أحاديث تتعلق بالقضاء
تاريخ الإضافة : 2013-06-20 06:33:52
أنا لا أفهم من هذه الأحاديث أن فلان بعينه كتب من أهل النار وانتهى ، وهو لم يولد بعد! إنما أفهم أن الله خلق الجنة تسع كل عباده ، وكذلك النار، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...يجب شرح مثل تلك الأحاديث بحيث تنفي من النفس والعقل بأن الله عنده ظلم !! لأن هذه الأحاديث تشرح قانون الله بعباده بالمجمل ، و "يمحو الله ما يشاء ويثبت "

 

وهذا جواب عما تساءل عنه حفظه الله حول أحاديث تتعلق بالقضاء !

بداية أعرض تصويبا سريعا لما جاء في العبارة لخطورته:

  • لم لا يكون فلان بعينه قد كتب إما من أهل الجنة أو من أهل النار؟
  • ولم اقتصر الأمر على إيجاد كل من الجنة والنار دون الإحاطة بأهل كل منهما ؟
  • ما ذكر بهذا الشأن فيه من الصواب أن الجنة تسع الجميع ، وأن النار كذلك !
  • وفيه كذلك أن الإنسان قد خير ليسلك الطريق الموصلة إلى الجنة أو الطريق التي توصل إلى النار ، وقد أعطي الاختيار في الاختيار ! وهذا صحيح ، وقد أهّل الإنسان خَلقا ليقوم بأعمال صالحة أو طالحة  " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " وخذ اللسان مثلا ، يمكن أن تنطلق منه كلمة الإيمان وكلمة الكفر !
  • من الحقائق أن علم الله شامل ويتعلق أزلا بالواجبات والجائزات والمستحيلات على ما هي عليه ، وتعلق العلم تعلق انكشاف ن فلو علمت أنك في المستشفى – مثلا – فليس علمي بذلك هو الذي أدخلك المستشفى ، وإنما دخولك كان بسبب غير علمي فيك !! وهنا نؤكد أن علم الله بالأشياء أزلي قبل وجودها ، لأن علمه ذاتي ، وعلمنا إن تعلق بما سيقع فمن باب الإخبار ، أو من باب التوقع ، ولا إخبار بالنسبة لعلم الله ، ولا توقع ، وهنا نرى الفرق بين العلم الذاتي والمكتسب !
  • قد أخبرنا أن أبا لهب سيصلى نارا ، وذلك قبل أن يرحل أبو لهب عن ساحة الحياة إلى النار ، وما أخبرنا بذلك إلا لعلمه بأنه سيموت على كفره وعناده ، وهذا كما ترى رصد لحركة الوجود والإحاطة بها علما ، قبل وجودها ، ومع وجودها ، وبعد وجودها ، وهذا ما عرفناه عن علم الله علام الغيوب  !
  • أرى أن الأمر ليكون مستوعبا ينبغي ان نحدد ان صفة العلم صفة كاشفة ، وليست مجبرة ، وهذا المعنى عقلي بحت ، وهذا يجلي أن أبا لهب لم يكن كافرا إلا باختياره المذموم ، وأن علم الله فيه لم يجبره على ذلك أبدا ، بل لم نكن نعلم أن الله يعلم أن مصيره إلى النار لولا أنه اخبرنا نصا بذلك !
  • أحدد هنا مواضع ما يكتب على العبد ، وهو الذي وقع فيه الإشكال ، وأركز على أن الكتابة لا تعدو تسجيلا لما يعلم الكاتب ، فهي ترصد ما تعلق به علمه ، وليست الكتابة على هذا مجبرة على الإطلاق ، لرجوعها إلى العلم ، فحيث أعلم أنك ستسافر غدا فليس علمي هو الذي يدفعك إلى السفر ، إنما تعلق علمي بسفرك قبل أن تسافر لأنك تريد أن تسافر ، فعلمي بذلك لا يلغي إرادتك ، ثم إني سجلت ما علمت في سجلي ، وبعد أن سافرت ، وظهر مل علمت وسجلت ، قلت لك: قد أحطت علما بسفرك وسجلته ! ويظل الفارق بين علم الإنسان وعلم الله تعالى أن علمه تعالى ذاتي ، وليس مكتسبا ، بخلاف علم الإنسان !
  • بلغنا أن الله كتب " كل شيء " في اللوح المحفوظ ، حتى القرآن الذي سينزله على الرسول صلى الله عليه وسلم ،وهذا الكتابة بناء على ما أحاط الله به علما ، وذلك قبل خلق الخلق ، ورفعت الأقلام وجفت الصحف ، وما موقفنا هنا منها إلا أننا آمنا بها ، ولا ندري ما مضامينها ، وقد تعلقت بالجزئيات والكليات ! إلا أننا ندري منها ما ظهر لنا في عالم الشهادة ، فبعد الوقوع نعلم قطعا أن هذا مكتوب !
  • بلغنا أن الملك يرسل حال كون ابن آدم جنينا في الرحم ، ويؤمر بكتب الرزق والأجل وشقي او سعيد ، وهذه الكتابة شبه تلخيص مركز لما في اللوح ، وإذا كان ما في اللوح من العلم ، وهو غير مجبر، فهذه الكتابة التي نؤمن بها إيمانا بالغيب كذلك !
  • وفدنا إلى رحاب دار التكليف ، ودخلنا في البلوغ ، وهناك من يكتب علينا أعمالنا واقوالنا ، وهكذا إلى انتهاء الأجل ، ثم يختم الكتاب ، ولا يلحق به شيء إلا ما كان من صدقة جارية أو عملا يتصل ثوابه بالمسلم بعد موته !
  • السؤال العريض الآن : على أي الكتابات نحسب يوم القيامة ؟ علما أنها لا تتعارض فيما بينها من حيث المضامين ؟
  • أعلى ما كتب علينا قبل أن نخلق ؟ أم عند خلقنا أجنة في بطون أمهاتنا ؟ أم على ما تكتبه الملائكة علينا مما هو من كسبنا ، وباختيارنا ؟

