394 - في رحاب النوايا الطيبة
خطبة الجمعة    394 - في رحاب النوايا الطيبة
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين"

وقال جل جلاله:"إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإن شريعة الله- تبارك وتعالى- التي سددت خطى البشرية على الصراط المستقيم الذي يفضي إلى رضوان الله- تبارك وتعالى- وسعادة الدارين ، اعتنت عناية فائقة بالقلوب ، ومما تقرر في هذا الشأن أن صلاح الأحوال إنما يكون بصلاح الأعمال، وصلاح الأعمال إنما يتحقق بصلاح النوايا، والنوايا مقارها القلوب، ومن هنا اعتنت شريعة الله- عز وجل- بالقلوب ، لأنها البستان الذي هيأه الله- عز وجل- لنا لتجعل فيه كل ما يروقك منظراً بهجةً شماً لمساً غذاءاً نفعاً.

في القلوب معرفة الله- جل جلاله- التي تسبر محبة الله- جل جلاله- لأن من عرف الله أحبه ، في القلوب التعلق بالله الإنابة إلى الله التوكل على الله الرضى عن الله- جل جلاله- لأن الله عز وجل هو رب العالمين ، والرضى عن الله- تبارك وتعالى- من حيث إنه الرب- جل جلاله- هو الذي بيده تصاريف الأقدار، فما من شيء في هذا الوجود إلا وهو مبدعه- سبحانه وتعالى- هو الخافض الرافع ، هو المتصف بصفات الكمال ، المنزه عن صفات النقصان ، الرضى بالله- عز وجل- رباً ، يعني : أن ترضى به مقدراً للأقدار، مهما كانت هذه الأقدار، والرضى عن الله- تبارك وتعالى- رباً رضى عنه- سبحانه وتعالى- من حيث إنه هو الذي أنزل هذا التشريع الذي يصوغ حركة الإنسان فوق هذه الأرض ، فرضاك عن الله- عز وجل- من حيث الربوبية ، ورضاك عن الله- تبارك وتعالى- من حيث إنه المشرع ، هذا إذا استثبته في قلبك ، فلا بد لك مع هذه الحقائق من أن تعتني بالمقصد، لا بد لك من أن تسدد وجه قلبك إلى الله- جل جلاله- تطلب رضاه ، وتبتغي بأعمالك وجهه ، وهذا  الذي دفع علماء هذه الشريعة إلى أن يؤكدوا أن هناك حديثاً جاء عنه- صلى الله عليه وسلم- قال فيه الإمام أحمد: ليس في الأحاديث حديث أغنى وأعظم وأكثر نفعاً وعطاءاً من هذا الحديث!! الذي سنكون بين يديه هو الذي بدأ به البخاري صحيحه ، ذلك أن البخاري في الصحيح الجامع الذي ما أثبت فيه حديثاً إلا بعد ما صلى ركعتين ، واستخار الله- عز وجل- وذلك بعد البحث والتنقيب والفحص والتمحيص ، فاختار أحاديثه التي وضعها في صحيحه ،إنه بدأ كتابه بباب "كيف بدأ الوحي" وكان الحديث الأول هو الحديث الذي نحن بين يديه ، وختم صحيحه بباب "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة" وجاء بحديث بعد هذا الباب أو في هذا الباب يقول فيه: قال- صلى الله عليه وسلم- : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم) فكان في البداية رائعاً بل أروع من روعة!! وكان في الختام جامعاً  لما بدأ ذلك أن بين يديه ما جاءنا عن عمر بن الخطاب- رضي الله تبارك وتعالى عنه- الفاروق ، حيث لقبه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بأن الله- عز وجل- قد فرق به بين الحق والباطل ، ومن هنا أعداء الله- عز وجل- لا يطيقون ذكر اسم عمر!! لأنه الفاروق- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- !! كناه- عليه الصلاة والسلام- بأبي حفص لما رأى في شدته في دين الله- عز وجل- وقوته ، قال: سمعت الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول: (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) أو: كما قال- عليه الصلاة والسلام- والعلماء قرروا أنه حديث متواتر معنىً ، وفي التحقيق هو حديث مشهور، والحديث المتواتر- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هو الذي نقل إلينا عبر الجمع عن الجمع ، مما يؤمن معه تواطؤهم على الكذب ، الحديث هذا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قال ابن المهدي فيه: يدخل فيه ثلاثون مسألة فقهية من رؤوس المسائل ، وقال الشافعي هو الفقيه الراسخ الإمام المبجل- رضي الله تبارك وتعالى عنه- يدخل في هذا الحديث سبعون مسألة من مسائل الفقه الرئيسة!! وقد قرر العلماء وأجمعوا على أنه يعتبر ثلث الدين ، يقصدون بذلك أن شريعة الله- تبارك وتعالى- تقوم على أحاديث رئيسة ، وهذا من عظمة أحاديثه- عليه الصلاة والسلام- حيث إنه أوتي جوامع الكلم ! الحديث الذي نحن بين يديه" إنما الأعمال بالنيات " والحديث الذي روته عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق- رضي الله عنها- وعن أبيها "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، والحديث الثالث "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس".

