341 - مقومات الأسرة المسلمة
خطبة الجمعة    341 - مقومات الأسرة المسلمة
تاريخ الإضافة : 2012-08-09 07:41:12

نص المادة

إن الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد على ما هديتنا وأوليتنا وأعطيتنا، ربنا ولك الحمد على والإسلام والإيمان والقرآن

ربنا ولك الحمد حتى ترضى ، ربنا ولك الحمد بعد الرضا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، وجاهد في الله حق جهاده.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد

عباد الله ! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والإنابة إليه ، وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو رب العرش العظيم.

الله جل جلاله يقول: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد"

أما بعد أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم !

فإنه قد أدى أولئك الذين أحرموا لله- تبارك وتعالى- للحج مناسكهم ، طافوا بالبيت العتيق ، سعوا بين الصفا والمروة ، وقفوا في وجه العدو اللدود الذي أنشأ حزبا ، وما زال يديره !! وقفوا في وجهه ، ورجموه يوماُ بعد يوم ، كانوا في عرفات ، وما أدرانا ما عرفات !!! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام " ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة" نظر الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى- وكان هناك في عرفات ، إلى الناس ، ودموعهم تذرف ترجو بالدعاء والتضرع أن تنال من الله- تعالى- ما وعد أهل الموقف من الرحمات ، وغفران الذنوب ، فقال يخاطب الناس ، ويضرب مثلاً ليتعرفوا من خلاله إلى جانب من جوانب عظمة الله تبارك وتعالى ، ولا يحاط بعظمة الله !!

قال: أرأيتم ، لو أن هذا الجمع قد ذهب كله إلى غني من الأغنياء ، فطلبوا منه دانقاً- والدانق هو سدس الدرهم- !! أيعطيهم؟ قالوا : يعطيهم ، قال : فكيف بأكرم الأكرمين ؟!! أنتم أقبلتم على الله جل جلاله والمغفرة من الله عز وجل بالنسبة له- سبحانه- دون هذا الدانق ، إذ رحمة الله عز وجل واسعة ، لا يحاط بسعتها ، وسعت كل شيء ، ومغفرة الله تبارك وتعالى سابغة لا تحد ولا تعد ، إذا كان هذا الغني لا يبخل بدانق طلب منه ، فإن أكرم الأكرمين لا يبخل على عباده الذين أتوه شعثاً غبراً ، من كل فج عميق ، يسألونه رحمته ، لا يبخل عنهم برحمته ، ويتلقون ما أخبر به- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- الخطاب الرائع الذي تتجلى فيه سعة رحمة الله ، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ، ولمن شفعتم له .

يرجع هؤلاء إلى ديارهم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- مياها نظيفة ، قلوباً نظيفة ، قد ولدوا من جديد ،رجعوا " كيوم ولدتهم أمهاتهم" وأقبلوا على الحياة ليعمروها من خلال نظافتهم ، وليصوبوا ما اعوج منها ، رجعوا يخالطون المجتمع الذي يتلقاهم " بحج مبرور وسعي مشكور" وهنا ننتقل مباشرة إلى ما بعد انطواء هذه الدنيا ، وما أسرع ما تطوى ، إذا كانت ستظل سنين ، لا ندري ما عددها بالنسبة للمجموع ، فإنها ستطوى بالنسبة للأحاد والأفراد حيث إذا ما انتهى الأجل رحل من انتهى أجله إلى الله جل جلاله !!! سرعان ما تطوى هذه الدنيا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لتنشر الآخرة ، وهناك الاستقبال الحقيقي ، هو استقبال " بحج مبرور وسعي مشكور" ولكن ما هناك ؟؟؟ بعد ما بين الله- عز وجل- بعض ما أعد لعباده الصالحين في جنة عرضها السموات والأرض قال: " يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين "وقال : " يطوف عليهم ولدان مخلدون * إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً * وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً * عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلوا اساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً * إن هذا كان لكم جزاءاً وكان سعيكم مشكورا " هناك إذا قيل لك : " وكان سعيك مشكورا " فأنت الرابح الفائز أنت السعيد سعادة الأبد!!!

