام لم يستطيعوا  ،وهنا يرضون بالعقل ، أي: بالدية ، فنديهم أو ندي النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

أربعون شاباً! وقفوا على باب بيت المصطفى- عليه الصلاة والسلام- وكان- صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بما جرى في دار الندوة " القتل " أجل ! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قال- تعالى- : "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" إذا كان الله عز وجل "قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله" وإذا كان ربنا- جل جلاله- قد أخبر أنه أراد أن يكون الرسول- عليه الصلاة والسلام- رحمة للعالمين "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين" أفيمكن لهؤلاء- وقد قال الله عز وجل لرسوله "والله يعصمك من الناس"- أيمكن لهؤلاء أن يقتلوا المصطفى- عليه الصلاة والسلام- !! هم جاهليون !! ولذلك ما أرادوا أن يسجنوه ، وما أرادوا أن ينفوه ، وإنما قرروا أن يقتلوه!! ودرى- عليه الصلاة والسلام- بذلك ، وكان هذا إذن من الله- جل جلاله- ليهاجر عليه الصلاة والسلام ، وكان ذلك بعد ما أمر- عليه الصلاة والسلام- الصحابة الكرام بأن يخرجوا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، وقبلها كان قد وجههم ليخرجوا إلى الحبشة ، حيث كان النجاشي ذلك الملك العادل هو الذي آوى الصحابة- رضي الله عنهم- وآبى أن يرد الصحابة إلى قريش حيث أرسلوا الهدايا والرشاوى الهدايا للنجاشي ، والرشاوى للبطارقة وعلماء السوء في مجلسه ، حملها عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة، عمرو لم يكن قد أسلم وقتها ، وإنما أسلم بعد ذلك- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وكانت له يد في الفتوحات التي شهدتها الأرض ، وبها امتد رواق الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، لما تكلم عمرو بن العاص ، وقد دخل على النجاشي في مجلسه، دخل فسلم ثم سجد، وثني يسجد لملك ،والسجود- هنا- لا يفسد عليه وثنيته !!! كان يرى أن السجود لون من ألوان الطاعة ، وعلى الشعب كله أن يسجد بين يديه ، كان على النصرانية ، ولا يعنيه من أمر السجود ما يعني أمر المسلم الذي يأبى أن يسجد إلا لله جل جلاله، قال: أيها الملك! إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وأتوا بدين لا نعرفه نحن ولا أنت، إثارات في الحديث!! وإنه قد أرسلنا فيهم أشراف قومهم من أبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فإنهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم ، ومباشرةً وقع الأساقفة علماء السوء ، وقعوا مباشرة على طلب عمرو بن العاص قالوا: صدق أيها الملك! فإن قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم، قالك لا ها الله- لا والله- لا أرسلهم حتى استدعيهم فاسمع منهم، أما قال فيه عليه الصلاة والسلام حيث وجه الصحابة إلى الحبشة إن فيها ملكاً عادلاً، لا يظلم عنده أحد، وصدقت يا رسول الله! حيث إنك وصفت الرجل بما فيه، وحاشى للرسول عليه الصلاة والسلام أن يصف الظالم بالعدل ، وهذه سنة من سننه على الأمة، يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- أن تأخذ بها سنة اللحية !هي سنة مباركة، وسنة السواك سنة مباركة، وسنة لع الإناء من السنن الواردة ، نحن مع السنن كلها مع الآداب النبوية كلها، ولكن أتظن بأنه يكفي أن تقيم سنة السواك ، وأنت تقول عن الظالم يا عادل؟!!! لقد نص الفقهاء على أن من قالك للظالم يا عادل! كفر، ذلك أنه وضع الأمر في غير موضعه،ووصف الظلم بانه عدل !! إذا كان الظالم عادلاً فمن الظالم يا ترى ؟؟؟؟

وجاء جعفر بن أبي طالب ، ووقف يقول للنجاشي يبين بقوله حال الأمة :  " أيها الملك ! كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأوثان ، نأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف " ثم بين ما جاء به عليه الصلاة والسلام وأخذ يبين أعمال الإسلام ، وأحكام الإسلام والمقاصد العليا للاسلام ، فنزل الخشوع- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- على قلب النجاشي، وطلب منه أن يسمعه شيئاً مما أنزل على محمد- عليه الصلاة والسلام- فقرأ صدراً من سورة مريم "كهيعص" فإذا بالنجاشي يبكي ، وإذا بالأساقفة يبكون ، حتى بلوا مصاحفهم المنشورة بين أيديهم، وقد أكرم الله- عز وجل- النجاشي فأسلم ، وشهد له بذلك الرسول- عليه الصلاة والسلام- .

