404 - شهادة التقوى حقائق وسلوك
خطبة الجمعة    404 - شهادة التقوى حقائق وسلوك
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

 

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ. (الحج)   

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإنه متى تفقد الكلمات رونقها وبهاءها ؟ ومتى تصبح مملة ؟ وكيف نقوم مشروعاً من المشاريع نقبل عليه نريد أن نحققه ؟ وما مدى الحاجة إلى أن نقف قبالة المرآة الصغيرة الصقيلة الصافية لنرى فيها أنفسنا على ما هي عليه ؟ وما حقيقة هذا الوجود الذي أوجدنا الله عز وجل فيه؟ وما قصة ذلك الراحل الذي رأيناه في ساحة المطار وحوله حاشيته ومعه كل من لف لفه ، وشرب من مشربه ؟ كان يحمل حقيبة ضخمة ، ولعل حب الاستطلاع دفع إلى أن يُسأل، فقيل له: إلى أين؟ قال: إلى حيث ألقت أم قشعم رحلها ! أي: الموت ، أجل الموت الذي يشرب منه كل بني آدم ، وما هذه الحقيبة التي تحملها ؟ هي حقيبة أعماله ، أفيها من المال الذي كدست شيء ؟ قال: لا ، حاشى ألا ترى أن الثوب الذي ألبسته ليس له جيوب، من هؤلاء؟ هم أهله وأصحابه وأحبابه وأقاربه ، إلى أين يوصلونك ، قال إلى باب الطائرة ، وبعد ذلك يودعونه ، ثم يرجعون ليمارسوا الحياة بعده  على ما كانوا يمارسونها

الحسن البصري- رضي الله تبارك وتعالى عنه- يقول الليل والنهار مطيتان ، تسلمنا مطية النهار إلى مطية الليل ، وتسلمنا مطية الليل إلى مطية النهار، حتى تسلمانا إلى القبر! أتفقد مثل هذه الكلمات- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- رونقها ؟ أتمل منها الأسماع ؟ أرجع لأقول: إن الكلمات تفقد قيمتها ورونقها وبهاءها وتأثيرها إذا فقدت المعاني التي حملتها هذه الكلمات ، ترى هل الموت انتهى يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ هل بوابة عالم البرزخ قد أغلقت فلا يثب إلى عالم البرزخ واحد ممن يعيش اليوم فوق هذه الأرض؟ لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، الوجود الذي نعيش فيه عرفنا منه ما عرفنا ، وجاءتنا الرسالات لتخبرنا بما لم نعرف ، نحن جئنا من عالم الأرحام ، وها نحن اولاء فوق هذه الأرض ، ثم ماذا بعد هذا؟ يتكفل وحي الله تبارك وتعالى به ‘  ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ‘  إذن هناك بعث بعد الموت أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

ثم ماذا هناك ؟ هذا ما سنعرضه لأهمية ما فيه ، لكن لأننا قادمون على الآخرة لا محالة يقول علي- رضي الله تبارك وتعالى عنه- : إن الدنيا ولت مدبرة ، وإن الآخرة ولت مقبلة ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ‘  أما جاء في كتاب الله عز وجل ما يدل على روعة مراقبة الزمان،

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا. (الفرقان)

أليس الليل والنهار نقيس بهما أعمارنا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ حتى إذا ما انتهى أجل أحدنا ودعناه ، كما نودع ذلك الذي ودعناه ، ولكنا غفلنا عن أن نسأله ما مضمون ما تحمل معك ، قال: لقد أحصاه الله عز وجل ، ما مضمونه؟ كتبته الملائكة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، أيمكن أن يكون هناك مسافر آخر تقلع به الطائرة عما قريب ، ويحمل الحقيبة ؟ أجل، اشتركا بالرحيل والإقبال على عالم البرزخ ، ذلك العالم الذي يقول فيه أولئك الذين أعطوا قلوباً ربانية تقية نقية برية من الحقد

