391 - في خلق الوفاء في الإسلام
خطبة الجمعة    391 - في خلق الوفاء في الإسلام
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد "

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

فإن الله- تعالى- أكرمنا بالرسالة الخاتمة نحمده- سبحانه وتعالى- حمداً لا حدود له على ما أكرمنا به من هذه الشريعة الغراء ، التي جمعت فأوعت ، والتي غطت كل أنشطة الحياة ، الشريعة التي أخذت بنواصي الناس إلى دروب السعادة في الدنيا والآخرة ، الشريعة التي أوقفتنا على أسرار هذا الوجود بما نطيق من أسرار، فإذا بها توقفنا على ما يتعلق بالله- جل جلاله- وما يتعلق بالرسل- عليهم الصلاة والسلام- وما يتعلق بالآخرة التي نحن راحلون إليها ، وما يتعلق بالأخبار أخبار الماضيين ، وكيف كانت مواقفهم ، وكيف أخذ الذين ظلموا منهم ، كما توقفنا شريعة الله- عز وجل- على تلك الشبكة الرائعة من الأحكام الشرعية التي تنتظم حياة الناس ، تنظف البواطن ، شريعة الله- تبارك وتعالى- وتخليها من كل ما يقطع عن الله- جل جلاله- وتعمّر الظواهر شريعة الله- تبارك وتعالى- فإذا بالسعادة غامرة ، وإذا بالأنوار الديار بها عامرة ، أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

ومن هنا نعى شرع الله- عز وجل- على أولئك الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، كما بيّن العلماء أنه إذا ما أخذ شيء من الشريعة على سبيل الانتقاء والاختيار، وأعرض عن البعض الآخر، فهذا لون من ألوان الكفر بشريعة الله- تبارك وتعالى- والعياذ بالله- عز وجل- ولعل روح الشريعة علاوة على أنها عرفتنا بالله- جل جلاله- هو ذلك البناء الأخلاقي الشامخ الذي ما ترك شاردة ولا واردة من حركة الحياة إلا وتغلغل فيها أروع تغلغل ، ذلك أن هذه الشريعة لا نبعد إذا ما قلنا إنها بناء أخلاقي راسخ شامخ

الأخلاق بمعناها الواسع، الأخلاق التي ترجع إلى أنوار أسماء الله- تبارك وتعالى- الأخلاق التي رسخها- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بسلوكه ، لو أننا سئلنا بم بعث- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ؟ لجاءنا الجواب من سنته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- حيث يقول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " أجل الأخلاق التي بناها الأنبياء من قبله- عليه الصلاة والسلام- لبنة لبنة خلقاً خلقاً ، وجاء- صلى الله عليه وسلم- ليرسخها ، وليضيف إليها الأخلاق التي تتناسب مع عالمية الدعوة إلى الله- جل جلاله- إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، الأخلاق الكريمة هي التي جاءت بها شريعة الله- عز وجل- .

الظلم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من الأخلاق الذميمة، والعدل إنما هو من الأخلاق الكريمة، الغدر من الأخلاق الذميمة، والوفاء إنما هو من الأخلاق الحميدة، وهكذا تعرف إلى الأخلاق التي دعتنا إليها شريعة الله- عز وجل- من أجل أن تتمثلها في دنياك قبل أن ترحل إلى الله- جل جلاله- وعليك أن تتعرف إلى الأخلاق الذميمة كذلك ، تلك التي نهانا عنها شرع الله- جل جلاله- لئلا نقع فيها أسنها !

ذمة المسلمين واحدة ، فإن جار عليهم جائرة فلا تخفروها ، يقرر- عليه الصلاة والسلام- أن ذمة المسلمين واحدة ، فإن جار عليهم جائرة ، سواء وقعت في المشرق أو في المغرب ، أو في الشمال أو في الجنوب ، أو في الوسط ، فإن جار عليهم جائرة فلا تخفروها، ولعل هذا إذا ما مكنت هذه الأمة من أن تضع برنامج وحدتها ، عليها أن تتعرف إلى الدسائس التي دست في البرامج التي طرحت على هذه الأمة وأخذ بها !

