400 - في ضم الجلال إلى الجمال في التصور
خطبة الجمعة    400 - في ضم الجلال إلى الجمال في التصور
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله- تعالى- وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله- جل جلاله- يقول:"يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

غرقت الأرض بالفساد حيث أمسى التصور تصورات شائهة ، إذ لم تبق على ما جاء به الرسل- عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- إذ جاؤوا بما يتعلق بمعرفة الله- عز وجل- على الوجه الصحيح ، كذلك فساد في الأخلاق والسلوك ! شريعة غاب ! وربما نزهنا شريعة الغاب في بعض الأحوال عن مثل ما كان بين بني آدم ! وشاء الله- تبارك وتعالى- أن ينقذ البشرية قاطبة ، فبعث لها من اصطفاه واختاره ، بعث لها من استكمل الله- عز وجل- له كمالاته البشرية ، فإذا به الطيب المطيب الصادق المصدوق ، ذو القلب المبرأ من كل دنس ، وذوالسلوك النظيف الذي لا يعرف هفوة ! ولا كبوة ! بعث- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وبعثته كانت عالمية ، ليست قاصرة على العرب وحدهم ، ولو كان منهم- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- .

وقد قال ربنا- جل جلاله- في وصف النبي- عليه الصلاة والسلام- بأخص أوصافه قال- سبحانه وتعالى- في بيان عالمية الدعوة ، وقال ربنا- جل جلاله- يبين أنه هو المرسل له- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- قال : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" أجل يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ! أرسل رحمة للعالمين ، والناس يقولون: إن رحمة الله واسعة ، وهذا القول له حقيقة صادقة ، قد بلغت أقصى الصدق ! صحيح إن رحمة الله- عز وجل- واسعة ، فما الذي ينبغي أن نقوله أمام رحمة الله الواسعة ؟ هناك مجموعة من الأحكام ، مجموعة من الحقائق ينبغي ألا تغيب- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- عن أفكار المسلمين ، ولا عن سلوكهم.

يقول الحسن البصري- رضي الله تبارك وتعالى عنه- : إن ناساً غرتهم أماني المغفرة فخرجوا من هذه الدنيا ولم يعملوا خيراً، وقالوا: سيغفر لنا، كذبوا لو أحسنوا الظن بالله- عز وجل- لأحسنوا العمل . ويفهم من هذا أن الذي يحسن الظن بالله- عز وجل- عليه أن يواكب حسن الظن بالله- تبارك وتعالى- هذا بالالتزام بما جاء به شرع الله- تبارك وتعالى- وإذا ما استمعنا إلى بعض الآيات القرآنية ، وإذا ما وقفنا أمام بعض الحقائق التي تناولتها الأحاديث ، وجدنا أنفسنا أمام آيات قد حددت أسباب استنزال رحمة الله ، وقبل ذلك أقول: إن الذين يحملون العرش أخبرنا الله- عز وجل- عنهم ، وعن تضرعاتهم ، فقال : "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم" ثم يقولون "...وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم"

ما يحتاج النص- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إلى إضاءة ، لأنه مضيء كالشمس " فاغفر" بعدما بينوا أن رحمة الله وسعت كل شيء ، وحيث بلغ علم الله بالمكونات بلغت رحمته "وسعت كل شيء رحمة وعلما" وعلم الله- عز وجل- تعلق بكل الموجودات ، وعلى هذا قالوا "فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك" فمن أجرم فوق هذه الأرض ظناً أن الله رحمن رحيم ! من أفسد في هذه الأرض انطلاقاً من أن الله غفور رحيم ! فقد أخطأ خطأً فاحشاً في حق نفسه ، إذ ألقى بيديه إلى التهلكة الحقيقية ، إذالملائكة أعرف منا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بما يتعلق بجلال الله- تبارك وتعالى- وبرحمة الله- تبارك وتعالى- هم يعلمون أن سعة الرحمة لا تعني على الإطلاق أن يدخل في رحمة الله المجرمون ، إذ إنهم أعرضوا عن أسبابها ، وسلكوا مسالك المطرودين منها بإجرامهم!

