402 - بين الخير والشر
خطبة الجمعة    402 - بين الخير والشر
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم!

فنبدأ نسأل الله- تبارك وتعالى- أن يستر عوراتنا ، ويؤمن روعاتنا ، ونجأر إلى الله- تبارك وتعالى- كما علمنا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- فنقول (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ونثني بما علمنا إياه الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- إذ نقول (اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه ، وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم)

وبعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإن الله- جل جلاله- قد أكرمنا بهذه الشريعة المباركة العامة الشاملة الناسخة غير المنسوخة ، وإذا ما أعطانا الله- تبارك وتعالى- ما به نتمكن من التعرف إلى بعض معطيات هذه الشريعة ، وجدنا أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق ، لعلي لا أبدأ بها بل أقدم بين يديها ما جاء من حكمة لقمان حيث يقول: يا بني! لا يكن الديك أكيس منك ، ينادي بالأسحار وأنت نائم، ونثني بما جاء عن عمر بن عبدالعزيز- رضي الله تبارك وتعالى عنه- إذ قال:" لم الخوف من أمر لا بد منه ؟ وفيم الرجاء من أمر لا يرتجى أن يحقق ، ولا تكن ممن يلعن إبليس في العلانية ، ويطيعه في السر" هذه مجموعة يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ! وما أكثرها في خزانة هذه الأمة ! إنما نقدمها لنبين أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، ولا أبعد إذا ما قلت: إننا أمة خير! أما قال ربنا- جل جلاله- "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" و " الوسط " إنما هو الأفضل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! أما أثنى الله- عز وجل- على هذه الأمة " بالخيرية " فقال "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" من هنا وجدنا أنفسنا أمام رحاب عطاءات شريعة الله- تبارك وتعالى- ومما جاءت به شريعة الله أنها عرفتنا برحلة الوجود! تلك التي تبدأ من النطفة الأمشاج ، وتنتهي إما "في مقعد صدق عند مليك مقتدر" أو في "نارٍ وقودها الناس والحجارة"أجل ، نمر في مراحل ، ونحن- اليوم-  في المرحلة الأخطر، إذ إننا في دار التكليف ، أو دار الإبتلاء ، أو دار الامتحان ، وجاء مما جاء قول الله- عز وجل- "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" وجاء من جملة ما جاء "كل نفس ذائقة الموت" كذلك قوله : "ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" ومن جملة ما جاء "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"

نحن في قاعة اختباركبرى ، محيطها الأرض كلها ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! من كان منا طالباً يدري ما قاعة الاختبار!! تقدم له الأوراق ، وفيها أسئلة ، إذا ما حضّر الأجوبة تحضيراً حقيقياً صحيحاً ، خرجت النتائج لتعلن نجاحه، نحن من حيث النتائج لا ندريها إلا أننا نتلمسها تلمساً ! النتائج هناك- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بؤرة الشر! وما أبعد الشر عن هذه الأمة ، ومعين الخير! وما أروع هذا المعين في هذه الأمة ! كما قال ربنا- جل جلاله- "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك شر البرية * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك خير البرية" الخيرية كلها في الإيمان والعمل الصالح ، أما الكفر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وما يتمخض عنه من سلوكيات فاجرة فاسدة مفسدة باطلة مبطلة ، إنما هو الذي يفضي بصاحبه إلى "ناروقودها الناس والحجارة "

