412 - في وهج سورة التكاثر
خطبة الجمعة    412 - في وهج سورة التكاثر
تاريخ الإضافة : 2012-07-23 09:28:45

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على الإيمان والإسلام والقرآن، ربنا ولك الحمد حتى ترضى ربنا ولك الحمد إذا رضيت، ربنا ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله  ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول:"وَمَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٦٧﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿٦٨﴾ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

نحن بين يدي سورة من سور كتاب الله المنهج الذي أنزله الله عز وجل واختاره للبشرية قاطبة لتسعد به، المنهج الذي يمثله كتاب الله وسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، المنهج الذي يبدأ بالإصلاح الحقيقي الصادق الرباني الذي يبتنى على إصلاح القلوب من حيث التصور ومن حيث الأخلاق القلبية، ويبتنى على إصلاح السلوك تبعاً لإصلاح القلوب، إذ كل إصلاح لا يبدأ من القلوب فهو إصلاح فاسد ، أمة محمد عليه الصلاة والسلام

أي قلب امتلأ بالنفاق والدجل والكذب والتزوير يعلن أنه يريد أن يصلح نسمعه قول الله تبارك وتعالى:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿١١﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ﴿١٢﴾" تلقاه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وبلغه الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم نصاً وتطبيقاً، اختار الله عز وجل الصحابة الكرام رضي الله تبارك وتعالى عنهم جيل تنزيل، أحسنوا التلقي أحسنوا الفهم أحسنوا الوعي أحسنوا التطبيق أحسنوا التبليغ

ومن هنا انطلقوا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بعدما عجنوا عجنا بحقائق التوحيد وبعدما أقاموا حياتهم وفق منهج الله عز وجل الذي من أساسياته توحيد الله عز وجل، ومن أساسياته أننا موقوفون غداً بين يدي الله، ومن أساسياته أننا سنحاسب غداً على ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا، وأن هناك يوم العرض على الله عز وجل لا يغادر الموقف ظلم ظالم ولو بلطمة كف، وليسألن الله تبارك وتعالى العود لم خرش العود، والحجر بم زكب الحجر!! يقضى الحكم العدل هناك كما جاء في توضيح أو في تفاصيل ساحة العرض على الله جل جلاله

ولعل هذه السورة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام تأخذ حيزاً رائعاً تعرض علينا فيه مجموعة من الحقائق وتبين لنا فيه موقف أولئك الذين قد استغرقتهم الحياة الدنيا بلذائذها وجاهها ومناصبها وأغوائها وشهواتها فإذا بهذه السورة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام تجمع ما تجمع من الحقائق التي نحن بأمس الحاجة إلى أن نتذاكر فيها ولو في هذه الوقفة القصيرة ولو تذاكرنا في خطوطها العريضة التي نرجو الله تبارك وتعالى أن تفتح لها القلوب حتى يتم التغيير الحقيقي الذي يبدأ كما قلنا من القلوب

أول ما يقضى يوم القيامة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يقضى في الدماء، هناك أسئلة تطرح على كل مكلف يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهذه السورة تتناول موضوعا من هذه الأسئلة التي ستطرح ونحن علينا أن نعي تلك الأسئلة لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نصحنا والله ، وبلغنا ، ما الأسئلة التي ستطرح على مسامعنا ؟ فإن لم يكن هناك جواب فالمصير قاتم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، والمسألة قول فصل وليس بالهزل ، لأن الله عز وجل هو الذي يعلمنا ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى هو الذي بلغنا ، من الأسئلة التي تطرح غداً يقول الله عز وجل لعبد من عباده أو لكل واحد من عباده : ألم أصح لك جسدك؟ ألم أروك من الماء البارد؟

صحة البدن من نعم الله عز وجل علينا تلك النعمة التي يقدرها حق قدرها المريض، الماء البارد على الظمأ من نعم الله تبارك وتعالى، الماء الدافئ في الشتاء والبارد في الصيف هذه من نعم الله عز وجل، الأمن والطمأنينة وراحة البال من نعم الله تبارك وتعالى علينا، السلامة بمعانيها الربانية من نعم الله عز وجل علينا، ألم أصح لك جسدك؟ ألم أروك من الماء البارد؟