يقول محمد بن واسع لما سئل، كيف أصبحت؟ قال: وكيف يكون من أصبح وقد دنا من لقاء الله عز وجل مرحلة، أجل نحن مقبلون على الله جل جلاله ، وهذا الإقبال يعني أن الأجل الذي أجله الله عز وجل لنا هو فرصتنا في أن نكسب شهادة هي من أرقى الشهادات فوق هذ الأرض، الشهادات والمشروع الذي ذكرناه ، أنه قبل أن نقدم عليه وجب علينا أن نتعرف إلى المكاسب والخسائر، أن نتعرف إلى مدى أهمية هذا المشروع ، حركتنا فوق هذه الأرض والناس جميعاً مدعوون أن يحققوا بها شهادة هي من أرقى الشهادات التي عرفتنا بها الرسل عليهم الصلاة والسلام

‘ إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون’ ، ‘ إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون’ ، ‘ إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون’ ، ‘ إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون’ ، ‘ إذ قال لهم شعيب ألا تتقون’ ، أجل يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

من لم يبحث في شهادة التقوى فهو من الأشقياء ، ذلك أن الأتقى هو الذي سيجنبها ويقابل الأتقى ، الأشقى الذي يصلى ناراً تلظى، يقابل التقي الشقي إما أن يكون تقياً وإما أن يكون شقياً، كلنا مدعوون ؟إلى أن نحصل شهادة التقوى ، ومراتبها معلومة قد فصل فيها شرع الله جل جلاله ، المرتبة الأولى التي لا بد منها تتمثل في ‘  كلمة التقوى ‘  تلك التي أثنى الله عز وجل على الصحابة بأنهم قد التزموها وأعطوها حق حقها ‘  وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ‘  كلمة التقوى هي لا إله إلا الله ويضم لها محمد رسول الله، ولا إله إلا الله يعني أني لستُ عبداً لشهواتي ولا لأهوائي ولا لنزواتي ولا لأي مخلوق من المخلوقات إنما أنا عبد لله جل جلاله وإذا تحققت عبوديتي لله تبارك وتعالى معنى ذلك أنني قد حققت مضمون لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله

قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ. (المؤمنون)

حيث تحقق معنى الربوبية وحيث تجلى لك حقائقها وحيث تبين لك أن الله عز وجل إنما هو ‘ رب السموات السبع ورب العرش العظيم’  فلماذا لا تتجه إلى الله تبارك وتعالى من أجل أن تلتزم بما أنزل الله عز وجل من شريعة، والالتزام هنا يرقيك وعدم الالتزام إنما هو يرديك ! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، هذا من جملة الحقائق التي جاءت بها شريعة الله ونحن أولاء إنما نريد أن نعرض بعض المشاهد بعدما نتبين مواضع التقوى في كتاب الله

وحيث نريد أن نتبين مواقع التقوى في كتاب الله عز وجل نريد بذلك أن نتعرف، ما صفات المتقين يا ترى؟ أهناك صفات للمتقين؟ أهناك سلوكيات للمتقين؟ أأنا من المتقين يا ترى؟ كيف أحكم لنفسي على نفسي بأني من المتقين؟ ترى أأحكم بذلك إذا كانت صفاتي وسلوكياتي وأقوالي وأفعالي وأحوالي تتطابق مع ما جاء بكتاب الله عز وجل يصف المتقين؟ إذا وجد نفسه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قد فقد كل صفة من صفات المتقين، أيصح مع هذا أن يوصف بأنه من المتقين، ثم إذا رحل على أنه ليس من المتقين ما الذي يخسره هناك؟ 