وقد قال العلماء يوضحون هذا المعنى ، وإن كان هناك من ضم لهم حديثاً رابعاً ، فيه "من حسن إسلام المرئ تركه ما لا يعنيه" قالوا: لأن المسلم حيث عرف الله فأحبه ، وحيث أحبه أطاعه ، وأقبل على شريعته ، فالتزم بها ، فصاغ بها واقعه ، صاغ بها نفسه ظاهراً وباطناً ، الجوارح تعمل في طاعة الله- عز وجل- واللسان إنما يتحرك بطاعة الله- تبارك وتعالى- والقلب إنما هو دائم التوجه إلى الله- جل جلاله- ومن هنا وجدنا أنفسنا أن المسلم السعيد هو الذي عرف ما طلبه الله- عز وجل- منه ، وعرف ما نهاه الله- تبارك وتعالى- عنه ، أتدرون لماذا ؟؟ من أجل أن يلتزم شرع الله- عز وجل- والالتزام بشرع الله لا يقوم على جهل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-!! ومن هنا جاء الحديث الجامع الآخر الذي يقول فيه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- : (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)، ورواية في غير البخاري (وألهمه رشده) أو كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- لا بد للمسلم من أن يتعرف إلى المشتبهات التي تعرض له على أنها مشتبهات ، إذا كان يدريها فبها ونعمت ، وإلا فيرجع إلى أهل العلم والاختصاص بهذا الشأن ، لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام- حيث قال (لا يعلمهن كثير من الناس) ثم لا بد له أن يتقي المحاذير التي تبطل إيمانه ، والعياذ بالله ، أو تبطل أعماله ، والعياذ بالله- جل جلاله- " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أو كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ثم لا يتحقق عمل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ولايقبل عند الله- جل جلاله- إلا بالنية ، وهذا ما قرره العلماء.

تعالوا بنا إلى الفقرة الأولى من هذا الحديث العظيم الذي قاله- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- فأنار به حياة المسلمين ، في باطنهم وفي ظاهرهم ، أقول في باطنهم لأن النية محلها القلب ، والنية إنما هي أن تجرد المقصد تبتغي وجه الله- جل جلاله- القلب الذي لا يبتغي إلا وجه الله هو القلب المنور- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ونحن نعلم علماً أن هذا القلب المنور لا بد من أن ينضح على الجوارح، إذا رأيته ملتوياً في إسلامه! منافقاً كذاباً !! معنى ذلك أن قلبه مظلم ، وإذا رأيت جوارحه إنما هي معوجة عن الصراط، تفتك بهذه الأمة ، وتظلم هذه الأمة ، وتفتري على هذه الأمة، وتطغى على هذه الأمة ، معنى ذلك أن قلبه مظلم أيما ظلام.