ذلك أنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يهان مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض ، فإن جار عليهم جائرة فلا تخفروها ، ويكمل- عليه الصلاة والسلام- فيقول : " وإن لكل غادر يوم القيامة لواء يعرف به، يرفع لكل غادر يوم القيامة لواء يعرف به، إن لكل غادر يوم القيامة لواءً عند استه على قدر غدره، يقال: هذه غدرة فلان ! أو كما قال- عليه الصلاة والسلام- وأضاف : " ألا وأظلم غادر أمير على رعية "

أبعاد هذه الأحاديث- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- عجيبة عجيبة ! خاصة إذا ما لمحنا- ولا نستطيع أن نقف طويلاً- ذلك التعبير الذي بينه- عليه الصلاة والسلام- يكشف به عن موقف من مواقف الآخرة، مشهد حيث نعرض على الله ، إذا جمع الله- عز وجل- بين الأولين وبين الأخرين ، يرفع لكل غادر لواء يعرف به، أين يوضع هذا اللواء؟ يوضع عند استه ، اللواء عادة يكون فوق الرؤوس ، والأبصار إنما غالباً ما تتعلق به ، ولكن الغادر الذي غدر ولم يوفّ بما عاهد عليه الله- تبارك وتعالى- وسنتعرف إلى أبعاد العهد، العهد مع الله- جل جلاله- إنما يوضع عند أسفله لماذا؟ قال لون من ألوان الفضيحة ، هو ظن أنه يغدر ولا يفتضح غدره في هذه الدنيا ، ذلك أنه قد اندس في وكره ، وبدأ يغدر، ويدبر الغدر!!

ولذلك قال العلماء: من ارتفعت منزلته في المجتمع ، وأوكل إليه أمر مصالح العباد ، هذا إما أن يضيع هذه المصالح ، حيث يلهو بشهواته ، ويتبع هواه ، وإما أن يتيقظ ، فإذا به يدبر أمور الناس ، تلك التي أوكل إليه أن يقوم بها ، ولكن هناك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- في المقابل يقول- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- يتحدث عن العمال ، وقضية العمال هذه إنما هي من القضايا التي ينبغي أن تراعى في قضية الوفاء، الوفاء حيث يقوم بوظيفته كما أنيطت به

ومن هنا يقول- صلى الله عليه وسلم- العامل إذا أخذ بحق ، وأعطى بحق ، لا يزال كالمجاهد في سبيل الله- عز وجل- حتى يرجع إلى بيته ! العامل الذي أوكل إليه أمر من أمور شركته أو دائرته ، عليه أن يوفي بما أنيط به أوفى توفية ! عليه ألا يغش ، وألا يرتشي ، كما أن القاضي عليه ألا يرتشي ، وعليه أن يحكم بالعدل ، كما أن التاجر عليه ألا يغش وألا يغبن في تجارته ، كل هؤلاء إنما تناديهم شريعة الله- عز وجل- بما يتناسب مع وظائفهم في هذه الحياة ، وقد شاء الله- عز وجل- أن تتوزع المؤهلات بين الناس ، من أجل أن يقوم المجتمع بجميع مؤهلات عماله ، وعلى هذا وجدنا أنفسنا أمام " خلق الوفاء " وهل هناك أروع من مثال يضربه- عليه الصلاة والسلام- في خلق الوفاء ! هل هناك أروع من خلق الوفاء يمثله الصحابة- رضي الله عنهم- الذين تتلمذوا في مدرسته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ؟

الوفاء- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أولاً فيما بيننا وبين الله- جل جلاله- وإذا أردت أن تتعرف إلى أنك وفيٌ ، إذا كان يهمك الجواب ، إذا أردت أن تتعرف إلى أنك وفيٌ ، إذ كان الوفاء من الأخلاق الراسخة في شريعة الله- تبارك وتعالى- عليك أن تسأل نفسك هل أنت وفيٌ مع الله؟ هل أنت وفيٌ مع رسول الله؟ هل أنت وفيٌ مع كتاب الله؟ هل أنت وفيٌ مع المعاملات التي تقيمها بينك بين الناس عقوداً وعهوداً ووعودا؟ هل أنت وفيٌ مع أولئك الذين أحسنوا إليك ، وأقبلوا بالفضل ، فلهم الفضل عليك ، هل أنت وفيٌ مع أولئك الذين تعرفت إليهم في رحلة عمرك ومراحله المختلفة ؟