يقضي الله عز وجل بين الحيوانات والبهائم حتى إنه سبحانه ليقتص للجماء من القرناء، والبهائم مما تقرر في شريعة الله أنها ليست مكلفة، نقول لذلك المكلف من بني آدم إذا كانت البهائم ستحاسب لدقة محكمة العدل يوم القيامة أتظن بأنك تفلت من عقوبة الله عز وجل، إذا نطحت القرناء الجماء يقتص من القرناء للجماء أفتراه يغادره سبحانه وتعالى ذلك الذي لطم لطمة آثمة فاجرة دعك ممن أطلق عليه فقتله أو أرداه قتيلاً

ثم ماذا بعد هذا؟ إنه ليقتص للجماء من القرناء حتى إذا لم تبق تبعة واحدة من أخرى، يقول الله عز وجل لهؤلاء المخلوقات التي ليست مكلفة ، وإنما يفعل ذلك يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إقراراً لمحكمة العدل التي جاء فيها قول الله عز وجل:"لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ" ويقول الله عز وجل:"لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ" ولا نافية للجنس هنا، الظلم بكلمة، الظلم بنظرة، الظلم بالتخويف، الظلم بضربة، الظلم بأكل درهم واحد، يقول لها الله جل جلاله "كونوا ترابا"، يشهد الكافر هناك ما يكون من أمر الحيوانات "وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا" وإن الله جل جلاله يحاسب أولئك الذين قتلوا وأولئك الذين قتلوا أو قل ليركز على الذين قتلوا

القتل له واحد من دافعين إما أن يقاتل فيقتل في سبيل الله، وإما أن يقاتل فيقتل في سبيل الطاغوت، يؤتى فيمن قتل في سبيل الله ويؤتى بالقتيل يقول القتيل سله يا رب، لم قتلني؟ فيسأله الله عز وجل وإنما بلغنا ذلك كأنا نشهده كأنا نراه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهذا أيضاً ما عرضت له تلك السورة المباركة حيث عرضت لقضية اليقين ومراتب اليقين وسنعرض لهذا، فيم قتلني؟ ويسأله الله عز وجل إقامة للعدل وكأنا نسمع السؤال ونسمع الجواب، قتلته يا رب لتكون لك العزة، فيقول له الله عز وجل، صدقت، ويجعل وجهه له نور كنور السموات والأرض ثم يزف إلى جنة عرضها السموات والأرض ، ويؤتى بمن قتل في سبيل الطاغوت ويؤتى بالقتيل، كم قتيل غداً سيؤتى بهم فيسألهم الله عز وجل، يسأل القاتل حينما يشتكي المقتول ممن قتله، سله يا رب فيم قتلني؟ فيقول القاتل قتلته لتكون العزة لفلان، أنا ما أصوغ من عندي ما يتلائم مع أحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أأجرئ على ذلك لا والله وإنما أحاديثه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لم قتلته؟ قتلته لتكون العزة لفلان، يقول له تعست، أجل تعس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولا يبقى قتيل يقتله ذلك القاتل الذي قتل في سبيل الطاغوت إلا قتل الله عز وجل القاتل به فتنة، قتل عشرين أربعين خمسين سبعة خمسة واحدا، ما من قاتل يقتل في سبيل الطاغوت إلا ويحاسب يوم القيامة، ربما يتخفى القاتل اليوم من وسائل الإعلام يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن هيهات أيخفى على علام الغيوب، أيخفى على من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، لا ، يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ثم لا تبقى مظلمة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلا ويأخذها ربنا جل جلاله للمظلوم من الظالم

لاحظ المشهد الآن حتى نتبين أن حركة حياة الانسان فوق هذه الأرض كلها محاسب عليها : الغش التجاري، الكذب، الدجل الاعلامي، التزوير، البهتان، الافتراء، الغبن الفاحش، العدوان، قذف المحصنات، يقول عليه الصلاة والسلام حتى إن الله جل جلاله ليطلب من شائب اللبن بالماء ثم يبيعه :أن خلص اللبن من الماء ! أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