* والجواب السديد هنا ينسف كل خاطر يدور في هذا الفلك مما يفسد علينا تصورنا ؟

* ثبوت الحساب بنصوص كثيرة ، وما يكون يه من تفاصيل يؤكد أن الأسئلة تنصب على ما فعلت وما قلت ؟ وهذا يكشف عن أنها اسئلة تنصب على ما بدر من الإنسان ، ولا ترجع إلى ما سطر عليه في اللوح ، أو إبان الحياة الجنينية ؟

* جاءت النصوص الآتية التي تؤكد هذه الحقيقة ، وهي من الوضوح بمكان حيث لا تحتاج إلى أي توضيح ، وكلها تؤكد أن ما كتب قبل الوجود وقبل البلوغ ليس سوى رصد لما سيكون مما أحاط الله به علما : ثمة تتمة

 

" وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا "

" يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا "

" فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ "

" وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ "

" إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ "

" يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ "

" يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ"

** ومن معين الأحاديث نختار بعضها مما يفي بالغرض :

" و تعرضون على الله و على أفواهكم الفدام و أن أول من يعرب عن أحدكم فخذه و تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم : { و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم }

 الفدام بالكسر : مصفاة صغيرة أو خرقة تجعل على فم الابريق ، ليصفي بها ما فيه ، الفدام : ما يشد على فم الابريق والكوز من خرقة لتصفية

الشراب الذي فيه ، أي يمنعون الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم

فشبه ذلك بالفدام .

  • فما ذكر من آيات ، وغيرها الكثير ، وأحاديث ، يقطع بسعة علم الله تعالى ، وأنه لا يعزب عن علمه ذرة ، وأن علمه أزلي ، وأن الكتابة لا تعني الإجبار ، ولا تنفي الاختيار ، وأن من يرى أن علمه الله لاتعلق بالأفراد ، وانه لايعدو أنه خلق الجنة واسعة وكذا النار ، وان ما وراء ذلك لم يتعلق به علمه سبحانه ، فقد أبعد عن الصواب وترد عليه مئات النصوص والحقائق المتعلقة بالله وصفاته !
  • من الخطورة بمكان أن يبني المسلم موقفه من الحقائق الإيمانية على المقايسة الخفية التي تستدعي إحاطة بما لا يحاط به ، فيتجه إلى أن هذا لا يعقله ، من حيث إن عقله لم يقدر عليه ، لأنه هو لا يستوعب الحقيقة الإيمانية التي تقضي بإحاطة الله بالأشياء جملة وتفصيلا !!
  • وعلى بعض ما تقدم نرى أنه لاتعارض بين الكتابة وما ذكره الأخ الفاضل في تساؤله من الاختيار الذي منحه الله للعباد ، لأن الكتابة ليست مجبرة ، لأنها وصف لما سيكون عليه العبد، وقبل أن يخلق العبد ، وهي مبنية على تعلق علم الله تعالى ،لأن علم الله من الأزل