410 - في البركة معنى وميادين
خطبة الجمعة    410 - في البركة معنى وميادين
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت الحق وقولك الحق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم حق، اللهم لك اسلمنا وبك آمنا، وعليك توكلنا، وبك خاصمنا وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿٢﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإنه مما قاله العلماء إذا كثرت المنكرات حرمت الأمة من بركة الوحي ، ويمكن أن يضاف إلى هذا ربما تعمى القلوب عن قراءة الوحي قراءة صحيحة ! حقيقة ذلك أن المنكرات تشكل طبقة سميكة غليظة بين القلوب وبين أنوار وحي الله تبارك وتعالى ، قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : إذا رأيت الله عز وجل يعطي المرء من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا قول الله عز وجل "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴿٤٤﴾"، "فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ"، تدفقت عليهم مظاهر هذه الدنيا، مظاهر نعيمها بهارجها زخارفها مالها شهواتها، "فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا" فرح أشر وبطر! فرح بمعصية فرح بمنكرات فرح كفران لا شكران، "أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ" يائسون متحسرون

قال العلماء جاء في كتاب الله عز وجل الفتح في سياقين هذا السياق "فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ" وسياق آخر قال الله عز وجل فيه "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" هنا فتح من الله عز وجل لكن تتدفق منه البركات وقد جاءت الكلمة نكرة لتدل على الأنواع ، أنواع البركات، والبركة إنما تدل على ثبوت الخير في المبارك ، وتدل على لزومه فيه ، وقد ربط العلماء بين معنى البركة على معنى الثبوت واللزوم، وبين الأصل اللغوي قالوا بركة الماء ، وهي التي تحبس الماء فيثبت فيها، وقالوا : برك البعير إذا ما استقر من سفر أو مشي ، يفهم من هذا أن البركة تؤخذ على معنى اللزوم والاستقرار والثبات والامتلاء، "فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" ربطت الآية المباركة ههنا بين التقوى مع الإيمان وبين البركات التي تتدفق من السماء وتتدفق من الأرض

وقد قال العلماء إذا ما وجد الناس الشر قد تفشى ، إذا ما نضبت البركة ، أو إذا ما انعدمت أو قلت، والبركة ههنا إنما تسري في كل أوصال الوجود هناك بركة في المكان بركة في الزمان بركة في المال بركة في المشاعر بركة في الكلام بركة في كل شأن من شؤون الانسان فوق هذه الأرض، إذا ما قلت البركة فشهق الناس ولم يلحقوا وإذا ما ارتفعت الدخول لكنها لم تعد توفي حاجات من ارتفع دخله، وإذا وجدت ووجدت ووجدت !!! دل هذا على أننا بحاجة إلى وقفة مخلصة أمام ما يسمى بالبركة، أين تلك البركة التي حدثنا عنها كتاب الله عز وجل؟ قال إذا ما عدمناها دل هذا على أننا ما قمنا بالأسباب التي نستنزل بها ، نستفتح بها بركات السماء من الله تبارك وتعالى

"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" وقد عرضت آيات القرآن الكريم سنة من سنن الله تبارك وتعالى، هذه السنة هي الارتباط الوثيق بين التقوى وبين سعة العيش ورغد العيش وعطاءات الله تبارك وتعالى، ويقابل هذا إذا ما أجرم الناس وإذا ما عصوا وإذا ما شاعت المنكرات بين ظهرانيهم إنما فقدوا الكثير الكثير من هذه البركات التي حدثتنا عنها آيات القرآن الكريم

"وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴿٥٢﴾" هود عليه الصلاة والسلام دعا قومه إلى الاستغفار "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا" وذكر السماء ههنا لأنها علم من معالم رغد العيش فوق هذه الأرض

أرأيت إلى شح الماء وما الذي يثمره شح الماء، أرأيت إلى الجفاف الذي يضرب الأرض وما يورثه الجفاف الذي يضرب الأرض ! ومن هنا لما ذكر "يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا" دل هذا على أنه لا نبات ولا ثروة حيوانية ولا يتمكن الإنسان من أن يروي ظمأه جراء قلة الماء ونضوبه بل وربما صارت زجاجة الماء بقيمة لا يقدر عليها الكثيرون على شرائها،ثم قال : "وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ" حينما تعمى القلوب يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا تفرق وقتها بين المجرم والمسلم، مع أن الله تبارك وتعالى قال "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴿٣٥﴾ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿٣٦﴾"