يمكننا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أن نتبين مواقف من كتاب الله وسنة المصطفى- عليه الصلاة والسلام- هذه المواقف تبين لنا أن هناك فريقاً منا ، وحيث أقول منا لا أقصد نحن المسلمين وحدنا ، وإنما نقصد من بني آدم، منا ما هو ناجح أروع نجاح ، وفائز أعظم فوز! ومنا ما هو راسب خاسر خسران ! هذا ما جاءت به آيات القرآن الكريم ، لكن الفائزين لهم صفات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- والراسبون لهم سلوكيات ، لهم أقوال ، لهم أفعال ، ولهم أحوال "وجعلناهم أئمة" هؤلاء الأئمة ينقسمون إلى قسمين أئمة إنما هم قادة في الخيرن وأئمة هم قادة في الشر! وقد بين الله- تبارك وتعالى- أن الأئمة الذين هم قادة الخير إنما يهدون بأمر الله- عز وجل- وقد أوحى الله- عز وجل- إليهم "فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" وبين الله- عز وجل- أن هذه مظاهر من مظاهر توجههم إلى الله- عز وجل- ولذلك ختمت  "وكانوا لنا عابدين" الذين حققوا العبودية لله- عز وجل- حيث انتفى بهذا التحقيق اتباع الهوى ، والغرق والاستغراق في الشهوات الحرام ، كانوا عابدين لله- عز وجل- فحققوا الحكمة التي من أجلها خلقنا- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- "وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار" قادة يدعون الخلق إلى "نار وقودها الناس والحجارة" أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! ربما يحقق بعضهم بغلبة القوة نصراً في هذه الدنيا ، لكنه نصر من أردأأنواع النصر ، ولذلك يقول الله- جل جلاله- "يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون" أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! بل إن اللعنات تلاحقهم في هذه الدنيا إذ أتبعهم الله- عز وجل- لعنة في هذه الدنيا ، ويوم القيامة ! ما حالهم يا ترى " هم من المقبوحين ".

جاء من جملة ما جاء في الآثار" أن من بلغ الأربعين ولم يتب من ذنبه، من بلغ الأربعين ولم يتب من ذنبه مسح إبليس على وجهه ، وقال: بأبي وجه لا يفلح " قادة للخير وقادة للشر! من سلك طريق الخير إنما سلك الصراط المستقيم الذي جاء به الرسل- عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- ومن تنكب الصراط ، فهو لا محالة باطنه شرير، وظاهره أشر، أقواله شر! وأفعاله شر1 لماذا نسوق هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ من أجل أن نحدد المنطلقات ، ونختار منها ما يسعدنا !

أسمعتم بميت الأحياء ؟!! يقول حذيفة بن اليمان- رضي الله تبارك وتعالى عنه- " ألا تسألوني عن ميت الأحياء ؟ كان الناس يسألون الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني " ثم بين أن الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- : "قد جاء بالدعوة الخاتمة التي هي رحمة من الله- تبارك وتعالى- للعباد، فكان بداية هذا الأمر نبوة ورحمة ، دعا- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- الناس فيها إلى لا إله إلا الله ومحمد رسول الله "أي : إلى حقائق الإيمان ، إلى سلوك دروب الخير، بكل معاني الخير، فهناك للخير ميادين كثيرة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-  وما أوسع ميادين الخير! فيما جاءت به شريعة الله- تبارك وتعالى- كل قول يقربك من الله- عز وجل- من الخير، وكل سلوك يقربك من الله- عز وجل- من الخير، وكل طاعة لله- تبارك وتعالى- إنما هي من جنس الخير، وكل معصية لله- تبارك وتعالى- إنما هي من جنس الشر، ولذلك وجدنا الناس أمام دعوته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- مستجيب لها ، ومعرض عنها ،إذ استجاب من استجاب فحيّ بالحق الذي استجاب له، وأعرض من أعرض ، والذي أعرض إنما مات بالباطل الذي كان عليه ، ثم بيّن معاذ أنه سيكون- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام-أمر هذه الأمة على أحوال ، وهذا حديث من أحاديث شريفة ، إنما شخص فيها- عليه الصلاة والسلام- مراحل وجود هذه الأمة ، وهذا واحد منها ، ولذلك بيّن " أنه سيكون بعد الخلافة الراشدة ملك عضوض ، أو سيكون ملكاً عاضاً !! و " العض " ههنا فيه إيلام ، فيه زف وجور وتسلط وإزهاق للأرواح ، وهتك للأعراض ، وتهديم للحياة ، ودعوة إلى الفكر الخاطئ !! من هنا وجدنا أنفسنا أمام الملك العضوض فترة من الزمان كما أخبر من لا ينطق عن الهوى !! وفيه يقول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- فمن كان من الناس من أنكره بقلبه ولسانه ويده ، فالحق استكمل ، إذا ما قاوم الشر، وهذه الأمة أمة الخير، مدعوة إلى أن تحقق الخير في حياتها ، ولا يمكن أن يختلط الشر بالخيرفي رحابها ، ويستقر الشر على ما يريد الأشرار!!  فحيث تحقق الخيرفي حياتها معنى ذلك أن الشر قد نبذ بعيد عنها ،اً لكن ربما تسلل إلى قلوب هذه الأمة أشرار، وهؤلاء الذين يتسللون إلى قلوب هذه الأمة ، على هذه الأمة أن تقف  قبالتهم مواجهة لشرهم!رافضة له ! ومن هنا من أنكر هؤلاء بقلبه ولسانه ويده ، الحق استكمل ، وأما من أنكر بقلبه ولسانه فقد أدى ما أمكنه أن يؤديه ، وشعبة من الحق ترك ، هي شعبة الإنكار باليد، ومنهم من أنكر بقلبه، ولم ينكر لا بلسانه ولا بيده ، فقد قام بما عليه كما يراه ، لكن شعبتين من الحق قد ترك