الوفاء خلق شامل جامع- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الميثاق الذي أخذه الله- عز وجل- على الأرواح "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى" ميثاق الفطرة ! الميثاق الذي أقرّت به الأرواح لله- عز وجل- بالربوبية حيث قال : " ألست بربكم قالوا بلى "

ومن هنا من نقض ذلك الميثاق فقد قطع العلاقة بينه وبين الله- عز وجل- الذين ينقضون ما عاهدوا الله- عز وجل- عليه أولئك الذين أشركوا بالله- جل جلاله- ميثاق الفطرة ، ميثاق التوحيد ، فالرب هو الله- جل جلاله- ولا رب سواه ، هو الذي يصرف الأقدار، وهو الذي أنزل المناهج على الرسل- عليهم الصلاة والسلام- وهو الذي أكرمنا بالرسالة التامة الكاملة ، فإذا ما رضيت به رباً ، من حيث إنه مصرف الأقدار، وإذا ما رضيت به رباً من حيث هو الذي أنزل التشريع ، ورضيت به رباً من حيثما يجري عليك من أقدار، معنى ذلك أنك وفيت بالميثاق ، وصدقت حياتك فوق هذه الأرض ما أقرت به روحك هناك ، حينما قال لها الله- عز وجل- " ألست بربكم قالوا بلى" والعبادة إنما هي ميثاق بيننا وبين الله- عز وجل- ألا نقول لا إله إلا الله، ألا ندخل في رحاب الإسلام من بوابة " لا إله إلا الله " ألا تعني لا إله إلا الله إنه لا معبود بحق إلا الله، ألا يعني أنك تعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله، أن الله- عز وجل- قد اتصف بكل صفات الكمال "ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم " وما "الصراط المستقيم "؟ هو أحكام شريعة الله- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- تلك الشريعة التي ينبغي أن تكون ميزان المجتمع ، ميزان القبول والرفض، ما ينبغي أن يقبل إنسان- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يرفض الشريعة ! ولا يقبل إنسان إنما يختزل الشريعة في صلاة العيد مثلاً، لا يقبل إنسان على الإطلاق يقول " لا إله إلا الله " بفيه ، وكل سلوكياته تنقض " لا إله إلا الله " ومقتضيات لا إله إلا الله ، "ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان" ما معنى أن يعبد الشيطان؟ هناك عباد للشيطان ظهروا في العصور المتأخرة ، ولكن ألا تدري بأن الشيطان إذا ما دعاني إلى معصية فأطعته ، وقد نهتني شريعة الله- عز وجل- عن هذه المعصية أن هذا لون من ألوان اتباع الشيطان في خطواته ، أليس للشيطان خطوات كما أخبرنا الله- تبارك وتعالى- ألم ينهنا الله- تبارك وتعالى- عن اتباع خطوات الشيطان بقوله : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " إذن هذا كله ينبغي أن نكون على حذر منه- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- : " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم " بم وعدنا الله- عز وجل- ههنا ؟ وعدنا أن يستجيب لنا دعاءنا ، وإنما طلب منا من حيث إيماننا بأنه الرب ، وأن بيده مقاليد السموات والأرض ، وأن بيده الخفض والرفع ، والإعزاز والإذلال ، والغنى والإفقار، بيده ملكوت السموات والأرض ، " وقال ربكم " من حيث الربوبية نقبل على الله- عز وجل- معتقدين أننا فقراء إليه ، ومعتقدين أن الأمركله بيده- سبحانه وتعالى- أما علمنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أن نقول عند الصباح وعند المساء : " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي " أجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تبوء بالذنب أي : تقر به وتعترف ، وهذا يأتي حصيلة جلسة محاسبة بينك وبين الله- جل جلاله- أبوء لك بنعمتك علي : أعترف  بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى ، مهما حاولنا فنعم الله- عز وجل- كبيرة كبيرة ، ظاهرة وخفية ، ومن أعلى نعم الله ! بل أعلى نعم الله- عز وجل- علينا أن عرفنا إليه في كتابه الكريم ، الذي هو آخر ما أنزل الله- عز وجل- وعرفنا إليه رسولنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، حيث توجهت إليه على أنه غفار الذنوب ، وحيث بدأت فأقررت لله- عز وجل- بالخالقية ، وأقررت لنفسك بالعبودية لله- تبارك وتعالى- أليس هذا من ألوان الإقبال على الله- عز وجل- أليس هذا من بيانات وتوكيدات المعاهدة بيننا وبين الله- عز وجل- هذا لون من ألوان الميثاق الذي واثقنا الله- تبارك وتعالى- عليه !

أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث هو الأسوة ، ومن حيث إن الله- عز وجل- قد أثنى عليه بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم" ومن حيث إنه قد بلغنا الرسالة بالأقوال والأفعال والأحوال ، إذا ما التقطنا التقاطات ثم تدرجنا سريعاً إلى أحوال الصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- لوجدنا الأمر العجب ! سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرى امرأة عجوز مقبلة ، فيهش لها ويبش ، يقوم لها- عليه الصلاة والسلام- يلقي رداءه على الأرض ، لتجلس عليه ، إقبال عجيب ! ولما سئل : من هذه ؟ قال: هذه كانت تأتينا في زمن خديجة- رضي الله تبارك وتعالى عنها- كان عليه الصلاة والسلام ، وقد علق العلماء على " كان " فقالوا: حيث جاء الحديث " بكان " عليه الصلاة والسلام ، دل على الاستمرار، مما ورد أنه- عليه الصلاة والسلام-  كان إذا ما أهدي له هدية ، يقول أرسلوها إلى خلائل خديجة- رضي الله تبارك وتعالى عنها- ! أجل ربما ذبح شاة ، وأرسلها إلى صاحبات خديجة- رضي الله تبارك وتعالى عنها- وفاء لذكراها !!

قد يقول القائل أنحن بحاجة إلى هذا ؟ أي والله ، إن البيوت- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لا يتربى فيها الجيل تربية ربانية إلا إذا كانت متماسكة ، ولعل من القواعد التي تقوم عليها الأسر" خلق الوفاء "

الرجل الذي سمع زوج عمر- رضي الله عنهما- ترفع صوتها عليه ! وكان قد جاء إلىبيت عمرمن أجل أن يشتكي إليه من زوجته ، وأنها ترفع صوتها عليه ، فرجع وأدركه عمر، وعلم أنه جاء من أجل أن يشكو زوجته ، فإذا بعمر يعطيه الدرس ، يقول: تحملتني ! أجل ! نظفت بيتي ، طبخت طعامي ، غسلت ثيابي ، أفلا أتحملها إذا رفعت صوتها عليّ ؟! العلاقة ينبغي أن تكون راسخة بين الزوجين- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وقائمة على الوفاء ، كلٌ يفي لصاحبه ما وجب عليه من حقوق ، وربما زاد في ذلك .

قضية الوفاء هذه قضية بعيدة المدى- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من حيث آثارها ، إذا ما شاع الوفاء بالعهود ، والوفاء بالعقود فيما يتم بيننا من عقود ، إذا شاع الوفاء بالوعود التي نقطعها بين الحين والآخر، معنى ذلك أن المجتمع صار جسداً واحداً ، وأن المجتمع قد امتلأت صدور أبنائه بالثقة ،حيث يثق كلٌ في الآخر، دعك من الغادرين ، دعك من تلك الحثالات ، وهي الحثالات على الحقيقة التي نقضت عهد الله- عز وجل- كفرت بالرسالة ، وكفرت بالشريعة ، ونقضت " لا إله إلا الله " أفظع نقض !! دعك من هؤلاء ، نحن أمام الأنوار المتوهجة التي فيها

الرسول- عليه الصلاة والسلام- في طريقه ، طريق الهجرة ، كلنا قد سمع بما كان من أمر" سراقة " حيث لحق بالنبي- صلى الله عليه وسلم- يريد أن يردّه إلى مكة ، حيث جعلت مكة جائزة ، مئة ناقة لمن يرد النبي- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- تماماً كما تفعل الجاهلية اليوم ، رشاوى إنما تطبع عبر المطابع بلا رصيد، ثم تملأ بها جيوب أولئك المنتنين ! لم يستطع سراقة أن يفعل شيئاً ، ذلك أن الله- عز وجل- قد أساخ الأرض تحت قوائم فرسه، ما الشاهد؟ أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- وعده بأن يلبسه الله- عز وجل- سواري كسرى ، وانتقل الرسول- عليه الصلاة والسلام- إلى الرفيق الأعلى ، وبقي وعده- صلى الله عليه وسلم- قائماً ، إذ لا ينقض له وعد، وجاءت الأموال إلى المدينة المنورة ، وهنا ربما إشرأب عنق من الأعناق الفاسدة ليقول: إذن كانوا يقاتلون من أجل الأموال ! كلا والله ! ما كانوا على الإطلاق يقاتلون من أجل الأموال ، وقد مر بالسيرة أن الصحابة الكرام حينما كانوا يدخلون مدينة من المدن ، ولنفرض أن أهلها من النصارى ، كانوا يخيرونهم بين البقاء على دينهم مع أداء الجزية ، وبين أن يدخلوا في دين الله- عز وجل- ولهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم !

المشهد الآن :أن من اختار لا إله إلا الله محمد رسول الله من أهل تلك البلاد ، كانت الأرض ترتجّ بتكبير الجيش الإسلامي لإسلامه ، مع أن هذا التكبير يعني أنهم سيفقدون الجزية ، وما الجزية ؟ وما الدنيا كلها من أولها إلى آخرها ؟ لأنهم كانوا يقاتلون في سبيل الله- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ومن هنا جاءت الأموال إلى المدينة ، وإذا بعمر يبكي !ّ قالوا يا أمير المؤمنين: هذا يوم سرور أو يوم حزن وبكاء ؟! قال: قال- عليه الصلاة والسلام- :  ما فتحت الدنيا على قوم إلا وقد ألقى الله- عز وجل- البغضاء في قلوبهم " أو كما قال- عليه الصلاة والسلام- وإني أخشى أن نكون كذلك ، هم كانوا يخافون من أن تفتح الدنيا عليهم ، لذلك حذرهم- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ومن جملة ما قال لهم : " ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على الذين من قبلكم " إلى آخر ما قاله- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- !

ماذا كان بين الأموال التي نقلت إلى المدينة ؟ سوارا كسرى بينها ! وها هو ذا الفاروق عمر ينادي: أين سراقة؟ ويأتي سراقة بن جعشم- رضي الله عنه- وكان أذبّ وكان ذا ساعدين كثير شعرهما ، فإذا بعمريلبس سراقة سواري كسرى ، كما وعد- عليه الصلاة والسلام- سراقة رضي الله عنه ! ثم قال عمر : قل: الحمد لله،فحمد الله ، كبّر الله فكبّر الله،اجل : احمد الله قال الحمد لله الذي سلب كسرى هذين ، وألبسهما رجلاً من بني مدلج ، إذن هذا هو" وفاء بالوعد " يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حققه الصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- ألسنا تابعين للصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم - أليسوا النجوم التي أطلعتها شريعة الله- عز وجل- في سماء الحياة ؟ ما دمنا نتطلع إليها ، ونقتبس من أنوارها ، نحن على الصراط المستقيم بإذن الله- عز وجل- إن تذكرنا ذلك ، واتخذنا دعامات دون الصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- فالويل كل الويل لمن يتخذ دون الصحابة أسوة أو قدوة " أصحابي كالنجوم بأي اقتديتم اهتديتم " وإن كان الحديث ضعيفاً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ولكنهم نجوم ، ولو لم يأت حديث فيهم عن الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

جابر بن عبد الله كان يسير مع النبي- عليه الصلاة والسلام- وكان جابر قد استشهد والده عبد الله بن حرام ، وكان فقير الحال فقال- صلى الله عليه وسلم- له ، يا جابر! فقال: لبيك يا رسول الله! إذا جاءنا مال من البحرين سأعطيك وأعطيك كذا وكذا وكذا، أعطيك واحدة ، وأعطيك كذا وكذا وكذا ثلاثاً ، ثم مضت الأيام وانتقل- عليه الصلاة والسلام- إلى الرفيق الأعلى ، وحينما نرصد هذا نبين بأن ما وعد به- صلى الله عليه وسلم- من أمور الدنيا قد حققه الله- عز وجل- كما وعد به- عليه الصلاة والسلام- أفيمكن أن يخرم ما وعد به من قضايا الآخرة ؟ لا والله- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-