هذه سورة مباركة بعدما بين مشهد من مشاهد الآخرة وهناك تسأل عن عمرك، وتسأل عن بدنك، وتسأل عن مالك، وتسأل عن علمك، وقد مر معنا الحديث الذي فيه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، هناك تسأل عما كنت تعتقد، وتسأل عن الأفعال التي فعلتها،وهي إما أن تكون لك وإما أن تكون عليك

هذه السورة بين الله عز وجل فيها أولئك المخمورين الذين كرعوا كؤوساً من خمرة هذه الدنيا فإذا بهم لا هم لهم على الاطلاق إلا التكاثر قال ربنا جل جلاله "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ"

أولاً ما بين الله عز وجل عن أي شيء ألهاهم التكاثر، قال العلماء وهذا الاطلاق أدخل فيه كل ما طلبته شريعة الله عز وجل منا فالتهينا عما طلب الله منا في مطالب نفوسنا "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" عن تحصيل العلم الشرعي، "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" عن التعرف إلى الأخلاق الاسلامية التي تخلقوا بها، "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" عن التفقه في دين الله عز وجل، "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" عن أداء زكوات، "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" وقل ما شئت، إذن "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" عن أي شيء أطلق النص من الأمر الذي جاء التكاثر ليلهي عنه

أما الإلهاء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأما التكاثر فقد قال العلماء هل التكاثر بمطلقه مذموم في شريعة الله عز وجل؟ أي كل من أكثر أو تكاثر أو كاثر غيره يعتبر مذموماً ؟ لا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، هؤلاء تكاثروا بالباطل، هؤلاء تكاثروا بالأموال جمعوها من حلها وحرمتها، هؤلاء تكاثروا بالسلطان والبطش، هؤلاء تكاثروا فيما بينهم كما ورد في سبب نزول قوله تعالى "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" قالوا: منا ألف ! قال الآخر منا الف ومئة، قال الأولون لنا خمسون خزانة من الذهب وقال الآخرون لنا خمسون ومئة من الخزائن الذهبية، تكاثروا فيما بينهم حتى إذا ما غلبت طائفة من الطائفتين المتكاثرتين الأخرى إذا بالمغلوبة تفكر فإذا بها تقول نحن نسينا أن لدينا زعماء قد أفضوا إلى القبور

ومن هنا زار هؤلاء القبور فوقفوا هذا فلان منا وهذا فلان منا وهذا فلان منا وهذا من معنيين من معاني "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿٢﴾" أي حملهم التكاثر وألهاهم التكاثر عن النظر فيما طلب منهم شرعاً ! هم خلقوا في هذه الدنيا من أجل أن يحققوا توحيد الله عز وجل، ومن أجل أن يحققوا العبودية لله عز وجل، هم غفلوا عن حقيقة عظيمة من حقائق هذا التشريع تقول هذه الحقيقة أن الانسان له جانبان جانب يتعلق بصلته بالله عز وجل وجانب  يتعلق بهذا الكون الذي أوجدنا الله عز وجل به

أما فيما بيني وبين الله عز وجل فأنا عبد لله وهو ربي سبحانه، هو خالقي وهو رازقي، هو الذي منحني الوجود هو الذي يمدني بالوجود فله علي نعمتي الإيجاد والإمداد هو خالق كل شيء هو السميع البصير هو علام الغيوب هو الذي بيده مقاليد السموات والأرض هو الذي إذا أراد شيئاً كان وإذا لم يرده ما من قوة في هذا الوجود يمكن أن تفعل أمراً ما أراده الله تبارك وتعالى

وجدت من أجل أن أتعرف إلى الله ومن أجل أن أعمل بمقتضى هذه المعرفة "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾" بمعنى إلا ليعرفوني إلا ليوحدوني فتوحيد الله عز وجل هو المخلص الذي تتخلص به الأمة من كل ألوان الذل إذا كنت عبداً لله عز وجل هيهات لأي مظهر من مظاهر هذا الكون أن يستعبدك