يقول أحدهم وهو أسقف كانت النفس ضالة ثم دخل في الإسلام، يسأله سيدنا علي رضي الله تبارك وتعالى عنه يقول: عظني ، وقول سيدنا علي وهو من هو!هو من كبار صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام يقول للأسقف من حيث إنه أسلم : عظني ، هذا يدل لأنه من المتقين على أن المتقي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يستنصح ، وأنه إذا ما نصح قبل النصيحة وسهرعليها، أليس بالمقابل قد أخبرنا الله تبارك وتعالى عن أولئك الذين إذا ما وعظتهم عربدوا ! وإذا ما حذرتهم تمردوا ! أما قال ربنا جل جلاله في حق أولئك الذين ليس فيهم ذرة من تقوى وإن أعلنوا عنها بألسنتهم فليست المسألة مسألة لسان ، إنما هي مسألة جنان ، ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ‘  التقوى ههنا ويشير إلى صدره ‘  عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّـهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّـهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ. (البقرة)

قال: عظني ، قال له يا أمير المؤمنين ! إذا كان الله عز وجل معك فممن تخاف، يا أمير المؤمنين إذا كان الله عز وجل معك فممن تخاف، قال أحسنت، قال يا أمير المؤمنين هب أن الله عز وجل قد عفا عن المسيئين أفليس قد فاتهم ثواب المحسنين، هب أن الله عز وجل قد عفا عن المسيئين أفليس قد فاتهم ثواب المحسنين، قال أحسنت، حسبي حسبي ذلك أن الكلمة التي تحمل معانيها تبقى متوهجة سارية في أجواء الحياة الإنسانية لتقع في أرض القلوب الطيبة النقية الصافية فإذا بها تنبت، تنبت السلوك الذي يمثل التقوى في حقائقها قال ربنا جل جلاله يبين بعض صفات المتقين

وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِوَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون، أُولـئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.  (آل عمران)

وبين الله تبارك وتعالى أن ثمة حقائق وسلوكيات ما لم يتحقق بها  فليس له نصيب من التقوى قال ربنا جل جلاله

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.  (البقرة)

شهادة قد يمنحها الله جل جلاله لأولئك الذين استوعبوا كثيراً من حقائق الوحي الذي أكرمنا الله عز وجل به أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

هارون الرشيد رحمه الله تبارك وتعالى يقول ليزيد أويقول لابن السماك في مجلسه يا ابن السماك ! عظني ، وهذا حينما نسوقه نريد به أن ندرب أنفسنا على أن نستنصح ، لأن الدين النصيحة ، وبالاستنصاح يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ترتقي سلوكياتنا ، إذا رأى من نفسه أنه لا يقبل النصيحة ، وأن صدره يضيق بها فعليه أن يراجع حساباته قال يا ابن السماك ! عظني ، وكان في يد هارون كأس ماء فاستغل ذلك ابن السماك فقال: يا أمير المؤمنين ! هب أن هذا الكأس قد منعت منه فكم تدفع الثمن؟ ما الثمن الذي تدفعه لو أن هذا الكأس قد منع منك ، وأنت بحاجة ماسة إليه ؟ قال أدفع نصف ملكي، قال هب أنك شربته وحبس فيك فلم يخرج فكم تدفع ليخرج منك ذلك الماء؟ قال: أدفع النصف الثاني ! قال يا أمير المؤمنين ما قيمة ملك لا يساوي شربة ماء والبولة ؟! وعظه فأبلغ في الموعظة، يريد في ذلك أن أولئك الذين يتعلقون بمباهج هذه الدنيا ويسكرون بزينتها ولذاتها، كائناً ما كانت هذه الزينة إنما هم في غفلة عن تلك الرحلة التي تبدأ من أرض هذه الدنيا ليدخل بها عالم البرزخ ثم ماذا بعد هذا من الحقائق التي جاء بها وحي الله عز وجل أنا سنفضي إلى رحاب الله عز وجل في ساحة العرض على الله ماذا هناك يا ترى ؟ هو من المغيبات ولكن جاءنا شرع الله عز وجل يبين أن هناك الميزان ، وأن هناك الصراط ، وأن هناك تطاير الصحف  

أما قال ربنا جل جلاله:

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. (الكهف)

وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا. (الإسراء)

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا، وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا، إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا، إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ، بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا. (الإنشقاق)