الملحد! كيف أنكر وجود الله- عز وجل- ويدخل في رحمة الله ! المشرك ! كيف يدخل في رحمة الله- تبارك وتعالى- وقد جعل مع الله آلهة كثيرين يعبدهم من دون الله- تبارك وتعالى- المفسد في الأرض ! الذي ملأ الأرض فساداً! كيف يدخل في رحمة الله- تبارك وتعالى- ؟ ولذلك قصرالملائكة طلب المغفرة على التائبين ، والذين التزموا شرع الله- تعالى- قالوا :  "...فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك" لم يقتصر دعاء الملائكة حملة العرش على أن سألوا الله- عز وجل- المغفرة "للذين تابوا" وإنما بينوا أن الذين تابوا عليهم مع تحقيق التوبة أن يتبعوا سبيل الله ، وسبيل الله الإسلام ، كتاب الله- عز وجل- وسنة المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وقد قدموا بين يدي هذا القصرذكر سعة رحمته- تعالى- احتراساً عما يمكن أن يخطر بالبال من أن رحمة الله قاصرة ، لا تسع الجميع ! وتحقيق أنها واسعة ، لكنهم أبوها ، وأعرضوا عنها !!!، وقد جاءت آيات تتناول التسبب باستنزال الرحمة ، قال- تعالى- : "وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" الذي يسمع كلام الله ثم يلغط مشاغباً عليه! الذي يسمع كلام الله ثم يجعل من آياته هزوا ، يقول هابيل قتل قابيل ! يستشهد بذلك على أن موقفه إنما هو موقف راق ، قد حدده كتاب الله- عز وجل- ولعله تحرك لسانه بما هو الحقيقة ، حيث اتهم هابيل بأنه يقتل قابيل مع أن الحقيقة في كتاب الله هي أن قابيل هو الذي قتل هابيل !! هم المجرمون- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أخطأ لكن الخطأ منه كان درساً.

أما قال ربنا- جل جلاله- "وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" أليست الآية أوضح من الشمس "وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" لم يطع الله حيث تبنى منهجاً غير منهج الله- جل جلاله- ولم يطع الرسول لأنه أقل ما يقال في حقه أنه قد هاجم أصحاب الرسول الذين بلغوا دين الله- عز وجل- إلى مشارق الأرض ومغاربها! وأطيعوا الله والرسول ،لكنه حطم السنة كلها وحطم أحكام شريعة الله- عز وجل- كلها

والله- عز وجل- يقول "وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" أيجوز يا ترى من حيث الفقه التفسيري أن يقال واعصوا الله والرسول لعلكم ترحمون !! لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! إذا كان السلوك يعني أنه عصى الله وعصى الرسول ثم يستنزل رحمة الله- عز وجل- فقد باء بشر العواقب ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام !.

"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله" من يرحم الله- عز وجل- ههنا ؟ الذين اتصفوا بهذه الصفات ! إذن حينما نقول رحمة الله واسعة ينبغي أن نقف قليلاً أمام هذا المعنى لئلا نأخذ المعنى بالصورة المقلوبة والعياذ بالله- تبارك وتعالى- هؤلاء حققوا الإيمان ، وحققوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أيجوز- يا ترى- هنا أن نقول إن الكافرين والكافرات الذين أمروا المنكر ونهوا عن المعروف وعصوا الله والرسول أولئك سيرحمهم الله؟! اسم الإشارة هنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام  في الآية يرجع إلى المشار إليهم ، لا من حيث الذوات ، وإنما من حيث الصفات ، لم يذكر فلان وفلانة ، وإنما ذكر المؤمنون والمؤمنات "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" هذا حال المجتمع الرباني- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- !. مجتمع متراحم ، مجتمع متعاون، متعاون على ماذا ؟ متعاون لا على الإثم والعدوان، إذا تعاون أناس على الإثم والعدوان ، ثم ظنوا أنهم في سعة رحمة الله- عز وجل- فقد خسروا، ونحن حينما نقول ذلك نقوله من أجل أننا لما نرحل بعد إلى الآخرة ، حيث يستحيل التصويب ، ولا تتأتى المراجعة !!هناك الحساب !!.