ما الصنف الآخر؟ هو الذي لا ينكر لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده!! يقول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- عن هؤلاء : هم أموات الأحياء ، هم الذين قال معاذ فيهم: ألا تسألوني عن ميت الأحياء، والأنكى من ذلك إذا كان لا ينكر بقلبه ولا بلسانه ولا بيده ، ومع ذلك كان يقف ساكتاً على ما وقف عليه الأشرار، فهو ميت الأحياء ، ولكن أيمكن أن نقول: إنه ميت الأموات؟ ذلك الذي لايؤيد الحق ،بل ينحازإلى الباطل بالركون إليه بقلبه رضاً به ، وحبا ًفيه ، وقد قال ربنا- جل جلاله- : "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" أجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذا أيّد الباطل بقلبه، فهو ميت الأموات!! فكيف إذا ما أيّد الباطل بلسانه مع قلبه، أو بيده ولسانه مع قلبه؟! الجواب معروف يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم!

يمكن أن نرى الصورة على ما يلي:

حرام بن ملحان- رضي الله تبارك وتعالى عنه- أرسله- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- مع مجموعة من الصحابة يعلمون الناس دين الله- جل جلاله- وهناك عند بئر معونة، قام زعيم من زعماء الجاهلية، فرصد حركة هؤلاء الصحابة، وأحاط مع جنده الظالمين بهم ، وأراد أن يستنزلهم ليسلّموا له، وأبوا عليه أن يسلموا له ، ولكن رجلاً من جند عامر بن الطفيل الزعيم الجاهلي الذي يدخل في مثل قوله- تعالى- : "وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون * وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ، ويوم القيامة هم من المقبوحين" قام هذا الجندي بإيعاز من زعيمه فإذا به يطعن حراماً من ظهره، الذي رآه حرام رأى رأس الحربة قد خرجت من بين ثدييه ، بدأ الدم المتوضئ يفور! ماذا قال حرام لما رأى ذلك ؟ قال: " فزت ورب الكعبة " القاتل هنا لم يفز، وإنما كان من الخاسرين ، والمقتول لم يخسر ، وإنما فاز- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لأنه انتقل إلى رحاب الله- عز وجل- من " بوابة الشهادة " ومن ظن أنه لن يموت نسمعه قول الله- عز وجل- "كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" ونسمعه قول الله- عز وجل- "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" ذكر الله- جل جلاله- هنا سنته في خلقه ، ذلك أننا أوجدنا- سبحانه وتعالى- في دار الانتقال ، في دار المعبر والممر، ولم نكن قد خلقنا في هذه الدنيا لنخلد فيها "أفإن مت فهم الخالدون"؟؟ لا يا أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- كل نفس تذوق الموت تماماً كما تذوق الطعام والشراب بحاسة الذوق ، ثم بين الله- عز وجل- بين ذوق الموت ، وبين البعث يوم القيامة ، بين سنة من سننه- سبحانه وتعالى- لا تظنن بأنك تخرج عنها كائناً من كنت ،" أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " وهنا نقارن بين قاتل ومقتول، القاتل لما سمع حراماً يقول: فزت ورب الكعبة! شده ! أي فوز هذا؟ اختلفت النظرة ، واختلف القلب- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذا صلح القلب بالحقائق التي جاءت بها شريعة الله- عز وجل- وإذا ما تهذبت النفس بأحكام شريعة الله- تبارك وتعالى- فحدث ولا حرج عن التصورات الحقة التي تنبثق عن هذه الحقائق التي استقرت في ثنايا النفس ، وفي خباياها !!