النية مقرها القلب ، والرسول- عليه الصلاة والسلام- قد جاء بجمع يقابل جمعاً قال : " إنما الأعمال بالنيات " وقد قال العلماء إن هذا أسلوب قصر! ذلك أن " إنما " هذه الكلمة تعني القصر، وأقصد بالقصر أن ما بعدها يقصر على ما تأخر على ما بعدها أما قال ربنا- جل جلاله- "إنما الصدقات للفقراء والمساكين ..." ثم عددت الآية مصارف الزكاة " إنما الصدقات " ههنا بمعنى الزكاة ، فهي قاصرة على هذه المصارف ، إنما كلمة تفيد القصر في اللغة ، ثم جاءت كلمة " الأعمال " جمعاً معرفاً بأل ، وهذا يفيد الاستغراق بالنيات ، معنى ذلك أن كل عمل لا بد فيه من نية ، فالعمل الذي لا نية له إنما هو هباء، والعمل الذي لا إخلاص فيه إنما هو رياء ، والهباء لا ينفع- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أتصدقون هذا ؟ ينبغي أن نصدقه ، وكيف لا نصدقه والله- عز وجل- يقول في أولئك الذين قد عملوا بلا نيات ، أو بنيات فاسدة ! "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثورا" وقال : "مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد" أي: لا يحصدون على الإطلاق مما زرعوا في هذه الدنيا من أعمال !! ذلك بأن الأعمال التي زرعوها في هذه الدنيا لم تكن على نية خالصة صادقة يبتغون فيها- وجه الله عز وجل-.

سئل- عليه الصلاة والسلام- عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياءاً، أي هؤلاء في سبيل الله ؟ أنتم تلاحظون أن السائل إنما حصر الأمر فيمن يقاتل شجاعة ، أو يقاتل حمية ، أو يقاتل رياءاً، ذلك أن العصبية المقيتة! أن الظلم والطغيان والعدوان! لم يكن لها ذكر في تلك الميادين !! وإلا لو قالك وقاتل دفاعاً عن الظلم والظالمين؟ ما قالها ! لأن هناك معطيات في الحياة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لكن يمكن أن نتعرف إلى هذه المعطيات من مجموع ما جاء به شرع الله- عز وجل- في هذا الإطار، أما قال ربنا- جل جلاله- : "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" مجرد أن نقول الذين ظلموا ، فكيف بمن يقاتل إلى جانب الذين ظلموا، ويرسخ أركان الذين ظلموا، أجاب- عليه الصلاة والسلام- جواباً من أروع الأجوبة!! وكيف لا؟ وهو الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى ! كيف لا وهو الذي أوتي جوامع الكلم ! كان بالإمكان أن يقول: ولا واحد من هؤلاء في سبيل الله! يكون بذلك قد سلب من ذهن السائل أي ميدان من هذه الميادين التي ظن أن واحداً منها على الأقل هو في سبيل الله!! ما قال ذلك ، وإنما قال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " .

ومن هنا وجدنا أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أمام معطيات ! تعالوا بنا إلى أن نستحضر الآن موقفاً واحداً من المواقف في هذه الشريعة ،الذي يمكن أن يجتمع فيه مجموعة من النوايا الصالحة ، وهذا إنما نسلكه لنتبين عظمة هذه الشريعة التي بنت النفوس ، بنتها على أن القلب هو حديقة النفس ، وأن هذه الحديقة ينبغي أن تتفتح أزاهيرها لتعطر الأجواء سلوكاً ربانياً ! قولاً ربانياً! حركة جوارح ربانية! أخذاً وعطاءاً ربانيين! غضباً ورضاً ! من الربانية بمكان أنت في بيت من بيوت الله النية التي قدمت بها إلى بيت الله ، هل استحضرتها ؟ إذا كان قد استحضرتها فبها ونعمت ، حينما دخل المسجد دخل برجله اليمنى ، هل استحضرت أنك تحيي أو تطبق سنة من سننه- عليه الصلاة والسلام- ؟ دعوت الله- عز وجل- حينما دخلت وصليت على الحبيب- عليه الصلاة والسلام- وسألت الله- عز وجل- أن يفتح لك أبواب رحمته ، أنت في رحاب الله أيها المسلم ، يا من ضمتك جوانح بيت الله، بيت الله الذي قال فيه ربنا- جل جلاله- : "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" أنت في بيت من بيوت الله! النية ههنا تستحضر أنك زائر لله- عز وجل- إنك في بيته ،وحق على المزورأن يكرم زائره !!ومن أكرم من الله ؟؟هوأكرم الأكرمين- سبحانه وتعالى- " وحق على المزور أن يكرم زائره " وأنت في رحاب الكرم ، ففتح مسام القلب ، واستحضر، وضم نفسك إلى نفسك انقطع عن الشواغل خارج المسجد ، لا علاقة لك بكل ما يتعلق بما هو خارج المسجد، ضع الدنيا عند الأحذية التي وضعتها على باب المسجد، أقبل على الله بالكلية ، استحضر أنك في الرحمات ، أكثر من ذكر الله ، اقرأ شيئاً من كتاب الله- عز وجل- انو أن تعثر على أخ لك في الله في بيت الله ، هذا من الزاد الأخروي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- مر بالمعروف ، وانه عن المنكر، وأرشد- خاصة- إذا ما علمنا أنه لا بد أن نجد  في بيت من بيوت الله من يسيء الصلاة مثلاً، أو لا يتقن تلاوة كتاب الله- عز وجل- مثلاً ، ما دمت في بيت الله هنا تحضر في قلبك أنك تنتظر الصلاة ، أنت الآن تنتظر الصلاة ، من ظن أن انتظار الصلاة ليس من الرباط ، فقد بعد عن هديه- عليه الصلاة والسلام- أنت في الرباط ، لأنك تنتظر الصلاة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وأرجو مع التطويل الذي جله فارغ ألا يضيق صدرك بهذا التطويل ، لأنك في عبادة ، أنت بها مقبل على الله ، والملائكة تدعو لك ، هذا ما أثبته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- كم نية من نوايا الخير يمكن أن تتفتح في بساتين القلوب ، ونحن في عالم القلب اليوم ن نحن بحاجة ماسة إلى أن نصلح ما في القلوب يصلح الله- عز وجل- لنا ما وراء ذلك ، عليك أن تتقي أن يكون نظر الناس إليك ، هو الدافع لك على ما تأتي به أعمال وعبادات ، وهذا ما ألمعت إليه كلماته- عليه الصلاة والسلام- : " إنما الأعمال بالنيات " إذا ابتغى بالعبادة غير وجه الله- عز وجل- فلا ينبغي أن يعتز بهذه العبادة، إن لم يطارد بأنه قد ابتغى غير وجه الله- عز وجل- "...ابن آدم ! ما أنصفتني! خيري إليك نازل ، وأنا الغني عنك ! وشرك إلي صاعد، وأنت الفقير إلي ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إلي منك بعمل قبيح !! يا ابن آدم! ما أنصفتني خلقتك وتعبد غيري !! ورزقتك وتشكر غيري " هذا ما جاء في الأثر الإلهي- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- لاحظوا البيئة التي رباها- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- على الإخلاص

