403 - الأسر ة في ميادين الخير و الشر
خطبة الجمعة    403 - الأسر ة في ميادين الخير و الشر
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى، ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ ﴿٣٣﴾ إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿٣٤﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :

يا خدرها كم كنت مشرق رحمة ... وكم استفاض النور فيك وغردا            ويجيء جبريل الأمين محيياً... من ربه يلقي السلام مرددا                                  ومبشراً بالبيت من قصب لها... في قمة الفردوس ربي شيدا                                    ما مثل خدرك يا خديجة رفعة... طهرا وتشريفاً ومجداً مفرداً                                              لولا حراء لكنت أول منزل... يهدي إلى الناس الرسالة والهدى

أبيات قالها شاعر قد توقف أمام أنوار السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها أم المؤمنين ، فإذا به يقول: بيتها كان مطلع رحمة ومشرق نور، وإذا به يقول ما  جاء أن جبريل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قد جاء يوماً فقال للرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : يا رسول الله ! ها هي ذي خديجة آتية تحمل وعاءاً فيه إدام فإذا جاءت فأقرئ عليها السلام من ربها جل جلاله وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا تعب ! الشاعر ينقل هذا المعنى عبر القوافي

جبريل عليه الصلاة والسلام جاء يبشر خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها بعدما أقرأها السلام من الله جل جلاله بشرها " ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا تعب " وقد وقف العلماء أمام المفردات تلك التي جاء فيها أنه بشرها ببيت من قصب ، والبيت هنا القصر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولكن أمين الوحي إنما اختار البيت بشارة لأنها أول بيت قد أنشئ بزواج المصطفى عليه الصلاة والسلام منها فكان زواجها يعني أنه أنشأت أول أسرة في الاسلام

ومن هنا ولمراعاة مقتضى الواقعة جاء يبشر بالبيت ثم قال من قصب، والقصب إنما هو اللؤلؤ المجوف وقد اختار القصب ولم يختر اللؤلؤ المجوف لأن القصب ههنا يشير إلى أنها قد حازت قصب السبق فكانت أول الداخلين في دين الله تبارك وتعالى وقال لا صخب فيه يشير إلى أنها ما تلكأت حينما دعاها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إلى الايمان بالله جل جلاله وبرسالته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

أما قضية التعب ههنا المنفي فإنه يعني بذلك أن البيت كان واحة من أروع واحات الأسر في هذا الوجود حيث كانت رضي الله تبارك وتعالى عنها مأنس روح ووزيرة صدق كما قال العلماء، بيتها كان يأوي إليه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يأخذ أقساطاً من الراحة بعد تعب الدعوة إلى الله جل جلاله والبشارة ههنا تشير إلى الطموح الذي امتلأت به نفس خديجة رضي الله عنها ذلك أنه بشرها ببيت من قصب في أعالي الفردوس يشير بذلك إلى أن تعلق المسلم دائماً وأبداً يكون هناك في جنة الله جل جلاله

هذا الذي نقدمه، نقدمه بين يدي الحديث عن الأسرة من حيث اللغة، عجيب أمر الأسرة من حيث اللغة أولاً لم يأت بكتاب الله عز وجل ولا في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام التعبير (بأسرة)، وإنما جاء التعبير (بالأهل) أهل البيت

ومن هنا قال العلماء إن الشريعة حينما اختارت كلمة الأسرة وبنت عليها حيث اهتمت شريعة الله عز وجل بالأسرة في كل مرحلة من مراحلها حتى انتهائها فوق هذه الأرض يعني هذا أنها اختارت العنوان الأمثل ذلك أن الأسرة في اللغة تعني الدرع الحصينة، وتعني أهل الرجل وتعني الجماعة تربطها رابطة مشتركة، ومن هنا قال العلماء إذا ما نظرت للأسرة من حيث الأفق الذي تحققه فمنها يتشكل الشعب وأما إذا نظرت إليها بشكل رأسي معنى ذلك أنها تشكل التاريخ

وهنا نلتفت إلى قضية لعلها من القضايا الخطيرة في حياة المسلمين قد تقول إن الحديث عن الأسرة ليس من الأحاديث المهمة في زماننا هذا ، صحيح ، لأن الأسر قد بنيت سواء كانت في بنائها مهتزة أو راسخة البنيان ولكن ينبغي أن نستحضر ههنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن ثمة نوعين من الأسر في هذه الحياة أسرة مباركة ممتلئة بالخيرات ، أسرة هي معامل بر وإحسان ، أسرة إنما تتفتح فيها أزاهير الحياة الراقية السعيدة الأمنة المطمئنة التي فيها الود وفيها العطاء وفيها الإيثار وفيها المحبة وفيها الجهاد في سبيل الله عز وجل 