من هنا يأتي قول الله- عز وجل- "ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون" يقول مصطفى صادق الرافعي: كلام الله- عز وجل- كل كلمة في مكانها ، لا يمكن لهذه الكلمة إذا ما أخرجت من مكانها ، وبقيت في لسان العرب ، أن تؤدي المعنى الذي تؤديه الكلمة القرآنية ، وهذا من مظاهر إعجاز كتاب الله- تبارك وتعالى- "ألم يأنِ" عتاب- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ! "ألم يأنِ" تقبيح وتبكيت ، عتاب وتفتيت!! كيف ؟ قال: عتاب لهذه الأمة "ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " وتبكيت للذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم ، أبعد القلوب عن الله- عز وجل- القلب القاسي ، وينبغي أن نتعرف إلى ما مظاهر القلب القاسي ؟ من هو صاحب القلب القاسي يا ترى ؟ من أجل ألا يقع في وهم من الأوهام التي حينما يخرج منها يجد نفسه غداً في غمرات سوء العاقبة ! بين يدي سوء العاقبة "ألم يأنِ" جاء التعبير "ألم يأنِ" هنا الجواب بداهة : أنينا يا رب ! ذلك أن الآن والآن والآن يعني اللحظة التي أنت فيها ، وحيث هي لك ، وليس لك اللحظة القادمة ، معنى ذلك أنه ينبغي " الآن " أن يخشع قلبك لذكر الله "ألم يأنِ" الآن ، وليس صلاة العصر! الآن وليس حينما يجتمع المجتمعون في مكان ما من الأمكنة !.

وقال : " تخشع قلوبهم " ولم يقل تخشع أبدانهم ! ونحن نراهم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- جسد خاشع! وقد فرق العلماء بين خشوع الجسد وخشوع القلب ، ما قال ربنا- تبارك وتعالى- "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع" جسومهم "لذكر الله" وإنما قال "أن تخشع قلوبهم" ما الفرق ؟ خشوع القلب هو امتلاء القلب باستحضار جلال الله- جل جلاله- !!.

وقد جاءنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ليعرفنا إلى الله المعرفة الكاملة ، وكل منا يأخذ نصيبه من هذه المعرفة ، ربنا- جل جلاله- ذو الجلال والإكرام ،قال : "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم" من أخذ الشق الأول ، وغفل عن الثاني ، وأعرض عنه ، وأهمله ! ضل تصوره "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم" خشوع البدن: هو خشوع الرياء والنفاق- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لما رأى عمر- رضي الله عنه- من يصلي ، وقد لوى عنقه ، قال: إن الخشوع في القلب لا في الرقاب !! .

الفتوى المهمة- كان بذهني- أن أتوجه بها لأسأل حضرة المصطفى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أقول فيها : لقد نقل عنك يا رسول الله! أنك قلت: من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله- عز وجل- يوم القيامة،يقول لله- تعالى-  سل من قتلني يارب ! لم قتلني ؟!! إذا كان من قتل العصفور- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وقد أحل للصيد،يوقف للسؤال !! هل- يا ترى- أحلت الأطفال للصيد؟! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! هل أحل الشباب للصيد؟! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! هل الذين اصطادونا اليوم قد تدربوا على صيد الأرواح المسلمة؟؟ ما أفجر هؤلاء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام!! وما أكثر فسادهم! إذا ما انتشر الفساد فعدنا إلى الجاهلية قبل البعثة معنى ذلك أننا قد قصرنا تقصيراً فاحشاً في حق بناء المجتمع المسلم !.