ولذلك قال العلماء: إذا لم تهذب النفس كانت فاسدة ، والفساد قسمان ، فساد لازم ، وفساد متعد،أي : فاسد ومفسد ،والمفسدون أولئك الذين يعتدون على الناس ، فسادهم متعد، فهم من المفسدين ن قال في رصد حياة فرعون : "إنه كان من المفسدين" المفسد قد فسد في باطنه ، وأفسد غيره ، وسعى في إفساد غيره ، أتعلمون ما الإفساد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قد حدده الله- عز وجل- في موطن آخر فبين أن هناك "من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"

وبين الله- عز وجل- كذلك حال فرعون، فرعون رسب في هذه الدنيا رسوباً مدوياً- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ذلك أنه قد أسقط من ذلك البرج الذي وضع نفسه فيه، فنادى في قومه" فقال أنا ربكم الأعلى "و " أم أنا خيرمن هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين " رأى نفسه أنه خير من موسى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وكما هوى فرعون بطغيانه ، إنما ارتقى وارتفع كليم الله موسى- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بإيمانه وتقواه !

ولذلك قال العلماء ميادين الابتلاء تختلف ، ربما ابتليت بالفقر، أو بالغنى ، ربما ابتليت بالسقم أو بالصحة ، ربما ابتليت بالقوة أو بالضعف ، وربما ابتليت بأناس لهم أظافر من نحاس يعملونها في جلدك ، أو في عرضك !! وربما ، وربما، ومن هنا أبتلي المرسلون بمن أرسلوا إليهم ، فموسى- عليه الصلاة والسلام- ابتلي بفرعون ، فقال الله- عز وجل- في فرعون "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين" أجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أقام تفريقاً خطيراً في مجتمعه ، من أجل أن يظل على كرسيه! ذلك الذي ادعى وهو يجلس عليه أنه رب هذه الأمة! رب الأقباط ، أو رب أهل مصر قاطبة !!!

ومن هنا "جعل أهلها شيعا" فرق بينهم من باب " فرق تحكم " أو" فرق تسد " كما كان منطق الاستعمار في الماضي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وما وجه الإفساد؟ "يذبح أبناءهم" لم يا ترى؟ كان يحذر أن يأتي من بني إسرائيل غلام يؤدي إلى هلاكه في ملكه ، ولذلك شاء الله- تبارك وتعالى- أن يربى " موسى " عليه السلام في قصر فرعون ن لأن الله غالب على أمره!وشاء كذلك أن يغرق فرعون وجنوده في اليم ، وأمام نظر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم "يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم" قال بعض العلماء: أتظنون أن استحياء النساء- أي ترك النساء في قيد الحياة- هو لون من ألوان الرحمة و المنّة ؟ لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام! حيث يفني الذكور، وقد قتل عشرات الآلاف من بني إسرائيل من الأطفال ، وأما النساء فكن يتركن لا يقتلن ، لم ؟ ليصبحن خادمات في بيوت آل فرعون! ومن أجل أن يوظفن في الفاحشة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذن سقط فرعون من علوه ، من تورمه ، من تضخمه، من أعصابه الموتورة ، سقط أيما سقوط ، وأين ؟ قال: بين لجج الماء- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-