جاء في كتاب الله- عز وجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! فقرات قرآنية هي مدرسة ، هي منهج حياة ، هي صائغ من أروع الصواغ الذين إذا ما أذنت لهم أن يصوغوا باطنك ، ارتقى باطنك ، فإذا أنت مع ذلك الركب الذي وصفه أبو الحسن الندوي- رحمه الله تبارك وتعالى- في كتابه النفيس" ماذا خسر العالم من انحطاط المسلمين " حيث يتحدث عن باقة الزهر التي جمعها- عليه الصلاة والسلام- من أوضاع البشرية في عصره ، يحدثنا عن باقة الزهر التي نفحت الوجود كله بما استقته من قلبه- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- من حقائق، التوحيد يسري في دمائهم بدل الدماء ، وحب الله- تبارك وتعالى- إذ " كانوا أشد حباً لله " كانوا أشد حباً لما يحبه الله ، ولمن يحبه الله- جل جلاله- بل ، وكانوا أشد بغضاً لمن يبغضه الله ، وهذا جانب غفل عنه الكثيرون !! إذا كنت تدعي محبة الله كي يسلم أو تسلم لك دعواك ينبغي أن تبغض ما أبغضه الله "لا تجد قوماً يؤمنوا بالله واليوم الآخر يودون من حاد الله ورسوله"، فما باقة الزهرهذه ؟ سمعت قول الله- عز وجل- يبين أبعاد المجتمع في صورة مصغرة لكنها كبيرة ، مصغرة بكلمات قرآنية من حيث عددها ، ولكنها لوحة ربانية سماوية كونية بشرية "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" الشدة على الكافر، لأنه كافر، وهي من أنفس العبادات!! ، والرحمة على المؤمن من حيث إنه مؤمن ، وهي كذلك من أنفس العبادات "أشداء على الكفار رحماء بينهم" لم يقلبوا الآية- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ولم يعطلواتطبيقها ، لم يوجهوا بغضهم إلا لمن أبغضه الله ، وما علقوا حبهم إلا بمن أحبه الله "أشداء على الكفار رحماء بينهم" كيف ترى هؤلاء وحالهم  مع الله ، تراهم حيثما نظرت ، ولو كانوا في الطريق ، لأنهم كانوا يأخذون الصلاة معهم بأنوارها من المسجد، من أجل أن يعمروا بها الأسواق "...رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" هذا خارج المسجد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وهؤلاء "تراهم ركعاً سجداً" ركعوا فخضعوا، خضعوا فركعوا ، وهذا من آثار العبادة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إن الذي يركع أمام المصورين ، ولا يركع حيث يغيبون ، هو بنفسه أشد من إبليس خبثاً !! ما ركع إلا ليصور !!! الراكع هو الخاضع لله- عز وجل- الذي هيمنت على ذاته أنوار عظمة الله ، سمع الله يقول : "رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" ركع وهو يرى أنه يركع لملك الملوك !ومن لم يركع إلا أمام الناس هذا ما ركع ، كالذي يمسح على رأس يتيم ابتغاء رقة قلبه ، لكن الذي لا يستحضر أنه رأس يتيم كأنما يمسح على ثوب ، أوعلى جلد لا حياة فيه ! هذا ما مسح على رأس اليتيم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- !

العبادات كي تؤتي ثمارها : في تربيتنا ! في سلوكنا ! في تسديد خطواتنا! في تسديد مواقفنا ! في تسديد أقوالنا ! في دوام حضورنا مع الله- عز وجل- إنما هي التي نأتي بها على ما نظم شرع الله- عز وجل- التي هي ظاهرة وباطنة "تراهم ركعاً سجداً" والسجود ذكر- ههنا- خصوصاً ، ولم يقل قياماً ، قال: لأن السجود فيه أقرب ما يكون العبد من ربه، وقد قال فيهم : "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" هؤلاء  "يبتغون فضلاً من الله ورضوانا " لو وضعت خطاً تحت قول الله- عز وجل- "يبتغون" لعرفت كيف صاغت النية البواطن ! ماذا تبتغي يا ابن آدم؟ هل أحضرت في قلبك أنك تبتغي رضوان الله- عز وجل- ؟ أنك تبتغي فضلاً من الله ، لا من زيد، ولامن عمر!فلان يبتغي فضلاً من الأرض ، يبتغي فضلاً من القصر! يبتغي فضلاً من الوظيفة !هم " يبتغون فضلاً من الله " وحيث يسوق الله- عز وجل- في هذا الفضل سواء ساقه من غصن شجرة ، أو من بستان ، أو من قصر، أو نهر جار، أو من السوق ، فالله هو المتفضل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- هم حققوا التوحيد، لذلك قال الله- عز وجل- وهو أصدق القائلين "يبتغون فضلاً من الله ورضوانا" أما سمعت الأمر الذي توجه الله- عز وجل- به إلى الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ؟ وما المغزى الذي ساقه النص ، وفيه يقول- جل جلاله- :  "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم في الغداة والعشي يريدون وجهه" وأنت كم مرة أردت وجه الله ؟! أم أن إرادة وجه الله- عز وجل- إنما هو أمر، ووصف ذاتي ملازم للقلوب ! إذا كان لك قلب فما ينبغي أن تبتغي ! أو أن تريد إلا وجه الله- عز وجل- أما سمعت مدح الله- عز وجل- لأولئك الذين ينفقون ، للذين يطعمون الطعام ، أولئك الذين قال الله- عز وجل- فيهم "إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا* عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا" هم عباد الله ! وليسوا عباداً للشهوات ، هم عباد لله وليسوا عباداً للأهواء ، هم عباد لله وليسوا عباداً للدنيا ، ولا ولا للدرهم ، ولا للدينار، ولا للمناصب ، ولا لأي كون من هذا الكون الذي قد ثبت أنه زائل ، وأنه فان ، وأن الله هو- وحده- الباقي ! وحده- سبحانه- له البقاء ، و" كل شيء هالك إلا وجهه " قال فيهم : "يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا* يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه " على حب الله، حب الله غامرهم ! حب الله في خلاياهم ! لو أن الأمة قد بلغت مستوى من التحليل ، وتمكنت من أن تفكك مركبات الخلايا ، وجئنا بخلية من أولئك الموسومين الذين أثنى الله- عز وجل- عليهم ، لوجدنا أن هذه الخلية محشوة بخشية من الله- عز وجل- ومحشوة بمحبة الله ، وكل من خشية الله ومحبة الله ثمرة لمعرفة الله- جل جلاله- : " ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله" أبى الله- عز وجل- إلا أن يكشف لنا النوايا ، ويحددها، النوايا التي عمرت القلوب قلوب أولئك الذين يثني الله- عز وجل-  عليهم ، لعلنا نقتفي الآثار ، وما أرقاها !!.