وأسرة كلها شر، هي من مصانع الشر، أسرة من أخبث الخبائث ، أسرة لعلي لا أبعد إذا قلت إن الملائكة حينما أخبرهم الله عز وجل بقوله "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" فإذا بهم يقولون "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٠﴾" قوله تعالى "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" يشير إلى الأسر الخيرة التي تركت بصماتها خيرة في وجه الحياة، وأما قول الملائكة "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا" فكأنما يعنون بها النمط الآخر ، وهذا لون فهم لعله يكون مصيباً أو مخطئا ، ولكن لا أبعد إذا قلت إنهم قد استحضروا في ذواتهم تلك الأسر الشريرة الأسر التي إنما عاثت في الأرض فسادا، كل أفرادها على نص واحد من الشر والفساد

ومن هنا وجدنا أنفسنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أمام سورة المسد ، ماذا تجد فيها؟ تجد فيها الزوج والزوجة، من الزوج؟ أبو لهب " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾"، ومن تجد فيها؟ تجد فيها زوجه حمالة الحطب "وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿٤﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴿٥﴾"، أسرة خبيثة قميئة شريرة فاسدة تضع كل الأحطاب في وجه الدعوة إلى الله عز وجل ، لا تقصر في سفك دم ، ولا في انتهاك عرض ، ولا في إيذاء مسلم من المسلمين

وفي المقابل أما سمعنا كيف ارتاد الخليل ابراهيم عليه الصلاة والسلام لأسرته مرتاداً من أروع المرتادات أما قال

"رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴿٣٧﴾" أليست المعالم التي حددها الخليل يسأل الله عز وجل أن يحققها في ذريته، تلك المعالم التي إن تحققت بها الأسرة الاسلامية معنى ذلك أنها فاقت إلى آفاق الانسانية الرفيعة التي جاءت شريعة الله عز وجل من أجل أن يحلق الناس في أرجائها

إذا ما قلنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حتى لا نتوه في مسارب الحديث إن لب القضية لب المنهج الذي جاءنا به عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يتمثل في رضيت بالله رباً وبالاسلام دينا وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولا، الايمان بالله عز وجل من حيث الربوبية والايمان بالاسلام من حيث كونه منهجاً يشمل كل جوانب الحياة ومن حيث إنا نتلقى هذا المنهج عن الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فبمقدار ما نحقق هذه المضامين الرائعة معنى ذلك أننا إنما نبني الفرد المسلم وهل الأسرة سوى مجموعة من الأفراد تتشكل أساساً من زوج وزوجة وأولاد وأجداد وأحفاد أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ولعلي ههنا في وقفة قصيرة أجدني أمام بعض المشاهد والمواقف التي  نكتفي بالتقاطها وما أروعها هي مواقف مشرقة نحن بأمس الحاجة إليها ولعلك إذا ما خطر بالبال أن هذا الموقف لا يعني أن سيرة الأسرة كلها في هذا الموقف أقول لك أرأيت إلى خزعة تؤخذ من الكبد لتحلل من أجل أن يتعرف محلل هذه الخزعة  من أجل أن يتعرف إلى صحة الكبد أو وبائه، أرأيت إلى قطرة الدماء تؤخذ من أجل أن تفحص ليرى ما بداخلها ثم يحكم على الدم كله، كما يحكم على الكبد كله من خزعة، يحكم على الدم كله من قطرة، أرأيت إلى كل التحاليل التي نقوم بها فإذا بنا أمام نأخذ عينة ثم من هذه العينة نحكم على سائر البدن

كذلك هذه المشاهد يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم هي مشاهد راقية إنما صاغها قولنا رضيت بالله رباً وبالاسلام دينا وبمحمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نبياً ورسولا، وقبل ذلك وبين يدي ذلك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أنزل الله عز وجل آيات من هذه الآيات ما بين فيه ربنا جل جلاله ما يتعلق باستبقاء الحياة، ومن هذه الآيات ما يتعلق بالمقومات التي تستبقي العلاقات الزوجية على أرقى مستوى تلك القيم أو المنطلقات أو الأسس التي تقوم عليها العلاقات الزوجية إن اهتز أساس منها معنى ذلك أنه لا استقرار لهذه الأسرة حيث اهتز أساس من أساسات استمرار العلاقات الزوجية فيها، أما قال الله عز وجل

"وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّـهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴿٧٢﴾"

وهو الذي "جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا"، قال العلماء إن سليمان عليه الصلاة والسلام لما توعد الهدهد حيث وجده غائباً بقوله لأذبحنه أو لأعذبنه عذاباً شديدا "أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" قالوا ما لون العذاب الذي أراد سليمان أن يعذب به الهدهد إن لم يأته بالسلطان المبين، قالوا سيجعله مع غير جنسه من الطيور، ذلك أن وجود الانسان مع غير جنسه لعله من نكد الحياة، من نكد الحياة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن تعايش الظالم، من نكد الحياة أن تعايش اللئيم، من نكد الحياة أن تعايش الشرير، ومن هنا أراد سليمان عليه الصلاة والسلام أن يعذب الهدهد إن لم يأته بالنبأ أو إن لم يأته بالسلطان أن يضعه مع غير جنسه ألا نفهم من هذا عمق معنى قول الله عز وجل "وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً" أليس قول الله عز وجل "بَنِينَ وَحَفَدَةً" يبين سنة الله عز وجل في استبقاء الحياة واستمرارها ألم يذكر الله عز وجل ما به يمد هذا الوجود، الوجود الحي فوق هذه الأرض ورزقكم من الطيبات، هذه كلها من نعم الله تبارك وتعالى التي أنعم بها على بني آدم فوق هذه الأرض، وإذا كان ذلك كذلك وجدنا أنفسنا أمام قول الله عز وجل "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" أجل آية الزوجية في هذا الوجود هي آية تضمنتها، أو تضمنت آيات كثيرة ومن آياته أن جعل "لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا" السكن حقيقة راسخة في البيوت المستقرة، فإن لم يكن هناك سكن فلا أقل من أن تكون هناك مودة، فإن ظللت المودة الحياة الزوجية مع ذلك أنها لا تزال مستمرة ولكن على وهن وعلى ضعف لأنها فقدت السكن، فلو أنها فقدت السكن مع المودة يبقى الرحمة فإن خلت الرحمة والعياذ بالله عز وجل فحدث ولا حرج عن الشقاء الذي يركب البيوت يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

والرحمة ههنا تستدعي من الزوج أن يصفح عن الزوجة ومن الزوجة ألا تشدد على الزوج ذلك أنه يعاملها برحمة وتعامله برحمة هذا ما قرره شرع الله عز وجل، السكن يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام والمودة والرحمة وفوق ذلك وقبل ذلك ومع ذلك قضية الأصل الواحد "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ" أي من آدم وحواء فنحن من أصل واحد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ضم إلى هذا ما قرره الفقهاء حيث قالوا إن العدالة الاجتماعية إذا ما تحققت في البيت معنى ذلك أنها تنساح وتنداح وتتسع خارج الأسرة هذا ما قررته شرع الله تبارك وتعالى

إذا كان ذلك كذلك وجدنا أنفسنا أمام لو أن هذه الأمة تمكنت من بناء اللبنة الأولى من لبنات المجتمع ولو أنها أتقنت هذا البناء ولو أن الأسرة إنما تماسكت التماسك الذي جاء به شرع الله وأقول هنا التماسك الذي جاء به شرع الله لأنه كانت أسر هناك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في الجاهلية، الأسرة من حيث تكونها ليست غريبة عن الفطرة الانسانية وإنما هي نظام يكفل استمرار للوجود ولكن شتان ما بين أسرة جاهلية وأسرة إسلامية ربانية، الأسرة الجاهلية عبر عنها ذلك الشاعر فقال

ونشرب إن وردنا الماء صفواً                ويشرب غيرنا كدراً وطينا                                                            

المهم أنهم يشربون الصافي من الشراب، يكفي أنهم قد استحوذوا على ما في أيدي الناس من حقوق يكفي أنهم قد تسلطوا أيما تسلط على رقاب الناس ولكن غير هؤلاء لا مانع من أن يشربوا الكدر أو أن يشربوا الطين وقال قائلهم يدل على التماسك الأسري الجاهلي

وهل أنا إلا من غزية إن غوت               غويت وإن ترشد غزية أرشد

جاء شرع الله عز وجل لا ليرفض الأسرة من أساسها لأنه كما قلنا الدافع للأسرة في الأساس إنما هو استبقاء الحياة