تعال بنا إلى موسى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حيث أخبرنا الله جل جلاله عما كان منه من عهد عاهد الله عز وجل به تمثل في أن الله تعالى إذا أعطاك قوة أو أنعم عليك بنعمة وجب عليك إذا أردت الزيادة أن تشكر الله عز وجل، وشكر الله عز وجل على كل النعم صغيرها وكبيرها يتمثل في أن تنسبها أولا لله عز وجل لأنه المتفرد بالنعم سبحانه وتعالى

ما أصبح بي من نعمة ولا بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، ثم توظيف النعمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بعد أن تشهدها من الله جل جلاله ، وتوظيفها لا يمكن أن يتحقق إلا إذا عرفت ما الذي يريده شرع الله عز وجل بهذه النعمة؟

أما إذا كان جاهلاً بمسار شريعة الله عز وجل في توظيف النعم معنى ذلك أنه يوظفها في الشر وهو يظن أنه يوظفها بالخير، والأنكى من ذلك أنه يوظفها في الشر ويعلم أنه يوظفها في الشر ومع ذلك يدعي أنه كله خير أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إذا كنا في زمان وقف المجرم فيه ليعلن أنه هو المسلم معنى ذلك أننا في كارثة حقيقية

ماذا قال موسى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، قال ذلك بعدما وكز ذلك القبطي فقضى عليه فوقف إزاء هذا الفعل أو هذا التصرف فإذا به يقول : " ربّ إني بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين " رب بما أنعمت علي، ربي بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين، إذا وظف القوة في مناصرة الظالم ! في مناصرة المعتدي في مناصرة الطاغي، أو إذا كان بإمكانه أن يوظف القوة ليحجم من شر الشرير ولم يوظفها فهذا لون من ألوان كفران نعمة الله تبارك وتعالى، الساكت عن الحق شيطان أخرس ! نعمة اللسان نعمة من نعم الله عز وجل علينا

نحن في سياق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نستطلع فيه بعض آيات القرآن الكريم لنتعرف إلى سنة من سنن الله عز وجل في هذا الوجود، وقد جاء كتاب الله يعرفنا إلى الله ويعرفنا إلى طريق السعادة ويحذرنا من طريق الشقاء ويبين لنا مجموعة من الحقائق التي إذا ما استوعبناها صاغتنا صياغة ربانية فيها السعادة في الدنيا وفيها السعادة في الآخرة

"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" أليس هذا بيان لسنة من سنن الله عز وجل يبين فيه أن الخيرات تأتي من السماء وتنبت من الأرض بشرط أن يلتزم الناس شريعة الله تبارك وتعالى

أما إذا لم يلتزموها كان حالهم كحال المريض الذي وقف على طبيب بارع ونصحه الطبيب بأن يفعل كذا وكذا ولا يأكل كذا وكذا وأن يتناول الدواء بانتظام أن يعتني بغذائه وأن يعتني بدوائه ثم تنكب نصائح الطبيب ووضعها خلفه ظهريا، ما النتيجة يا ترى؟ تورمات، ما النتيجة يا ترى؟ تفتقات، ما النتيجة يا ترى؟ هلاك لخلايا البدن، نحن نتكلم عن الصحة الجسدية فكيف بالصحة النفسية يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

"فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴿١٢﴾" هذا ما قاله نوح عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لقومه حينما دعاهم إلى الله جل جلاله ما الذي طلبه؟ أن يستغفروا الله، ما الذي طلبه منهم؟ أن يتوبوا إلى الله عز وجل، ما الذي سألهم أن يفعلوه؟ سألهم أن ينظفواحياتهم سلوكاً وتصوراً وأن يروا نعم الله عز وجل عليهم، "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾" ثم بعد ذلك يأتي جواب الطلب فإذا به يرصد من أروع أنواع النعيم !