تسديد التوجه إلى الله- عز وجل- هو موضوعنا ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! أما سمعت الله- تبارك وتعالى- يبين فرعاً من فروع البر الذي هو" لفظ " في اللغة ، لكنه يجمع كل أبعاد الشريعة "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وأتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين" إلى آخر الآية " آتى المال على حبه " يعني على حب الله- عز وجل- هو أحب الله- تبارك وتعالى- وهيهات لأي حب آخر دون حب الله- عز وجل- أن يطغى على حب الله- جل جلاله- غذا سكن في القلب ، وسكن به القلب !!.

من هنا وجدنا أنفسنا ، ونحن نسدد الخطى ، ونحن في بيت من بيوت الله ، نستحضر مجموعة من النوايا الطيبة ، وهذا لا ينحصر في مكثك في المسجد مع أنك نويت الاعتكاف في المسجد ما دمت فيه ، وبهذا الاعتكاف صنت الجوارح: عينك سمعك جوارحك ! كلها بعيدة عن المخالفات ! فلا غيبة ولا نميمة ولا كذب ولا دجل ، وأنتم بعيدون عن الدجل- إن شاء الله تبارك وتعالى- لا تدجلون ، ولا تحبون الدجاجلة ، مهما ظهروا ، وبأي قناع برزوا ، من هنا وأنت في بيت من بيوت الله- تعالى- إلى ما رآه أحد الصحابة رضي الله- تبارك وتعالى عنهم- رأى رجلاً في المسجد، وهو ساجد، ولعل هذا يقل- اليوم- كثيراً!! أبو أمامة رأى رجلاً ساجداً يبكي ! مشهد خاشع ! فماذا قال له: أنت أنت ، لو كان هذا في بيتك ، خشي عليه الرياء ، أنت أنت!! تحذير أنت أنت!! تنبيه أنت أنت ! لو كان هذا في بيتك ، لو كان في بيته بينه وبين الله، ويبكي ، هذا يدخل في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " سجل هذه الصورة ، لا تلحق بالغادرين لقاعة الدنيا قبل أن تسجلها ، إن لم تبك فتباك ! تبكبك على أعتاب الله- تبارك وتعالى- لا يردك الله- عز وجل- إذا أقبلت عليه ! رقق قلبك استحضر الذنوب ، وإن لم يكن لديك ذنوب ، وهذا بعيد، أو شبه بعيد ، فعليك أن تستحضر تقصيرك في حق الله- عز وجل- .