قال العلماء إن الموت حق وإن الطبع في الانسان أن يحب البقاء وأنه يكره الموت كراهية فطرة ويعلم حق اليقين أن الموت حق ولا مفر منه، فهنا يتململ أمام وطأة الحق الذي سيأتي لا محالة، ومن هنا قال قائلهم يعبر عن الاستمرار الذي يبغيه الانسان فوق هذه الحياة يقول " بني " يخاطب ابنه

 "بني يا أنا بعدما أفضي " بني يا أنا ، يخاطب ابنه على أنه هو هو بعدما يرحل إلى الله جل جلاله فهو يحب أن يستمر له بقاء، لكن فيمن يستمر هذا البقاء؟ في الأبناء، وفيمن كذلك؟ في الحفدة، ولذلك جاء قول الله عز وجل يعطف الحفدة على البنين ليدلك على تواصل الأجيال وهذا التواصل إنما يتمثل في الأسر الكبيرة الممتدة، ذلك أن الأسر الكبيرة الممتدة يكون فيها الجد والجدة، والأب والأم، والأبناء، وأبناء الأبناء، وأبناء أبناء الأبناء، فإذا ما اجتمع هؤلاء في رحاب البيت الواحد معنى ذلك أن الأبناء الصغار يتعلمون ممن سبقهم في الوجود، وأن الذين سبقوا إلى الوجود يتعلمون من أبائهم حركة الحياة وأنشطتها كما يتعلمون من الأجداد الذين تفرغوا للتوجه إلى الله عز وجل، قضية التوجه إلى الله فيعيشون عيشة متوازنة معتدلة أروع اعتدال ذلك أنهم يأخذون التوجه إلى الله عز وجل من الأجداد، كما يأخذون نشاط حركة الحياة وابتغائها وعمارتها من الأباء

أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

أم سليم واحدة من أولئك الصحابيات اللائي انشرحت صدورهن للاسلام وهي أم أنس رضي الله تبارك وتعالى عنه، جاءها أبو طلحة وكان مشركاً فخطبها فقالت له ألا تعلم أنك تعبد إلهك وقد نبت من الأرض قال بلى، قالت ألا تستحي تعبد إلهاً نبت من الأرض، ما أريد منك صداقاً إذ لا أقبل أن تكون لي زوجاً إلا أن تسلم فإن أسلمت فصداقي هو إسلامك، قال أمهليني ، ذهب فكر فوجد أن ما دعته إليه إنما هو الحق، وأسلم أبو طلحة وجاءها يعلن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولا

دخل في البوتقة الكبرى التي تطهر كل أفراد المسلمين وإذا رأيتم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام شذ عن هذا أو خرج عن هذا حيث لم يرتض الله ربا إذ عطل شريعة الله عز وجل، وحيث لم يرض الاسلام دينا حيث تبنى نظاماً غير نظام الاسلام، وحيث لم يرتض النبي صلى الله عليه وسلم رسولا حيث أخذ يتلفت يميناً وشمالاً مع الضالين والضالات يأخذ عنهم منهج الحياة معنى ذلك أن هذه الحقائق قد اهتزت في ذاته، اهتزت في ذاته وبالتالي اهتز في سلوكه

قالت يا أنس قم فزوج أبا طلحة، أم سليم زوج أبي طلحة شكلا بيتاً في الاسلام، ما المنطق ها هنا أولاً صنعت طعاماً للرسول عليه الصلاة والسلام وأرسلت أنساً يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم إن أمي قد صنعت لك طعاماً، فقال عليه الصلاة والسلام للصحابة إن أبا طلحة قد صنع لكم طعاماً يدعوكم إليه لفتة عظيمة منه عليه الصلاة والسلام، أبو طلحة صنع طعاماً خاصاً للرسول عليه الصلاة والسلام ولكن أيأكل صلى الله عليه وسلم والصحابة لا يأكلون، هذه رسالة ينبغي أن توجه إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أتأكلون وهناك من لا يأكل أتلبسون وهناك من لا يلبس، أتتداوون وهناك من لا يقدر على المداواة، أتأمنون وهناك من لا يأمن على روحه