جاء رجل إلى الحسن البصري رضي الله تبارك وتعالى عنه فشكى منه ضيق العيش فقال أكثر استغفارك لله عز وجل، وجاء رجل وشكى تأخر الإنجاب فقال استغفر الله أكثر من الاستغفار، وجاء رجل وكل يقول شكواه وإذا به يصف لكل واحد من أولئك الذين اختلفت ميادين مشاكلهم يصف له أن يكثر من الاستغفار، فقال له بعض أصحابه عجباً كل من يسألك تقول له استغفر الله، كما يقال أحياناً على سبيل المداعبة يأتي المريض إلى الطبيب فيعطيه أسبرو، ويأتي آخر بمرض آخر ويعطيه أسبرو أيضاً، وثالث ورابع، هنا مختلف الأمر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، إذا رأيت ضيق العيش فأكثر الاستغفار، وإذا تأخر الأنجاب فأكثر الاستغفار، وإذا ضاق المال أو ضاقت ذات يدك عن المال فأكثر الاستغفار، وقد استسقى الفاروق رضي الله تبارك وتعالى عنه أي دعا دعاء الاستسقاء فما زاد على أن استغفر الله تبارك وتعالى قالوا يا أمير المؤمنين ما زدت عن الاستغفار قال إني استسقيت بمجاديح السماء على معنى أنه إذا ما استغفر الله أرسل الله عز وجل علينا الغيث، لا تظنن هنا أن قضية البركات لا يمثلها إلا الماء مع عظمة الماء في وجودنا وأهمية الماء في وجودنا ولكن قضية البركة قضية ذائعة شائعة، قلنا البركة تعني ثبوت الخير في الأمر المبارك مع لزوم هذا الخير للأمر المبارك

أما أخبر المسيح عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لما وقف يهود يسألون السيدة مريم عليها السلام أنى لك هذا؟ فإذا به يجيب،"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴿٣٠﴾ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ" قال المفسرون مباركاً أي نفاعاً ! هناك مسلم نافع وهناك مسلم نفاع وهناك ضار وضرار لا يصح أن يكون المسلم ضاراً ولا ضراراً يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إذن بين نعمة الله عز وجل عليه أنه جعله مباركاً، ذاته ذات مباركة

القرآن الكريم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام من حيث ذات القرآن "وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ" ذلك أن القرآن لا تنقضي عجائبه ذلك أن القرآن ممتليء ببصائر! ذلك أن القرآن هو حبل الله المتين ونوره المبين ، ذلك أن القرآن إنما أنزله الله عز وجل ليعتصم الناس بمراميه ويأخذوا بهداياته ليس هناك إلا المجرم وحده هو الذي يصد عن كتاب الله عز وجل وهذا "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ"

أما الظرف الزمني الذي أنزل الله عز وجل فيه القرآن "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ" أما الكعبة المشرفة "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ﴿٩٦﴾" أما البقعة التي ناجى موسى عليه السلام الله تبارك وتعالى فيها فكانت بقعة مباركة أن بورك من في النار ومن حولها، أما المسجد الأقصى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" قضية البركة قضية قال العلماء فيها هي أن يعطي المحسوس فوق ما يظن الظان

ذلك أن هناك بركة حسية وهناك بركة معنوية، دخله خمسة الآف ودخل الآخر عشرون ألف إذا كانت الخمسة الآف هذه فيها بركة معنى ذلك أنه على أروع ما يكون الاكتفاء يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

حكيم بن حزام جاء النبي صلى الله عليه وسلم مال، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه فأعطاه، ثم سأله أن يعطيه فأعطاه، ثم سأله أن يعطيه فأعطاه، وقال يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، فهمها حكيم فقال يا رسول الله: والذي بعثك بالحق لا أرزأ بهذا المال أحدا بعدك، وظل حكيم على ما وثق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى جاء العطاء إلى أبي بكر ودفع بقسمه إلى حكيم فأبى أن يأخذه وجاء من بعد ذلك عمر الفاروق فأبى أن يأخذ حكيم ذلك أنه واثق النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأخذ المال بأشراف نفس يعني حينما تتطلع النفس شرهة إلى الأخذ هذه لا تشبع ومن هنا يقول عليه الصلاة والسلام يكون حال الذي يأخذ بإشراف نفس كالذي يأكل ولا يشبع أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

في السوق بيع وشراء ربما يبارك الله عز وجل بصفقة أحدهم يقول عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنهما يقول رآني عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وأنا أساوم على شاة لأخ لي فقال ما هذا يا عبد الله قال أساوم على هذه الشاة يا رسول الله قال اللهم بارك له بصفقة يمينه، قال اللهم بارك له بصفقة يمينه، يقول عبد الله والله مذ أن دعا لي عليه الصلاة والسلام إلا ولا أعقد صفقة إلا وأربح فيها، ما اشتريت شيئاً إلا وربحت فيه وما بعت شيء إلا وربحت فيه، ذلك أن الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قد دعا له بأن يبارك الله تبارك وتعالى بصفقة يمينه