عمر- رضي الله عنه- رأى شاباً خاشعاً ، لكن صورة الخشوع- ههنا- تبدت في رقبته ! أحنى رقبته، وهو خاشع لله- عز وجل- عمر- رضي الله عنه- ما يتركها ، هو تربية الرسول- عليه الصلاة والسلام- بل هو تربية الشريعة التي نحن بين يديها اليوم ، تربية أن الباطن إنما هو الذي يجمع الحقائق ، قد تكون صلة بين الظاهر والباطن ، ولكن ليست هذه الصورة التي رآها عمر! قال:" يا صاحب الرقبة! ارفع رقبتك ، فإن الخشوع ليس في الرقاب " الخشوع في القلوب ، أو كما قال- رضي الله تبارك وتعالى عنه- .

أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! أرأيت إلى ذلك الذي معه كيس كبير أعطيه من أجل أن يجمع فيه ما يحتاج إليه ، لم قال؟ لأنه نازل إلى السوق ، وهو يحتاج إلى أن يشتري ما يحتاج إليه من حاجات ، أعطي الكيس ، وأخذ يجمع فيه ، حمل الكيس بعد ما ملأه ، ونزل إلى السوق ، وقف واشترى وفتح الكيس من أجل أن يدفع الثمن!! أتدرون ماذا في الكيس؟ في الكيس حصى- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ربك رحيم كان البائع حليماً ! وإلا لحاسبه بتلك الحصى ، ولقال له : أتسخر مني؟ أتسخر من البائع ؟ وأنت تأتيه بالحصى تريد أن تشتري منه ؟؟ هذا حال من ظلت أعماله دونما نوايا ، أو كثرت أعماله ، وقد بناها على الرياء والنفاق والدجل ، يريد الدنيا! يريد الجاه! ولذلك يقول إبراهيم بن أدهم- رحمه الله تبارك وتعالى- ما أخلص لله- عز وجل- عبداً أراد الشهرة!! ما أخلص لله- عز وجل- عبداً أراد الشهرة!! في المقابل حيث يعمر القلب بالنوايا الصالحة ، والأصل- ههنا- أن نعاهد الله- عز وجل- كل منا فيما بينه وبين الله أن يفعل ، أن يفجر كل نواياه ، دعك من أن يفجر هذه ، لأنه قد يكون تفجيراً ظالماً مدسوساً مغشوشاً يفجر في ذاته كل النوايا الصالحة.

مرذلك الصالح في عام مجاعة على كثبان رملية ، أتدرون ما الذي خطر بباله- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قال: اللهم إني نويت ، لو كانت هذه الكثبان طعاماً لوزعته على الفقراء! على عبادك الفقراء! نية عجيبة ، مجاعة وكثبان رملية ، لو كانت هذه الكثبان طعاماً لوزعتها على عبيدك الفقراء ، وينزل الوحي على نبي هذا الشاب الذي نوى هذه النية أن أخبره أن الله- عز وجل- قد قبل منه صدقته ، وحسن نيته ، وأنه سجلها له في ديوان الصدقات.

تاجر- من هذه الأمة- جمع القمح ليبيعه عند الحاجة إليه ، وربما انطلق في نيته ألا يأتي الغيث هذا العام ، فيرتفع سعر القمح ، وهو على هذا مخازنه ممتلئة بالقمح ، وقد عمر ما عمر من الخيالات والأحلام التي تكدست بها أوراق مالية جمعها من الأرباح الطائلة ، إذا به- يوماً- يلتفت إلى الأفق في أواسط الخريف أو أواخر الخريف فرأى سحباً قادمة ، هو الغيم المبشر بعام خير ، هو من مظاهر رحمة الله- عز وجل- للعباد، قال فضاق صدره ضاق صدره! لأن السماء ستعطي عطاءها! أتدرون ماذا حدث بعد هذا؟ رجع إلى بيته ، وأطلت اليقظة على ىفاق قلبه ،اليقظة  أنارت جوارحه كل الإنارة ، أنا ماذا فعلت بنفسي؟!! كرهت الغيم أو السحاب الذي يغيث الله- عز وجل- به العبادن لأني أريد أن أربح!! أشهدك يا رب! أن كل قمحي في سبيلك ، ووزع كل قمحه- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- " من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله- عز وجل- له حسنة " أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين فقد قال جل جلاله""يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