هو صادق- صلى الله عليه وسلم- فيما فاه به لسانه في الدنيا ، سواء تعلق بأمر الدنيا أو تعلق بأمر الآخرة ، من هنا جاء المال بعد حين من البحرين ، وإذا بأبي بكر الصديق- رضي الله تبارك وتعالى عنه- يدعو، فيقول: ألا من كان له عدة عند رسول الله ، فليأتنا ، وجاء من جملة ما جاء جابر- رضي الله عنه- قال: فأعطاني حفنة أعطى الصديق جابراً حفنة ، عددتها فإذا بها خمس مئة ، أردت أن أذهب قال: إلى أين ؟ قالك جزاك الله خيراً ، قال: لا ، الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال لك : وكذا وكذا وكذا ،أخذت واحدة ، فخذ مثليها ، وحقق الصديق ما قاله- عليه الصلاة والسلام- بحذافيره.

بل إن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كما يقول عوف بن مالك : كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة ، ربما كان الشك من الراوي ههنا ، كنا عند الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال: ألا تبايعون رسول الله ؟! بسطنا أيدينا ، وقلنا: بلى يا رسول الله! نبايعك ، وبايعهم- عليه الصلاة والسلام- أتدرون على ماذا؟ على أن يعبدوا الله وحده لا يشركون به شيئاً ، وعلى أن يصلوا الصلوات الخمس ، وعلى السمع والطاعة ، ثم قال كلمة خفية بايع عليها أولئك، ما هي؟ بايعهم على أن لا يسألوا الناس شيئاً، بايع هؤلاء النفر على أن لا يسألوا الناس شيئاً، يقول عوف بن مالك : والله الذي لا إله غيره ، لقد رأيت هؤلاء النفر يسقط سوط أحدهم ، وهو على ظهر الدابة ، فلا يقول لأحد ناولني إياه! بل كان ينزل ليأخذه ، لأنهم كانوا قد عاهدوا الرسول- عليه الصلاة والسلام- على ألا يسألوا الناس شيئاً ، هذا هو الحال الحقيقي للمسلم الحقيقي ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

أما الدجل وأما النفاق وأما المداهنة وأما التبرير وأما أن يقال عن الظلم إنه عدل وأما أن يقال عن الرشوة إنها كرامة وتكريم ، وأما أن يقال عن المعصية أنها فن من الفنون ، فهذا بحاجة إلى وقفة خطيرة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ولعل هذه الوقفة إن لم نكن صادقين مخلصين فيها يغلق الباب الذي بيننا وبين الله- عز وجل- القائل : " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم "

مر أبو إسحق إبراهيم بن أدهم- رحمه الله تبارك وتعالى- بالسوق ، فاجتمع إليه أهل السوق ، قالوا: يا أبا اسحق ! وعدنا ربنا بأن يجيب دعاءن ،ا وها نحن أولاء ندعوا الله- عز وجل- فلا يستجاب لنا !!! هم غفلوا عن أنهم دعوا الله- تبارك وتعالى- بعدما سدوا طريق الإجابة بكل سد ممكن ، وكان صاحب القلب المنور على دراية بهذا، أتدرون لم لا يستجيب الله- عز وجل- لكم ؟ ما ندري، لم؟ قال لأنكم عرفتم الله عز وجل ولم تؤدوا حقه ، وزعمتم أنكم تحبون الرسول عليه الصلاة والسلام فلم تتبعوه وتركتم سنته ، وعرفتم نعمة الله عز وجل عليكم فلم تشكروها ، وقلتم إن الشيطان لكم عدو لكنكم ما عاديتموه ، وقلتم إن الجنة حق لكنكم ما عملتم لها ، وقلتم إن النار حق لكنكم ما هربتم منها ، وقلتم إن الموت حق لكنكم لم تستعدوا له ، وتنبهتم من نومكم فاشتغلتم بعيوب الناس وغفلتم عن عيوبكم ، ودفنتم موتاكم ثم لم تعتبروا بموتاكم !! هكذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يكون الفحص، الفحص الرائع الذي لا بد لكل سعيد أراد السعادة في الدنيا والآخرة من أن يبحثه في حياته فيسأل نفسه أوفيت أنت مع الله، أوفيت أنت مع رسول الله، أوفيت أنت في المعاملات التي تقيمها مع الآخرين، أم أن المعاملات يقوم بعضها على التحايل.