بلغنا عنك- يا رسول الله- أنك قلت:" دخلت امرأة النار في هرة، حبستها فلم تطعمها ، ولم تطلقها لتأكل من خشاش الأرض " هي هرة !! أيمكن أن نسأل هل حصار المؤمنين- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لا يحاسب عليه المحاصر ؟؟هل الذين يحاصرونهم يعفى عنهم، الذين يحاصرونهم فهموا أن الحديث في هرة ، ولم يقل في إنسان !! ما أغبى هؤلاء !! إذا كانت امرأة دخلت النار في هرة ، فما مصير اولئك الذين يحاصرون الناس- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من غير ما حق ، يحاصرونهم طغياناً وجبروتاً وفرعونية ! نحن بحاجة إلى أن نعيد- لا أقول النظر في إن رحمة الله واسعة ، لأنه حق ، معناه صحيح سليم ، أقرته شريعة الله ، وإنما نحن بحاجة إلى أن نصطحب معنا كيف نفهم أبعاد سعة رحمة الله- عز وجل- .

يمكن أن أسأل- أيضاً- بلغنا عنك يا رسول الله ! أنك ذكرت أن رجلاً أنهكه العطش ، فنزل بئراً شرب ، وصعد ، فوجد على فوهة البئر" كلباً يلهث عطشاً " يكاد يلحس الثرى- أي التراب- من العطش !! قال :قد بلغ بهذا ما بلغ بي ! أي بلغ العطش بهذا الكلب ما بلغ مني ، نزل فملأ خفه بالماء ، وضعه في فيه ، ثم صعد فسقى الكلب !! شكر الله- عز وجل- له ، فغفر له، سقى كلباً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لم يسق إنساناً عطشان ! ولم يقطع الماء عن إنسان ، ولم يقطع الماء عن حيوان ، ولم يفترعلى أحد ، ولم يعتد على إنسان ولا حيوان ولا نبات !! وإنما سقى كلباً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لماذا ساق لنا- عليه الصلاة والسلام- ؟؟ هذا سؤال يبقى مطروحاً دونما إجابة ، لأن الإجابة واضحة ، لماذا ساق لنا ذلك ؟؟؟ .

جاء مرة- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- إلى ساحة من ساحات أولئك الذين أتاهم يبلغهم دين الله- عز وجل- يقول من نقل : رأيت راية ! قلت لمن هذه؟ قالوا: هذه للرسول- عليه الصلاة والسلام- جئته ، وإذا به قد مد له بساط ، فجلس عليه ، وحوله أصحابه- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- وكان يحدثهم عن الأسقام ! ومما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- : إن المؤمن إذا ما أصابه سقم ، فأعفاه الله- عز وجل- منه كان مغفرة لذنبه ، وموعظة لما هو مستقبل من أيامه ،