هناك الميزان

وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ، (الأعراف)

هذا كلام الله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام  ، لا نريد أن نتلوه على المسامع من أجل أن ننال ثواب الاستماع ، وإنما نريد من ذلك أن نقف أمام الحقائق ، هناك يقول الله تبارك وتعالى عارضاً علينا موقفا واحدا من أولئك الذين رحلوا عن هذه الدار وربما غفلت عن مضمون تلك الحقيبة التي حملها من ودعناه بل لم نودعه وإنما هو رحل إلى الله عز وجل ونحن راقبنا رحيله وإذا بهذه الحقيبة فقدان التقوى، ومن فقد التقوى أكل الربا ومن فقد التقوى كذب وزور ومن فقد التقوى سفك الدم ومن فقد التقوى طغى وتجبر وعربد من فقد التقوى شرب الخمرة ومن فقد التقوى مد يده للرشوة وأكل الحرام من فقد التقوى يتاجر بالمخدرات من أجل أن يفسد المجتمع من أوله إلى آخره من فقد التقوى يوظف النعم التي أنعمها الله عز وجل عليه بالطغيان فوق هذه الأرض حقيبة منتفخة في الأعمال التي لا تساوي ذرة عند الله بل هي وبال عليه أي وبال.

يقول الله جل جلاله

وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا، أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا، فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا، ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَـٰنِ عِتِيًّا، ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيًّا، وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا. (مريم)

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ. (آل عمران)

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا. (النبأ)

 

هو خرج من هذه الدنيا ولم يمتلك ذرة من التقوى هو كان جاهلا بالله جل جلاله، والله تبارك وتعالى يقول: هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ. (المدثر) قال العلماء ما معنى أن الله قال ‘ هو أهل التقوى’  قال لنتعرف إلى جلال الله جل جلاله عرف أن الله عز وجل إنما يؤتى رضوانه ويتقى سخطه فنعوذ بالله عز وجل نعوذ برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته وبه منه سبحانه وتعالى من فقد التقوى يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أنى له أن تزلف له الجنة

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. (ق)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ. (القمر)

أرأيتم إلى حضرة هذه الشهادة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام شهادة التقوى أليست جديرة أن يستنفر لها المسلمون اليوم في مشارق الأرض ومغاربها ، وإن استنفروا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام فلم ينفروا! معنى ذلك أن المعاصي التي ألمت بساحتهم قد أركستهم وقد ربطتهم ربطاً جذرياً بالطين أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