فرعون هذه الأمة! أتدرون من فرعون هذه الأمة؟ أبو جهل، ماذا فعل أبو جهل؟ قد ألقى آل ياسر على الرمضاء ، وهناك من كانوا يلبسون الدروع من الحديد، ثم يضجعون في حر الشمس الحارقة! هناك من وضع الحبل الليفي الغليظ في رقبته، ودفع به إلى الصبيان يلعبون به ، لكن من كان يجر بالحبل ، كان هو الفائز، والذين كانوا يجرونه هم الراسبون الخاسرون ! بلال وهو يجر بيد الأطفال كان يقول: أحد أحد، وحيث وضعوا الصخرة على صدره يقول: أحد أحد، أبو جهل يغرس حربته الفاجرة في قلب سمية- رضي الله تبارك وتعالى عنها- الذي امتلأ حباً لله ، وتعلقاًبه ، وطلباً لرضاه !! وهناك رواية أخرى أستحي من العالم كله ، حتى من فجار القرن الذي نعيش فيه أن أذكرها ،ما يتعلق بحربة فرعون حيث غرسها تفجر الدم المتوضيء ! ،من تلك الحربة الفاجرة تتفجر دماؤها من صدرها ، أو من الموضع الذي وضع حربته فيه ،وكانت تقول بملء فيها: تباً لك ولآلهتك ، وهل شيء أحب عندي من أن ألقى الله- جل جلاله- ربحت سمية ، طوي التاريخ كله، وغادر جميع الشخوص الذين كانوا يتحركون على وجه الأرض ، وخسر فرعون الذي انصبت عليه اللعنات إلى يوم القيامة

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

مما قرره- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- أن الرسالة وأمر الأمة معها : تبدأ نبوة ورحمة ، ثم يثنى بالخلافة الراشدة ، ثم يأتي الملك العضوض ، ثم يأتي الملك الجبري ، ثم الختام- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- خلافة على منهاج النبوة، هذه تقسيمات من لا ينطق عن الهوى راصداً المستقبل بما أراه الله علام الغيوب !! وقد جاءت تقسيمات أخرى تحمل تحديدات لا يقدر عليها إلا من أوحي إليه بها !! رواها سفينة- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وهو من صحابة الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وكان مولى من مواليه- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " وقد قدر العلماء أزمنة هؤلاء الخلفاء من حيث مدد حكمهم ، فإذا بالصديق يحكم سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوماً ، وإذا بالفاروق يحكم عشر سنوات وعشرة أشهر وثمانية عشرة يوماً ، وإذا بعثمان يحكم إحدى عشرة سنة وإحدى عشر شهراً ، وإذا بعلي- رضي الله عنهم أجمعين- يحكم أربع سنوات وعشرة أشهر أو تسعة أشهر، وهذا على خلاف بين العلماء ، وقد جمعت هذه الأرقام ، فإذا بنا أمام تسعة وعشرين سنة وستة أشهر، لكن الحسن- رضي الله عنه- الذي كان بعد والده علي- رضي الله تبارك وتعالى عنه- بقي في الخلافة ستة أشهر، ثم تنازل لمعاوية- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وسمي العام عام الجماعة ، فكان المجموع ثلاثين سنة كما قرر- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-

من هنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وجب على هذه الأمة أن توسع ميادين الخيرفي حياتها ، وما أوسعها !! وأن تستنفد طاقاتها : في الأقوال التي تقرب من الله- جل جلاله- وفي الأفعال التي تقرب من الله- جل جلاله- وفي الأحوال التي تقرب من الله- جل جلاله- بناءً على ما نستحضره حيث نستحضرأنه قد جاء في سورة الكهف أن هناك صاحبين ، أحدهما له جنتان ، والثاني لا يمتلك شيئاً وتعرفون القصة كلها ، ونريد- هنا-  أن نركز على ما يلي: صاحب الجنتين الغني خسر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وصاحبه الفقير الذي وقف في وجهه يقول" أكفرت بالذي خلقك من تراب " نجح يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! ثم إن الثروة التي كان يعتز بها صاحب الجنتين ، قد أحاط الله عز وجل بها بصاعقة من السماء " وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية  على عروشها "!! هذا شأن الدنيا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من اعتز بالفاني فني اعتزازه ! "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا" فإلى الله- تبارك وتعالى- يتقرب بحسن العمل ، ولا يكون حسن عمل إلا وفق منهج الله- تبارك وتعالى- يمكن أن ننطلق إلى الأمام خطوات ، فإذا بنا أمام من آتاه الله- عز وجل- سعة الملك ، حيث بلغ مشارق الأرض ومغاربها ،إذا كان صاحب الجنتين قد رسب ، فذاك الذي أمكنه الله من الأرض كلها فاز ونجح !!  نجح فيما أعطاه الله- عز وجل- إذ لم يكن مفسداً ، بل كان وقافاً في وجه المفسدين "إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض" فماذا فعل ذو القرنين ، وهذه كلها من حقائق ،  إنما امتلأ بها كتاب الله- تبارك وتعالى- وإلا لم قص الله- عز وجل- علينا قصة ذي القرنين ؟؟ أمن أجل أن نتبارك بتلاوة حروفها ؟ وهذا محقق للتالي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أم من أجل أن يقول الله- عز وجل- لمن سيأتي عبر القرون التالية بالوحي الذي أنزله الله- عز وجل- يا قادة ! يا أولئك الذين قد رفعهم الله- عز وجل- على رقاب الناس ، يحكمون الناس ، عليكم أن تكونوا صالحين مصلحين ، لا فاسدين ولا مفسدين ، وقد ذكر لنا مثلاً للمصلحين يغرينا بالتأسي بهم! هذه لعلها من الظواهر التي جاء بها كتاب الله- عز وجل-

الوالد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- نجح ، والأولاد رسبوا، كان بالإمكان أن يكون إخفاق الأولاد تبعاً لإخفاق والدهم ، أو كان بالإمكان أن يكون فساد الولد تبعاً لفساد والده ! وهذا يمكن أن يظهر في هذا الوجود: الولد فاسد، ووالده فاسد! ولكن هنا في القرآن منهجنا في الحياة اختلفت الصورة، ما الصورة يا ترى؟ أما سمعتم قول الله- عز وجل- "إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة * إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون"  الأولاد ورثوا الحديقة عن أبيهم ، أبوهم كان رجلاً صالحاً ، والله- عز وجل- كان يبارك له في عطاء حديقته ، لكن لما مات الأب وكان من الصلاح بمكان ، ورث الأبناء الحديقة، فإذا بهم قد أقسموا فيما بينهم على أن يقطفوا ثمرها دون أن يعلموا المساكين الذين كان لهم حظ من ثمرات الحديقة على يد الوالد الصالح ! فما الذي حدث " طاف عليها طائف " فإذا هي " كالصريم "كالليل المعتم المحترق ، وانطلقوا وهم في غفلة! لم يدروا أن  الله- عز وجل- قد أحاط بهم علما ، ولم يدروا أنهم في قبضة عطاء الله- تبارك وتعالى- ومنعه ، من هنا لما وقعت أبصارهم على حديقتهم " قالوا إنا لضالون " وهنا نكتة عجيبة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الضال ربما لا يتنبه إلا إذا لطم! المفسد ربما لا يتنبه إلا إذا قطعت يده المفسدة ! وعلى هذالما وقع بصرهم على الحديقة "قالوا إنا لضالون" ثم تأملوا، فوجدوا أنهم لم يضلوا الطريق ،بل فعلاً هذه حديقتهم ! لماذا "قالوا إنا لضالون"؟أي: هذه ليست بحديقتنا ؟ قال: لأنهم تركوها البارحة على أروع ثمراتها ، واليوم صارت محترقة، لا يمكن بين ليلة وضحاها أن تحترق هذا الإحتراق ، ولما وقفوا على الحقيقة قالوا : "بل نحن محرومون" لما لطموا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أخذوا يلوم بعضهم بعضاً ، ويحمل كل منهم الآخرين عاقبة ما وصلوا إليه !أخذوا يتلاومون فيما بينهم "فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها * إنا إلى ربنا راغبون * كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون * إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم * أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون" إذا اختلت الموازين بيد المسلم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- رأى المجرم هو المسلم ، ورأى المسلم هو المجرم ، وهذا لون من ألوان الخلل الرهيب الفظيع- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في تقويم الناس !!