وأما المنافق إذا أصابه السقم ، ثم أعفي منه ، كان مثاله مثال البعير، يحبسه أهله ثم يطلقونه ! فما يدري لم حبسوه ؟ ولم أطلقوه؟ وبينما هو يحدث إذ جاء رجل ، عليه رداء ، وفيه شيء ، جلس ، قال يا رسول الله! لما علمت جئتك ، وبينما أنا في الطريق مررت على شجرة ، فسمعت أصوات أفراخ لعصفور! فاستنزلت الأفراخ ووضعتها في ردائي ، وإذا بأم الأفراخ تعرش فوق رأسي تأبى أن تتركني أمضي بأفراخها !! ففتحت لها الكساء ، فنزلت تضم أفراخها إليها ، فأخذت الجميع ، وها هم أولاء في كسائي ، أتى بالأفراخ والأم معاً مصادرة كاملة!! قال: أطلقها ، أطلق الفراخ فوقعت على الأرض ، وأبت الأم أن تغادر! لأن الفراخ لا تقدر على أن تغادر! فقال- عليه الصلاة والسلام- : ارجع بها إلى مكانها ، وضعها فيه ، وقال للصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- يحدثهم عن قراءة كونية لهذا المشهد الرباني : عجبتم لرحم أم الأفراخ أفراخها ! عجبتم لشدة رحمة أم الأفراخ أفراخها ! الذي لا يأسى- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لما يقع في بلاد المسلمين معنى ذلك أنه من أصحاب القلوب القاسية ، من أصحاب القلوب الصخرية ، من أصحاب قلوب اليهود الذين قال الله- عز وجل- فيهم "...ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" وقال العلماء : القلب الرحيم هو القلب الذي يرق لآلام الناس ، ولا يكتفي لأن يرق لآلام الناس ، وإنما يسعى لإزالة هذه الالآم، أن أرق لآلام الناس ، وبإمكاني أن أزيح هذه الآلام عن المتألمين ، معنى ذلك أنها الرحمة الكاذبة، ويرق القلب الرحيم أيضاً عن الخاطئين المخطئين ، يود لهم لو اهتدوا إلى الصراط المستقيم ، ورجعوا إلى رحاب الرحمن الرحيم- سبحانه وتعالى- بعد ما سألهم- عليه الصلاة والسلام- وقالوا: نعم يا رسول الله ! قال: " والذي بعثني بالحق لله- عز وجل- أرحم بعباده من أم الأفراخ بأفراخها " أم من الطيور، فكيف بأم من البشر !! وقد وزعت الرحمة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- على الأحياء من إنسان وحيوانات ، ظني أن الحيوان مهما تمرد على القيم ، فإنه لن يخلع الرحمة الفطرية في قلبه ! أقسى الحيوانات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- يبقى في قلوبها معنى الرحمة ، وربما سيق لنا أفلاماً من أدق الأفلام ، تبين رحمة اللبؤة رحمة الأسد، وهو حيوان حقيقي ، وليس حيوانا رمزياً !! الخطورة ههنا أن الإنسان وهو المكلف بأن يستوعب من رحمات الله- عز وجل- ما يستوعب ، وأن يسلك مسلكه في الحياة على أنه قد اقتبس من ألوان قول الله- عز وجل- "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فإذا بقلبه أشد من الصخر صلابة ! لا ينبض بقطرة!  يابس قلبه ! يابس القلب معفن ، قلب منتن !!! الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- لما قرر هذه الحقيقة ، وجدنا أنفسنا أمام قواف تجسد مشهداً مثيراً!!وتحكي قصة رمزية لعلي قلتها أكثر من مرة ، هي تحكي عمق الرحمة في قلب الأم ! وكأنما نذكرها من أجل أن نستحضر ألنا مثل هذه الرحمة ياترى ؟ قال- عليه الصلاة والسلام- : لن تؤمنوا حتى ترحموا، قالوا: يا رسول الله! كلنا رحيم ، قال ليس بذاك ، رحمة العامة " أأرحم المصاب إذا كان من بلدي ، ولا أرحم المصاب إن كان من غير بلدي ، الرحمة الإنسانية ، إنما جاء بها شرع الله ! قال: ليس بذاك ، وإنما رحمة العامة ، أن ترحم كل المعذبين في الأرض ، كل المضطهدين في الأرض ، وأن تقف الموقف الذي وقفه من قص الله- عز وجل- علينا قصته في سورة الكهف ، لكن بعد أن نسوق ما قال ذلك الشاعر:

أغرى امرؤ يوماً غلاماً جاهلاً                بنقوده كيما ينال به الوطر

قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى                   ولك الجواهر واللآلئ والدرر

فمضى وأغمد خنجراً في صدرها            والقلب أخرجه وعاد على الأثر

لكنه من فرط سرعته هوى                   فتدحرج القلب المقطع إذ عثر

ناداه قلب الأم وهو معفر                      ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر

فكأن هذا الصوت رغم حنوه                  غضب السماء على الغلام قد انهمر

وارتد نحو القلب يغسله بما                    فاضت به العينان من سيل العبر

ودرى فظيع جناية لم يجنها                   ولد سواه منذ تاريخ البشر

ويقول يا قلب انتقم مني ولا                   تغفر فإن جريمتي لا تغتفر

واستل خنجره ليطعن قلبه                     طعناً ليكون عبرة لمن اعتبر

ناداه قلب الأم كف يدا                         ولا تذبح فؤادي مرتين على الأثر

هذا المشهد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ينقلنا إلى مشهد حقيقي ، فيه أن ثدياً  لامرأة كانت تلتقط الأطفال في السبي لترضعهم ، وقد بلغنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من أخبار قضية الرضاعة ما التعبير ما يدمي القلب، القلب فيه دم إلا إذا لم يكن فيه دم ، ولذافيه ما يفتت الأكباد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لما رأى- عليه الصلاة والسلام- هذا المشهد، قال للصحابة يريد أن يملأ صدورهم حناناً ورحمة ورأفة :" أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! وهي تقدر على ألا تطرحه ، قال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها " أو كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ولكن كما قلنا ينبغي أن نأخذ الجلال مع الجمال ، ينبغي أن نأخذ "تبت يدا أبي لهب وتب"و"سيصلى ناراً ذات لهب" مع سعة مغفرة الله- عز وجل- لعباده الذين أساؤوا ، فرجعوا فقبلهم الله- سبحانه وتعالى- وإلا لولا الجلال لما قال ربنا "سيصلى ناراً ذات لهب" أبو لهب وقف في وجه الدعوة إلى الله ، وقال للرسول- عليه الصلاة والسلام- تباً لك ! ألهذا جمعتنا ؟؟ فأنزل الله- عز وجل- "تبت يدا أبي لهب وتب".

المسلمون قاطبة متراحمون ، والتراحم: يعني أن تتعاون كل أعضاء البدن على الخير، ودفع الشر ، لأنهم يمثلون جسداً واحداً، التعاون على الخير! والتعاون على درء الشر، واجتثاث الفساد، أما قال ربنا- جل جلاله- : "...ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد* وإذا قيل له اتق الله" لو افترضنا أن مجموعة من الناس وقفوا في وجه هذا المفسد الفاسد المهلك للحياة كلها بكل صورها "اتق الله" الجواب من القرآن من هذه الشخصية الطاغية ، يحدد حال المنصوح "أخذته العزة بالإثم" ما الجواب؟ فما العاقبة ؟؟  جلال "فحسبه جهنم ولبئس المهاد" وقف ذلك الرجل موقفاً عجيباً قصه الله- عز وجل- علينا أتدرون لماذا قصه علينا ؟.

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على رسول الله، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه فقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

قافلة على الطريق ، والفضيل بن عياض كان يقطع الطريق ، فسمع بعضهم يقول لبعض: عليكم أن تنحازوا إلى هذه القرية القريبة منا ، لأنه بلغنا أنه هناك رجلا يقطع الطريق ، ويسمى الفضيل بن عياض ، ووقع القول في أذنه ! بل في أذن قلبه ، كان يعلم أن ما يقوم به ليس بصواب ، بل كان خطأ كل الخطأ ، ولكن شاء الله- عز وجل- أن يفتح قفل قلبه لهذه الكلمة !: انحازوا إلى القرية القريبة فإن رجلاً يقطع الطريق يقال له الفضيل بن عياض !! هزته الكلمة ! وهذا شأن من هو سعيد عند الله ! هذا شأن من ينحاش إلى الرحمة ، فتسعه رحمة الله- تبارك وتعالى- أقبل على القافلة ، وقال: يا معشر القوم! أنا الفضيل بن عياض ، وأشهدكم أني لن أقصر في جهد- بعد الساعة- في الإقبال على الله ! تاب إلى الله- عز وجل- الفضيل بن عياض ،ومما كان من شأنه بعد ذلك أنه كان وهو يقرأ القرآن ، فقرأ آية في سورة محمد- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم" فأخذ يشهق ، وهو يقول: يا ربي! ونبلوا أخباركم ! أتبلوا أخبارنا ، وهل هناك سوى الفضيحة إذا ما بلوت أخبارنا ،وحقق التوبة ، فصار بها علما عبر السنين !!أجل ! تاب إلى الله- عز وجل- وصار يجلس في مجالس الوعظ والإرشاد !! وقد ذكر في أمهات الكتب التي تناولت الفضلاء ،  فهو في صفة الصفوة ، وفي حلة الأولياء ، ومن لم يسمع بالفضيل بن عياض رحمه الله- تبارك وتعالى عنه- من الأجيال اللحقة ، وما كان يكون لو بقي قاطع طريق !!!.

