392 - قيمة الوقت في حياة المسلم
خطبة الجمعة    392 - قيمة الوقت في حياة المسلم
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن

ربنا ولك الحمد حتى ترضى ، ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وقام لله- تبارك وتعالى- خير قيام، فأثمر قيامه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- مجتمعاً ربانياً! عرف الله تبارك وتعالى فأحبه ، وأحب الله- تبارك وتعالى- فأطاعه ، وتقرب إلى الله عز وجل بكل ما أعطاه الله عز وجل من طاقات.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله- تعالى- وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله- جل جلاله- يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإن الحديث يتطلب غوصاً في التاريخ ، كما يتطلب إطلالة على الآخرة ، وهل هناك فاصل يفصل الآخرة عن الدنيا ، أو الدنيا عن الآخرة ؟! عمر بن الخطاب- رضي الله تبارك وتعالى  عنه- يحمل قربة ماء على كتفه ، ويمر بعروة بن الزبير، فقال عروة : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟! قال: يا عروة ! لقد كثرت الوفود التي جاءت سامعين مطيعين ، وقد دخل في نفسي من ذلك نخوة ، فأحببت أن أؤدبها !!! أمير المؤمنين يحاسب نفسه ، يراقب خواطره ، ما يريد على الإطلاق أن تطل نفسه أي إطلالة على ساح الحياة ، لتظهر!! ذلك أنها محقت بشرع الله- تعالى- النفس التي أراد صاحبها أن يحقق بها الإخلاص لله- عز وجل- والإخلاص إنما هو التوحيد المطلوب ، وأراد أن يحقق بها  الصدق لله- عز وجل- والصدق إنما هو وحدة الطلب ، هذه النفس قد سجل التاريخ- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لها مواقف ومشاهد، ومما ذكرت هذا المشهد الذي فيه معنى مراقبة الأنفاس ، ثم وضع الدواء الناجع لما خشي منه الفاروق- رضي الله تبارك وتعالى عنه- .

عمر بن الخطاب- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وهو من تلامذة المدرسة المحمدية ، رباه كتاب الله- عز وجل- وأدبته سنة المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- قد امتلأ بالبصائر، فإذا بنا نراه يرسل بحلة ثمينة لمعاذ- رضي الله تبارك وتعالى عنه- فإذا بمعاذ يبيع الحلة ، ثم يشتري بها ستة أعبد! ثم أعتقهم لوجه الله- جل جلاله- بلغ عمر ذلك ، فإذا به يرسل له حلة أخرى دون الأولى ثمناً ، فغضب معاذ غضباً دفعه إلى أن أتى بالحلة إلى عمر الفاروق- رضي الله تبارك وتعالى عنه- قال: لم هذه؟ قال: علمت أنك بعت الأولى، قال: وما ذاك ! إدفع لي نصيبي ، ما أريد أكثر من ذلك ، ثم قد حلفت لأضربن بها رأسك !!! يطالبون بالإصلاحات ، ويدعون الإصلاحات ، ويسعون- عملياً- إلى إشاعة الفساد! وما درى أكثرهم أن إشاعة الفساد إنما يعني أنهم يهلكون أنفسهم !! عمر- رضي الله عنه- أراد أن يبر معاذ بيمينه إذ أقسم أن يضرب بالحلة رأس أمير المؤمنين !! فقال : هذه رأسي بين يديك ، وقد يرفق الشاب بالشيخ.

قال الرسول- عليه الصلاة والسلام- لعبد الرحمن بن سمرة :" يا عبد الرحمن ! لا تطلب الإمارة ، فإنك إن أعطيتها عن مسألة أوكلت إليها ، وإن جاءتك من غير مسألة أعنت عليها " أبو ذر- رضي الله عنه- يقول: يا رسول الله! ألا تستعملني ؟ لا تستغرب حيث آتي بهذه المقتطفات ، لأن لها محوراً واحداً ، سنتعرف إليه ، قال: ألا تستعملني يا رسول الله ؟ وأبو ذرهو الذي يقول فيه- عليه الصلاة والسلام- " ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء ، أصدق لهجة من أبي ذر،يقول : ألا تستعملني يا رسول الله! بم أجابه- عليه الصلاة والسلام- وإجابته- من حيث إنه لا ينطق عن الهوى- دستور، منهج ، والأمة عليها أن تعي هذا المنهج بكل حذافيره ، ذلك الذي يغطي كل شؤون الحياة ، ظاهرها وباطنها ، نفوسها عقولها مشاعرها سلوكها قيمها مبادئها ، يربط آخرتها بدنياها، قال: " إنك رجل ضعيف ، وإن الإمارة مسؤولية ، وهي يوم القيامة خزي وندامة !!!"- أجل خزي وندامة- "... إلا من أخذها بحقها ، وأعطى ما وجب عليه بها " أو: كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