التحايل الذي إنما يرسم خطوطه عبر العقود التي تعقد بين العاقدين ، فإذا بكل يحتمي بمحامٍ من المحامين ، وربما كان لا يخاف الله- تبارك وتعالى- فإذا به يحدث في ذلك العقد من الثغرات ما به يمكنه التفلت من الحقوق ، وما درى هؤلاء أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال: أيما رجل تزوج امرأة على أقل مهرها أو أكثره ، وليس في نفسه أن يوفيها حقها ، خدعها ، فمات، ولم يؤدها حقها حشر يوم القيامة زانياً !! والعياذ بالله- تبارك وتعالى- لأن الحق إنما هو حق تلك المرأة ، وفي هذا تحذير شديد خطير من حضرة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، هذا تحذير، حذار أن تغير على أي حق من الحقوق ، سواء كانت زوجة أو ابناً أو أخاً أو عمّاً أو شريكاً أو زميلاً أو صاحباً ، قل ما شئت ، الحقوق ينبغي أن تصان- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-

وأيّما رجل استدان ديناً ، وفي نفسه ألا يوفيه ، خدع من أدانه ، فأخذ ماله فمات ، ولم يوفّ صاحب الدين دينه ، حشر يوم القيامة سارقاً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، الآخرة حق ، ونحن قادمون عليها ، وهذه الدنيا ليست دار حساب ، هناك الحساب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

ومن هنا وجدنا أنفسنا أمام معلم ، والمعالم كثيرة كثيرة ، إنما يبين لنا مجموعة من الحقائق التي عليها يقوم " الوفاء " أولاً : الإخلاص لله، من لم يخلص لله- عز وجل- لا يفي بما وعد! ذلك أن المنافق من علاماته ، أنه إذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا خاصم فجر، إذا خاصم فجر أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، لو جرحت المنافق جرحاً إنه كفيل بأن يقطع رأسك ، ورأس كل من يلوذ بك ، إذا خاصم فجر وإذا وعد أخلف ! الإخلاف في الوعد إنما هو صفة من صفات المنافقين

الإخلاص والصدق وإقامة الحياة وفق منهج الله- تبارك وتعالى- تعسر الفتح- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- على المسلمين يوما حيث كانت الأسوار شاهقة ومتينة وجاء بعدما تعسر الفتح جندي يقول للقائد إن الله- عز وجل- أعانني فنقبت نقباً في السور، وما أرجوه أن ترسل معي مجموعة من الرجال نعبر النفق إلى داخل المدينة ثم نفتح أبواب المدينة ، ويدخل الجيش ، وكان ما كان ، فتحت المدينة ودخل الجيش والحمد لله رب العالمين