قد ضرب الله عز وجل لنا أمثال الدنيا بل ذكرت الدنيا عشرات المرات في كتاب الله عز وجل لأننا نعيش في رحابها على أنها لذائذ وشهوات على أنها ملك على أنها ثروة على أنها جاه ويغفل هؤلاء عن حقيقتها، حقيقتها الزوال، ودليل قضية الزوال هذه مشاهدة مبصرة محسة ملموسة من منا يغفل عن قضية الموت على أنه نهاية الرحلة الأرضية وبداية الرحلة البرزخية، أما سمعتم رسولنا عليه الصلاة والسلام وهو الأعلم بالله والأتقى بالله والأخشى لله عز وجل هو الأتقى على الإطلاق عليه الصلاة والسلام لأنه الأعلم بالله جل جلاله وبمقدار ما تكون الأعرف بالله عز وجل تكون الأتقى لله تبارك وتعالى، يقول: ( ما لي وللدنيا ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم رحل) ، ما لي وللدنيا ما أنا والدنيا إلا كراكب لو وضعت خطاً تحت راكب لوجدت أنها الرحلة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بل إن كل نصائحه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة إنما ترمي إلى أنه ما ينبغي أن يغفل عن الأنفاس بل عن الساعات بل عن الأيام والشهور ذلك أن أنفاسنا معدودة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وما ينبغي أن تتعفن ضمن الأنفاس حركتنا الحياتية لأن النفس الذي يطلق في المعصية كائناً ما كانت هذه المعصية ولو كانت في صورة ركون إلى الظلم والظلام أنفاس الراكن للظلم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام متعفنة منتنة والأدلة كثيرة كثيرة من جملتها ما قاله عليه الصلاة والسلام لأبي ذر الذي يخشى ههنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن تكثر النصوص مع عظمة ما جاءت به هذه النصوص أن تكثر كثرة يلغي بعضها بعضاً قال لي بخاطر سريع وقد مل من السماع فانه كلامك لأنه يكفينا ما قلت وهو الذي سيحصل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولكن بعد ما قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر( يا أبا ذر أحكم السفينة فإن البحر عميق ، واستكثر الزاد فإن السفر طويل ، وخفف الظهر فإن العقبة كؤود ، وأخلص العمل فإن الناقد بصير) أتدري ما معنى خفف الظهر؟ أي: حذار أن تحمل أوزارا على ظهرك ، الغيبة وزر والنميمة وزر ومساعدة الظالمين من أكبر الأوزار يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إذا رأيت منكراً وبإمكانك أن تنكره فسكت عنه هذا من الأوزار يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، كل مخالفة لشرع الله تبارك وتعالى إنما هو من جملة السيئات، وإن كانت هذه السيئات تعتبر دركات ، هناك دركة ليس بعدها دركة! هي دركة النفاق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، خفف الظهر ثم أما نصحنا عليه الصلاة والسلام وهو الناصح الأمين  ‘  واستكثر الزاد إن السفر طويل ‘  الذي تجده في عالم البرزخ هو ما قدمته بهذه الدنيا التي نعيشها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

من هنا علينا أن نرجع إلى كلمة التقوى وأنها ينبغي أن نجعلها منهاج حياتنا فإذا بنا أمام المنهاج الذي تثمره كلمة التقوى إذا ما نبتت في قلوبنا فإذا بها ترتفع إلى السماء أغصانها أوراقها أزهارها ثمارها أقوال صادقة وإخلاص في العمل وصلة رحم وبر للوالدين ومساعدة للمساكين وإغاثة للملهوف وتبسمك في وجه أخيك والوقوف إلى جانب المظلوم تدفع عنه الظلم هذا كله من ثمرات كلمة التقوى فإذا بنا أمام قول الله عز وجل في أول نداء في سورة البقرة

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. (البقرة)

أن تحقق العبودية لله عز وجل على أن العبودية إنما تشمل أن تقوم بكل ما أمر الله عز وجل أن تقوم به وأن تنتهي عن كل ما نهى الله عز وجل أي ينبغي أن تنتهي عن كل ما نهى الله عز وجل عنه

من هنا وجدنا أنفسنا أمام المرتبة الثانية التي هي ثمرة كلمة التقوى هي أن تحقق التقوى في إقامة الفرائض والانتهاء عن المحارم، (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه)

ثم يبين عليه الصلاة والسلام (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله)، ثم هناك (  حق التقوى )  أما دعانا ربنا جل جلاله إلى حق التقوى أما قال ‘ يا أيها الذين آمنوا’  هناك قال ‘ يا أيها الناس اعبدوا ربكم’  هنا قال ( يا أيها الذين آمنوا)  حيث حققنا العقد مع الله عز وجل حيث إننا آمنا به رباً واحداً أحداً فرداً صمداً له ملكوت السموات والأرض وبيده مقاليد السموات والأرض هو الأول فليس قبله شيء وهو الآخر ليس بعده شيء وهو الظاهر ليس فوقه شيء وهو الباطن ليس دونه شيء حيث عقدنا مع الله عز وجل عقد الإيمان جاءنا النداء منه جل جلاله

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. (آل عمران)