هذا يجعلنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- بين يدي من ؟؟؟ أولئك الذين يقال لهم " وكان سعيكم مشكورا "؟؟ هم الأبرار- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- إذ جاء في السورة نفسها ما يتعلق بالأبرار، من الأبرار؟ أولئك الذين أقبلوا على الله جل جلاله ، فتحققوا بحقائق الإيمان ، وأقاموا الإسلام في حياتهم كلها ، غطوا حياتهم ، وصاغوها ، وبنوها بناءً على المنتطلقات التي جاءنا بها شرع الله عز وجل ، أولئك المرحومون الذين تعرضوا في دنياهم وهي دار الاختبار والزرع لاستنزال رحمة الله عز وجل ، وليس هناك أرحم من الله جل جلاله ! تلك الرحمة التي إذا ما دخلنا في بساتين القرآن وجدنا فيها أنماطاً من الرحمة ، وأصنافاً من الرحمة ، ومظاهر من الرحمة ، وسلوكيات من الرحمة.

إذا ما استفتحنا خزائن القرآن الكريم وجدناها ممتلئة بالحديث عن الرحمة- أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ويتصل الحديث عن الرحمة بالحديث عن الأسرة ، ذلك أن الأسرة إنما هي المحضن الذي يرتضع فيه الجيل الرحمة والمودة والاستقرار النفسي والسكن ، فإذا ما فقدت الأسر الرحمة والمودة والسكن حدث ولا حرج عن جيل قلق مضطرب مهووس عنيف جامد بارد جلف راكد ، مياهه راكدة ، ذلك أن كتاب الله- عز وجل- هو نفسه رحمة ، ذلك أن التعرف إلى الله عز وجل من خلال كتاب الله هو التعرف إلى صفات الله عز وجل ، ومن صفات الله عز وجل الرحمة ، ذلك أن كتاب الله ، وهو يعرفنا إلى أسماء الله عز وجل ، من أسماء الله عز وجل الرحمن الرحيم ، ذلك أن كل التشريعات التي جاءنا بها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إنما هي رحمة من الله عز وجل ، أنزلها على الحبيب عليه افضل الصلاة وأتم التسليم ، ذلك أن المواقف التي مهما كانت شديدة في ظاهرها لكن الرحمة تتغلغل في  كيانها وذراتها ، هي مواقف خشنة في الظاهر، ولكنها من أنعم الناعم في الباطن !!!

الرحمة إذا ما انتزعت- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- من الحياة ، معنى ذلك أنه الشقاء ، وهل هناك أحد يطيق الشقاء يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟؟ " ما انتزعت الرحمة إلا من شقي " هذا يقرره عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فتعالوا لنتحرك حركة سريعة في دائرة الرحمة ، أول ما يطالعنا أن كل سورة من سور القرآن ما خلا " براءة " هي سور بدأت ببسم الله الرحمن الرحيم ، كم ينضح اسم الله الرحمن على القلوب والأرواح من معاني الرحمة ، وكم يعطينا اسم الله الرحيم من معاني الرحمة ، أنت حينما تقرأ القرآن فتبسمل معنى ذلك أنك دخلت على الله جل جلاله باسمين من أسمائه الرحمن الرحيم ، قال جل جلاله "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا"


 

فالقرآن إنما هو شفاء من كل الأدواء ، شفاء لما في الصدور، شفاء من كل العلل التي تجتاح البشرية وتهلكها ، وهو رحمة ، ذلك أنه تضمن من العبادات والسلوكيات والقيم والحقائق ما به تسعد البشرية ، فلا سعادة للبشرية إلا عبر كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، لا سعادة للبشرية إلا إذا طبقت شرع الله تبارك وتعالى ، ومن هنا من أعرض عن كتاب الله فإنه يكون قد خسر كل القيم الربانية ، وقد بعد بعداً شاسعاً عن معاني الرحمة ومنابعها

وقال جل جلاله "وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً" وقال "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً الله بإذنه وسراجاً منيراً" مجموعة من الحقائق لو أن الوقت يتسع لوقفنا أمامها كلمة كلمة ، ذلك أن كلام الله عز وجل مهما بدا قليل العدد ن فإنه كثير المدد ، ولكن هذا يأتي عليه تاج وهو قوله- تعالى- "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" ليس رحمة لفرع من فروع الحياة ، وصنف من صنوف الموجودات ، وإنما هو رحمة للعالمين ، يقول العلماء الربانيون : إن شجرات الوجود المحدثة كلها ترجع إلى الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من حيث إنه قد بعث لها رحمة ، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .

ومن هنا جسد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الرحمة بأروع صورها ، وأرقى مراميها ومنازلها ومقاماتها ، ليس هناك رحمة فوق رحمة المصطفى- عليه الصلاة والسلام- إلا رحمة الله جل جلاله ، ذلك أن الرحمة بمعناها الأعمق ، بمعناها المنزه ، بمعناها الممتد ، بمعناها الذي له صفة وجوب الوجود هي لله- جل جلاله- وقد قال- سبحانه- : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " فهل العالمون اليوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام يستنزلون رحمة الله من خلال المصطفى- عليه الصلاة والسلام- وما جاء به من شريعة غراء !!أيستنزلها أولئك الذين يقفون- صباح مساء- ليقولون نحن لا نسمح لأناس يدعون إلى الله جل جلاله ويدعون إلى تطبيق شريعة الله عز وجل لا نسمح لهم وفق الدستور بأن يتكلموا ، فالسجن مآواهم إن هم دعوا إلى أن تستنزل الرحمات التي قد امتلئ بها وعبق بها كتاب الله جل جلاله،أم أن هؤلاء يسعون إلى حرمان المجتمع منها !!

فيما يتعلق بالأسر- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ليبقى الأمر متساوقا ، بعضه مع بعض ، فقد قال ربنا- جل حلاله- : " ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" أجل ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، الأسرة تتكون من زوج وزوجة ثم يأتي الأولاد ، هذه الأسرة قواعدها السكن والاستقرار، تظللها المودة ، وتتغلغل في حناياها الرحمة ، فإذا ما فقدت الأسرة السكن فكان هناك القلق ، وإذا ما فقدت الأسرة المودة فحل محلها البغضاء وإذا ما انعدمت الرحمة من ثنايا الأسرة وحناياها فحدث ولا حرج عن جيل شقي والعياذ بالله جل جلاله !!

إن الزوجة ، وهنا نذكر الزوجة ، لا على ما يذهب إليه بعضهم ،إذ خبًرت من قبل بعضهم أن زوجاً معيناً لا يحفظ من أحاديثه- عليه الصلاة والسلام- ولا يدري من أحكام شريعة الله- عز وجل- شيئاً سوى " ...لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها" فهو يريد من زوجته أن تسجد بين يديه ، وقد خاب وخسر هذا !!! يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، هذا يعتبر أعور بالنسبة للنصوص الشرعية !! الرسول- عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع قال "إن لنسائكم عليكم حقاً ، وإن لكم عليهن حقاً" هذاالذي يرى ما له على زوجته من طاعة ، عبر عنها الحديث بهذا الصيغة التي تلجم جماح النفس ،ولا يلزم نفسه بما لها عليه أعور!!أجل أعور ، إن لم يكن أعمى ، إذ لم ير الشطر الثاني من توجيهاته- عليه الصلاة والسلام- بل هو الشطر الأول في تحديداته صلى الله عليه وسلم "إن لنسائكم عليكم حقاً ، وإن لكم عليهن حقاً"أو: كما قال- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- المرأة ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! وهي أم الأولاد ينبغي ألا تهان ، ولا تحتقر، ولا تسصغر، ولا تسفه ن ولا تؤذى، فإذا ما فعل الزوج ذلك ، فحقر وقبح وشتم وضرب ، وربما ضرب برجله ، بدلاً من يده ، لأن يده قد شلت ،مع عقله!أقول- ياأمة محمد عليه الصلاة والسلام : إذا فعل الزوج ذلك ، فأي أولاد له سوف تربيهم تلك الأم التي أذلت أيما إذلال ، إذا منعها حقها ، أو إذا أعطاها حقها وهو يمن عليها بذلك!! كثيرون يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهذه شائكة من الشوك الذي أخذ يسرح ويمرح في المجتمع ، إذا ما أعطاها حقها ، فإنه يتطوس عليها بهذا الحق ، على أنه منة يمن به عليها ، هو يسعى ليقطعها عن أهلها ، ويمنعها من أن تشارك أهلها الأفراح والأتراح ، هو يقبح كما قلنا بل يسب ويشتم هو يخالف كل ما جاءت به شريعة الله عز وجل من حيث التعامل باللطف واللين بل التعامل بالرحمة والمودة