في السوق يقول عليه الصلاة والسلام البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما، قد يتحقق الربح يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، نحن لا نتحدث عن الربح نتحدث عن البركة التي يلقيها الله تبارك وتعالى في هذين اللذين يتبايعان لكنهما صدقا وبينا، صدقا فيما عرضا وبينا كل ما يتعلق بهذه السلعة سواء بينها البائع أو استبانها المشتري فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

من وظف نعمة الله عز وجل التي أنعم بها عليه في الشر ليكن على يقين أنه لا يبارك له في قوته، صحيح أن القوة التي أعطاه الله عز وجل إياها ربما يكون لها  بعض الأثار ولكن هي أثار ضده وليست أثاراً له، وعلى هذا قال العلماء

الفتح الأول يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وفيه يقول الله عز وجل "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" هذا الفتح فتح بركات فتح شكر النعم فتح توظيف النعم فتح إنما ترهف به المشاعر وتفتح القلوب وتنور الصدور وترقى السلوكيات وتصدق الكلمات وتنظف الأيدي

وأما الفتح الثاني "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ" هنا ترى الهرج والمرج والعدوان والطغيان والسلب والنهب والكذب والدجل ثم ألم ينه هود عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قومه بعدما دعاهم إلى رحاب الله عز وجل عن أن يتولوا عن دعوته، إذا ما تولوا عن دعوته معنى ذلك أنهم صاروا مجرمين

المجرم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام هو الكافر بالله جل جلاله المجرم الذي يرتكب الجرائم في حق أمته المجرم الذي ينتهك الأعراض المجرم الذي ينتهب الأموال المجرم الذي يهدم العمران المجرم الذي احترف الكذب احترافاً ! نظرت من بعيد أو قريب فوجدت كل الكذابين في الماضي يقفون صفاً واحداً وجمهرة كبيرة كلهم يقولون له أنظرنا نقتبس من شرك ذلك أنه سبقهم أيما سبق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

عبد الرحمن بن عوف رضي الله تبارك وتعالى عنه مسلم رباني صاغته شريعة الله عز وجل يمثل كثيراً من الحقائق بل كل الحقائق التي نعرفها في الاسلام عبد الرحمن بن عوف كان اسمه عبد عمرو ولما أسلم جعل الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الرحمن، نقله من عبد عمرو إلى عبد الرحمن، من عبد للمخلوق إلى عبد للخالق من عبد للضعيف إلى عبد للقوي من عبد للفقير إلى عبد للغني من عبد للذليل إلى عبد للعزيز، ذلك أنه إذا كنت عبد الرحمن معنى ذلك أنك تأخذ من الأنوار ما لا يعلمه إلى الله جل جلاله أي عز لك إذا ما حققت عبوديتك للرحمن، أما أولئك الدنسون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذين جعلوا من المخلوقين أربابا هؤلاء خسئوا في أنفسهم وحرموا من الخير كله من أوله إلى آخره

ذلك أن الشريعة جاءت لتقول مجمع طرق السعادة وأساليب السعادة هو الايمان بالله جل جلاله وبالعمل بمقتضيات هذا الايمان، كان من الثمانية الأوائل الذين دخلوا في الاسلام، أسلم قبل أن يدخل عليه الصلاة والسلام دار الأرقم بن الأرقم هو واحد من العشرة الذين بشرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بحديث واحد أقصد في سلسلة ذكر فيها أسماء العشرة وإن تكررت الأحاديث في هذا الصدد قال هو واحد من العشرة المبشرين بالجنة وواحد من ستة اختارهم الفاروق رضي الله تبارك وتعالى عنه لما طعنه المجوسي أبو لؤلؤة، فعين ستة منهم عبد الرحمن بن عوف على أنه مجلس شورى هم الذين يتولون أمر انتقاء الخليفة الذي يأتي بعد عمر الفاروق رضي الله تبارك وتعالى عنه