خاصة إذا ما كثر الهرج والمرج خاصة إذا ما أشعل أعداء الله عز وجل رياح الفتنة في ربوع المسلمين وجدنا أنفسنا أمام حق التقوى، ما حق التقوى؟ أن تطيع الله عز وجل فلا تعصيه وأن تشكر الله عز وجل فلا تكفره وأن تشكر الله تبارك وتعالى فلا تنساه هذا كله إنما يفضي بنا إلى رحاب التطبيق، التطبيق في جواهره يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وجدناه في أولئك الذين امتلأت قلوبهم بالحقائق فإذا بجوارحهم تسعى على أنها ثمرة لهذه الحقائق

تفاحة أسمعتم بها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لن تجد شعرة واحدة يمكن أن تصل هذا الموقف بما عليه غالبية المسلمين اليوم ولا شعرة ! لماذا نسوقه إذن؟ لعل هذا المشهد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يوقفنا أمام حقيقة لا بد لنا من أن ندركها هي أن التقوى ليست دعوى ، وإنما هي سلوك. يزيد الرقاشي في مجلس عمر بن عبد العزيز قال له عمر يا يزيد عظني انصحني فقال يزيد يا أمير المؤمنين لاحظ أنهم كانوا يحترمون المكانة التي عليها عمر ولكن احترام هذه المكانة لا يعني أن يبخلوا بالنصيحة وهذه المكانة لا تعني على الإطلاق أن من له هذه المكانة لا يسمع للآخرين يا أمير المؤمنين قال له ذلك إقرارا بمنزلته ، ونحن نعتقد أن عمر بن عبدالعزيز من الخلفاء الراشدين ، هو خامس الخلفاء الراشدين ، وهو المرآة الصقيلة التي ذكرتها في المطالع نقف قبالتها لنتحرى قال عظني انصحني قال يا أمير المؤمنين ليس بينك وبين آدم أب إلا ميت ليس بينك وبين أبيك آدم أب إلا ميت لعلها من كبريات النصائح أما قلت في البداية إن الكلام إنما تبقى قيمته فيه بمقدار ما حمل هذا الكلام من حقائق، الأجيال التي سبقتنا ولا يعني هذا على الإطلاق أن الجيل يأتي مباشرة بعد الجيل بعد أن ينتهي الجيل الأول إلى السبعين أو الثمانين أو المئة ذلك أن قضية الموت يقول فيها جل جلاله

وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا...... (الحج)

في الموت ، حقيقة الموت أنه إعلان عن انتهاء الأجل الذي أجله الله عز وجل للميت  ن ولا يموت الميت إلا بأجله كن على يقين من ذلك ، رب من يعيش على سرير المرض ورب من يعيش وهو يركض بأقوى قوته ورب من يعيش من هو في ساحة المعركة وربما يعيش ورب من يعيش ورب من يموت وقد استهل لتوه ، صرخ صرخة الولادة ثم مات ‘  ومنكم من يتوفى ‘  

( ثم نخرجكم طفلاً، ومنكم من يتوفى )

ألا ترون معي- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أنه قال لعمر الحقيقة التي ينبغي أن تستحضر

( ليس بينك وبين أبيك آدم أب إلا ميت)  لو فرضنا أن والدك ما زال في قيد الحياة ونحمد الله عز وجل على ذلك

إن كانت حياته من الخير له أو ربما جدك ما زال في قيد الحياة فهو خير إن شاء الله ولكن ما بعد الجد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

قال له زدني يا يزيد! قال زدني يا يزيد ما الثانية هذه الثانية لنا جميعاً يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حكاماً ومحكومين عمالاً ومزارعين تجاراً وموظفين ومحامين ومهندسين وأطباء قل ما شئت الذين يعيشون في أقصى الأرض وفي قلب الأرض وفي مكة المكرمة – قال يا أمير المؤمنين اعلم أنه لا منزلة بين الجنة والنار يوم القيامة، إما جنة وإما نار! وعمر يدري ما معنى هذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يدري به دراية رائعة ، الدليل جاء تفاح من الفيء من تولى تقسيمه؟ استحضر معي ولن أزيد على هذا المشهد والمشاهد كثيرة غزيرة لكن الإطالة مملة وأنا أعترف بذلك