رأيت مشهداً شاب ما بلغ العاشرة من عمره كان يعذب تعذباً وحشياً والذي يعذبه يدخل في "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" ويدخل في ذلك الذي يسأل لم قتلته قتلته ليكون فلان عزيزاً ثم قيل له قل فلان ربي ووضعوا له صورة هذا الفلان!!! التسجيل مصور يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أمسكوا برأسه وأكبوه على الصورة وكانت المفاجأة بصق ذلك الطفل الصغير على الصورة،ولسان حاله يجلجل في أرجاء الكون " الله ربي " يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، هذا جانب فيما بيني وبين الله

أما فيما بيني وبين هذا الكون فقد علمني الكون بالتجربة وقبل التجربة في الكون علمتني الآيات القرآنية أن هذا الكون إنما هو مسخر لك يا ابن آدم، الكون مسخر لك يا ابن آدم، سخر الله عز وجل لك ما في السموات وما في الأرض، كل هذا الكون مسخر لك فأنت كن عبداً لله، وهذا الكون قد سخر لك وما لم يسخر لك اعلم يقيناً أنه لم يسخر من أجل أن لا يشغلك عن الله عز وجل على  أن ما سخر إنما سخر بتسخير الله عز وجل، أما ما لم يسخر فإنك لن تستطيع أن تسخره على الإطلاق، سخر الإعصار إن استطعت أن تسخر الإعصار، لكن الرياح يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لكن الأمواج لكن الجبال لكن السحب لكن الشمس لكن القمر لكن الليل والنهار لكن الأنهار كلها مسخرة لك

ومن هنا أهلنا الله عز وجل لنأخذ من عطاءات الله عز وجل في هذا الكون، أصحيح يا ترى ما يبث بين الحين والاخر من فلسفات تلبس لبوس الفلسفة والتفكير العميق والباحث المفكر العملاق، يقولون إن الاسلام لا علاقة له في شؤون الحياة إنما علاقة الاسلام في تلك العلاقة التي بين الانسان وبين ربه، أي كن عبداً لله ودعك من شؤون المجتمع، لا علاقة لك بشؤون المجتمع على الاطلاق بل إن الاسلام كما يقول هؤلاء إنما جاء من أجل أن يوجه الناس التوجيه المطلق إلى الآخرة، أغمض عينيك عن هذه الدنيا إغماضاً كاملاً وتوجه بكليتك إلى الآخرة !!!

هذا الأمر لولا أن هناك من النعاق الذين لهم منابر يبثون سمومهم من فوقها لما كان من حاجة لأن يوقف لحظة واحدة أمام مثل هذا الطرح ! الاسلام منهج الله عز وجل جاء من أجل أن يصوغ الحياة ظاهراً وباطناً في أخلاقها في عباداتها في معاملاتها في حالاتها في حرامها في علاقاتها كل العلاقات إنما جاءت شريعة الله عز وجل لتصوغها هل الإسلام الذي ثبت عن نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم فيه أنه إذا قامت القيامة وفي يد عبد فسيلة فان استطاع أن يغرسها قبل أن تقوم فليفعل ! هل هذا دين علاقة الإنسان فيه علاقة بربه فحسب ، وليس له علاقة بالمجتمع ولا صياغة المجتمع  إذا كان هذا  المد العظيم أو الحد الكبير من أجل أن نملأ الأرض من النخيل إذا كانت بيدك فسيلة وقامت القيامة واستطعت أن تغرسها فاغرسها هل هذا يمكن أن يقال معه ليس الإسلام سوى وجه صادق مخلص لإقامة العلاقة بين القلوب وعلام الغيوب سبحانه وتعالى أما العلاقات الاجتماعية فلا علاقة لدين الله عز وجل بها ! ثم أليس في كتاب الله عز وجل وكتاب الله هو الذي يمثل منهج أليس فيه ما أخبرنا الله عز وجل عن داوود عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أما قال ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴿١٠﴾ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ  أليس في القناعة التي أخبرنا الله عز وجل عنها ونزلت في داوود عليه الصلاة والسلام تقول وما علاقتنا بداوود يقول الله عز وجل في القرآن الذي هو منهج الله أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ

كل الهدايات كل السلوكيات الربانية إنما جمعها الله عز وجل في القرآن الكريم.