ولا نبعد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذا ما قلنا : إن محمد بن واسع !! ومن هوابن واسع هذا ؟؟؟ كان يصاحب جيش قتيبة بن مسلم، وكان قتيبة يقول: أصبع محمد أحب إلي من مئة ألف سياف ! ما هذه الأصبع ، كان يشير بأصبعه إلى السماء حيث كان مما يكشف له منها ، وكان في إشارته أن تبدأ المعركة التي كان يقودها ابن مسلم ، وهذه تربية المدرسة المحمدية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-.

أسيد بن حضير!! كان يقرأ القرآن ، فتتنزل السكينة لقراءته ! فيراها بأم عينه ، إنها السكينة تنزلت لقراءتك القرآن،بهذا بشره الذي لا ينطق عن الهوى ، محمد بن واسع الذي كان هذا شأنه رأى ولداً من أولاده يمشي البخترة ، يتبطأ في مشيته ويتبختر!! وما ندري سبب ذلك ، لعله الشباب ، وفورة الشباب ، ولكن هذه المشيةلا تروق لوالده محمد بن واسع ،فيقول له: يا بني! أتدري بكم اشتريت أمك ؟ بثلاثة مئة درهم ، وأبوك- لا كثر الله في المسلمين مثله- أنا، وإني لا أحب هذه المشية.

مقتطفات من المدرسة الإسلامية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ونحن ههنا نقول كم من مودع لهذه الحياة يلوح لنا تحية الوداع، وكم من مستقبل فوق هذه الأرض !!  نستقبل أجيالاً، ونودع أجيالاً ، وليس هذا هو المقصود ، إذ إن ظاهرة الموت والحياة من أرسخ الظواهر في هذا الوجود، وهما مخلوقان لله- عز وجل- نحن في هذه الدنيا سنرحل ، ورحيلنا لا إلى بيتنا ، بل إلى عالم البرزخ ، ثم نجمع هناك ، ثم نبعث من قبورنا ، ثم نعرض على الله- جل جلاله- ما الشأن إذن ؟ هؤلاء الراحلون بم يرحلون عنا ؟؟ هناك من يرحل باللعنات ، وهناك من يرحل بسجل حافل بالجرائم والموبقات ، هناك من يرحل وسجله إنما امتلأ ، وفاضت عنه الآثام والجرائم ، هناك من يرحل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وكل افاق حياته غفلات ، هناك من يرحل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وقد سودت من صحائفه ، الصحائف التي أملاها على الملائكة الحافظين الكاتبين !!أملى عليهم ما به تشمئزمنه نفوس بني آدم ، بله الملائكة ، لكنهم به موكلون بأن يكتبواعليه وله الصغيرة والكبيرة

وهناك من يرحل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وسجلاتهم كلها فخار، وكلها أنوار، وكلها عطاء ، وكلها بناء ، وكلها خير، وهذا ما نرجوه لأولئك الشيوخ الذين أوتوا الحكمة ، فأقاموا الاتحاد " اتحاد الإمارات " وقد غبر عليه أربعون عاماً ، هو عمل موصولة ثماره ، و ممتدة ظلاله- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- متتابعة آثاره ، والأعمال الجليلة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هي التي لها وزنها في ميزان شرع الله- تبارك وتعالى- ربما يعمل الإنسان لنفسه الخير، ويكون عمله لازماًله- وحده- خيره ، ولكن الأعمال الضخام هي التي لها وزنها في الميزان يوم القيامة ، هي الأعمال التي يمتد خيرها ، وهل هناك من الأعمال أعمال يمكن أن تبارى مثل أن يعمل الإنسان في حال حياته بإخلاص وصدق على أن يجمع هذه الأمة على الله- جل جلاله- !! .