مشهد فيه أمير المؤمنين يوزع الفيء على المسلمين كان بإمكانه أن يوظف الكثيرين ليقوموا بذلك

يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لكنها الأمانة لكنها الأمانة لكنها الأمانة تلك التي جاء العباس مرة إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام قال أمّرني على شيء يا رسول الله قال يا عباس! العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله أمرني عم النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن أمّرني لكن الرسول عليه الصلاة والسلام ذو القلب الرحيم والعارف بمداخل الأمور ومخارجها قال يا عباس إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة وإذا استطعت أن لا تؤمر على أحد فافعل ‘  أجل إن استطعت أن لا تؤمر على أحد فافعل

دعك من هذا  أقم الحياة في الميدان الذي دون هذا الميدان لعظمة هذا الميدان وقد جاءت رسالة مرة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله تبارك وتعالى عنه من عامل من عماله يشكو إليه فإذا به يكتب رسالة يقول بها يا أخي

أمير المؤمنين يشكو عامل من عماله إليه فيجيبه يا أخي – هي رسالة ليست من الدسائس هي رسالة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لم يختم عليها سري للغاية وقد تضمت الأهوال والمفاسد والمكائد والشرور والمؤامرات قال يا أخي اترك دار أهل النار مع طول الأمد واستحضر أنك حين تصرف عن الله عز وجل أن تصرف مع انقطاع الرجاء والأمل، أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام حين توقف بين يدي الله عز وجل فيقال خذوه إلى أين يا ترى ؟

خُذُوهُ فَغُلُّوهُ،  ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ.

عمر بن عبد العزيز يوزع التفاح تفاح الفيء جاء أحد أولاده وأنا لن أذكرعمره أنتم سوف تكتشفون عمر هذا الولد، ولد من أولاد عمر بن عبد العزيز وهو أمير المؤمنين الذي كان يحكم مشارق الأرض ومغاربها وهو يوزع التفاح من الفيء على المسلمين فجاء ولده فأخذ تفاحة ووضعها في فيه ما المشكلة في هذا فليأكل كل التفاح، أليس التفاح ملكي أوليس هذا ولدي لماذا لا يأخذ كل التفاح في مشارق الأرض ومغاربها. لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام هذا يكون إنسان غافل ساذج بهيمة لم يفهم الكثير، عمر أمسك بالتفاحة فاستخرجها من فم ولده كم كان عمر الولد دل على عمره أنه قد بكى ورجع إلى أمه يبكي لو كان شاباً أيبكي لا والله ولكنه كان صغيراً عرفت أمه ما كان فأرسلت فاشترت له تفاحاً من السوق ورجع عمر إلى البيت فقال بعدما شم رائحة التفاح أجاءكم من تفاح الفيء شيء فأخبرته بما كان قالت جاء ولدك يبكي لأنك أخرجت التفاحة من فمه قصة! مشهد يا أمة محمد عليه السلام ولكنه رائع والله لو أن الأمة بكبارها وصغارها وقفت أمام هذه التفاحة لاعتزلت كثيراً من الأمور نحن أحيانا نسأل ما الفائدة ولم وكيف نصلح وكيف نكون علماً بأن الإصلاح يبدأ بقلب عمر بن عبد العزيز من قلب الحقائق وهذا لا يستغرق وقتاً حتى لا يقول قائل حتى نصلح القلوب نحتاج إلى مئة سنة كالدعاوى دعاوى الإصلاح التي تستغرق آلافاً من السنين لأن دعاوى الإصلاح إنما القشة التي يعلق عليها  اولئك الذين قد تجزروا في طين هذه الدنيا ومستنقعها.