سليمان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم سخرت له الريح صحيح أنها معجزة من المعجزات ولكن ألا يدل هذا على لفتة ربانية أنه لا يمكن أن نمتطي الريح ولكن بالتعاطي بالأسباب ومع الأسباب

فنحن حينما نركب الطائرات معنى ذلك أنا نركب الريح يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ثم هناك سورة في القرآن سورة الحديد "وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" ألا يتطلب هذا من الأمة أن تتفهم ما دور الحديد في صياغة الحياة الصناعية أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ثم أما سمعتم ما قصه الله عز وجل علينا من قضية ذي القرنين آتاه الله عز وجل ومكنه في الأرض وتحرك ذو القرنين، لماذا قص الله عز وجل علينا قصته؟ أليس القرآن بصائر؟ أليس القرآن هدايات؟ أليس القرآن رحمة؟ أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام بلى القرآن بصائر وهدايات ورحمة

ومن هنا حينما أقف قبالة ذي القرنين أجد نفسي أمام رجل صالح مكن الله عز وجل له في الأرض ووظف ما مكنه الله به من نصرة المظلوم، لما عرض عليه من قبل أولئك المظلومين المضطهدين أن يجعل سداً بينهم وبين يأجوج ومأجوج "إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴿٩٤﴾ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ" وقف إلى جانب المضطهد يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أنستطيع أن نقول إن وقوفه بجانب المضطهد كبيرة من الكبائر، خزي من مخازي الإنسانية المعاصرة لا، إنما هو فضل وفضيلة وروعة في السلوك وقد أثنى الله عز وجل على ذي القرنين

إذن من يقول بأن الإسلام إنما هو قاصر على علاقتك بالله عز وجل هذا إما أن يكون جاهلاً لم يطلع على الإسلام وإما أن يكون خبيثاً مدسوساً يريد أن ينفذ سمومه في أذهان المجتمع

"أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" يمكن أن نتكاثر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في الأعمال الصالحة كن خيراً ونافس الخيرين في الخير كن عالماُ ونافس العلماء في العلم شريطة أن يبتغى وجه الله عز وجل بكل سلوك من السلوكيات ذلك أن من المحكمات في شريعة الله عز وجل أن الأعمال التي يبتغى فيها وجه الله عز وجل هي التي يؤجر صاحبها عليها أما الأعمال التي لا يبتغى فيها وجه الله عز وجل فهي وبال على عاملها

من هنا وجدنا أنفسنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أن قول الله عز وجل "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿٢﴾" لها معنيان المعنى الذي يرجع إلى السبب الذي ذكرت ما زالوا يتفاخرون ويتكاثرون فيما بينهم تكاثراً بالباطل إلى أن أفضوا إلى المقبرة وكل يدعي أن لي في هذه المقبرة مئة والثاني يقول إن لي مئة وعشرين ، يتفاخرون بموتاهم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولو درووا ما آل إليه المقبورون لخرسوا والله يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، والمعنى الأخر "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" كرعوا من خمرة الدنيا، سكروا بلذائذ الدنيا وجاه الدنيا وسلطان الدنيا ظلوا مخمورين حتى ضربتهم سكرات الموت "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿٢﴾" وكلا المعنيين صحيح يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

إذن هي نبضة جاءت بها السورة المباركة من أجل أن نوجه كل همنا إلى ما خلقنا من أجله وكل لذة دنيوية، وكل لذة دنيوية تغفلك عما خلقت من أجله فهي عليك وليست لك، وكل لذة دنيوية تقربك من الله عز وجل كأن تشكر نعمة الله عز وجل عليك فيما لذذك به فهذا لك حتى ما تجعل فيه امرأتك أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