انخلعت المحبة والرحمة من قلبه ، وهذا الذي قد خلا قلبه من المودة والرحمة ، ما تظنون أن يكون سلوكه ؟ إذا ما امتلأ القلب بالرحمة فاضت الرحمة على الجوارح ، وإذا به يقتدي بالحبيب- عليه الصلاة والسلام- وتوجيهاته " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، إذا كنا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نمثل الجسد الواحد ، وإذا ما كان هذا الجسد يتكون من خلاياه ، وخلايا هذا الجسد الذي يمثل الأمة الإسلامية إنما هي الأسر، يقول عليه الصلاة والسلام " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر "

أو كما قال- عليه الصلاة والسلام-  أفيمكن أن نحقق التعاون والتعاطف والتراحم فيما بيننا ، وهذا قد عدمناه بيننا في الأسر، لا يمكن أن يكون هذا يا أمة محمد- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- يقول جل جلاله ، يحدثنا عن الحبيب عليه الصلاة والسلام ، وكم من زاوية من زوايا القرآن حديث عن الحبيب عليه الصلاة والسلام ، وبيان لنبوته ، وبيان لمقامه ، وبيان لمهمته في الوجود ، وبيان لقيمته في الحياة ، وبيان لمنزلته عند الله ، وبيان لدوره الخطير في إنقاذ البشرية وإسعادها ، يذكرنا به سبحانه وتعالى ، يذكرنا بالحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لنظل دائمي الاستحضار لشخصيته- صلى الله عليه وسلم- قال جل جلاله : "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين "

لولا أنها خطبة- واعترف أني أطيل ، فأتعب ، لكان الحديث عن كل فقرة من هذه الفقرات حديثاً يحتاج إلى ساعات !! ولست أبالغ ،" فبما رحمة من الله " الرسول عليه الصلاة والسلام أرسله الله رحمة للعالمين ، هو دور رحمة " لنت لهم " مظهر من مظاهر الرحمة ، الزوج الذي لا لين فيه من حيث التعامل مع أسرته ، والزوجة كذلك ، معنى ذلك أنه لا رحمة لا في قلب الزوج ولا في قلب الزوجة ،" فبما رحمة من الله لنت لهم " اللين يقابله المخاشنة والجلافة والقسوة ، وأبعد القلوب عن الله القلب القاسي ، لأن الرحمة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- خلق كريم ، وهنا ينبغي أن نمد النظر، إذ الرحمة خلق كريم يرق للآلام ، والمسلمون- اليوم- مضطهدون ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، بتنا نراهم كما نرى بل دون ذلك مباراة بكرة القدم ، وأقول دون ذلك ، لأنه ربما تحمس منا الكثير حينما يشوط أحدهم الكرة شوطاً يدخلها الهدف ، فإذا به يقوم لعبر عن قمة انفعاله وبهجته !! ، ولكن حين يركل المسلمون ، ويقذفون بالنار !! ويقصفون بالدمار لا تجد أي انفعال ، ولو كان فيك رحمة لظهرت بالمثير لها ! ، الرحمة خلق كريم ترق للآلام ، وتآسى للآثام ، وكما ترحم المظلوم والضعيف ، ترحم الفاسق العاصي ، ذلك أنه يلقي بيديه إلى التهلكة ، وترحم الكافر، لأنه بكفره يسعى إلى نار" وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " ترحم كل ما على الأرض ، ترحم الحيوان والنبات ، ترحم الأشياء كلها ، ذلك لأنه لك نصيب من رحمة الرسول- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- لك نصيب من أنوار أسماء الله الرحمن الرحيم الغفور الغفار، غافرالذنب ، وقابل التوب  سبحانه!!