ماذا قال عمر بن عبد العزيز لزوجته قال يا فاطمة والله لما أخذت التفاحة من فمه كأنما أقتلع التفاحة من قلبي كأنما أقتلع التفاحة من قلبي ولكني أحببت أن لا أضيع نصيبي من الله بتفاحة من الفيء.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله ‘ إن الله وملائكته يصلون على النبي’  ونبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته فإنه قال لنا ‘ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون’

أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

قال ربنا جل جلاله ‘ إن أكرمكم عند الله أتقاكم’  إن الأكرم عند الله الذي له منزلة  عالية عند الله هو الاتقى والأتقى هو الأعلم بالله تبارك وتعالى والعلم بالله تبارك وتعالى قد جاء كتاب الله عز وجل ممتلئاً يعرفنا إلى الله جل جلاله إلى صفاته إلى أسمائه إلى مظاهر عظمته سبحانه وتعالى ومن هنا وجدنا أنفسنا أمام مشهد لعله من المشاهد التي امتلأ بها تاريخ السلف الصالح هارون الرشيد رحمه الله تبارك وتعالى قال لفضل بن الربيع دلنا على رجل لأنه حاك في صدري مسألة أريد أن أسأله إياها فقال له : الفضيل بن عياض ، وتوجه هارون ومعه الفضل بن الربيع للفضيل بن عياض قرع الباب كان الفضيل بن عياض يقرأ القرآن قيل له أمير المؤمنين بالباب قال وما أفعل بأمير المؤمنين ؟ قيل للفضيل أمير المؤمنين بالباب قال وما أفعل بأمير المؤمنين كأنما جاء من أجل أن يحوله إلى كرسي أو يحوله إلى صندوق وما أفعل بأمير المؤمنين فقال له الفضل بن الربيع ويحك أوليس له عليك طاعة فأوقفه أمام الأمر فدخل أمير المؤمنين وسبقت يده إلى يده أو سبقت يده يده ، أي مد أمير المؤمنين يده ليصافح الفضيل بن عياض أمسك الفضيل بيد هارون الرشيد رحمه الله وقال له ما ألينها من يد لو أنها نجت من النار فقال الفضل لنسمعن كلاما نقياً من قلب تقي وبدأ الفضيل بعدما سأله هارون يبين له أبعادا من أروع الأبعاد في قضية الحساب والوقوف غداً بين يدي الله عز وجل حتى شهق هارون وبكى وبكى فرحمه الفضل بن الربيع وقال له يا فضيل ارفق بأمير المؤمنين كان الجواب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قتلته أنت وأصحابك وتطلب مني أن أرفق به إنكم غمرتموه في الكذب والتورم ذلك أنكم ما نصحتموه على الإصلاح وهذه البطانة التي كانت حول هارون لعل منها من كان يورم ، أرفق بأمير المؤمنين وهل الرفق بأمير المؤمنين أنت تنفخه حتى ينفجر انتفاخاً لا يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إلى أن قام بعدما صمت الفضيل قام هارون وقال له هل عليك دين قال علي دين لله سيحاسبني به وأني لأرجو الله أن يخفف عني من حيث يحاسبني ويخفف عني من حيث يناقشني الحساب ويخفف عني من حيث يلهمني حجتي قال له هارون أن لا أقصد هذا الدين أنا أقصد دين الدنيا قال لا  هذا وضعته في باب الله جل جلاله

ومضى هارون وكان قد رصد مبلغاً إلى الفضيل ، فأبى أن يأخذه ، وجاءت إحدى نسائه فقالت له يا هذا أما ترى ما نحن فيه من كرب أفلا كنت تأخذ هذا المال لعله يفرج به عنا فقال لها مثلي ومثلكم كمثل قوم لهم جمل كانوا يأكلون من كبسه حتى إذا كبر ذبحوه فأكلوا لحمه.

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله ‘ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً’ ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى فقد قال لنا ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم ارض عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، اللهم ربنا إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك حفنا اللهم والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بألطافك الخفية، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً وتفرقنا من بعده تفرقا مباركا محفوظاً، لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً هبنا جميعاً لسعة رحمتك يا أرحم الراحمين.

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وأقم الصلاة.