رجوعاً سريعاً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إلى ما كان من سيدنا علي- رضي الله عنه- قال فيه أحد الشعراء في قافية من قوافيه، يذكر مفاصل الهجرة ، من حيث كبريات الأحداث الأولى منها ، قبل أن ينتقل- عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة المنورة ، قال هذا الشاعرعلى لسان سيدنا علي : أنا باق هنا ولست أبالي... ما ألاقي من كيدها في الخفاء... سيروني على فراشك والسيف... أمامي وكل دنيا ورائي... حسبي الله في دروب رضاه... أن يرى في أول الشهداء.

ومضى- عليه الصلاة والسلام- ومعه الصديق- رضي الله عنه- وهذه منقبة لم يشارك الصديق فيها واحد من الصحابة كائناً من كان ! ذلك أن الصديق كان على خبر بشراسة الجاهلية ، وكان يدري أنهم سيحاولون ما أمكنهم أن يفتكوا بالمصطفى- عليه الصلاة والسلام- وإذا ما فتكوا به لا سمح الله ، أتظن بأن من يكون صاحباً له ينجو من القتل ؟؟ لا! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وهذه الفدائية الحقة الصحيحة الصديقية!! وكم للصديق من (مواقف) رائعة!! لعل منها أنه استدعى عمر بن الخطاب- رضي الله تبارك وتعالى عنه- أجل استدعاه ، وكان قد أسند إليه أمر الخلافة ، بناء على أنه لون ترشيح لعمر- رضي الله عنه- بالخلافة ، حتى إذا ما وافق المسلمون على ذلك بايعوا عمر رضي الله عنه ، استدعى عمر ثم بين له مجموعة من الحقائق ! ومن جملة ما قاله: إني موصيك بوصية ، إن أخذت بها لم يكن هناك شيء أحب إليك من الموت ، وإنه مدركك، وإن ضيعتها لم يكن هناك شيء أبغض إليك من الموت ، ولن تعجزه !! كلمات رائعات بل حقائق- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الأمة اليوم مطالبة بأن تدرس السيرة دراسة عميقة من أجل تتوصل حياتها بالحقائق !! من أجل أن تقيم سلوكها وفق منهج الله- تبارك وتعالى- وصية ما مضمونها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ وما الذي أكده في هذه الوصية إن أخذت بها وحفظها ؟ لم يكن هناك شيء أحب إليك من الموت وإنه مدركك أيدركنا الموت يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !!وفيه تذكير صارخ بالرحيل ، وما سيكون بعده !!

أحد العلماء أبن شهيداً من الشهداء ، بمعنى وقف يذكر محاسنه ، ومن جملة ما قال: أنا لا أؤبنك لأنك استشهدت ، وإنما أؤبنك لأنك عرفت كيف تخرج من هذه الدنيا !!!! عرفت البوابة التي تخرج عبرها إلى عالم البرزخ ، وليختر كل منا بوابته- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ربما خرج من بوابة الفطيس، ربما خرج من بوابة الإجرام ، لكنه لا بد من أن يُخرج يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!! وهل ينجو أحد من قرار القدر "كل نفس ذائقة الموت" هل يمكن أن يبقى أحد من المخلوقات ، وقد قال ربنا- جل جلاله- "كل شيء هالك إلا وجهه"وقال: "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"، ثم قال له: يا عمر! إن لله حقاً في النهار لا يقبله في الليل ، وإن لله حق في الليل لا يقبله في النهار، وإنه لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، ثم بين فقال: وإنما خف ميزان من خف ميزانه يوم القيامة لاتباعه الباطل ، وخفته عليه ، وحق لميزان أن يوضع فيه الباطل فيخف ، وما ثقل ميزان من ثقل ميزانه يوم القيامة إلا لثقل الحق عليه واتباعه إياه ، وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا!!! أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! هذه حقائق ، منها: أن هناك ميزاناً توزن به الأعمال ، من الحقائق: أن هناك كتبا سوف توزع علينا ،ومن حقائق الآخرة تطاير الكتب! يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- هناك في ساحة العرض على الله تبارك وتعالى !