أجل- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- ثم يقول الله عز وجل : " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك الناس " كانوا أشتاتاً فوق هذه الأرض ، فأرسل لهم الرسول عليه الصلاة والسلام ، وجبله على أكرم الأخلاق ، لتأتلف القلوب عليه ، ولتجتمع الأرواح على حبه ، وإذا به عليه الصلاة والسلام مجمع ، قد تجمع عليه أرواح الصحابة وأرواح المؤمنين عبر الزمان والمكان ، يمكن- ههنا- أن نشير إشارة إلى حالة الصحابة لما انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى ،وما الذي أخذ قلوبهم من اللوعة !! أخذ قلوبهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم  "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم ، واستغفر لهم ، وشاورهم في الأمر" العفو والاستغفار والمشاورة ، لو أننا حددنا وسريعاً المناسبة التي من أجلها أنزل الله عز وجل قوله " فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر"

لرأينا الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة يستشير الصحابة من أجل خروجه إلى المشركين ، حيث أتوا بقضهم وقضيضهم ، يريدون إطفاء نور الله في المدينة المنورة ، والمشاورة محددة في : أن نخرج إليهم أم نبقى في المدينة !! لكن الرأي كان مع الشباب إذ وقفوا  في حماس إيماني باهر : يا رسول الله ! والله لا يدخلوا علينا المدينة ، سنخرج إليهم ، ووافقهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، علماً بأنه قد أري رؤيا ، رأى فيها واحداً من أهل بيته قد قتل ، وأري أيضا بعضاً من الصحابة يذبحون ، ورؤيا الأنبياء حق ، ورأى أن المدينة إنما هي حصن حصينة ، أو درع حصينة ، لو أنه بقي فيها ، ومع ذلك أراد أن يقر" مبدأ الشورى " فخرج ، ولما خرج كان هناك أناس قد عارضوا هذا الخروج ، فإذا بهم ينخذلون عن الجيش الإسلامي المتوجه إلى أحد حيث ستدور رحى المعركة !! فرجع عبدالله بن أبي بن سلول- رأس النفاق- بثلث الجيش

وهناك في أحد كان ما كان ، ومنه أنه- عليه الصلاة والسلام- قد وقع عليه في حفرة بعد ما تفرق الصحابة إلا قليلاً منهم ، وقد شج وجهه الشريف ، وكسرت رباعيته- عليه الصلاة والسلام- واستشهد حمزة ، واستشهد سبعون من الصحابة ، وأنزل الله عز وجل " فاعف عنهم " ذلك أن الرماة إنما استعجلوا الغنائم ، فنزلوا مخالفين أمر الرسول عليه الصلاة والسلام ، فاعف عنهم ، إنهم قد أتوا بفعل ، وأنت عليك أن ترقى بهم ، وتسدد خطاهم ،" واستغفر لهم " !! ألا يدل هذا على عظمة رحمة الله عز وجل ، وسعة رحمته ؟!! تلك الرحمة التي عرفها الملائكة حملة العرش " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم "

أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ! كل المخلوقات التي تعلق بها علم الله ، ووسعتها رحمته ،أجل " وسعت كل شيء رحمة  وعلماً " فحيث امتد العلم امتدت الرحمة ، فالرحمة- على هذا- غامرة شاملة  "واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" مع أن المشاورة الأولى كان من عواقبها ما كان!! قال المفسرون : هذا من أجل تأكيد مبدأ الشورى ، المبدأ الذي تخلت عنه الأمة ثم أخذت تستجدي من ههنا ، ومن ههنا ، مواضيع وسلوكيات ، وتدافع عنها بحرارة!! لو أن مبدأ الشورى ظل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام قائماً في الأسر، لانتقل إلى ما وراءها ، لكنه انعدم في الأسر، فإذا به يتجبر ويتكبر، حتى في الأمور التي ينبغي للمرأة أن تشارك فيها

ومن هنا وجدنا أنفسنا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- أمام نماذج ، لعلها من الاختصار بمكان ، حينما كان يؤتى- عليه الصلاة والسلام- ببواكير الفاكهة ، أول قطفة تقطف من الفاكهة ، كان يضعها عليه الصلاة والسلام على عينيه ، يقول : اللهم كما أريتنا أولها أرنا آخرها ، أو كما أريتنا أوله أرينا آخره ، وإلى من كان يعطي هذه الباكورة من الفاكهة ؟؟؟ إلى الأطفال الصغار، ذلك أنه- عليه الصلاة والسلام- كان يرق للجميع ، فقلبه واسع واسع ، لا يضيق وحلمه كبير كبير، لا يمكن لأحد أن يعتدي عليه ، أو يسطو عليه ، كان يعطي هذه الفاكهة بعدما يسأل الله- تبارك وتعالى- أن يريه الآخر، كما آراه الأول ، يعطيها للأطفال الصغار