ما قصة أو ما ملامح عبد الرحمن بن عوف؟ ولماذا نسوقها يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ أجل لماذا نسوقها؟ قال لأن النموذج الذي صاغه كتاب الله عز وجل يمكن أن يتكرر، ذلك أن كتاب الله ما زال بين أيدينا النموذج الذي صاغته سنته عليه الصلاة والسلام يمكن أن يتكرر، لماذا؟ لأن السنة المشرفة بين أيدينا حفظ الله عز وجل لنا القرآن وحفظ لنا السنة والحقائق التي صاغت عبد الرحمن بن عوف هي هي ما تغيرت والله ولا شعرة واحدة ولذلك حينما نقف قبالة هذا العملاق الاسلامي الرباني الذي تجسدت في شخصيته مجموعة من السلوكيات الربانية ولكن نحرص هنا على أن نركز الضوء على أنه كان منعماً عليه مباركاً في ماله شاكراً لنعم الله عز وجل عليه كانت أمواله كثيرة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام دعا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى الانفاق في سبيل الله عز وجل فإذا بعبد الرحمن بن عوف ما سمع الرسول عليه الصلاة والسلام يقول أنفقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً، أجل يريد أن يبعث بعثاً لينشر نور الله لما تقاعست هذه الأمة عن المهمة الأصلية، أنت من هذه الأمة أي أنت من أولئك الذين حملوا الدعوة مسؤولية وضعها الله عز وجل في عنقك تقول أنا عامي يقول أنا مهندس، يقول أنا طبيب، يقول أنا معماري، يقول أنا تاجر، كل في ميدانه الذي أقامه الله عز وجل فيه الدعوة إلى الله عز وجل هناك خطوط عريضة فيها وهناك خصوصيات ربما كانت الخصوصيات تحتاج إلى ثقافة محددة أما العموميات من منا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا يعلم أن الظلم حرام وأن الذي يركن إلى الظالم تمسه النار، من منا لا يعلم أن العدل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو من قيم هذه الشريعة وأن علينا أن نحقق العدل في كل سلوكياتنا صغاراً وكباراً وأنه يترتب على إقامة العدل فوق هذه الأرض ومحو الظلم منها يترتب على ذلك شيوع البركات، أما تحبون أن يبارك الله عز وجل في أرضنا، أما تحبون أن يبارك الله في هوائنا، في مائنا في زروعنا، في ثرواتنا، في ثرواتنا الحيوانية والنباتية أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام كلنا يحب ذلك

أخبر عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عن عيسى عليه الصلاة والسلام قال يكون عيسى بن مريم في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، السبب يقيم شرع الله عز وجل لا يقبل إلا تطبيق كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ويبين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ما الذي يكون من أمره حتى تجتمع البشرية على ملة واحدة، أرأيتم متى تصبح البشرية أمة واحدة لها مجلس واحد يمثلها حينما تجمع على لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذا ليس من الخيالات يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لأن الذي حدثنا به لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام وقد جاءت عنه مئات الأخبار كلها وقع، وشاء الله عز وجل أن يقع ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل أن ننطلق من منصات الوقوع والتصديق بما وقع إلى منصات ما ننتظر أن يقع، يقيم شرع الله عز وجل

وهنا يرد الله عز وجل البركة إلى الأرض، من أحاديثه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أن الله يرد البركة إلى الأرض بعدما نظفت من الفساد والمفسدين من الجرائم والمجرمين من الشرك والمشركين من أخطر ما يكون الشرك بالله عز وجل

"وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـٰنُ وَلَدًا ﴿٨٨﴾ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿٨٩﴾ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴿٩٠﴾ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدًا ﴿٩١﴾ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴿٩٢﴾ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤﴾ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿٩٥﴾"

الرمانة تكفي العصابة من الناس ، مجموعة من الناس ، ويستظلون بقحفها ، عنقود العنب وقر بعير، لبن اللقحة يكفي الفئام من الناس، هذا ما جاء فيه حديثه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

إذا أردتم ارتقاء اقتصادياً إذا أردتم أمناً نفسياً إذا أردتم أن نبعد كل البعد عن القلق النفسي والهياج النفسي والشعور بمرارة الظلم على الأمة أن تستنفر استنفاراً كاملاً ليحقق كل منا أحكام شريعة الله عز وجل في ذاته ويدعو إلى ذلك وإن كان العلماء ههنا يقولون بالحكمة والموعظة الحسنة، أجل يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