هذا وقد قال العلماء: على كل قلب مسلم أو مسلمة هجرتان ، لا بد له من أن يقيمهما!! الهجرة الأولى: هي هجرة إلى الله جل جلاله ، والهجرة الثانية: هي هجرة إلى رسوله- عليه الصلاة والسلام- أما هجرة القلب إلى الله- جل جلاله- فهجرة إلى توحيد الله وتعظيم الله وإجلال الله وخشية الله والتعلق بالله والتوكل على الله والإنابة لله- تبارك وتعالى- وتحكيم شرع الله- جل جلاله- وأما هجرته إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام- فبإلقاء القياد لشرعه الذي جاءنا به من الله- جل جلاله- أن تحكم رسول الله وسنة رسول الله والشرع الذي أتى به الرسول من الله- جل جلاله- في كل شأن من شؤون حياتك ، ومن لم يجد هاتين الهجرتين فليحث على رأسه الرماد!! وليسارع قبل فوات الآوان ، قبل أن تأتي سكرات الموت ،تلك التي قال بها أو عنها- جل جلاله- : "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!!

دخل عليه الصلاة والسلام ومعه الصديق غار ثور، وقد قال أحد العلماء: ما أشبه الغار لما دخل فيه- عليه الصلاة والسلام- ومعه الصديق بصدفة ، وأنت خبير بأن الأصداف إنما تكون فيها اللآلئ !! ولكن شتان ما بين لؤلؤة ولؤلؤة، لؤلؤة يتيمة ليس لها مثيل في الوجود، خلق الله- عز وجل- خلق خلقاً كثيراً ، وأعظم الخلق على الله " هو محمد بن عبدالله " عليه الصلاة والسلام! هو صدفة حوت أنفس الجواهر! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! بل الغار نفسه كرمه الله عز وجل فجاء ذكره في الآية "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" وقفت دونه قريش حيارى... وتنزت جريحة الكبرياء... وانثنت والرياح تجأر... والرمل نثير في الأوجه الربداء .

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين !!.

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه وخليله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فقد قال لنا "يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون".

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

كل الرسل عليهم الصلاة والسلام جاؤوا بالإسلام ، إسلام الوجه لله- عز وجل- إما أن تكون مسلماً فتلقي بقيادك إلى الرسالة التي أكرمنا الله- عز وجل- بها ، وإما أن يكون متمرداً يتبع هواه وشهواته ، من لم يسلم وجهه لله فهو متبع لهواه وشهواته!!! آدم- عليه الصلاة والسلام- كان مسلما، نوح- عليه الصلاة والسلام- قال لقومه " وأمرت أن أكون من المسلمين " يوسف- عليه الصلاة والسلام- ولد يعقوب أي ولد إسرائيل- عليه الصلاة والسلام- قال " توفني مسلماً وألحقني بالصالحين " عيسى- عليه الصلاة والسلام- الذي ينزله الله- عز وجل- علامة من علامات الساعة الكبرى ، سوف ينزل ليطبق دين الله- عز وجل- الذي أنزله الله- تعالى- على النبي الخاتم ، وقد جاءت النصوص متوافرة بهذه الحقيقة، يقول الله- جل جلاله- "فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون"، جاء- عليه الصلاة والسلام- بالإٍسلام ، ودين الله- عز وجل- بعدما عرفنا على الله جل جلاله أو عرفنا إلى الله- جل جلاله- وبين لنا ما نطيق معرفته من صفات الله- عز وجل- وأنوار أسماء الله- تبارك وتعالى- عرفنا كيف تتصل القلوب بعلام الغيوب- سبحانه وتعالى- بعد أن تتعرف إليه- عز وجل- تتعرف إليه من خلال النظر في هذا الكون !! نتعرف إليه من خلال الآيات الهادية التي قال الله- عز وجل- فيها "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم".

 الصراط هو الإسلام ، هو الأحكام الشرعية: الحلال الحرام ، الأخلاق الإسلامية الأخلاق الربانية! حيث كان ذلك كذلك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فإن الهجرة النبوية المباركة قد بين العلماء فيها الكثير من الدروس والعظات والعبر، ولعل منها: أن الخطوات التي قطعها- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- من مكة إلى المدينة في ذلك الركب المبارك الذي كان فيه الصديق- رضي الله تبارك عنه- صاحباً !! خطوات إنما قطعت المسافة بين مدينتين بين مكة والمدينة ، ولكن معنى هذه الخطوات أنها وصلت المشرق بالمغرب ، والمغرب بالمشرق ، خطوات كأنما مهدت لقول الله- عز وجل- "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" وقد قال العلماء: إن التاريخ بدأ في مكة المكرمة ، وقد أمضى- عليه الصلاة والسلام- فيها  ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى الله- جل جلاله- ويقول للناس :" يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " وكان ما كان من اضطهادات ، ومن إيذاء ، لونوا فيه ألوانا من الإيذاء والاضطهاد، ثم يقول العلماء: من دخل في الإسلام في العهد المكي يكاد لا يعدو عدد أسرة تناسلت خلال هذه المدة !! ذلك أن الاضطهاد كان رهيباً ، وهنا لا يصح للوثنية أو للجاهلية أو للطاغوتية في مكة المكرمة أن تقول : كل أهل مكة معنا!!!! خسئوا!قد يكون بعض أهل مكة معكم في الظاهر!! أولئك الضعفاء ، وليس معكم أهل مكة في الباطن ، أما الأقوياء فقد عالنوا بإسلامهم!! حمزة- رضي الله عنه- عمر بن الخطاب- رضي الله وتبارك عنه- أولئك الذين أعلنوا أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ولو أنكم رفعتم القبضة الحديدية عن أولئك الذين استضعفتموهم من المسلمين لرأيتم العجب العجاب ، ذلك أن دين الله كاسح ، وأن الشمس لا يمكن لليل مهما ادلهمت ظلماته أن يوقف أنوارها وضياءها ، ومن هنا وجدنا أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أمام واحدة لا نأتي بأكثر منها ، هذه الواحدة نقدم لها بأن اللغة العربية ، الجمل فيها تنقسم إلى قسمين ، جمل فعلية تتكون من فعل وفاعل، وجمل اسمية تتألف من مبتدأ وخبر، وقد قرر علماء البلاغة إنه إذا ما عرف المبتدأ والخبر دل على أسلوب القصر، تعالوا بنا إلى هذا المعنى- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذ قال الرسول-  صلى الله عليه وسلم- يدعونا جميعاً ونحن في القرن الحادي والعشرين ، نحن بعد مرور قرون من قرون الهجرة النبوية، نجد أنفسنا أمام " المهاجر من هجر ما نهى الله عز وجل عنه " من: بمعنى الذي ، المهاجر: هو المبتدأ ، من المهاجر يا رسول الله ؟ المهاجر هو من هجر ما نهى الله عز وجل عنه ، إذن جاء المبتدأ معرفة وجاء الخبر أيضاً معرفة ، ألا يدل هذا على روعة الهجرة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وإنها إن كانت لا تطبق عبر الانتقال من وطن إلى وطن لأسباب الانتقال ، وإنما يمكن لكل منا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- مع إطلالة هلال شهر المحرم أن نراجع الحسابات ، وأن نجزم ونعزم على أن نصطلح مع الله- جل جلاله- والصلح مع الله ليس له سوى معنى واحد:هو أن تلزم نفسك بكل ما جاءنا به- عليه الصلاة والسلام- من حيث ما أمرنا الله- عز وجل- به نأتمر، ونقول سمعنا وأطعنا ومن حيث ما نهى الله- عز وجل عنه- ونهى عنه رسولنا- عليه الصلاة والسلام- إنما ننتهي عنه ، فلننته عن الكذب! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وعن الربا ، وعن إيذاء المسلمين بالأقوال أو بالأفعال ، لننته عن الصمت الذي لا تقره شريعة الله- عز وجل- إذا طلب منا أن نوجه الناس ، وأن ننصح الناس ، ونقدم للناس ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة ، فلا يصح معه الصمت !!!

 

أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك اغفر اللهم لنا وللمسلمين بألطافك الخفية واجعل جمعنا هذا الجمع مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقاً مباركاً معصوماً، لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً هبنا جميعاً بسعة رحمة يا أرحم الراحمين.

 اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.