ثم ما الأمر الذي عرضته السورة المباركة؟ تناولت قضية أن إشغال التكاثر، القلوب عن النظر فيما هو مطلوب سببه الجهل، لكن ما ذكر الله عز وجل سببب التكاثر الملهي قال "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" وهذا يسميه العلماء الاحتباك قال "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" ما سبب الجهل؟ الجهل بماذا؟ الجهل بما أنت مقبل عليه، لو افترضنا أن انساناً كان مجاهداً في سبيل الله كان عابداً كان منفقاً كان جواداً كان عادلاً كان كريماً وأقبل على الله عز وجل بعدما ما انتهت حياته فوق هذه الأرض فهبط في روضة من رياض الجنة لا بد أن يكون في روضة من رياض الجنة كما جاءت فيه شريعة الله عز وجل، وفي المقابل لو أن واحداً من أولئك الذين قد سكروا بخمرة هذه الدنيا الحرام حتى لقي الله عز وجل بعدما ضربته سكرات الموت فقبروافي حفرة من حفر النار

أما قال ربنا جل جلاله "كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣﴾ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٤﴾" كلا أداة ردع وزجر يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! أنتم جاهلون ولما كنتم جاهلين "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" ثم لما قال "كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣﴾ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٤﴾" دل هذا على عالم البرزخ، ستعلمون ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من قضية عالم البرزخ وهي دار بدليل "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿٢﴾" المقابر دور إنما يضمها عالم البرزخ يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

ولذلك لما سمع أحدهم قول الله عز وجل "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿٢﴾" قال بعث الناس ورب الكعبة وقال آخر لما سمع قول الله عز وجل "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿٢﴾" قال نعى الله عز وجل الناس إلى أنفسهم، "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿٢﴾" الذين يلهيهم التكاثر أيظنون بأنهم لا يموتون لا بد من أن يموتوا سواء ماتوا فصا أو قتلاً أو سلقاً أو تمزيقاً لا بد من أن يموتوا "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ" وإن اختلفت ألوان الموت يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

 ثم لما قال ربنا جل جلاله "كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣﴾" أي الحقائق التي جاء بها الرسول لما تدخل على البرزخ "ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٤﴾" ما جاء به الرسول مما يتعلق بساحة العرض على الله تبارك وتعالى "كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴿٥﴾" إذا ما علمت علم اليقين يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام استقام السلوك، من علم علم اليقين أن الشريعة حق وأن محمداً عليه الصلاة والسلام حق وأن الصالحين لهم منزلة عند الله وأن الطالحين إنما هم في الدرك الأسفل من النار مع المنافقين قال حينما يعلم ذلك لا بد للسلوك من أن يستقيم بناءاً على هذا 

"كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴿٥﴾" ما علم اليقين؟ حيث يخبرنا عليه الصلاة والسلام بعالم الملائكة حيث يخبرنا بعالم الجن حيث يخبرنا بعالم البرزخ حيث يخبرنا بأننا موقوفون غداً بين يدي الله عز وجل هذا كله ينبغي أن نستقبله على أنه قاله صادق أمين مصدق

حدثنا الصادق المصدوق يقول عبدالله بن مسعود، والصديق رضي الله عنه بلغه ما كان من أمره عليه الصلاة والسلام في حدث الإسراء والمعراج، بلغه المشركون أسمعت إلى صاحبك يقول إنه قد أسري به الليلة، قال رضي الله عنه إن كان قال ذلك فقد صدق

إذن ينبغي أن نستقبل كل الحقائق ومنها جاء عنه صلى الله عليه وسلم يقول بأن المآل الخير لهذه الأمة مهما صهرت ومهما اضطهدت ومهما ضغط عليها ومهما أوذيت العاقبة للمتقين يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم والأحاديث صحيحة في هذا كل الصحة

ومن هنا وجدنا أنفسنا أمام علم اليقين، ثم ماذا بعد هذا؟ "لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴿٦﴾ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴿٧﴾" قال علم اليقين هو أن تصدق بمضمون الخبر حيث يكون المخبر صادقاً وحيث قال "عَيْنَ الْيَقِينِ" معنى ذلك أن ما أخبرت به فأيقنت به ستراه، "وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ﴿٣٦﴾" كلنا سنرى جهنم لكن شتان ما بين رؤية مؤمن نسأل الله عز وجل أن يقبلنا في عباده المؤمنين وبين رؤية فاجر ذلك أن الفاجر يراها فترتعد أطرافه ثم بعد ذلك يدخلها

أما قال ربنا جل جلاله "فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴿٨٨﴾ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴿٨٩﴾ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴿٩٠﴾ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴿٩١﴾ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ﴿٩٢﴾ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ ﴿٩٣﴾ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴿٩٤﴾ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ﴿٩٥﴾"

يدخل الكفار النار فيحصلون على "حَقُّ الْيَقِينِ"، يرون النار قبل أن يدخلوها فيكونون على "عَيْنَ الْيَقِينِ" أما المؤمنون يقول الله عز وجل في حقهم "وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴿٧١﴾ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴿٧٢﴾"

نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فقد قال لنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾"

أمة محمد عليه الصلاة والسلام !

ثبتت الأحاديث الصحيحة أن كل من يموت إن كان من أهل الجنة ارتقت به الملائكة إلى أن يواجه ثم يقال أرجعوه إلى الأرض افرشوا له قبره ليكون روضة من رياض الجنة، يأتيه الملكان يسألانه من ربك؟ ما دينك؟ ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ينبغي أن نستحضر هذا، ما ينبغي أن ندخل في "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾" وإنما ندخل في توظيف الطاقات التي أعطانا الله عز وجل إياها في سبيل أن نسلك مسالك السعادة، في سبيل أن نبني هذه الأرض وفق منهج الله تبارك وتعالى المنهج الذي يضم كل شاردة وواردة

أبو جعفر المنصور من الخلفاء ، وكم دس يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام في تاريخنا، كم أفسد المفسدون في التاريخ، كم اختلقوا من مواقف مكذوبة ! أبو جعفر المنصور جاء المدينة المنورة وكان فيها القاضي محمد ابن عمران الطلحي نسبة إلى طلحة بن عبيد الله واحد من العشرة المبشرين بالجنة وكان له كاتب نمير المدني ولما وصل أبو جعفر إلى المدينة قام عمال فاشتكوا على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور

نحن نبهر أمة محمد عليه الصلاة والسلام حينما نقرأ في التاريخ هذا الوهج الذي سببه الالتزام بشرع الله، سببه الإحساس العميق بالمسؤولية، سببه عدم الغفلة عما جاء من حقائق في كتاب الله وسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حينما ينادي المنادي اليوم باستقلال القضاء نهجس ونطالب ونسعى ونرغب ونحس ونود لكن لاحظ معي الآن

عمال حمالون اشتكوا على أبي جعفر المنصور مباشرة ، أمر القاضي ابن عمران كاتبه نمير المدني أن يكتب إلى أبي جعفر المنصور ليحضر إلى المحكمة، نعم قال أمره أن يكتب كتاباً إلى أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين الذي كان يحكم مشارق الأرض ومغاربها ألف دولة كانت تجمعها دولة واحدة وهو أمير المؤمنين أميرها هو حاكمها قال اعفني يا سيدي اعفني إنهم يعرفون خطي ، ما يريد أن يتورط

ما الخطأ في هذا المعنى لكن فرق هائل بين قلبه وقلب ابن عمران القاضي قال اكتب ، بلهجة حازمة ، فكتب ادعى على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور حمالون يدعى إلى المحكمة وختم الكتاب بخاتم القاضي ثم قال القاضي وهذه مفاجأة جديدة قال : والله لا يبلغ هذا الكتاب إلا أنت، أنت يا من ارتعبت، ارتعبت فرائصه فحمل الكتاب مغلوباً على أمره ووصل إلى حاجب أبي جعفر، الربيع قال له هذه رسالة من القاضي واعذرني ليس بيدي أجبرت على حملها، قال له لا عليك لا بأس عليك