عبد الرحمن بن عوف ذهب إلى بيته سراعاً وجاء بألفين من الدنانير معه أربعة الآف جاء بألفين وأبقى ألفين قال له عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ما الذي أبقيت؟ قال هذه ألفان وأبقيت ألفين، ماذا قال له عليه الصلاة والسلام؟ " بارك الله لك فيما أنفقت وبارك الله لك فيما أمسكت " البركة تحل فيما أنفق والبركة تحل فيما أمسك دعا له عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أن يبارك الله له في صفقة يمينه، يقول عبد الرحمن بن عوف كدت لا أقلب حجراً في المدينة إلا وأنا أتوقع أن أجد تحتها ذهباً أو فضة، لما جاء المدينة مهاجراً آخاه رسولنا عليه الصلاة والسلام مع سعد بن الربيع، وما أدراكم ما سعد بن الربيع أيضاً نموذج إسلامي رباني رائع فهم عن الله وفهم عن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا بسعد بعدما تآخى مع عبد الرحمن بن عوف يقول يا أخي أنا أكثر أهل المدينة مالاً وثروة ولي بستانان ولي امرأتان فانظر أي البستانين أحب إليك حتى أخلو لك عنه وانظر أي المرأتين أرضى عندك حتى أطلقها لك، لا تجعل الوسواس والله لو لم تكن الخطبة قد طالت لوقفت طويلاً حول هذا المعنى الرائع الذي يدل على ارتقاء كامل بين الرجال والنساء على حد سواء، ولكن ماذا قال له عبد الرحمن بن عوف؟ قال بارك الله لك في أهلك ومالك، بارك الله لك في أهلك ومالك، أنا كأني سمعت الملائكة تقول ولك مثله، لماذا قلت كأني؟ لأنه وردنا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال " ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قالت الملائكة آمين ولك مثله" قال لسعد بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق وينزل عبد الرحمن بن عوف إلى سوق بني قينقاع ويتاجر ويتاجر ويربح ويربح وتمتلأ كفه بالأرباح

وجاء مرة معطراً إلى الحبيب عليه الصلاة والسلام فقال له صلى الله عليه وسلم (مهيم) كلمة يمنية تعني التعجب خير مهيم قال تزوجت يا رسول الله قال ما أمهرتها؟ قال قدر نواة من الذهب، قال أولم ولو بشاة هذه لا نريدها كثيراً لكنها على الطريق، من جملة البركة التي عمت عبد الرحمن بن عوف أنه قد حمل في سبيل الله على خمسمئة فرس، أي :خمسمئة دبابة في وقتها ، وأنه قد حمل في سبيل الله على ألف وخمسمئة راحلة أي مصفحة وأنا لا أبعد ههنا إذا ما حولت الفرس إلى دبابة أو مصفحة لأن السلاح الذي كان بين أيديهم هو هذا

ثم لما دعا عليه الصلاة والسلام إلى غزوة تبوك وسميت غزوة العسرة جيش العسرة لاعتبارات إذا بعبد الرحمن بن عوف يأتي بمئتي أوقية ذهب لما نظر عمر الفاروق قال يا رسول الله ما بعبد الرحمن إلا مرتكباً إثماً، أتى بمئتي أوقية ذهب هذا شكر النعمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، في المقابل من لا يشكر الله على نعمة المال فيوظفه التوظيف الشرعي معنى ذلك أنه يوظفه في الشرور والآثام وإشاعة الفحشاء، أمة محمد عليه الصلاة والسلام قال ما أرى عبد الرحمن إلا مرتكبا إثما لم يترك لأهله شيئاً، فقال له عليه الصلاة والسلام ما تركت لأهلك يا عبد الرحمن؟ قال تركت لهم ما هو أكثر وأطيب، ما تركت لأهلك؟ تركت لهم ما هو أكثر وأطيب، قال كم؟ قال تركت لهم ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير والأجر رضي الله عن عبد الرحمن بن عوف

يكفيه فخراً في الدنيا أنه لما وصلوا إلى تبوك وحان وقت الصلاة ولم يكن عليه الصلاة والسلام حاضراً وقف إماماً ولما تنته الركعة الأولى حتى التحق إمام الأنبياء بالإمام عبد الرحمن بن عوف فكانت مفخرة ما عرفت إلا لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أو للصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه

عبد الرحمن بن عوف جاءت قافلة من سبعمئة راحلة ممتلئة بالبضائع للمدينة المنورة فارتجت المدينة رجاً، سمعت عائشة رضي الله عنها بذلك فقالت ما هذه الضجة قالوا قافلة عبد الرحمن بن عوف جاءت قوامها كذا وكذا، قالت جزاه الله خيراً وثواب الآخرة أعظم، سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا، ما أن سمع عبد الرحمن هذا حتى هرع إلى أم المؤمنين عائشة يا أم المؤمنين ماذا قلت؟ قالت ما سمعته عن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال لأدخلنها قائماً إن استطعت، كلها في سبيل الله تبارك وتعالى، هذا نموذج يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لمن أنعم الله عز وجل عليه وبارك له فيما أنعم عليه وحقق شكر الله عز وجل فيه