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

عبدالله بن رواحة- رضي الله تبارك وتعالى عنه- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ! استحضر الحقيقة الكبرى التي أكدها كتاب الله وسنته- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- والواقع الذي يعيشه الناس اليوم يؤكدونها ، هي قضية الرحيل إلى الله- جل جلاله- كان ذلك لما تقاعس قليلاً ، أو تردد قليلاً في المعركة ، وحق له أن يتردد، لأنه وجد أن عدو الله- تبارك وتعالى- كانوا من الكثرة بمكان ، وكان الصحابة- رضي الله تبارك وتعالى عنهم- قرابة ثلاثة آلاف ، وكان أعداء الله- عز وجل- الذين اجتمعوا على الشر أيما إجتماع قرابة مئتي ألف ، فلما رأى أنه لا مجال من الاستمرار في المعركة ، هذا التردد أخذ من قلبه لحظات ، ثم قال:" يا نفس إلا تقتلي تموتي... هذا حمام الموت قد صليت... وما تمنيت فقد أعطيت... إن تفعلي فعلهما هديت " أي: فعل القائدين من قادة الخير: زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب- رضي الله تبارك وتعالى عن الجميع- واستشهد عبدالله بن رواحة ، ويقول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- : لقد رأيت فيما يرى النائم ، ورؤيا الأنبياء كما تعلمون حق ، أن بين سرير عبدالله بن رواحة وسريري صاحبيه ازورار!! لم يكن سرير عبدالله بن رواحة في مستوى سريري زيد وجعفر، هم قادة ثلاثة، عينهم- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- قبل أن يرسلهم إلى مؤتة ، من أجل أن يؤدب الطغاة هناك ، فسأل فيم هذا الازورار؟ قالوا لهك إنهما أقدما ، وأحجم قليلاً، وقد ذكر العلماء ههنا قول الله- عز وجل- "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" نحن سنعرض على الله- جل جلاله- بخواطرنا بأحوالنا بميولاتنا بأهوائنا بأرائنا بأقوالنا !! ومن هنا الرابح هو الذي يدقق في أحواله قبل أن يرحل إلى الله- جل جلاله- ومن هنا وجدنا- يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ذلك الذي وقف قبالة ذلك القائد من قواد النار، وقف قبالته فدعاه ذلك القائد إلى الردة ، قال: معاذ الله! قال: له أطلق سراحك ، لأنه كان سجيناً أو أسيراً، قال: معاذ الله ! قال: أكافئك وأعطيك، قال: معاذ الله ! معاذ الله أن أرتد عن الاسلام ولو طرفة عين ! قال: أعطيك وأعطيك ترغيب وترغيب وترغيب مع شيء من الترهيب- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قال: لو أعطيتني ملكك وملك العرب قاطبة ما تركت ديني طرفة عين ، فانتقل الملك القائد الجهنمي انتقل إلى الإرهاب ، ما الذي فعله؟ قال: أصلبوه ، فصلبوه ، قال للرماة الذين يرمون فيصيبون الرمية: أطلقوا عليه السهام ، لكن لا تجعلوا السهم في صدره ، ولو شاؤوا لجعلوه في صدره ، لا تجعلوا السهم في عنقه ، ولو شاؤوا لجعلوه في عنقه ، لأنهم مهرة في الرمي ، اضربوه بحذاء عنقه، بجانب كتفه ، أرهبوه ، وكان كلما أطلقت عليه السهام عرض عليه ما كان قد عرضه ، ويأبى ، فلما أعياه كيعه أن يركع له، إذا به يقول ائتوني بالقدر، وأتوه بالقدر، ملأه زيتاً ، ولو ملؤوه ماءً لكان كافياً بأن يسلق ما يلقى فيه ، لكنها الأحقاد- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تفنن في الإيذاء ! وفي القهروالاضطهاد والعدوان ! ملؤوه زيتاً ثم ماذا فعل باعتبار أن الذي عرض عليه الردة كان قائداً من قواد أهل الجنة ، ولذلك قال ألقوا بجنديين من جنود ذلك القائد في ذلك الزيت ، فتفككت خلايا البدن ، بعضها عن بعض ، ولم يبق إلا الهيكل العظمي ، رأى ذلك بعينه ، قالك ما رأيك؟ قال: قلت لك لو أعطيتني ملكك وملك العرب قاطبة على أن أترك الإسلام طرفة عين ما فعلت ! قال: خذوه فألقوه ، ولما اقتربوا به من القدر بكى عبدالله بن حذافة السهمي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ونحن نأسف لبكائه! أجل رأيناه يبكي ! وقد رآه الجند يبكي ، فأشاروا للملك: أنه بكى ، فإذا بالملك يظن أنه قد هوى وسقط ، لأن الزيت الذي يحرق من يلمسه أو يقترب منه كان كفيلاً بأن يطوعه ، يعني القوة الغاشمة كفيلة بأن تطوع هذا الذي تمرد على سلطان الملك ! ردوه ، والآن ما رأيك؟ قال: أنا قلت لك، قلت لك وانتهى الموضوع قال له: إذن لماذا بكيت؟ قال: بكيت لأني قلت في نفسي يا عبد الله! إنك لا تملك إلا روحاً واحدة ، تلقى في سبيل الله ، فوددت لو أن لي ألف روح تلقى في سبيل الله!! فبهر الملك ، فإذا به يقول: يا عبد الله! أتقبل رأسي وأطلق سراحك؟! قال: وسراح أخواني ؟ قال وسراح أخوانك ، يقول عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله ناصيته كاذبة خاطئة ، ولكن الموضوع إنما يتعلق بفكاك الأسرى من المسلمين ، فقبل جبينه ، فأطلق سراحه وسراح من معه ، وجاؤوا المدينة المنورة، أنا ما أستبعد على الإطلاق أن يكون قد طهر فمه من هذه القبلة ، بكل ألوان المطهرات ، وهناك كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لما سمع بالموقف ، قال: حق على كل مسلم أن يقبل جبهة عبد الله ! فقام عمر- رضي الله عنه- فبدأ ، وأقبل الصحابة- رضي الله عنهم- يقبلون رأس عبد الله بن رواحة، مات عبد الله بن حذافة !! ألا يعني هذا أنه انتصر؟؟ هناك من يرسب- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ويسقط ، وهناك من يفوز وينجح والفوز الحقيقي هناك " فقد فاز ".

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين، نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار اللهم ربنا لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا غماً إلا كشفته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا سلمته ورددته، ولا سجيناً في سبيلك إلا أطلقته، ولا عاص إلا هديته، ولا عدوا لهذه الأمة إلا قصمته، اللهم ربنا إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم يا ربنا إنا نجعلك في نحورهم، اللهم يا ربنا أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا، إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأقم الصلاة.