مر ذو القرنين كما في سورة الكهف ، ومن السنة أن تقرأ كل جمعة ، مر على قوم فإذا بهم يقولون : " يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا" ما أظن أن ذا القرنين سيقول سنبحث نفكر نفتش نستقصي !! ما قال هذا ، بل "قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة" على معنى لا يريد الأجر الذي رصدوه له على أن يبني سدا بينهم وبين المفسدين ، الذين كانوا من مظاهر إفسادهم أنهم يأكلون البشر! لون من ألوان الافتراء على الله- عز وجل- أحياناً الفاحش المتفحش يريد أن يزرع القلوب رعباً منه في قلوب الناس ! فيأكل العضد، يقطع يد الإنسان ويأكلها ، ومن إفسادهم القتل الذريع بلا حساب ، ومن إفسادهم نهب الأموال- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- جاء وصفهم جامعاً لكل أبعاد الفساد! "إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض" ثم سأل المستضعون ذا القرنين أن يجعل حاجزاً بينهم وبين هؤلاء المفسدين ، فإذا به يقول ما أعطاني الله- عز وجل- من السلطان ، ومن القوة ، ومن المال ، يكفي !! أنا لا يريد الأجر الذي رصدتموه ، ثم أعملهم في مشروع السد، وأخذ يوجههم ، وهو المشرف على بناء السد،ثم بعدما انتهى- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وبان له أن السدمحكم ، لا يمكن يأجوج ومأجوج ، لا من تسوره ، ولا من نقبه ، إذا به يقول : " هذا رحمة من ربي " ألا ترى معي بأن الأمة اليوم لو كانت على منهاج ذي القرنين الذي أثنى الله- عز وجل عليه- لقالت لأي مشروع من المشاريع ، يحجز بين المفسد وإفساده ، بين القاتل ومقتوله ، بين المظلوم وظالمه " هذا رحمة من ربي " ثم بين أن هذا السد له أمد، أمده إذا ما جاء الوقت الذي قدره الله- عز وجل- لخروج يأجوج ومأجوج ، إذ خروجهم علامة من علامات الساعة الكبرى ، عند ذلك يجعل الله- عز وجل- هذا السد دكاء "فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا"

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم! تعرفنا إلى الله- عز وجل- بما عرفنا إليه الله- سبحانه- في كتابه، وعرفنا إليه الرسول في سنته ، من أجل أن يكون في قلوبنا الجلال والإجلال معاً لله- عز وجل- من أجل أن يمنعنا ذلك من أن نفتري على الله! ومن أن نتعدى حدود الله- عز وجل- وأما الجمال فإننا نشهده في سعة رحمة الله- عز وجل- إن رحمة الله واسعة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- كما هو مقرر، وعلى هذا نتحرك بين الجلال الذي يمنعنا من المخالفات ، والجمال الذي يطيرنا في دروب طاعة الله- عز وجل- إلى حيث هناك !وما هناك ؟ "مقعد صدق عند مليك مقتدر"

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين سلماً لأوليائك وحرباً على أعدائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك.

 اللهم ربنا هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، ولا أقل من ذلك فنهلك

اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وارزقنا حفظ أمانتك واجعلنا نخشاك كأننا نراك أبداً حتى نلقاك وأسعدنا بتقواك ولا تشقنا بمعصيتك نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا غماً إلا كشفته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا سلمته ورددته ولا سجيناً في سبيلك إلا أطلقته ولا عاصياً إلا هديته ولا عدوا لهذه الأمة إلا قصمتهم.

اللهم يا ربنا نسألك أن تكون في نحورهم أن ترينا فيهم عجائب القدرة! نسألك يا ربنا أن تحفظ دماء المسلمين وأعراض المسلمين وأموال المسلمين وديار المسلمين

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسلمين صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأقم الصلاة.