دعاهم عليه الصلاة والسلام إلى بيت أبي طلحة ولما رأى أبو طلحة الصحابة مقبلين قال يا أم سليم قد جاء الصحابة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ماذا نفعل؟ ذلك أن الطعام لا يكفي، قالت له برسوخ قدم : رسول الله يعلم ما يفعل! رسول الله يعلم ما يفعل، رسول الله يعلم ما يفعل، وجاء الصحابة ودخلوا فوجاً فوجاً وأكلوا من الطعام، تقول وبقي الطعام على حاله، ذلك أن الخالق إنما هو الله جل جلاله، ذلك أن المشبع إنما هو الله جل جلاله وهذا يدخل في شطر من شطري رضيت بالله رباً، ذلك أن الأقدار كل الأقدار بيد الله جل جلاله، المنع والعطاء والرفع والوضع والإعزاز والإذلال والإحياء والإماتة كل هذا بأقدار الله عز وجل، ولا يشارك الله عز وجل بتصريف الأقدار أحد من المخلوقات كائن من كان هذا المخلوق

ثم جاء ضيف إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أنا ضيفك يا رسول الله فأرسل عليه الصلاة والسلام إلى بيوته ولم يجد في أي بيت من بيوته طعاماً، قال من يضيف ضيف رسول الله، قال أبو طلحة أنا يا رسول الله وأخذ أبو طلحة ضيف الرسول عليه الصلاة والسلام ووصل البيت قالت زوجه أم طلحة ليس لدينا إلا طعام الأطفال وهم لم يأكلوا، قال نوميهم ثم نضع الطعام، ثم اشتغلي بإصلاح المصباح فأطفئيه حتى يأكل الضيف دون أن يستحي، لأنا نريده أن يأكل دون أن نأكل، وانطفأ المصباح وعم البيت الظلام ، الظلام الحسي لكن البيت كان غارقاً في النور يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ومن الأدلة على غرقه في النور أنه بعدما أكل الضيف وشبع، أكل طعام الأطفال الذين نومتهم أمهم هذي أسرة مسلمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، هذا نموذج من نماذج الأسرة الربانية المسلمة، هذا موقف من المواقف، هذا مشهد من المشاهد، هذي خزعة من كبد هذه الأسرة المباركة، ويأتي أبو طلحة إلى صلاة الصبح وإذا بالرسول يبتسم في وجهه ويقول يا أبا طلحة لقد ضحك الله من صنيعيكما البارحة، ويخطر بالبال ههنا أن العلماء لو وقفوا على عمق الموقف بدلاً من أن يبحثوا في ضحك الله إلى صنيعيكما البارحة فينشغلون في المتاهات التي ربما ما وصلوا منها إلى شيء، عليهم أن ينزهوا الله جل جلاله، وعليهم أن يفتحوا القلوب كل القلوب بل الصدور لكل أنوار وإشعاعات الموقف ودلالاته، ما وقفوا أمام تنويم الأطفال ليأكل الضيف الطعام ما وقفوا عند قضية الاسلام في إكرام الضيف يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إذا لم تقم الأمة للضيف كرامة معنى ذلك أنها قد اهتزت في بعض حقائقها الايمانية من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

إذا كان ذلك كذلك وجدنا أنفسنا أمام مليكة رضي الله تبارك وتعالى عنها إحدى خالات الرسول عليه الصلاة والسلام من الرضاعة، أم حرام مليكة كان يأتيها عليه الصلاة والسلام بين الحين والآخر يقيل عندها وكانت تصنع له طعاماً تطعمه، ومرة قال عندها عليه الصلاة والسلام ورأى ورؤيا الأنبياء وحي لما تبسم عليه الصلاة والسلام بعدما  استيقظ  من النوم إذا بها تقول أضحك الله سنك يا رسول الله، ما الذي أضحكك؟ قال أناس من أمتي يركبون ثبج هذا البحر كالملوك على الأسرة أو ملوكاً على الأسرة يغزون في سبيل الله تبارك وتعالى

أم حرام امرأة مسلمة تعطينا نموذجاً للمرأة المسلمة الطموح التي تحاول أو تسعى لتبني الحياة مع زوجها بناءاً ربانياً والمرأة اليوم حينما تشتغل بنفسها والرجل اليوم حينما يشتغل بنفسه تتفكك الكثير من العلاقات الأسرية إلا إذا جمعتها المطامح الكبرى أن يسعى الزوج إلى رضوان الله عز وجل وتشاركه الزوجة في هذا المسعى قالت يا رسول الله ادع الله أن أكون معهم، قال اللهم اجعلها معهم ، أو أنت منهم !