طلب الأميرفاتح النقب ، فنادى المنادي: أين صاحب النقب؟ اليوم الأول والثاني والثالث والرابع لكن صاحب النقب ما ظهر، إلى أن جاء إلى الأمير متخفياً قال للأمير: أتحب أن تتعرف إلى صاحب النقب، قال: أي والله ، قال : أنا أدلك عليه  بشرط ، ما هو الشرط؟ ألا تكافئه ، وألا تعلن عنه ، وتعرف الناس به ، وألا تطلبه بعد ذلك ، قال: قبلت، قال: أنا صاحب النقب، هذه حالة من حالات الجندية التي تربت على شريعة الله- عز وجل- لا الجندية الفاجرة، هو يريد وجه الله- عز وجل- فيما قام به ، يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أما ذلك الذي أقسمت سلافة بنت الحارث على أن تشرب الخمر بقحف رأسه!!! الوثنية فاجرة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- والوثنية منهج حياة إذ يقوم أمر الوثنية على الكفر بالله- عز وجل- والكفر بالرسالات ، وما يصح أن يخبأ من كان هذا حالهم من الزندقة ، بعبارات تكذبها أقواله ، أو تكذبها أفعاله وأحواله، أقسمت سلافة ، أي : نذرت لله أن تشرب الخمر بقحف رأسه، رأس من؟ رأس عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، لماذا؟ قال لأنه قتل ولديها، الولد الأول مسافع قتله عاصم ، وقال له: خذها وأنا ابن أبي الأقلح، رجع إلى أمه يقول يا أماه! لقد قتلني ! من يا بني؟ ما سمعت إلا أنه قال: خذها وأنا ابن أبي الأقلح، وقتل أخاه كذلك ، وكان الأخوان من أولئك الذين يرفعون راية الجاهلية في المعركة، ومضت الأيام وبعث- عليه الصلاة والسلام- سرية بقيادة عاصم بن ثابت ، وتوجهت السرية حتى بلغت مكاناً وشى بهم الوثنيون الآخرون ، فإذا بمجموعة من هذيل يتبعون هذه السرية المباركة بمئة رام ، ولما أحس القوم بالمتابعة ارتقوا على تلة يتحصنون بها ، وأحاط القوم بتلك السرية التي قوامها مجموعة من الصحابة ، قالوا انزلوا ولكم العهد والميثاق ألا نقتل واحداً منكم ، قال عاصم أما أنا فلا أنزل على ذمة كافر، ولما أبوا النزول أخذوا يطلقون عليهم حتى قتلوهم جميعاً ، وقبل أن يقتلوا ، كان عاصم يقول : اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لحمي آخره ، وقد عاهد الله من قبل ألا يمس مشركاَ ، وألا يمسه مشرك ، قتل هؤلاء ، وبلغ- عليه الصلاة والسلام- الخبر فحزن حزناً عميقاً ، وأخذ يدعو على أولئك الذين فعلوا تلك الفعلة الفاجرة ، ذلك أنها كانت سرية لا تريد القتال بحال من الأحوال ، كانت سرية مسالمة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وبلغ القوم الذين قتلوا هؤلاء ما كان من النذر نذر سلافة فأرادوا أن يحتزوا رأس عاصم ، من أجل أن يبيعوه لسلافة بمكة المكرمة ، لكنهم فوجئوا بالدبابير أفواجا وأفواجا ، طائرات صغيرة ، لكنها خطيرة رب دبور منها هو كفيل بأن يقضي على المجموعة كلها من الوثنية، فما استطاعوا على الإطلاق أن يقتربوا منه ، فانتظروا ، قالوا إذا ما جاء المساء تمكنا منه بعدما تذهب الدبابير، وفعلاً جاء المساء ولكن فوجئوا بسيل أرسله الله- عز وجل- فحمل جسد عاصم ، وإلى الآن ما يدرى أين جسد عاصم، حماه الله- عز وجل- بالدبابير، ثم أذهب جسده بالسيل !

وقد جلس الأوس والخزرج في مجلس من المجالس فأخذ الأوس يفتخرون، أتدرون بم افتخروا؟ والله ما افتخروا بأمور دنيوية على الإطلاق، وإن كنا اليوم ربما نفتخر إذا ما افتخرنا بأننا فعلنا وفعلنا وفعلنا ، وكل ما فعلناه يمكن أن نسجله في الأمور الدنيوية التي ستطوى مع هذه الدنيا ، لكن الأوس قالوا منا حميّ الدبر! ذلك عاصم بن ثابت ، ومنا من اهتز لموته عرش الرحمن سعد بن معاذ- رضي الله تبارك وتعالى عنه- ومنا من جعل الرسول- عليه الصلاة والسلام- شهادته بشهادتين ! من هو؟ خزيمة بن ثابت- رضي الله تبارك وتعالى عنه- ومنا غسيل الملائكة حنظلة ، الذي دخل المعركة حنظلة ، واستشهد ، فقال- عليه الصلاة والسلام- والذي نفسي بيده ! إني أرى الملائكة تغسله بماء المزن في صحاف الذهب سلوا أهله، سألوا أهله ما شأنه ؟ لماذا تغسله الملائكة ؟ فأخبرت أنه كان جنباً في البيت ، وما إن سمع النداء الهاتفة من قبل الرسول ! حتى لبّى دون أن يغتسل ، فاستشهد وهو على حاله، من تولى تغسيله وتطهيره ؟ الملائكة- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- حمى عاصم شرع الله في أول النهار، فحمى الله- عز وجل- جسده من أن يمثل به المشركون !!

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، اغفر اللهم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا اللهم ربنا زدنا ولا تنقصنا وأتنا ولا تؤثر علينا اللهم ربنا لا تجعل الدنيا مبلغ علمنا ولا أكبر همنا، اللهم صل على سيدنا محمد بقدر حبك فيه وزدنا يا مولانا حباً فيه، اللهم ربنا إهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي بأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف السيئات إلا أنت، صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد

واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأقم الصلاة.