أخبرنا الله- عز وجل- في كتابه الذي هو منهج الحياة لهذه الأمة ، الكتاب الذي يحرص أعداء الله- عز وجل- على أن تنسلخ هذه الأمة عنه ، وبمظاهر عمل أعداء الله- عز وجل- التي نشاهدها صارخة في كثير من ربوع الأمة !! لتنسلخ هذه الأمة عن كتاب الله ، ومن المظاهر أن الذي يحفظ كتاب الله- عز وجل- إنما يوضع في قارورة ، ويغلق عليه زجاجتها ، كتاب الله أنزل الله- عز وجل- فيه حال أصحاب الجنة ، أبوهم زرع بستاناً ، وكان شأنه مع الفقراء شأن عظيم ، إذ إنه كان يعطي الفقراء الكثير الكثير من عطاء البستان الذي هو عطاء الله- عز وجل- في الحقيقة ، كان يأخذ قوت عامه لأهله ، ثم بعد ذلك يوزع بقية الثمرات على الفقراء والمساكين ، توفي ذلك الرجل الصالح الأب ، وجاء أبناؤه الثلاثة ، واحد منهم كان فيما ألمحت إليه الآيات خيراً، لكنهم اتفقوا ، وهذا على رغم هذا الصالح أن يمنعوا المساكين الحق ، قالوا: لقد كثر الأولاد، وقل المال، قل المال وكثر الأولاد ولا ينبغي أن نسير في البستان سيرة أبينا ، ينبغي أن يضبطوا العطاء، الأصل ينبغي أن يجتهدوا إذا كان أبوهم إنما يقتطع قوت عامه ، فهم لو أنهم كانوا أرقى لاقتطعوا نصف العام ،  أخبر الله- عز وجل- عنهم أنهم نووا نية جازمة أن يمنعوا الفقراء من حصيلة البستان !! يقول الله- عز وجل- "إنّا بلوناهم" أي: أهل مكة ، وذلك لما أوقع الله- عز وجل- بهم ما أوقع من الجدب ، حيث دعا- عليه الصلاة والسلام- عليهم ، لأنهم تمردوا وطغوا، فقال : (اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف ) عليه الصلاة والسلام "إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة * إذ أقسموا ليصرمونها مصبحين * ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم * فتنادوا مصبحين * أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين * فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا على حردٍ قادرين * فلما رأوها قالوا إنا لضالون * بل نحن محرومون * قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون * قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين * وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها  إنا إلى ربنا راغبون" هم رغبواإلى المال عن الله- عز وجل- فمحق الله- عز وجل- ثروتهم ، هم أقسموا على أن يقطفوا القطاف في غفلة من الفقراء والمساكين ، هم ظنوا أن الله لا يسمع سرهم ونجواهم !! ولذلك جاء عن قتادة- رضي الله تبارك وتعالى عنه- أن العبد إذا راءى بعمله ، يعني عمل للناس ، حسن صلاته للناس ، أو وقف ليصلي للناس ، أعطى للناس ، رأى عيون الناس ، ولم ير بصر الله- تبارك وتعالى- أسمع الناس كلاماً أراد به أن يقربه  إلى قلوبهم ، وما أقام اعتباراً ، لا لسمع الله ! ولا لبصر الله- عز وجل- !! إن العبد إذا راءى بعمله قال الله- عز وجل- لملائكته : "انظروا إلى عبدي كيف يستهزىء بي"

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

ربنا أتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، ربنا تقبل منا ما كان صالحاً وأصلح منا ما كان فاسداً واصلح فساد قلوبنا بما أصلحت به عبادك الصالحين ربنا تقبل منا وأعطنا واعفوا عنا وسامحنا واحفظنا واكلئنا بكلاءتك وارعنا برعايتك.

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين سبحانك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، وأقم الصلاة.