ومرة ثانية ينام عليه الصلاة والسلام ويرى رؤيا ويستيقظ يضحك وتقول أضحك الله سنك ما الذي أضحكك يا رسول الله قال أناس، رأى أناساً من أمته عليه الصلاة والسلام يركبون سبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو كالملوك على الأسرة أو كما قال عليه الصلاة والسلام يغزون في سبيل الله، قالت يا رسول الله ادع الله أن أكون معهم- أما كفاك يا أم حرام أن تكوني مع الدفعة الأولى  ،لا- قالت: ادع الله أن أكون معهم، قال أنت مع الأولين ، وهذا قطع كشف له عليه الصلاة والسلام به " أنت مع الأولين "

وفي زمن معاوية رضي الله عنه توجه إلى قبرص تلك الجزيرة القارة الآن في عرض البحر الأبيض المتوسط وقد فتحها المسلمون أو فتحها الله على المسلمين كانت السفينة تتهادى بمن يركبها من الصحابة الكرام وكان فيهم عبادة بن الصامت زوج أم حرام بنت ملحان ولما وصلت السفينة إلى شاطئ قبرص ونزل الصحابة وتحركوا يفتحون في سبيل الله تبارك وتعالى فإذا بأم حرام قد وقصتها بغلتها التي كانت تركب عليها فماتت رضي الله تبارك وتعالى عنها ودفنت هناك، ويقول المؤرخون إن قبرها هناك يسمى قبر المرأة الصالحة، أما قال لها عليه الصلاة والسلام " أنت مع الأولين " إذن هذا قضاء قد أضاءه الله عز وجل للرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم،

ما الشاهد ههنا؟ ذلك الطموح ، ذلك الانشغال الباطني الذي شغل أم حرام أما كفاها أنها تضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطعمه أما كفاها أنه يقيل في بيتها عليه الصلاة والسلام لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام تريد أن تجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى، وأين؟ على متن مركب إنما يتهادى فوق أمواج البحر الأبيض المتوسط أهناك مشاهد من مثل هذه المشاهد؟ ما أكثرها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

رقية أم كلثوم زينب الكبرى، زينب الكبرى ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وكذا رقية وأم كلثوم، زوّج عليه الصلاة والسلام بناته قبل البعثة وكان زوج زينب أبا العاص بن الربيع ابن خالة زينب، ابن هالة أخت خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها، ومضت الأيام وجاء الاسلام وآمنت زينب وبقي أبو العاص على شركه، لكنه كان كما يكتب كتاب السيرة كان محترماً صحيح أنه كان على الجاهلية ولكنه كان من كرام القوم كان صادق الوعد كان وفياً بما يعد كان شريفاً كان عفيفاً كان كريماً كان يكرم زوجه أروع إكرام

ولما جاءت الجاهلية لتؤذي الرسول عليه الصلاة والسلام فطلبت من زوجَي رقية وأم كلثوم أن يطلقا بنتي النبي صلى الله عليه وسلم إيذاءا للنبي عليه الصلاة والسلام وفعل هذان الزوجان ما طلب منهما ، فطلقت كل من رقية وأم كلثوم ولكن أبا العاص قد أبى كل الإباء أن يطلق زينب، وقال لو أعطيتموني أي امرأة مكانها لأنهم عرضوا عليه إن طلقها يزوجوه أجمل نسائهم قال لا أريد أي امرأة في الدنيا، هو يكتفي بزينب رضي الله تبارك وتعالى عنها

ومضت الأيام وإذا بأبي العاص يقع أسيراً بأيدي المسلمين في غزوة بدر وساق المسلمون الأسرى إلى المدينة المنورة وهناك تشاور الصحابة ثم اتفقوا على أن يأخذوا الفدية من الأسرى وأخذت زعماء قريش وأهل الأسرى يرسلون بالفداء كل يفدي أسيره بالفداء الذي حددته شريعة الله عز وجل على لسان الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

وبقي أبو العاص كان ثرياً كان غنياً وأهله من الأغنياء، أرادوا أن يرسلوا المال من أجل الفداء فأبت زينب رضي الله عنها إلا أن تفدي زوجها، كانت زينب في مكة المكرمة لم تهاجر إلى المدينة المنورة وفاءاً للزوجية مع أن زوجها كان من المشركين ولم يكن وقتها قد حرم شرع الله عز وجل هذا الزواج، أرسلت زينب فداء زوجها مع أخيه عمرو، عمرو بن الربيع، وصل عمرو إلى المدينة المنورة، قال بعثت زوج أبي العاص زينب بنت محمد عليه الصلاة والسلام فداء زوجها وأخرج صرة من بين ثيابه وأعطاها للرسول عليه الصلاة والسلام، ما بهذه الصرة؟ 