إذا ما وقفنا قبالة القرآن الكريم ، وبين يدي الحديث ، والحد\يث متصل ، وجدنا أنفسنا أمام راحل من أولئك الراحلين!! هذا الراحل أعطاه الله- عز وجل- إمكانات ، ومكن له في الأرض ، رحل!وقد أنزل الله- عز وجل- في سيرته سيرة ، هي سيرة يمكن أن تحتذى لأولئك الذين تسنموا أمكنة من المجتمعات ، يديرون بها شؤون المجتمع ، من هو يا ترى ذلك الذي أخبر الله- عز وجل- عنه ذكر في آواخر سورة الكهف ، هو" ذو القرنين " الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، مشهد من المشاهد، أتظنون بأن الله- عز وجل- قد ذكره يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من أجل أن يتلى فحسب ؟؟؟ وهل القرآن الكريم إلا تذكرة من الله- جل جلاله- وبصائر؟ وهل كتاب الله- عز وجل- إلا المنهج الذي أراد الله- عز وجل- لهذه الأمة أن تختاره وتتبناه ،وتصوغ وفقه حياتها ، من أجل أن يرضى الله- تبارك وتعالى عنها- من أجل أن ترتقي إلى أعلى الدرجات ، ولا عز لهذه الأمة إلا إذا ما اعتصمت بكتاب الله- عز وجل- .

وهذا معنى من معاني الاعتصام بكتاب الله ! أما قال- جل جلاله- : "واعتصموا بحبل الله جميعاً" ما معنى الاعتصام بحبل الله ؟ إذا كنا نقرأ القرآن- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وبعضنا إنما يفعل بخلاف ما في كتاب الله- تبارك وتعالى- قد أخبر الله- تعالى- عن ذي القرنين بقولهك "حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا * قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا" اشتكوا إليه ، استنجدوا به ، قالوا: ألا تساعدنا على دفع هذا الظلم،هذا الاعتداء الأثيم !يأجوج ومأجوج من النماذج الشريرة فوق هذه الأرض !!هم وراء الاعتداء والعدوان ، وراء العدوان والتسلط ، وراء التسلط وسفك الدم ، بعد سفك الدم وانتهاب الأموال جرائم لا تحصى ، عربدة وفجور يفور من تنور نفوس فاجرة ! ، بعد انتهاب الأموال هتك أعراض !!،ولا ينتهي مسلسل العدوان ، عدوان القوي على الضعيف!" فهل نجعل لك خرجا "أي : نعطيك ثمنا ، نعطيك مبلغاً من المال ، بشرط " أن تجعل بيننا وبينهم سدا" نطلب حمايتك من أولئك المفسدين  في الأرض "إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض" ويأجوج ومأجوج خروجهم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- علامة من علامات الساعة الكبرى،وكان موقف ذي القرنين أن "قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا" وتم السد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- " فما استطاعوا" أي : هؤلاء الأشرار حينما وضع الحاجز بينهم وبين أولئك القوم المستضعفين " ما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا "

ما الموقف الآن فقد قال بعد الانتهاء ما إقامة السد : " قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا* وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض " أي: اختلط حابلهم بنابلهم ،وذلك إلى أن يأذن الله- عز وجل- بخروج هؤلاء " وإذا هم من كل حدب ينسلون "وقد دل دلالة واضحة على أن حماية الضعيف ، ودفع ظالمه عنه من القربات التي يتقرب بها الله- تعالى- وأنها من مظاهر رحمة اله بعباده ، وأن هذا السلوك يستنزل رحمة الله ، وهو من باب " ارحموا من في الأرض يرحمكم من السماء !!"

ما الفائدة من عرض هذا ؟ المسلم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يتغذى بعطاءات القرآن ، وعلى المسلم حيث يرى مظلوماً وجب عليه أن يقف إلى جانب هذا المظلوم ،بكل ما أوتي ، وأن يدفع عنه طال يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام 1 هذا ، وقد نوم هذه الأمة في هذا الجانب ، ولكنها بدأت في اليقظة. والحمد لله ، هذا عطاء القرآن ، وهذا منهج الإسلام يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ! هذا مشهد من مشاهد جاءت في كتاب الله- عز وجل- يبين لنا أن صاحب المشهد قد رحل إلى الله- جل جلاله- أتظنون بأن الله عز وجل لا يثيبه على ذلك السد ؟؟ الجواب واضح ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !!