فنحن مع البركات، البركة في الأوقات، البركة في الأموال، البركة في الأولاد، البركة في الآباء، البركة في التجارات، البركة في السياسات، البركة في التعليم، البركة في الاختراعات في كل شأن من شؤون هذه الحياة

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين فيه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه فقد قال لنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

قال قائل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

أنتم تربطون بين رغد العيش والرفاه وسعة العيش وبحبوحته وبين الإيمان والتقوى مع أننا في المشاهدة نرى كثيراً من الشعوب الاسلامية من أفقر الفقراء، هم منتوفون لا ريش لهم على الاطلاق ولا لأولئك الذين ثلثوا أو ربعوا أو عشروا أو جحدوا أو ألحدوا في رغد العيش، فأين هذه السنة التي تتحدثون عنها؟ سؤال، وهذا إذا ما سكت عنه السائل سيبقى في صدره ولذلك وباختصار مع أهمية الطرح نقول أنت لم تفرق بين سعة العيش التي هي نقمة، وسعة العيش التي هي نعمة، الأمر الآخر المهم هؤلاء المنتوفون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا تظنن أنهم قد فهموا الاسلام على حبته هؤلاء قصروا في فهم الاسلام هم لو فهموا عن الرسول صلى الله عليه وسلم لو قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها إن استطاع، مع ذلك إنه ينبذ الكسل والخمول لو أننا عرفنا أسباب الأحوال التي أفضت بكثير من الشعوب الاسلامية إلى الفقر المدقع أمة محمد عليه الصلاة والسلام والتهتك في المعيشة لدرينا أنه ليس انتسابهم للاسلام هو السبب، بل عدم فهمهم الاسلام الذي انتسبوا إليه هو السبب

لو فهموا الاسلام على أنه نور وبصائر وبشائر وهدايات وهمم عالية ومشاعر راقية وإنسانية كاملة، لو أنهم فهموا الاسلام لما وجدنا ظالماً في ربوعهم، لو فهموا الاسلام لما وجدنا مجرماُ في ربوعهم، لكن جهلهم في الاسلام، قلب بعضهم الحق باطلاً والباطل حقا، نظر بعضهم إلى أن المسلم هو المجرم والمجرم هو المسلم، هذا هو من الأسباب الجوهرية في أن البركات التي أخبر الله عز وجل عنها لما تنزل، لماذا؟ لأننا ما حققنا الشرط "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا" هناك مقتضيات وحقائق، "وَاتَّقَوْا" والتقوى في أبسط معانيها أن تطبق شرع الله عز وجل بحذافيره

أما أولئك فأعطاهم الله تبارك وتعالى، أعطى المسلمين ما أعطاهم نعماً منه سبحانه ليشكروا ويعطي هؤلاء عطاء اختبار وابتلاء فإن لم يحسنوا أو لم ينجحوا في هذا الاختبار والابتلاء معنى ذلك الساعة موعدهم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ذلك أن هذي الدنيا ليست دار عقاب ولا ثواب، وإنما كلنا راحلون إلى الله تبارك وتعالى "فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً" أجل " فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ" هذا شأن الكافر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي يسرح ويمرح ويكفي نموذجاً حسياً جاءت به الآيات "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ" الفقراء الذين تمنوا مكانه ما زالوا فوق سطح الأرض أما هو، هو وخزائنه هو وطغيانه هو وجبروته هو وتكبره واستعلائه إنما جعله الله عز وجل في باطن الأرض

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

ربنا اجعلنا هادين مهدين لا ضالين ولا مضلين، نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا غماً إلا كشفته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا سلمته ورددته ولا عاصياً من هذه الأمة إلا هديته، ولا عدوا لهذه الأمة إلا قصمته، ولا عدوا لهذه الأمة إلا قصمته، ولا عدوا لهذه الأمة إلا قصمته، اللهم ربنا إنا نجعلك في نحور أعدائنا، اللهم ربنا إنا نجعلك في نحور أعدائنا، اللهم ربنا إنا نجعلك في نحور أعدائنا، اللهم ربنا أنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم الظالمين، إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.