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فقد قال لنا "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

فتحت الصرة فإذا بها قلادة، ما هذه القلادة؟ قلادة كانت للسيدة خديجة رضي الله عنها أهدتها لابنتها زينب ليلة زفافها من أبي العاص وما أن رأى عليه الصلاة والسلام تلك القلادة حتى رق رقة شديدة، هو أوفى الأزواج عليه الصلاة والسلام وخديجة إنما هي أم المؤمنين، هو الأب الرحيم عليه الصلاة والسلام الأب الودود هو الانسان الكامل في إنسانيته، رق قلبه أيما رقة لما رأى القلادة وكأنما عادت إليه تلك الأيام الغابرات حيث كانت خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها في تألقها وذروة فرحها وهي تزف ابنتها زينب إلى ابن خالتها أبي العاص

هذا هو الفداء ما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن قال إن شئتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها مالها فافعلوا، هو يخيرهم هو رئيس الدولة حينها هو الآمر الناهي عليه الصلاة والسلام بأمر من الله عز وجل، هو المعصوم في كل حركاته وسكناته أليس هذا من الدروس البالغات يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لكل فرد من أفراد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها

ألا يحطم ذلك كل الدكتاتوريات التي بسطت سلطانها وأنشبت أظافرها في المجتمعات، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول إن شئتم أطلقتم لها أسيرها، إن شئتم يخاطب من؟ الصحابة، أتظنون بأن الصحابة يتأففون لو أمرهم أطلقوا لها، لا والله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بل إنهم يتقربون بذلك إلى الله جل جلاله

جاء عنه صلى الله عليه وسلم يرصد التغيرات الشائنة التغيرات المعضلة التغيرات الماحقة التغيرات الورمية التي إن أحلت بجسد الأمة تورم أيما تورم فلا ينفع معه حتى الاشعاعات ولا الكيمياويات، قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كيف أنتم إٍذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم؟ كيف أنتم إٍذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم ؟ تعجب الصحابة رضي الله عنهم، قالوا أوكائن ذلك يا رسول الله، قال والذي نفسي بيده إنه سيكون وأشد منه، وما أشد منه يا رسول الله؟ كيف أنتم إذا تركتم الأمر المعروف والنهي عن المنكر؟ أوكائن ذلك يا رسول الله، قال والذي نفسي بيده سيكون وأشد منه، قال وما أشد منه يا رسول الله؟ قال أرأيتم إن رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً، قالوا أوكائن ذلك يا رسول الله، خشيت على عقول الصحابة حينما يحدثهم عما سيكون في مستقبل الأيام كلها تحذيرات منه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

حينما تختل أو يختل نظام الأسرة الذي جاء به شرع الله يطغى النساء ويفسق الشباب، ذلك أن الأسرة التي لا تقوى فيها لا يمكن أن تزرع التقوى في نفوس أبنائها وأطفالها، الأسرة التي فقدت الرحمة كيف تربي النفوس على الرحمة، الأسرة التي فقدت الالتزام بشرع الله عز وجل كيف يمكن أن تربي الأجيال على التمسك والالتزام بشرع الله تبارك وتعالى، أوكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال والذي نفسي بيده سيكون وأشد منه، وما أشد منه يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، ثم يخبر عليه الصلاة والسلام فيقول فبي حلفت- والحديث هنا قدسي- فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران " أو كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه هنا عن ربه تبارك وتعالى

إذا ما رجعنا إلى الموقف وجدنا أنفسنا أمام الصحابة يا رسول الله نطلقه نطلقه يا رسول الله وردوا إليها قلادتها وانطلق أبو العاص طليقاً حيث أطلقه الصحابة رضي الله عنهم، ولكنه ناداه عليه الصلاة والسلام دنى منه أسر إليه بكلمات ما عرفنا إلا من بعد ذلك أنه لما ودعه أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قال " ما ذممناه صهرا "