نأخذ مشهداً آخر، ونكتفي بالمشهدين ، والقرآن الكريم بهذه المثابة هو الراسم لهذا المشهد كذلك ومجليه للأجيال التي تنهل من معينه ! المشهد الآخر لما آمن السحرة برب موسى وهارون ، وقف فرعون بتسلطه وجبروته وطغيانه وطاغوتيته "قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى ، قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ، فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا" ما المشهد- هنا-  رحل فرعون بهذا المضمون إلى الآخرة !! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ،رحل بالتقتيل ، والتقطيع ، والتعذيب ، والعدوان والتسلط ، أراد أن يكون الناس- عنده-  عبارة عن ظلال يحركهم بأصبعه ، ولو كانت هناك التقنيات الحديثة لوجدناه يستعملها من أجل أن يستعبد الناس ، اسمع ما قاله لمن آمن : "آمنتم له قبل أن آذن لكم" يعلق بعض العلماء- توفي رحمه الله تبارك وتعالى- خسئت وخبت ! وخسرت!! أتطلب منهم أن يستأذنوا منك:  ليكفروا بك !! لكنه تطاول هذه الفرعونية نفسها- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يريد حتى إيمان من آمن به ، أو من كان مؤمنا به ثم كفر به ، وآمن بالحقيقة التي ظهر دليلها ، وبان أمرها على يد موسى- عليه الصلاة والسلام- يريد أن تكون من تحت يده، أهناك استفزاز أفظع من هذا الاستفزاز!وإهانة أبشع من هذه !! .

لكن ما الموقف إذا كان قد رحل ؟ سيعرض عليه هذا الأمر، أجل ، لأن الله- عز وجل- أخبرنا عنه في القرآن الكريم ، أما سمعت قول الله- عز وجل- "واتبعوا أمر فرعون ، وما أمر فرعون برشيد * يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار،بئس الورد المورود وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود" هو زعيم في الآخرة ، وما آلمها من زعامة !!زعيم ، لكنه يقود أتباعه إلى النار، "وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة " أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! كأنما هذا يفصل فيه قول الله- عز وجل- على أنه عام في زعامات الضلالة ،وأبرز النص ما يكون من مناكفة بيت التابع والمتبوع ، قال- تعالى- : "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت فيهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار" كلام الله حق وصدق ! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام .

و ما كتبته الملائكة- هنا-  على هذا الإنسان يجده في كتاب يوضع غداً "ووضع الكتاب فترى المجرمون مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا  كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا" الملائكة كتبت- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- والأرض تشهد ، والزمان يشهد ، والليل يشهد، والنهار يشهد ،والجوارح تشهد ، فأين المفر والإله الطالب، أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! هذا مشهد عام ، من ظن أنه يمكن أن ينجو، ورجا الله- عز وجل- أن ينجو، واتخذ لذلك أسباب النجاة ، فعسى !! وإنما من ظن أنه ينجو بفعلاته في هذه الدنيا ، سواء كانت صغيرة أم كبيرة ، إذا كانت رشوة ، أو كانت زنى ، أو كان كذباً ، أو كان دجلاً ، أو كان تملقاً غير مشروع ،فكل هذا يكتب عليه ، ويعرض أمام عينيه !!.

المشهد ينقسم إلى قسمين: قسم قال الله- عز وجل- فيهم ، ونرجو الله- عز وجل- أن نكون منهم ، وأن يكون أحبابنا جميعاً منهم ، وأن يكون المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها منهم " فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول ها أوم اقرأوا كتابي" لماذا ؟ لأنه امتلأ- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بالمنجزات الحقيقية الصادقة المخلصة.

ما كان هذا الاتحاد ، ليقوم  لو كان هناك بعد عن الإخلاص والصدق ،قام لأنه كان هناك التجرد ،حيث التقى هؤلاء ، والحكمة بادية في سلوكهم ،التقواباختيارهم ،وإذا  بالمتفرق قد جمع !! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! ولعلنا ههنا ونحن نرصد هذا الإنجاز نذكر بقول الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- "يد الله مع الجماعة" أتظن بأن من كانت يد الله معه يغلب ؟ أو يهزم ؟ أو يذل ؟ لا، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! كإنما رأوا معنى " إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " وعلموا علماً واضحاً أن العصر الذي نعيش فيه إنما هو عصر  التكتلات ،وكل ما يخشى في هذا المعنى ، وكل ما نخشاه من تكتلات هذا العصر أن يكون التكتل تكتل ضلال وباطل ، إذا ما اجتمع أهل الشر على شرهم هؤلاء لا يطاق على الإطلاق اجتماعهم ، لأن الله-عز وجل- قال : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" هذي شذرة من البصائر التي جاء بها كتاب الله تبارك وتعالى.