دخل بيت أحد الصحابة- مرة-  فوجد طفلا صغيرا يبكي، الطفل الصغير يبكي !! وأنتم ترون عبر شاشات التلفاز أطفالا يبكون ! كم من أطفال قتلوا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- وانطوت صفحتهم ، فلا وسائل الإعلام تعيدها ، مع أن هناك من المجرمين ما يعيدون ذكرى أساطيرهم صباح مساء ، أطفال بالمئات قتلوا- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لو كان بيننا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم !!!إنه حين رآه يبكي فرق له ! والله ما تركه حتى ضحك ، كان يقول له : يا أبا عمير! ما فعل النغير؟! وهو العصفور الصغير الذي فقد الطفل ، ذلك أن بكاء الطفل إنما كان بسبب عصفور صغير مات ، فحزن عليه ،فسعى بسؤاله : يا أبا عمير أن يمسح عنه حزنه ، وما زال يرددها حتى ضحك الولد ، وكأني ببسمته تشع ضياءًً إلى يومنا هذا !! ما أروع رحمتك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.!!!

أبو مسعود- رضي الله عنه- يقول : كنا في مسير، فرأيت حمرة- عصفور صغير- وله فرخان ، فأخذت فرخيه ، ومضيت ، فتبعتني الحمرة ، أخذت تعرش فوق رأسي ، بل فوق الرؤوس!! ورآها- عليه الصلاة والسلام- فقال: من فجع هذه؟ الحمرة عصفور! وليست إنساناً ، من فجع هذه؟ فقلت: أنا يا رسول الله ، قال: رد عليها فرخيها ، ورد أبو مسعود الفرخين- بأمر رسول الرحمة- إلى تلك الأم الحنون العصفور، وكانت وسيلة إيضاح- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لنا- وسيلة إيضاح للأمهات ، ووسيلة إيضاح للأزواج ، ووسيلة إيضاح للأولاد ، ذلك أن الأولاد كذلك إنما هم مطالبون ومطالبات بعد ، مطالبات بأن يقدروا الآباء والأمهات ، وأن يشكروا للآباء والأمهات ، وأن يوقروا الآباء والأمهات ، كما أن الآباء عليهم ما يجب تجاه أولادهم ، كذلك الأولاد عليهم ما يجب تجاه آبائهم .

إن شريعة الله قد أتت بكل التفاصيل التي يحتاجها الناس ، أما قال ربنا- جل جلاله- وهو يرصد العلاقة بين الأزوج والزوجات " هن لباس لكم وانتم لباس لهن " أما قال- جل جلاله- " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً قبائل لتعارفوا "و " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء "

أما قال- جل جلاله- وهو يبين الآثار التي تترتب على عقد الزواج الذي هو كما قال العلماء ليس عقد استرقاق ، وإنما عقد كرامة وشراكة ، من أجل أن تقوم المرأة بما وجب عليها تجاه إسلامها ، ذلك أن النساء- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- قد كلفن بما كلف به الرجال إلا في أوضاع قليلة ضيقة، المرأة تبذل في سبيل الله عز وجل ، والصحابيات قد فعلن ذلك ، والمرأة ربما شاركت في القتال ، حيث إنها كانت تقوم بأعمال تساعد بها المقاتلين ، والمرأة إنما تتعلم وتعلم ، والمرأة إنما تربي قال- جل جلاله- " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم "ومعلوم أن أول شهيدة في الإسلام كانت " سمية " رضي الله تبارك وتعالى عنها.