لا أتكلم عن انتقاد هنا والعجيب أن الجاهلي على جاهليته حينما يلتزم بمكارم الأخلاق يثنى عليه، وهناك من المسلمين اليوم من هو أشد شراسة من أولئك الذين هم منابع شر وبؤر فساد، انطلق أبو العاص إلى مكة المكرمة ليلتقي زوجه زينب، كم فرحت بمقدمه، لكنها ما رأت مسحة على وجهه، مسحة الحزن ما بك يا أبا العاص؟ نحمد الله على سلامتك، قال يا زينب جئتك مودعاً، عجيب لمّا تصل تودع، لست أنا الذي يودع، أنت التي ستودعين، لم يا أبا العاص؟ هل طلب منك زعماء قريش أن نطلق، فأجبت وقد امتنعت عن ذلك ؟ لا يا زينب لا، إن أباك هو الذي طلب مني ذلك، وبيّن أن الاسلام قد فصل بيننا حرم بيننا الاسلام

وجهزها أبو العاص لأنه وعد الرسول صلى الله عليه وسلم فوفى بوعده، وتلتقيها هند ابن عتبة، هند بنت عتبة التقتها وهي تسعى لتجهز لسفرها أو أمر سفرها فأحست بشيء قالت يا زينب لعله قد بلغني أنك ستلحقين بأبيك ؟ فخشيت أن أقول نعم، خشيت من دسيسة ! قالت لها يا زينب لا يدخل بين النساء ما بين الرجال، أصدقيني إن كنت تريدين ذلك فعندي ما أعينك به على رحيلك إلى أبيك وصدقت هند في هذا كما قال كتاب السيرة، كانت صادقة فيه أروع صدق وهي وإن كانت على ما كانت عليه وإن كانت في جاهليتها لكن الجاهليين يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لهم شرف، وفيهم شرف وفيهم مروءة قد تخلى عنها كثير من أولئك الذين اليوم يتشدقون بإعلانهم أو انتسابهم للاسلام ! وأحياناً على استحياء

أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

تقول زينب ما اطمأننت لها وكتمت أمر الرحيل إلى المدينة المنورة إلى أبي، ولما تم تجهيزها، من يرحلني إلى هناك؟ فقال أبو العاص لقد أرسل أبوك زيد بن حارثة ومعه واحد من الأنصار وقد وقفا خارج مكة سنوصلك إلى هناك، وفعلاً جاء كنانة أخو أبي العاص فرحل لها بعيرها ثم قاد البعير في وضح النهار ومعه كنانته الممتلئة بالنبال ومعه قوسه، ولما انطق أمام الناس وثب الناس يريدون أن لا تخرج زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أنهم كانت جراحهم تنزف من معركة بدر الكبرى

وركض الناس وراء كنانة إلى أن بلغوا مبلغاً وإذا بهتار بن الأسود عليه من الله ما يستحق إذا به يلحق بالبعير التي عليه زينب فنخس البعير برمحه فقفز بها فأسقطها على الأرض وكانت حاملاً فأسقطت، كنانة جلس ونسل سهماً من كنانته وضعه في كبد قوسه وقال والله لا يقترب مني أحد إلا وضعت فيه سهما، وإذا بأبي سفيان يأتي يقول كف عنا نبلك حتى نكلمك، يا هذا نحن لا نمانع في أن ترحل زينب إلى أبيها ولكنك جئت على أعين الناس تريد أن ترحلها وهذا دلالته أننا في ذل وأننا في ضعف ونحن لا نريد ذلك، ارجع بالبنت ارجع بالمرأة إلى بيتها وإذا كان من هدوء من الأصوات وغفلة من الناس فخذها حيثما شئت، وفعلاً رجع كنانة بزينب رضي الله تبارك وتعالى عنها حتى إذا ما هدأت الأصوات رحل بها فأسلمها لزيد والأنصاري فوصلا بها إلى المدينة المنورة، أمة محمد عليه الصلاة والسلام نحن بحاجة ماسة أن نقرأ سير الأسر المسلمة كيف كانت، ليلها طهارة، نهارها حركة ، حياتها ! بناؤها ! أخلاقها ! علاقاتها ! تضامنها 

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله ""إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين سلماً لأوليائك وحرباً على أعدائك، نحب بحبك من أطاعك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك، اللهم ربنا هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك فنهلك، نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا غماً إلا كشفته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا سلمته ورددته ولا سجيناً في سبيلك إلا أطلقته ولا عاصياً من هذه الأمة إلا هديته ولا عدوا لهذه الأمة إلا قصمته، اللهم ربنا إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم يا ربنا اكفيناهم بما شئت، اللهم ربنا اكفيناهم بما شئت، اللهم ربنا اكفيناهم بما شئت، اللهم يا ربنا أنزل نصرك على من نصروا دينك وأيدوا شريعتك وحموا حماك

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.