أما الطرف الآخر، أما المشهد الآخر، وهذا سرعان ما يبدو لأعيننا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فقد وضحته الآيات التالية : "...وأما من أوتي كتابه بشماله* فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه* ولم أدر ما حسابيه* يا ليتها كانت القاضية* ما أغنى عني ماليه* هلك عني سلطاني*" ضع خطاً تحت " السلطان " ههنا ، إذا كان سلطاناً فاجراً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- فهو الذي يندب حظه العاثر يوم القيامة !! وهيهات هيهات أن ينجو بندبه ،إنه يود لو أنه لم يؤت الكتاب ! وهيهات هيهات ما تمناه ، لا بد من أن يؤتى الكتاب سواء آتاه الله- عز وجل- إياه بشماله ، أو من وراء ظهره !! أجل يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !!.

أين سلطان أولئك ؟ وأين أولئك الذين كانوا يدافعون عنه، كلهم مثله، كلهم يحتاج إلى النصرة والمعونة ، وهيهات!! لا معونة هناك للظالم، هو ما كان يدري لما قال "وأما من أوتي كتابه بشماله* فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه" ما درى- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أن الأمر- حينئذ-  يتوجه من الله- جل جلاله- إلى خزنة جهنم " خذوه فغلوه* ثم الجحيم صلوه* ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه* إنه كان لا يؤمن بالله العظيم".

إذا كانت ذكرى مرور أربعين عاماً على الاتحاد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- والحديث عما تم تحت ظلاله ، وفي مظلته ، فإن الأولى ههنا أن نذكر أن الانتساب للأوطان لا يعني على الإطلاق انتساباً لسانياً ، وإنما الانتساب للأوطان هو" انتساب مسؤولية " إذا كانوا قد أقاموا القواعد لهذا الاتحاد فعلى الأبناء- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أن يحافظوا عليها ، وأن يمكنوها في الوجود بما آتاهم الله- تعالى- وأن يبحثوا عن اللبنات الهشة التي يمكن أن تشارك في البناء ، وهذه مظنة أن تخذل البناء في يوم من الأيام ، على الأبناء- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أن يعووا ما هم فيه من نعمة كبيرة ، حيث توحدت الجهود، وتلاقت القلوب على الخير ، بإذن الله تبارك وتعالى ، وعليهم أن يقفوا أمام مشهد واحد أيضاً نأتي به دون أن نكرر لأن المشاهد كثيرة.

 سقطت اليابان في الحرب العالمية الثانية ، والبلاد العربية كانت تتحرر من نير الاستعمار الفرنسي والبريطاني ، وغيرهما تباعاً، اليابان بعد ما سلمت إثر ضربها بالقنبلة النووية ، بدأت تعي ذاتها ، وتبحث عن هويتها ، وعن عاداتها وتقاليدها ، ودرت نوعاً من التقصير، كان يحل في ربوعها ، فأدى إلى نتائج وخيمة ، حتى طريقة أكل الأرز- هناك-  يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من عاداتهم ، وقد حافظوا عليها ، تقدموا إلى الصدارة ، ولكن العلماء الذين بحثوا فيما أنتجته اليابان اليوم وجدوا أنفسهم أمام الحقائق التالية نظر اليابان ، كما ننظر نحن- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وكما ينظر العلمانيون بيننا اليوم ، نظروا إلى الحضارة الغربية ، أو المدنية الغربية أو التقدم الغربي ، لكن نظرنا قد خالف نظرهم، هم وقفوا بعدما نظروا إلى الحضارة وقفوا منها موقف التلميذ الذي يريد أن يتعلم ، ونحن وقفنا- الكثيرون منا- منها موقف الزبائن الذين يريدون أن يشتروا ما يصنع الغرب ، هم قصروا همهم على إرسال البعثات المنتقاة المختارة ، ووسعوا حركة الترجمة هذا كله من تاريخهم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! نعرضه الآن على مسامعكم من أجل أن نتعرف إلى من يقود الركب من ربان السفينة إلى ما تتجه؟؟؟ بم ينفخ النافخون ؟ بم يتشدق المتشدقون ؟ وربما وجدنا أناساً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يحولون الهزائم الكاسحة الكاسرة إلى سجل مفاخر، فإذا بهم يتشدقون بتلك الهزائم على أنهم ثبتوا إذ كان يراد من هذه الهزائم أن تستأصل رؤوسهم ، لكن رؤوسهم بقيت- والحمد لله- على أكتافهم ن ولو اكتسحت الديار !! نريد أن نقف أمام الحقائق ،في اليابان وسعوا حركة الترجمة ، نقلوا ما ينفع ويفيد، ما فتحوا حرية النقل من أجل أن يتسلل إلى رحابهم الفكر الإلحادي ،مع أنهم بوذيون ، ما فتحوا باب الحرية في الترجمة من أجل أن تتسلل إلى رحابهم الآداب الإباحية ، كما هو حال أولئك الذين ينادون بين الحين والآخر بأنه يجب أن تتحرر المكتبات من الرقابة ، ولو قلت له لو أنها تحررت ما الذي تستقدمه لنا ، لدلنا اختياره على نفسيته التي تريد أن تهدم المجتمع !! لن يستقدموا خبراء- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- والكلام ما زال عن اليابان ، يبسطوا سيطرتهم بأساليب خفية على مقدرات البلاد ، لتبقى بقرة ، ما أحلى حليبها !! هذه الحملة الرائعة في البناء ، والتي فيها وعي الياباني ذاته ، ووعي التصاقه بوطنه ، ووعي التزامه بدينه- الذي هو البوذية- مع ما هو عليه ، ووعي فقر أرضه من الخامات والمواد الأولية ، رتب هذا كله أروع ترتيب ، فإذا به يتقدم كما نعلم إلى الصدارة وصناعاته وتقنياته إنما تملأ المحال حتى في البلاد التي تقدمت مثل تقدمه ! نافس المجتمع العالمي كله ، ومع ذلك ما زال يحافظ على ملابسه ، ما زال يحافظ على طريقته في الطعام والشراب والمنام والزواج ، وقل ما شئت من مثل هذه المحافظات ، هذا الذي يمكن أن نذكر به الأبناء من أجل أن يعووا أن تجميع الإمارات في إمارة واحدة ، قامت تحت عنوان " اتحاد الإمارات العربية المتحدة " إنما يلقي مسؤولية عظمى على كواهل أبناء هذه الإمارات !!!

أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! العرب في الجاهلية كانوا متفرقين أفظع تفرق ! كانوا لا يعرفون إلا النهب والسلب والقتل وسفك الدماء ! هي جاهلية: حماتها عباد أوثان وأصنام ، يأكل القوي منهم الضعيف ، يسيئون الجوار، يأكلون الميتة ، يأتون الفواحش ،سلسلةطويلة مما يهدم حقائق الحياة ! هذه الأوضاع الاجتماعية العقدية ، إنما حطت رحالها فوق الرض ! وطال زمان حط رحالها في الجزيرة العربية خاصة ، إلى أن جاء الإسلام بأنواره وحقائقه ، فجمع الخلق على الله- جل جلاله- قال- تعالى-  "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" أجل يا محمد! - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أنقذهم الله به من النار "وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" شهدوا:" أن لا إله إلا الله " منهج حياة ، وشهدوا" أن محمداً رسول الله " منهج تأس واقتداء! ومن هنا وجدناهم يجتمعون على الله- جل جلاله- محبة وخشية وإيماناً ، أقام الرسول- عليه الصلاة والسلام- المسجد لما وصل المدينة المنورة ليبني المجتمع الرباني المتآلف المتآخي المتحاب ، ومن هنا وجدناه يبني المسجد، لأن المسجد هو الذي يحقق صلتك بالله- جل جلاله- ويسدد صلتك بعباد الل- تعالى-  وجاءت التشريعات من أجل أن تدعم الأخوة الإيمانية التي أرساها شرع الله- تبارك وتعالى- أرساها على محبة الله "ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه ، وافترقا عليه" إن المحبة الإيمانية " إنما المؤمنون الأخوة " الأخوة الايمانية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- نعيش في ثمراتها وعطاءاتها ، إذا ما حققناها في حياتنا ، وستبقى معنا إلى هناك ، حيث منتهى الرحلة ،وحط الرحال دون ظعن !! حيث نكون على منابر من نور، يغبطنا الأنبياء والشهداء لمكانتنا من الله- جل جلاله- مع هؤلاء المتحابين في الله- جل جلاله- جاءت التشريعات بمجموعة من الأحكام التي تنتظم كل شؤون الحياة ! ونهت التشريعات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- عن الذرائع التي تفسد العلاقة بين المسلم والمسلم ، التي تفرق ولا تجمع ، ومن هنا نهى شرع الله- عز وجل- عن خطبة المسلم على خطبة أخيه ، نهى عن بيع المسلم على بيع أخيه، نهى المرأة عن أن تطلب  طلاق ضرتها من زوجها ،ليكون لها وحدها ! هذه كلها من العوامل التي نهى عنها شرع الله من أجل أن يؤصل وحدة المجتمع، تلك الوحدة التي لا تبنى على الأجساد واجتماع الاجساد ، وإنما تبنى على اجتماع القلوب على الله- جل جلاله- لئلا ندخل فيمن قال الله- عز وجل- فيهم " ...تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون".

أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !قال- عليه الصلاة والسلام-: " لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله- عز وجل- بين قلوبكم ، إن الله وملائكته يصلون على الصف المنتظم" أو: كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- من سد خلة في صفوف الصلاة فإن الله عز وجل يرفعه بذلك درجة! هذه من  معطيات الشريعة ، كل هذه المعطيات ، وكل العبادات ، إنما لها وجهان : وجه اجتماعي ، يؤصل العلاقة بين أفراد الأمة ! ووجه يبتغى به وجه الله- تبارك وتعالى- من هنا نجد أنفسنا أمام عظمة الإسلام حيث جمع هذه الأمة، هذه الأمة قد أعملت فيها سكاكين التفرقة من زمن بعيد، ولكنها بدأت تصحو، بل صحت ! ولعل قيام اتحاد الإمارات بذرة نرجو الله- عز وجل- أن تترعرع من أجل أن تشمل العالم الإسلامي كله ، من أوله لآخره ، ومن هنا لا يبقى في ربوع العالم الإسلامي طاغوت يتفرد بشعبه ،  أو فرعون يقول بلسان سلوكه أنا ربكم الأعلى!! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!!  .

نختم بأن قضية اجتماع المسلمين على الله- عز وجل- مما يرعب أعداء الله- تبارك وتعالى- ولهذا من سعى من أجل أن يعمر المجتمع بالحقائق الإيمانية ، وأعمال الخير والبر، عليه أن يضع في حسبانه أن التغيير إنما يبدأ" من نفسه " ثم ينعطف على الآخرين إفاضة خيرة قال- تعالى- : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وعلى أولئك الذين يأخذون زمام المبادرات من أجل أن يخرجوا المجتمع الإسلامي من فرقته أن يتوحدوا على الله- جل جلاله- عليهم أن يدروا مكائد أعداء الله- تبارك وتعالى- ولعل من الأسافين التي دقت في جسم هذه الأمة تلك المفاهيم الفكرية الشائهة ، وتلك التصورات الباطنية الفاجرة !! مما يفسد العلاقة بين البواطن والظواهر! يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !.

شأس بن قيس يهودي قد عسا في الكفر، كما قال كتاب السيرة ، وبلغ من الكبر عتياً ، وهو من عباد التلمود، مريوماًعلى جماعة من الأنصار، الأوس والخزرج ، رآهم قد اجتمعوا على الله ، يتحدثون بمودة ومحبة، ومن قبل أو من قريب كانت بينهم حروب سالت فيه الدماء غزيرة ، ولأتفه الأسباب ، وجدنا أنفسنا أمام شأس قد أكل الحقد قلبه وفرى كبده! وطحن مشاعره أيما طحن ! فاستدعى فتى من اليهود له لباقة ودماثة ويحفظ الشعر، فأغراه بأن يندس بين الأوس والخزرج ، ثم يذكرهم- وبنعومة- بيوم " بعاث " ذلك الذي قتل فيه كثير من زعماء الأوس والخزرج ! ولا يهدأ بل ينشدهم بعض الأناشيد التي كانوا يتقاولونها يوم ذاك ، يوم كانوا على الجاهليةالجهلاء التي من أجل ناقة البسوس قامت حرب دامت أربعين سنة! سالت فيها الدماء غزيرة غزيرة ، ودخل الفتى ، وما ترك المجلس حتى تواثب القوم ، وجلس أحدهما قبالة الآخر على ركبتيه ، وقال: أتهددنا أتوعدنا؟ قال: نعم !! وتواعدوا الحرة ، أي في ظاهرالمدينة  وتنادوا فيما بينهم: السلاح السلاح ، ونزل الوحي إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام- أدرك المسلمين ، وتوجه عليه الصلاة والسلام حيث اجتمع الأوس والخزرج ليتقاتلوا ، وكان معه نفر من المهاجرين- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- وهناك قال: الله الله! أبدعوة الجاهلية وانا بين أظهركم بعد أن هداكم الله- عز وجل- للإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع عنكم به حبال الجاهلية ، وأخرجكم من الظلمات إلى النور،أي : بعدما أكرمكم الله عز وجل بالإسلام وهداكم إلى حقائقه وألف بين قلوبكم تداعون بدعوى الجاهلية!! وكانت كلماته- عليه الصلاة والسلام- من القلب إلى القلوب ، الخمائر حاضرة في القلوب ، لكنها القلوب كانت في غفلة استسنحها ذلك الفتى اليهودي ، وإذا به يفعل فعله العجيب ، الذي تداعى به القوم من أجل التقاتل ، ما أنهى- عليه الصلاة والسلام- كلامه حتى تعانق القوم ، وبكوا وبكوا وبكوا ثم رجعوا إلى ديارهم ، إلى منازلهم ، سامعين مطيعين ، وقد علموا أنه وثبة شيطان ، ونزغة إبليس ، أراد بها صاحبها أن يفت في عضد هذه الأمة!! من هنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نشير بل نذكر إلى أنه لا يصح على الإطلاق أن يفسر كل وضع من أوضاع التغيير على أنه لون من ألوان نزغة الشيطان ، لا، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! إنها نزغة من نزغات الشيطان إذا ما أقر المجتمع على الظلم ، ونام على الجور، وسلم للطغيان و العدوان الإذلال ! ذلك أننا مجتمع: الأصل فيه أننا قد توحدنا بتوحيد الإسلام لنا ، إذ قال الله- عز وجل- فينا "إن هذي أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" وإذ قال الله- عز وجل- فينا "وإن هذي أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" أيسوغ مع هذا أن نتفرق ؟؟ من أراد أن يفرقنا هو الذي يدخل على الخط الساخن ! هو الذي يحترق بدخوله كما احترق شأس بن قيس ، من أجل أن ترجع هذه الأمة إلى رحاب الله- جل جلاله- من أجل أن تقيم التآلف والتواد والتراحم على طاعة الله ، وعلى حب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، علينا أن نبذل كل ما بالوسع .