أجل :قد كلف النساء بما كلف به الرجال " المؤمنون المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله " أولئك سيرحمهم الله ! أولئك سيرحمهم الله ! إن الذكورة لا تعني الاستعلاء على الإطلاق ، أأنت اخترت أن تكون رجلاً!فلماذا الاستعلاء بما لا يد لك فيه ، لا من قريب ، ولا من بعيد !!! عجباً من أمري- قلت لنفسي- كيف أتطوس على المرأة !! ألأني ذكر؟ مع أن الله- تبارك وتعالى- هو الذي اختارلي الذكورة ، علماً بأن الذكورة لها دورها في الحياة ، كما أن للأنوثة دورها في الحياة

"والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى" وقد جعل الله عز وجل كلا من الذكور والإناث هبة منه- سبحانه وتعالى- " يهب لمن يشاء إناثاً * ويهب لمن يشاء الذكور* أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما " الذكورة ليست شرف في ذاتها وإنما الشرف فيما تقوم به الذكورة من أعمال جليلة ، ترسمت بها منهج الله- عز وجل- في إبراز ملامح هذه الحياة التي نعيشها ، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام مباشرة بسلوكه قال لنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم "لله أرحم بعباده من هذه العصفورة بفروخها" أليست العصفورة قد عرشت ، أليست قد اشتكت للحبيب عليه الصلاة والسلام ، كما اشتكى ذلك الجمل ،حيث دخل مرةً- عليه الصلاة والسلام- بستانا ، وإذا بجمل هائج أيما هياج !! ولما رأى المصطفى عليه الصلاة والسلام حنُ وأنُ ، وذرفت دموعه ، فمسح عليه الصلاة والسلام ذفريه ،أسمعت ؟؟؟ مسح دموع الجمل ، ثم قال : من صاحب هذا الجمل ؟! قالصاحبه : أنا يا رسول الله !! قال: إن اتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله- عز وجل- إياها ، فإنه شكى إلي ، أنك تجيعه وتتعبه، تجيعه وتتعبه بمعنى تحمله فوق طاقته.

تماماً لما رأى عليه الصلاة والسلام أبا مسعود وهو يضرب غلامه ، قال: أبا مسعود! وكان صلى الله عليه وسلم من وراء أبي مسعود، أبو مسعود يضرب الغلام، يقول: والله سمعت الصوت ، ولكني لم أستفسره لم استوضحه ، والرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول : أبا مسعود اعلم، أبا مسعود اعلم، حتى انتبهت التفت ، فإذا الرسول- عليه الصلاة والسلام- كان الغلام خادما للضارب، الخادم- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- الذي يحمل فوق طاقته ، والذي لا تراعى كرامته ، والذي يجعل دون العبيد في زمن العبيد!!! قال لأبي مسعود- عليه الصلاة والسلام- " اعلم أبا مسعود! أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام  " أجل اعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ، ادرأ الخطرعنك أبا مسعود!! الخطركبير بهذا أحس الضارب ، قال: يا رسول الله! هو حر لوجه الله ، قال- عليه الصلاة والسلام- يعلق على سلوك أبي مسعود " أما والله لو لم تفعل ذلك للفحتك النار" أو: كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم  "من ضرب سوطاً بغير حق في هذه الدنيا اقتص منه يوم القيامة "

فالرحمة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- تشمل الصغير والكبير، والحياة كلها ، لو أن هذه الأمة قد استوعبت حقيقة الرحمة لسعت إلى الكفار من أجل أن تخرجهم من كفرهم بكل أساليب الإخراج ، ولو أن هذه الأمة استوعبت أعماق الرحمة لما بقي من يعصي الله عز وجل بين جوانحها ، ذلك أنها ستسعى جاهدة من أجل أن تقلل من المعاصي ، ذلك أن المعاصي مظهر من مظاهر البعد عن الله- جل جلاله- أما سمعتم قول الله عز وجل "إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون" نبهني الله وإياكم من رقدة الغافلين ، وحشرني وإياكم في زمرة عباده المتقين ، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح بالأمة وجاهد في الله حق جهاده ، عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله- تعالى- فإنه قال لنا "يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون" أما بعد أمة محمد عليه الصلاة والسلام ما دامت الرحمة فينا تظللنا ، وتصوغ مواقفنا حتى في حالات الهياج ، فلا خوف علينا بإذن الله تبارك وتعالى.

وقد قرر العلماء أن الرحمة ما انفكت عن كثير من المواقف ، كانت الرحمة مع ذي النون ، وهو في بطن الحوت ، والرحمة مع إبراهيم وهو يلقى في النار، والرحمة مع يوسف وهو في غياهب الجب ، ومعه وهو- كذلك-  في أعماق السجون، الرحمة- يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام- كانت مع الحبيب صلى الله عليه وسلم حين كان في غار ثور ومعه الصديق- رضي الله تبارك وتعالى عنه- ما دمت مرحوما فأنت على فراش وثير، ولو كان شوكة تحت جنبيك ! إذا كنت ممن ضيق عليه في هذه الدنيا على أنك من المرحومين ، وقلنا إن للمرحومين صفاتهم في هذه الدنيا ، واستمع قول الله- عز وجل- في من نأوا عن رحاب رحمة الله "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم"

يقابل ذلك " المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " صورتان متناقضتان متعارضتان المنافق ليس بمرحوم يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، إن خرج من هذه الدنيا على النفاق ،" لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " أجل ملعون المنافق يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو الذي يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ويسعى لتعطيل شرع الله عز وجل ، ويجاهر بذلك دونما حياء ، هذا قلبه مشحون بالنفاق ، هؤلاء ملعونون كما أخبر الله جل جلاله ، لكن أولئك الذين سيرحمهم الله الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله ، لذلك جاء اسم الاشارة يدل على علو منازلهم " أولئك سيرحمهم الله " أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

صاحب لذي النون- وهو من الصالحين- يقول: فقدت قلبي- شعربقسوة في قلبه- فأخذ يولول قلبي! من وجد لي قلبي ؟! أين أجد قلبي، وبينما هو في الطريق يبحث عن قلبه القاسي من أجل أن يزيحه ليرجع له القلب اللين الحاضر مع الله الخاشع بين يدي الله ، يقول فرأيت أماً ومعها ولدها ، كانت تدفع به حتى أخرجته من باب الدار، ضربته ثم رجعت ، فأغلقت الباب ، فإذا بالصبي المضروب يتلفت يميناً وشمالاً ، يبحث !! لا يدري أين يذهب ؟ فما وجد غير الباب الذي أخرج منه ، فرجع إليه ، وقال: يا أماه !! إذا أنت أبعدتيني عنك ، من يقربني إليه ؟ وإذا أنت قد غضبت علي من يرضى عني ؟ يا أمي ! إن أغلقت بابك عني ، من يفتح لي الباب ؟ ثم بكى وبكى ، فإذا بالأم تفتح الباب ، وتكب على ولدها تقبله ، وهي تبكي وتقول : يا قرة عيني! أنت أحدثت هذا بنفسك ، لو أطعتني ما حملتني على ما فعلت بك ، بكت الأم رحمة ، وبكى الولد ندماً ، فصاح من فقد قلبه: وجدت قلبي ! وجدت قلبي! لا بد من أن أرجع إلى الله جل جلاله فهو أرحم الراحمين كما أخبر عليه الصلاة والسلام "والله لله أرحم بعباده من هذه بولدها"

بهذا يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام نستخلص أنه لا بد للبيوت من أن تراجع حساباتها ، من أن تبحث بحثاً صادقاً مخلصاً أفي ربوع الزوج والزوجة والأولاد رحمة ؟ أفي الربوع مودة ؟ أفي الربوع سكن؟ ترى إن لم يكن ذلك فما السبب ؟البحث عن سبب الفقد ! وكل من أفراد الأسرة ينبغي أن يتهم نفسه ، على أنه السبب ، ما ينبغي أن يحمل الزوج أمر فقدان هذه الأركان أركان الاسرة الربانية ،أو أن يحملها للزوجة ، ولا ينبغي للزوجة أيضاً أن تحملها للزوج ، وإنما يرجعان جميعاً إلى حقائق الإيمان ، وإلى عقد الزواج الغليظ  الذي أخذه الله- تبارك وتعالى- علينا ونحن في طريقنا لبناء الأسر.                    

أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قد صلى عليه في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء السادة الحنفاء سادتنا وموالينا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا، أنت مولانا، أنت مولانا، فانصرنا على القوم الكافرين اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن حضر معنا ولمن غاب عنا منا  واغفر لمنشئ هذا المكان المبارك ولمن أعان فيه بمعروف ابتغاء وجهك الكريم آمين والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأقم الصلاة.