دخل في الكتاب على أبي جعفر وكان في الساحة في الخارج أناس من وجهاء المدينة جاؤوا ليستقبلوا أبا جعفر المنصور، فلما قرأ الكتاب قال يا ربيع أبلغ من في الخارج إذا خرجت الآن لأني سأخرج إلى المحكمة لا يقم أحد منهم على الإطلاق ، كل يبقى في مجلسه، وفعلاً توجه أبو جعفر وبين يديه المسيب ووراءه نمير المدني ومعه الربيع وتوجه الجميع إلى القاضي، لما وصلوا إلى مكان القاضي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قال أبو جعفر للربيع كل ما أخشاه أن تدخل هيبة قلب القاضي، كل ما أخشاه أن تدخل هيبة في قلب القاضي، والله لئن هابني لا يولى عندي أي ولاية

استقلال قضائي يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ثم أبو جعفر نفسه ليس مفترساً، ليس مفترساً ، الجاهلية هي التي افترست الاسلام يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أتدرون لماذا طواغيت مكة أوقعوا ألوان العذاب بالصحابة الكرام مع أنهم لم يكونوا مسلحين على الإطلاق، الجهاد إنما أمر به بعد الهجرة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، القتل والضرب والإغراق والإحراق وإطفاء الظهور بصخور مكة الكرمة في وهج الحر كله من أجل الدفاع عن النظام الجاهلي يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، على ماذا تخافون؟ ما هذه الزعامات التافهة؟ زعامات تافهة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أبو جهل عتبةأمية بن خلف ! من أنتم؟ من أنتم؟ هم جاهليون، هؤلاء يمكن إذا سألت من أنتم؟ أن أخبرك هم جاهليون وثنيون عباد حجارة عباد مال عباد جاه

ومن هنا وقفنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام أمام صولة أبي جعفر، لما رأى القاضي أبا جعفر استعد للحكم جلس الجلسة حيث كان متكئاَ ثم استدعى، أين المدعون؟ جاؤوا، وأين المدعى عليه أبو جعفر المنصور؟ جلس المدعى عليه والمدعي جلسوا أمام القاضي واستمع إلى الأقوال ثم حكم على أبي جعفر للحمالين يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

خرج أبو جعفر من مجلس القضاء بعدما تلقى الحكم الذي حكم به القاضي ابن عمران، ولما وصل منزله قال للربيع إذا ما انفض مجلس القضاء فادعو لي ابن عمران، ما أدري ما القرارات التي سيتخذها أبو جعفر؟ لكن لا يخطر ببالك على الإطلاق وقد امتلأ الصدر بالمسؤولية أمام الله لأن الذي يقول لو هابني لا يولى على أي ولاية عندي، هذا فيه كل الخير حقيقة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام

مهما كان ينسب من سوء لبعض أولئك فهم أطهر بكثير بكثير بكثير من أطنان من غيرهم ! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وانفض المجلس وجاء القاضي إلى منزل أمير المؤمنين، حق أمير المؤمنين أن يطاع وهذا متفق عليه يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ماذا قال أبو جعفر؟ أختم بما قال

قال له يا ابن عمران جزاك الله خيراً عن دينك، وجزاك الله خيراً عن نبيك، وجزاك الله خيراً عن حسبك لأنه ينتمي إلى طلحة بن عبيد الله الصحابي الجليل الذي فدى الرسول الله صلى الله عليه وسلم وجزاك الله خيراً عن أميرك أي أمير المؤمنين

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

إجعلنا اللهم أينما توجهنا متوجهين إليك لا تردنا اللهم عنك إلا إليك، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم ربنا أعطنا ولا تحرمنا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم أكرمنا ولا تهنا، اللهم أعزنا ولا تذلنا، اللهم يا ربنا لا تحرمنا من عطائك، اللهم يا ربنا لا تحرمنا من رعايتك، أنظر إلينا بعين العطف والرحمة والرأفة يا رب العالمين

اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا ولكافة عبيدك المسلمين واغفر اللهم لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.