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، فإنه قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام!

يمكن أن نذكر بأن التآلف إنما ينبغي أن يبدأ من الأفراد، ثم ينتشر في نواحي المجتمع كله ، التآلف بين أفراد الأسرة الواحدة ، بين الجار والجار، بين الجيران والجيران ، بين المدينة والمدينة ، لكن البداية ينبغي أن تكون صحيحة ، أما أن يتفق الناس على المنكر والبغي والعدوان ، وبالتالي يتعاهدون ويتعاقدون على ذلك ، فهذا لا يلقي له الإسلام بالاً، وإما أن يتفقوا على الحق الذي جاءنا به- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- فهذا هو من معاني قول الله- عز وجل- "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"وقد جاء عنه- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- أن الجيران ثلاثة ، جار له ثلاثة حقوق ، وجار له حقان ، وجار له حق واحد، أما الجار الذي له ثلاثة حقوق : فهو الجار المسلم القريب ، وأما الذي له حقان: فهو الجار المسلم الغريب ، وأما الذي له حق واحد: فهو الجار غير المسلم!! أرأيت شريعة أعظم من هذه الشريعة؟ يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ! ولعلي أقولها- وقد كنت مترددا-ً أن عبد الله بن عباس- رضي الله تبارك وتعالى عنهما- سئل عن رجل أنه يصوم ويصلي ويزكي ، لكنه كان لا يحضر في الجماعة ، لا يصلي في الجماعة ، قد هجر المسجد!! الجوابك هو في النار! لا يريد أنه يخلد فيها ، ولا يريد أنه قد قصر في أمر، بل فتح ثغرة في الجدار الذي أراد شرع الله- عز وجل- أن يقيمه ، ذلك أن المساجد في الأصل بنيت لتحقيق الكثير من المقاصد، ومنها أن يقف المسلمون صفاً واحداً في الصلاة ، منها أن تتحد الوجهة والمقصد، منها أن القلوب كل القلوب إنما تستمع إلى ما يتلى على مسامعها من آيات القرآن الكريم ، منها السلام بعد الصلاة يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !!

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فأكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- فإن الله- تبارك وتعالى- قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين سلماً لأوليائك وحرباً على أعدائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك.

اللهم ربنا اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، اللهم ربنا عليك توكلنا ، وإليك أنبنا ، هذا الدعاء وعليك الإجابة ، وهذا الجهد وعليك التكلان ، نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار لا تدع لنا ذنباً في هذه الساعة المباركة إلا غفرته ، ولا هماً إلا فرجته ، ولا غماً إلا كشفته ، ولا مريضاً إلا شفيته ، ولا غائباً إلا سلمته ورددته ، ولا عدواً لهذه الأمة إلا قصمته ، ولا عدوا لهذه الأمة إلا قصمته ، ولا عدوا لهذه الأمة إلا قصمته ، اللهم أحصهم عددا اللهم أحصهم عددا اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ، اجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك ، لا تردنا اللهم عنك إلا إليك اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسلمين صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة